قال - Bه - الأصل في وجوب الاستبراء قول النبي - A - في سبايا أوطاس ( ألا لا توطأ الحبالي من الفيء حتى يضعن حملهن ولا الحبالى حتى يستبرأن بحيضة ) وهذا خطاب للموالي فيفيد وجوب الاستبراء على المولى فإنه إذا قيل لا تضرب فلانا يكون ذلك نهيا للضارب عن الضرب لا خطابا للمضروب والمعنى في المسبية حدوث ملك الحل فيها لمن وقعت في سهمه بسبب ملك الرقبة فبهذه العلة يتعدى الحكم من المنصوص عليه إلى غير المنصوص عليه وهي المشتراة أو الموهوبة ووجوب الاستبراء في المشتراة مروى عن علي وابن عمر - Bهما - والحكمة في ذلك تعرف براءة الرحم وصيانة ماء نفسه عن الخلط بماء غيره والتحرز عن أن يصير ماؤه ساقيا زرع غيره ولكن الحكم يثبت بثبوت علته ولهذا قلنا إذا اشتراها من امرأة وصبي باعها أبوه أو اشتراها وهي بكر أو اشتراها من مملوك لزمه الاستبراء لوجود العلة الموجبة وهي حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة وعن أبي يوسف قال : إذا تيقن فراغ رحمها من ماء البائع فليس عليه فيها استبراء واجب لأن الاستبراء كاسمه تبين فراغ الرحم وقاس بالمطلقة قبل الدخول أنه لا يلزمها العدة لأن المقصود من العدة في حال الدخول تبين فراغ الرحم .
ولكنا نقول هذه حكمة الاستبراء والحكم متعلق بالعلة لا بالحكمة ثم اشتغال رحمها بالماء عند الشراء لا يمكن معرفته حقيقة فيتعلق الحكم شرعا بالعيب الظاهر وهو حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة فدار الحكم معه وجودا وعدما للتيسير على الناس وكذلك لا يقبلها ولا يباشرها ولا ينظر منها إلى عورة حتى يستبرئها لأن من الجائز أنها حملت من البائع وأن البيع فيها باطل وهذه التصرفات لا تحل إلا في الملك كالوطء ولأن الوطء حرام في مدة الاستبراء وهذا من دواعي الوطء فيحرم بحرمة الوطء كما إذا ظاهر من امرأته لما حرم عليه وطؤها حرم عليه دواعيه بخلاف الحيض فإن المحرم بسبب الحيض استعمال الأذى كما وقعت إليه الإشارة بالنص ولا يوجد ذلك في التقبيل والمس ثم الدواعي هناك لا توقعه في ارتكاب الحرام لنفرة في طبعه عنها بسبب الأذى والدواعي هنا موقعة في إرتكاب الحرام وهو الوطء لأنه راغب فيها غاية الرغبة ما لم يحصل مقصوده منها .
( فإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فاستبراؤها بشهر ) لأن الشهر قائم مقام الحيض والطهر شرعا فكل شهر يشتمل على حيض وطهر عادة ألا ترى أن الله تعالى أقام ثلاثة أشهر في حق الآيسة والصغيرة مقام ثلاثة قروء في العدة ومدة الاستبراء ثلث مدة العدة فيتقدر بشهر وإن كانت حاملا فاستبراؤها بوضع الحمل للنص كما روينا ولأن مدة الحمل لا تحتمل التحري لتعذر الاستبراء ببعضها فإذا وجب اعتبار جزء منها وجب اعتبار الكل والمقصود تبين فراغ الرحم ولا يحصل شيء من هذا المقصود قبل الوضع بل يزداد معنى الاشتغال بمضي بعض المدة فلهذا قدرنا الاستبراء في حقها بوضع الحمل .
( وإذا ارتفع حيضها وهي ممن تحيض تركها حتى إذا استبان له أنها ليست بحامل وقع عليها ) لأن المقصود تبين فراغ الرحم من ماء البائع ليتيقن بصحة البيع ووقوع الملك للمشتري فيها وقد حصل ذلك إذا مضي من المدة ما لو كانت حبلى لظهر ذلك بها وليس في ذلك تقدير بشيء فيما يروى عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - إلا أن مشايخنا - رحمهم الله - قالوا : يتبين ذلك بشهرين أو بثلاثة أشهر .
وكان محمد - C - يقول أولا يستبرئها بأربعة أشهر وعشر اعتبارا بأكثر العدة وهي عدة الوفاة في حق الحرة ثم رجع وقال يستبرئها بشهرين وخمسة أيام لأن أطول مدة العدة في حق الأمة هذا فإذا كان بأقوى السببين وهو النكاح لا يجب على الأمة الاعتداد إلا بهذه المدة ففي أضعف السببين وهو الملك أولى . أن لا يجب في استبرائها زيادة على هذه المدة وقال زفر : يستبرئها بحولين أكثر مدة الحمل وكان أبو مطيع البلخي يقول يستبرئها بتسعة أشهر لأنها مدة الحبل في النساء عادة قال : والأول أصح لأن نصب المقادير بالرأى لا يكون وليس في ذلك نص ولو ملكها بهبة أو صدقة أو وصية أو ميراث أو جناية وجبت عليه أو جعل كتابة أو خلع فعليه الاستبراء فيها لحدوث ملك الحل له بسبب ملك الرقبة .
وكذلك لو كان له في جارية شقص فملك الباقي منها بوجه من الوجوه لأن حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة يكون بعد ملكه جميع رقبتها فعند ذلك يلزمه الاستبراء وهذا لأن ملك بعض الرقبة بمنزلة بعض العلة وثبوت الحكم عند كمال العلة وأما ببعض العلة فلا يثبت شيء من الحكم .
( قال ) ( وإذا اشتراها وهي حائض لم يحتسب بتلك الحيضة عليه وأن يستبرئها بحيضة أخرى ) وعن أبي يوسف أنها كما طهرت من هذه الحيضة فله أن يطأها لتبين فراغ رحمها بناء على أصله ولكنا نقول الشرع ألزمه الاستبراء بحيضة والحيضة لا تتجزأ وقد تعذر الاحتساب من الاستبراء بما مضى منها قبل الشراء فلا يحتسب بجميعها منه كما لو طلق امرأته في حالة الحيض لا يحتسب بهذه الحيضة من العدة ولأنه كان يحتسب بما بقي من الحيضة بعد الشراء من الاستبراء فعليه إكمالها من حيضة أخرى فإذا وجب جزء من الحيضة الثانية وجبت كلها .
وكذلك إن كانت حاضت حيضة مستقبلة بعد الشراء قبل القبض لم يحتسب بتلك الحيضة من الاستبراء إلا على رواية أبي يوسف - C - فإنه يقول تبين فراغ الرحم يحصل بالحيضة التي توجد في يد البائع كما يحصل بالحيضة التي توجد في يد المشتري ولكنا نقول ملك الوطء بسبب ملك الرقبة إنما يستفيده المشتري بالقبض لأن الوطء تصرف وملك التصرف يحصل للمشتري بالقبض فالحيضة التي توجد قبل هذا لا يحتسب بها ولكن الموجود بعد العقد قبل القبض كالمقترن بالعقد والموجود قبله بمنزلة الزوائد الحادثة والتخمر في العصير وكذلك إن وضعت على يدي عدل حتى ينقد الثمن فحاضت عنده لأن يد العدل فيها كيد البائع ألا ترى أنها لو هلكت انفسخ البيع وهلكت من مال البائع .
( قال ) ( وإذا باع جارية ولم يسلمها حتى تاركه المشتري البيع فيها ففي القياس على البائع أن يستبرئها بحيضة ) وذكر أبو يوسف في الأمالي أن أبا حنيفة كان يقول أولا بالقياس ثم رجع إلى الاستحسان فقال ليس عليه أن يستبرئها وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وجه القياس : أنها بالبيع خرجت عن ملكه ثم عادت إليه بالإقالة فقد حدث له فيها ملك الحل بسبب ملك الرقبة وهي العلة الموجبة للاستبراء ووجه الاستحسان أنها في ضمان ملكه ما بقيت يده عليها بدليل أنها لو هلكت هلكت على ملكه فيجعل بقاؤه فيها كبقاء الملك فأما إذا سلمها إلى المشتري ثم تقايلا فعلى البائع أن يستبرئها في ظاهر الرواية لأنها خرجت من ملكه ويده وثبت ملك الحل فيها لغيره وهو المشتري فإذا عادت إليه لزمه استبراء جديد كما لو استبرأها ابتداء بخلاف ما قبل التسليم وعن أبي يوسف قال : إذا لم يكن البائع فارق المشتري حتى تقايلا فليس عليه فيها استبراء لأنه تيقن بفراغ رحمها من ماء غيره .
( قال ) ( وإذا اشترى جارية لا تحيض فاستبرأها بعشرين يوما ثم حاضت بطل الاستبراء بالأيام ) لأن الشهر بدل عن الحيض وإكمال البدل بالأصل غير ممكن ولكن القدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل يسقط اعتبار البدل كالمعتدة بالأشهر إذا حاضت وإذا حاضت عند المشتري حيضة ثم وجد بها عيبا فردها لم يقربها البائع حتى تحيض عنده حيضة لأنها عادت إليه بعدما حدث ملك الحل فيها لغيره بسبب ملك الرقبة فعليه أن يستبرئها سواء كان عودها إليه بسبب هو فسخ أو بمنزلة عقد جديد وكذلك لو باع شقصا منها ثم استقاله البيع فيها أو اشتراها لأن بيع البعض كبيع الكل في زوال ملك الحل في حق البائع وفي الوجهين تجدد الحل بعد زوال ملكه ويده فلزمه استبراء جديد .
( قال ) ( وإذا رجعت الآبقة أوردت المغصوبة أو فكت المرهونة أو ردت عليه المؤجرة للخدمة قبل انقضاء العدة فليس عليه أن يستبرئها ) لأن ملك الحل ما زال عنه بما عرض من الأسباب فإن سببه ملك الرقبة ولم يختل ملك الرقبة بهذه الأسباب فبارتفاعها لا يتجدد ملك الحل له .
( قال ) ( وإذا وكل المسلم نصرانيا ببيع الخمر فباعها جاز في قول أبي حنيفة ) لأن العاقد نصراني ولم يجز في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأن من وقع له العقد مسلم وقد تقدم بيان هذا الفصل .
( قال ) ( وإذا وكل المسلم نصرانيا ببيع الخمر فباعها جاز في قول أبي حنيفة ) لأن العاقد نصراني ولم يجز في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأن من وقع له العقد مسلم وقد تقدم بيان هذا الفصل .
( وإذا كان للذمي عبدان أخوان لم أكره له أن يفرق بينهما في البيع ) لأن ما فيه من الشرك أعظم من التفريق يعنى أن المنع من التفريق لحق الشرع والكفار لا يخاطبون من حقوق الشرع بما هو أعظم من كراهة التفريق نحو العبادات فكذلك لا يظهر في حقهم حكم كراهة التفريق في البيع والله أعلم .
( قال ) ( وإذا وكل المسلم نصرانيا ببيع الخمر فباعها جاز في قول أبي حنيفة ) لأن العاقد نصراني ولم يجز في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأن من وقع له العقد مسلم وقد تقدم بيان هذا الفصل .
وكذلك لو كاتب أمته ثم عجزت فليس عليه أن يستبرئها عندنا .
وقال الشافعي أن يستبرئها لأنها بالكتابة صارت كالخارجة عن ملكه حتى يغرم بوطئها العقد لها ويغرم الأرش لها لو عليه جنى عليها يوضحه : أنها صارت بمنزلة الحرة يدا فتكون مملوكة له من وجه دون وجه فهو كما لو باع نصفها ثم اشترى الباقي والدليل عليه أنه لو زوجها من إنسان ثم فارقها الزوج وجب عليه أن يستبرئها لأن ملك المنفعة زال عنه بالتزويج فكذلك بالكتابة .
وجه قولنا : أنها بعد الكتابة باقية على ملكه فقد قال A ( المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ) والعبد يكون مملوكا لمولاه فكيف يقال زال ملكه وانحل وإنما كاتبه ليعتق على ملكه إلا أن بعقد الكتابة يثبت لها ملك اليد في منافعها ومكاسبها وملك الحل لا ينبني على ذلك وإنما ينبني على ملك الرقبة وبسبب الكتابة لا يختل ملك الرقبة فلا يلزمه الاستبراء وإنما يغرم الأرش والعقد لأن ذلك بمنزلة الكسب وقد جعلها أحق بكسبها فإذا عجزت فإنما تقرر له الملك الذي كان باقيا فلم يحدث ملك الحل بسبب ملك الرقبة فلا يلزمه الاستبراء فأما الزوجة إذا فارقها زوجها فإن كانت الفرقة بسبب يوجب عليها العدة فالعدة أقوى من الاستبراء وهو حق النكاح لا حق ملك اليمين .
وإن طلقها الزوج قبل الدخول ففيه روايتان أشار إليهما في هذا الكتاب : .
في إحدى الروايتين يلزمه الاستبراء لأنها حلت لغيره فإذا حلت له كان ذلك حلا متجددا وفي الكتابة ما حلت لغيره حتى يجعل ذلك حلا متجددا له .
وفي الرواية الأخرى ليس له أن يستبرئها وهو الأصح لأنه لو لزمه الاستبراء لكان ذلك بسبب ملك النكاح الثابت للزوج والوظيفة في النكاح العدة دون الاستبراء فإذا لم يجب عند الطلاق قبل الدخول ما هو وظيفة النكاح فلأن لا يجب أولى ألا ترى أن المطلقة قبل الدخول إذا كانت حرة كان لها أن تتزوج عقيب الطلاق ويطؤها زوجها بالنكاح فكذلك للمولى أن يطأ أمته بعد الطلاق بالملك ولو وهبها لولد له صغير ذكر أو أنثى ثم اشتراها لنفسه منه كان عليه أن يستبرئها لحدوث ملك الحل له بسبب تجدد ملك الرقبة .
ولو باعها على أنه بالخيار ثم نقض البيع لم يكن عليه أن يستبرئها لأنه لم يحدث ملك الحل له لأنها باقية على ملكه والحل الذي كان له باق في مدة خياره فبفسخ البيع لم يتجدد له ملك الحل .
فإن كان الخيار للمشتري فردها بعد القبض فليس على البائع أن يستبرئها في قول أبي حنيفة لأن المشتري لم يملكها مع بقاء خياره عنده .
وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - عليه أن يستبرئها لأن المشتري قد ملكها ثم ردها بخيار الشرط كردها بخيار العيب والرؤية بعد القبض .
( وإذا قبضها المشتري على شراء فاسد ثم ردها القاضي على البائع بفساد البيع فعليه أن يستبرئها ) لأن المشتري ملك رقبتها بالقبض فيحدث الحل للبائع بما عاد إليه من الملك .
( قال ) ( وإذا غصب جارية فباعها من رجل وقبضها المشتري فوطئها ثم خاصم مولاها الأول فقضى القاضي له بها فعليه أن يستبرئها بحيضة استحسانا وفي القياس لا يلزمه الاستبراء ) لأن المشتري من الغاصب غاصب كالأول وقد بينا أن المغصوب منه إذا استرد المغصوبة فليس عليه فيها استبراء ولكنه استحسن فقال عليه أن يستبرئها لأنها حلت للمشتري حين اشتراها ومعنى هذا الكلام أن المشتري ما كان يعلم أن البائع غاصب وإنما قدم على شرائها باعتبار أن البائع مالك فيثبت له الحل من حيث الظاهر وإن لم يثبت له الحل فيها باطنا فلثبوت الحل له ظاهرا قلنا : إذا وطئها ثم استردها البائع كان عليه أن يستبرئها ولعدم ثبوت الحل فيها باطنا قلنا إذا لم يطأها فليس على البائع استبراء وهذا لأن الوطء بشبهة النكاح في حكم العدة بمنزلة الوطء بحقيقة النكاح فكذلك الوطء بشبهة ملك اليمين بمنزلة الوطء بحقيقة الملك في حق وجوب الاستبراء على المالك .
( وإن كان المشتري يعلم أن البائع غاصب فليس على المولى أن يستبرئها إذا استردها ) لأن الحل للمشتري لم يثبت فيها ظاهرا ولا باطنا ألا ترى أنه لا يثبت نسب الولد منه هنا وإن ادعى ذلك بعد ما وطئها وفي الأول يثبت نسب الولد منه وسقوط الحد عنه باعتبار صورة العقد الموقوف لا بثبوت الحل له فيها فلا يجب على المالك لأجل ذلك استبراء كما لو لم يطأها المشتري .
( قال ) ( وإذا زوج الرجل أمته وطلقها الزوج قبل الدخول كان للمولى أن يقر بها بعد ما يستبرئها بحيضة ) هذا في إحدى الروايتين في هذه المسألة وقد بينا وجه الروايتين .
( وإن كانت تزوجت بغير إذنه ففرق بينهما قبل الدخول لم يكن عليه أن يستبرئها ) لأنها ما حلت لغيره والأمة لا تملك أن تزوج نفسها بغير إذن مولاها وإن فرق بينهما بعد الدخول لم يكن له أن يقربها حتى تنقضي عدتها لأنه دخل بها بنكاح فاسد فيجب عليها العدة بسببه والعدة أقوى من الاستبراء .
( قال ) ( وإذا وطئ جارية ولده ولم تعلق منه ثم اشتراها فعليه أن يستبرئها ) لأن ملك الحل له فيها حدث بالشراء ووطؤه إياها قبل الشراء كان حراما وارتكاب المحرم لا يمنع وجوب الاستبراء إذا تقرر سببه وكذلك إن اشترى جارية من أبيه أو أمة مكاتبة فعليه أن يستبرئها لحدوث ملك الحل له بسبب ملك الرقبة .
( قال ) ( وإن اشتراها من عبد تاجر له فلا استبراء عليه إن كانت قد حاضت حيضة بعدما اشتراها العبد ولا دين عليه ) لأن المولى ملك رقبتها من وقت شراء العبد وقد حاضت بعد ذلك حيضة فيكفيه ذلك عن الاستبراء كما لو اشتراها له وكيله فحاضت في يد الوكيل حيضة وإن كان على العبد دين يحيط برقبته وبما في يده فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأن عندهما دين العبد لا يمنع ملك المولى في كسبه ولهذا لو أعتقها جاز عتقه .
فأما عند أبي حنيفة فالقياس كذلك لأن العبد ليس أهلا أن يثبت له عليها ملك الحل بسبب ملك الرقبة ولا يثبت ذلك للغرماء أيضا بسبب دينهم والمولى أحق بها حتى يملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فإذا حاضت بعد ما صار المولى أحق بها يجتزئء بتلك الحيضة من الاستبراء ولكنه استحسن فقال : عليه أن يستبرئها بعد ما يشتريها من العبد لأن قبل الشراء كان لا يملك رقبتها عنده حتى إذا أعتقها لم ينفذ عتقه فإنما حدث له ملك الحل بسبب ملك الرقبة حين اشتراها فعليه أن يستبرئها .
( قال ) ( وإن وهب جاريته لرجل وسلمها ثم رجع في الهبة فعليه أن يستبرئها ) لأنها حلت للموهوب له فتجدد للواهب ملك الحل فيها بالرجوع بعدما حلت لغيره وكذلك إذا أصاب المأسورة قبل القسمة أو بعدها لأن العدو قد كانوا ملكوها بالاحراز .
ألا ترى أنهم لو أسلموا عليها كانت لهم فتجدد له فيها ملك الحل حين استردها وإن أبقت إلى دار الحرب فأخذوها فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأنهم ملكوها وعند أبي حنيفة - C - الآبق إذا دخل دار الحرب لا يملك بالأخذ فإذا ردت على المولى بغير شيء فهي باقية على ملكه كما كانت فلا يلزمه أن يستبرئها .
( قال ) ( وإذا باع أم ولده أو مدبرته وقبضها المشتري ثم ردها عليه فليس عليه أن يستبرئها ) لأن المشتري لم يملكها فإن حق الحرية الثابتة فيها كحقيقة الحرية في المنع من تملكها بالشراء .
ألا ترى أنها لو كانت امرأته لم يفسد نكاحها ولو أعتقها لم يجز عتقه فيها ولو ولدت عند المشتري لم يثبت نسب الولد من المشتري وإن ادعاه فإذا لم يثبت فيها ملك الحل لغيره لا يلزمه استبراء جديد .
( قال ) ( وإذا أراد الرجل أن يبيع أمته وقد كان يطؤها فليس ينبغي له أن يبيعها حتى يستبرئها بحيضة ) هكذا روي عن عبدالله بن عمر - Bهما - وهذا الاستبراء في حق البائع مستحب عندنا وقال مالك واجب لأنه يخرجها عن ملكه بعد وجوب السبب الشاغل لرحمها بمائة وهو الوطء فهو نظير ما لو طلق امرأته بعد الدخول فهناك العدة واجبة لا مستحبة فكذلك الاستبراء هنا وإن كان عند الشراء يجب عليه الاستبراء لتوهم سبب اشتغال الرحم فلأن يجب عند البيع وقد تقرر بسبب اشتغال رحمها أولى ولكنا نقول الاستبراء في ملك اليمين نظير العدة في النكاح ثم وجوب العدة يختص بأحد الطرفين فكذلك وجوب الاستبراء عند حدوث الملك فلو أوجبنا عليه الاستبراء عند إزالة الملك لأوجبنا عليه الاستبراء في الطرفين جميعا يوضحه : أن الاستبراء على المولى لصيانة ماء نفسه من أن يسقى به زرع غيره وإنما يتحقق هذا عند الشراء فأما عند البيع فلا يتحقق هذا في حق البائع ومعنى صيانة مائه يحصل بإيجاب الاستبراء على المشتري إلا أنه لا يأمن أن لا يستبرئها المشتري فيستحب له أن يستبرئها احتياطا وإذا فعل ذلك ثم باعها فليس للمشتري أن يجتزئ بذلك إلا في رواية شاذة عن أبي يوسف بناء على أصله في أن تبين فراغ رحمها يحصل به .
ولكنا نقول حدث ملك الحل فيها للمشتري بالشراء فعليه أن يستبرئها ولو أراد البائع أن يزوجها لم يكن له أن يزوجها حتى يستبرئها ومن أصحابنا - رحمهم الله - من يقول لا فرق بين البيع والتزويج بل في الموضعين جميعا يستحب للمولى أن يستبرئها من غير أن يكون واجبا عليه .
ألا ترى أنه لو زوجها قبل أن يستبرئها جاز كما لو باعها قبل أن يستبرئها والأظهر أن عليه أن يستبرئها أن أراد أن يزوجها بعد ما وطئها صيانة لمائه لأنه لا يجب على الزوج أن يستبرئها ليحصل معنى الصيانة له بخلاف البيع فهناك يجب على المشتري أن يستبرئها فيحصل معنى الصيانة .
وإن زوجها قبل أن يستبرئها جاز لأن وجوب الاستبراء على المولى لا على الأمة ولا يمنع صحة تزويجها .
والأحسن للزوج أن لا يقربها حتى تحيض حيضة وليس ذلك بواجب عليه في القضاء .
وفي الجامع الصغير قال للزوج أن يطأها قبل أن يستبرئها عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله .
وقال محمد أحب إلي أن لا يطأها حتى يستبرئها كي لا يؤدي إلى اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد لأن ذلك حرام .
قال - A - ( لا يحل لرجلين يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة واحدة في طهر واحد ) وجه قولهما : أن الاستبراء وظيفة ملك اليمين كما أن العدة وظيفة ملك النكاح فكما لا ينقل وظيفة النكاح إلى ملك اليمين فكذلك لا ينقل وظيفة ملك اليمين إلى النكاح وكذلك إن أراد أن يزوج أم ولده أو مدبرته فهي في ذلك كالأمة .
( قال ) ( وإذا زنت أمة الرجل فليس عليه أن يستبرئها بحيضة ) لأنه لا حرمة لماء الزنا والشرع ما جعل للزاني إلا الحجر وليس في الزنا استبراء ولا عدة .
وقال زفر : عليه أن يستبرئها بحيضة صيانة لماء نفسه عن الخلط بماء غيره وفي الجامع الصغير ذكر عن محمد قال : أحب إلي أن لا يطأها حتى يستبرئها بحيضة فإن حبلت من الزنا لم يقربها حتى تضع حملها لأنه لو وطئها كان ساقيا ماءه زرع غيره وقال E ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره .
( قال ) ( أمة بين رجلين باع أحدهما كلها وسلم الآخر البيع بعد ما حاضت عند المشتري حيضة فعليه أن يستبرئها بعد جواز البيع كله ) لأن ملك الحل لا يثبت له ما لم يملك جميع رقبتها وذلك بعد إجازة البيع . وكذلك لو باع أمة رجل بغير إذنه فقبضها المشتري وحاضت عنده حيضة ثم أجاز المولى البيع كان عليه أن يستبرئها لأن ملك الحل إنما يثبت له بعد إجازة المالك البيع عندنا وأصل المسألة أن بيع الفضولي يتوقف على إجازة المالك عندنا ويجعل إجازته في الانتهاء كالإذن في الابتداء وعند الشافعي لا يتوقف بل يلغو بيع مال الغير بغير إذن المالك وكذلك كل ما له مجيز حال وقوعه من العقود والفسوخ والنكاح والطلاق فهو على هذا الخلاف واحتج الشافعي بنهي النبي - A - ( عن بيع ما ليس عند الإنسان ) ومطلق النهي يوجب فساد المنهي عنه والفاسد من العقود عنده غير مشروع ( ونهى رسول الله - A - عن بيع ما لم يقبض ) فكون بيع ما يقبض ولم يملك منهيا عنه أولى .
والمعنى فيه أن تصرفه صادف محلا لا ولاية له على ذلك المحل فيلغو كبيع الطير في الهواء والسمك في الماء فإنه لا ينعقد وإن أخذه بعد ذلك وهذا لأن انعقاد العقد يستدعي محلا ويختص بمحل للعاقد عليه ولاية فإذا انعدمت الولاية على المحل ينزل ذلك منزلة انعدام الأهلية في المتصرف عند العقد وذلك يوجب إلغاءه كالصبي والمجنون إذا طلق امرأته يلغو ذلك ولا ينعقد وإن أجازه بعد البلوغ فكذلك هذا .
وهذا بخلاف قول المشتري قبل إيجاب البائع قد اشتريت منك بكذا فإن ذلك تصرف في ذمة نفسه بالتزام الثمن إذا أوجب البائع البيع وهو محل ولايته .
والدليل عليه أن المشتري إذا باع المبيع قبل القبض ثم قبضه لا ينفذ ذلك البيع وكذلك لو أجازه البائع لانعدام ولاية العاقد على المحل يدا وكذلك لو باع الآبق ثم رجع من إباقه لم ينفذ ذلك البيع فإذا انعدمت ولايته ملكا ويدا على المحل أولى وكذلك لو باع مال الغير ثم اشتراه من المالك أو ورثه يبطل البيع ولا ينفذ فإذا لم يجز أن ينفذ هذا العقد من جهة العاقد باعتبار ملكه فلأن لا ينفذ من جهة غيره بإجازته أولى .
وحجتنا في ذلك ما روي أن النبي - A - دفع إلى حكيم بن حزام دينارا وأمره أن يشتري له أضحية فاشترى شاة ثم باعها بدينارين ثم اشترى شاة بدينار وجاء بالشاة والدينار إلى رسول الله - A - فأخبره بذلك فقال صلوات الله عليه وسلامه ( بارك الله لك في صفقتك فأما الشاة فضح بها وأما الدينار فتصدق به ) فقد باع ما اشترى له بغير أمره ثم أجاز رسول الله - A - بيعه ولا يجوز أن يقال كان هو وكيلا مطلقا بالبيع والشراء لأن هذا شيء لا يمكن إثباته بغير نقل ولو كان النقل على سبيل المدح له فالمنقول أمره أن يشتري له أضحية وبهذا لا يصير وكيلا بمطلق التصرف ( ودفع رسول الله - A - دينارا إلى عروة البارقي - Bه - وأمره أن يشتري أضحية فاشترى بالدينار شاتين ثم باع إحداهما بدينار وجاء بالأخرى مع الدينار إلى النبي - A - فجوز E ذلك ودعا له بالخير ) ولو لم يكن البيع موقوفا على إجازته لأمره بالاسترداد والمعنى فيه أن هذا تصرف صدر من أهله في محله فلا يلغو كما لو حصل من المالك وكالوصية بالمال ممن عليه الدين وبأكثر من الثلث ممن لا دين عليه وهذا لأن التصرف كلام وهو فعل اللسان فحده ما هو حد سائر الأفعال وتحقيق الفعل ينتقل من فاعل في محل ينفعل فيه فهذا يكون حد التصرف باللسان وإذا صدر من أهله في محله تحقق به وجوده ثم قد يمتنع نفوذه شرعا لمانع فيتوقف على زوال ذلك المانع وبالإجارة يزول المانع وهو عدم رضا المالك به وبيان الأهلية في التصرف أن التصرف كلام والأهلية للكلام حقيقة بالتميز واعتباره شرعا بالخطاب وبيان المحلية أن البيع تمليك مال بمال فالمحل إنما يكون محلا بكونه مالا متقوما وبانعدام الملك للعاقد في المحل لا تنعدم المالية والتقوم .
ألا ترى أنه لو باعه بإذن المالك جاز وما ليس بمحل فبالإذن لا يصير محلا ولو باعه المالك بنفسه جاز والمحلية لا تختلف بكون المتصرف مالكا أو غير مالك فإذا قبل اعتبار التصرف شرعا لحكمه لا لعينه والمراد بالأسباب الشرعية أحكامها واشتراط الملك في المحل لأجل الحكم فالتمليك لا يتحقق إلا من المالك فإذا لم يكن المتصرف مالكا لغا تصرفه لانعدام حكمه ففي الجواب عن هذا السؤال : طريقان : أحدهما أن نقول لا نسلم أن الحكم لا يثبت لهذا التصرف بل يثبت حكم يليق بالسبب فإنه يثبت بالسبب الموقوف ملك الموقوف كما يثبت بالسبب البات ملك بات ولهذا لو أعتق المشتري ثم أجاز المالك البيع نفذ عتقه وهذا لأنه لا ضرر على المالك في إثبات ملك موقوف بهذا السبب كما لا ضرر عليه في انعقاد السبب وإنما الضرر في زوال ملكه وبالملك الموقوف لا يزول ملكه البات والثاني : أن السبب إنما يلغو إذا خلا عن الحكم شرعا فأما إذا تأخر عنه الحكم فلا لأن الحكم تارة يتصل بالسبب وتارة يتأخر كما في البيع بشرط الخيار وهنا الحكم يتأخر إلى إجازة المالك ولا ينعدم أصلا لأن انعدام الحكم في الحال لرفع الضرر عن المالك وفي تأخير الحكم إلى وجود الإجازة توفر المنفعة عليه فإنه إذا صار مستندا بالنظر إن شاء أجاز البيع وإن شاء أبطله فيكون فيه محض منفعة له فلهذا انعقد السبب في الحال على أن يجعل إجازته في الانتهاء كإذنه في الابتداء بخلاف بيع الطير في الهواء والسمك في الماء فهناك لغا العقد لانعدام محله والمحل غير مملوك أصلا ولا يكون قابلا للتمليك وكذلك طلاق الصبي وامرأته إنما لغا لانعدام الأهلية في المتصرف فإن اعتبار عقل الصبي وتميزه لتوفير المنفعة عليه وما يتمحض ضررا ينعدم فيه هذا المعنى ولا يجعل أهلا باعتباره ودليل أن الطلاق يتمحض ضررا أن الولي لا يملك عليه هذا التصرف وإنما لغا لانعدام حكمه أصلا فامرأة الصبي ليست بمحل لوقوع الطلاق عليها بالايقاع .
ألا ترى أنه لا يقع عليها بإذن الولي ولا بإيقاعه فأما مال الغير فمحل الحكم البيع حتى يثبت فيه حكم البيع عند إذن المالك أو مباشرته بنفسه وهذا بخلاف بيع الآبق والمبيع قبل القبض فإن ذلك لا يصير لغوا بل ينعقد فاسدا لانعدام شرط الصحة وهو قدرة العاقد على تسليم المعقود عليه وبخلاف ما إذا اشترى العاقد ما باعه لأن حكم ذلك السبب لا يمكن إثباته باعتبار الملك الحادث له فحكم السبب ثبوت الملك للمشتري من وقت العقد وإنما يتأتى ذلك باعتبار ملك من كان مالكا وقت العقد وقد زال ذلك بإزالته فلو نفذ باعتبار الملك الحادث نفذ مقصورا على الحال وحكم السبب ليس هذا فأما عند الإجازة فيثبت الملك للمشتري من وقت العقد ولهذا يستحق المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة وهذا هو تأويل النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان أن المراد إذا باعه ثم اشتراه وأراد تسليمه بحكم ذلك العقد بدليل قصة الحديث ( فإن حكيم بن حزام - Bه - قال يا رسول الله : إن الرجل ليأتيني فيطلب مني سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فأشتريها فأسلمها فقال - A - لا تبع ما ليس عندك ) إذا عرفنا هذا في بيان مسألة الاستبراء فالملك النافذ للمشتري لا يكون إلا بعد الإجازة والحل يبنى على ذلك ولا يحتسب بالحيضة التي توجد قبل الإجازة من الاستبراء فتلك دون الحيضة الموجودة في يد البائع بعد تمام البيع فإذا كان لا يحتسب بها من الاستبراء فهذا أولى .
ولو كان البائع هو المالك لها فسلمها وحاضت بعد ما قبضها المشتري قبل أن يتفرقا عن مجلس العقد فإنه يحتسب بهذه الحيضة من الاستبراء عندنا خلافا للشافعي وهو بناء على خيار المجلس فإن عندنا البيع يلزم بنفسه ويتم الملك للمشتري بالقبض وليس المجلس ثابتا لكل واحد منهما فما لم يفترقا فكل واحد منهما ينفرد بالفسخ إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر ويرضى به صاحبه وله في وقوع الملك للمشتري قولان . واحتج بحديث مالك عن نافع عن عبدالله بن عمر - Bهما - أن النبي - A - قال ( المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا ) ولا يكونا متبايعين إلا بعد الإيجاب والقبول وقد نص على إثبات الخيار لكل واحد منهما ما لم يتفرقا والمراد التفرق عن المجلس بدليل ما ذكره في رواية أخرى : المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا عن مكانهما الذي تبايعا فيه وراوي الحديث ابن عمر - Bهما - وقد فهم منه الافتراق عن المجلس على ما يروى أنه كان إذا أراد أن يوجب البيع مشى هنية والمعنى فيه أن هذا عقد تمليك المال فلا يلزم بنفسه ما لم ينضم إليه ما يتأيد به كعقد الهبة فإنه لا يوجب الملك بنفسه ما لم ينضم إليه القبض وتأثيره أن المال مبتذل تكثر المعاملة فيه ويقع العقد عليه بعينه من غير نظر وروية والمقصود به الاسترباح ولا يحصل هذا المقصود إلا بعد نظر وروية فأثبت الشرع الخيار لكل واحد منهما به ما داما في المجلس ليتحقق به ما هو المقصود لكل واحد منهما بخلاف النكاح فإنه في العادة لا يقع بغتة وإنما يكون بعد تقدم الخطبة والمراودة ثم إنما تقدر هذا الخيار بالمجلس لأن حال المجلس جعل كحالة العقد .
ألا ترى أن في الصرف والسلم القبض الموجود في المجلس كالقبض المقترن بالعقد ثم حالة العقد وهو ما بعد الإيجاب قبل القبول يثبت الخيار لكل واحد منهما فكذلك يثبت ما داما في المجلس إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر فيستدل بهذا اللفظ على تمام النظر والرواية فيسقط به الخيار .
وحجتنا في ذلك قوله - A - ( المسلمون عند شروطهم ) وقد شرط إمضاء العقد بينهما فيلزمهما الوفاء بظاهر الحديث وقال عمر - Bه - البيع صفقة أو خيار والصفقة هي النافذة اللازمة فتبين أن البيع نوعان لازم وغير لازم بشرط الخيار فيه فمن قال بأن الخيار يثبت في كل بيع فقد خالف هذا الحديث والمعنى فيه أن البيع عقد معاوضة فمطلقه يوجب اللزوم بنفسه . كالنكاح وتأثير هذا الكلام أن العقد يتقوى بصفة المعاوضة وإنما يظهر قوته في حكمه حتى لا ينفرد أحدهما برفعه وبه فارق التبرع فهو ضعيف لخلوه عن العوض ولهذا لا يثبت الحكم به إلا بالقبض ثم لزوم هذه المعاوضة تعتمد تمام الرضا من المتعاقدين وبه يلزم بعد المجلس فكذلك في المجلس لأنه لا أثر لبقائهما في المجلس في المنع من تمام الرضا والدليل عليه أنه لو قال أحدهما لصاحبه اختر فإنه يلزم العقد مع بقائهما في المجلس لوجود الرضا وإيجاب العقد مطلقا أدل على الرضا من هذه الكلمة ثم الشرع مكن كل واحد منهما من دفع العين عن نفسه بشرط الخيار فإذا لم يفعل فهو الذي ترك النظر لنفسه ومن لم ينظر لنفسه لا ينظر له ثم الفسخ ضد العقد فما هو المقصود بالعقد لا يحصل بالفسخ بل هو متعين في إمضاء العقد فهذا يقتضي أن لا يثبت حق الفسخ لواحد منهما بحال إلا أن الشرع مكن كل واحد منهما من اشتراط الخيار لنفسه ليتمكن به من الفسخ إذا ظهر أن منفعته فيه فإذا لم يشترط الخيار عرفنا أنه إنما قصد تحصيل ما هو المطلوب بالعقد وهو الملك في البدل وفي لزوم العقد بنفسه يحصل هذا المقصود لا تفويته .
فأما الحديث فرواية مالك - C - ومن مذهبه أنه لا يثبت خيار المجلس وفتوى الراوي بخلاف الحديث دليل ضعفه ثم المراد بالحديث إن صح المتساومان فإن حقيقة اسم المتبايعين لهما حالة التشاغل بالعقد لا بعد الفراغ منه كالمقابلين والمناظرين وبه نقول أن لكل واحد من المتساومين الخيار والمراد بالتفرق : التفرق بالقول دون المكان يعني أنهما جميعا بالخيار : إن شاآ فسخا البيع بالإقالة ما لم يتفرق رأيهما في ذلك وذكر أبو يوسف في الأمالي أن تأويل هذا الحديث إذا قال لغيره بعني هذه السلعة بكذا فيقول الآخر بعت وبه يتأول أن يعد هذا الكلام قبل قول المشتري اشتريت لكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا عن ذلك المجلس وهذا صحيح فهما متبايعان في هذه الحالة لوجود التكلم بالبيع منهما وعلى أصل الشافعي بهذا اللفظ ينعقد البيع بينهما ثم يثبت الخيار لكل واحد منهما ما لم يتفرقا عن المجلس إن شاء قال المشتري اشتريت حتى يتم البيع وإن شاء رجع البائع أو قام من المجلس قبل أن يقول المشتري اشتريت .
( قال ) ( وإذا ارتدت أمة الرجل ثم تابت لم يكن عليه أن يستبرئها ) لأنها لم تخرج عن ملكه ولم تحل لغيره إنما حرمت عليه لعارض الردة ثم زال ذلك بالتوبة فهو بمنزلة ما لو حرمت عليه بالحيض .
( قال ) ( وإذا اشترى أمة لها زوج ولم يدخل بها وطلقها قبل أن يقبضها المشتري فعلى المشتري أن يستبرئها ) لأن وقت وجوب الاستبراء على المشتري وقت القبض وهي فارغة عن حق الغير عند القبض فوجود النكاح عند العقد وعدمه سواء وإن طلقها الزوج بعد ما قبضها المشتري فليس عليه أن يستبرئها لأنه حين قبضها لم يلزمه الاستبراء لكونها مشغولة بحق الزوج فحقه يمنع ثبوت ملك الحل له بملك الرقبة وإذا لم يلزمه الاستبراء عند القبض لا يلزمه بعد ذلك لأنه لو لزمه الاستبراء إنما يلزمه بالطلاق قبل الدخول والطلاق لا يوجب الاستبراء وهذه هي الرواية الأخرى في أن الزوج إذا طلقها قبل الدخول لا يجب على المولى به الاستبراء ولو استبرأها وقبضها ثم زوجها فإن مات عنها زوجها واعتدت عدة الوفاة ولم تحض ولا بأس بأن يطأها لما بينا أن العدة أقوى من الاستبراء فعند ظهور العدة لا يظهر حكم الاستبراء .
( وإن طلقها الزوج قبل أن يدخل بها وقبل أن تحيض عنده لم يطأها المشتري حتى يستبرئها بحيضة ) لأن الاستبراء قد وجب هنا حين قبضها وهي فارغة وبالطلاق قبل الدخول ارتفع النكاح لا إلى أثر فيظهر ما كان من الحكم قبل النكاح والطلاق وهو الاستبراء الواجب على المشتري .
وإن كانت قد حاضت حيضة عند الزوج قبل الطلاق أجزأت تلك الحيضة عن الاستبراء لأنها حاضتها بعدما وجب الاستبراء على المشتري بالقبض وبتلك الحيضة يتبين فراغ رحمها من ماء البائع فيجتزئ بها من الاستبراء لأنها حاضتها بعد ما وجب الاستبراء بالقبض .
وفي كتاب الحيل قال : إن زوجها المشتري عبدا له قبل أن يقبضها ثم قبضها ثم طلقها العبد قبل أن يدخل بها وقبل أن تحيض فللمشتري أن يطأها من غير استبراء وهو صحيح فتزويجه إياها قبل القبض صحيح . كالإعتاق لأن النكاح لا يمنع صحته بسبب الغرر أو أن وجوب الاستبراء بعد القبض وقد قبضها وهي مشغولة بالنكاح فلم يلزمه الاستبراء عند ذلك ولا بالطلاق بعد ذلك وهذه هي الحيلة لاسقاط الاستبراء في حق من كان تحته حرة لأنه لا يمكنه أن يتزوجها بنفسه وإن لم يكن تحته حرة فالحيلة أن يتزوجها قبل الشراء ثم يشتريها فيقبضها فلا يلزمه الاستبراء لأن بالنكاح يثبت له عليها الفراش فإنما اشتراها وهي فراشة وقيام الفراش له عليها دليل على تبين فراغ رحمها من ماء الغير شرعا ثم الحل لم يتجدد له بملك الرقبة لأنها كانت حلالا له بالنكاح قبل ذلك .
ولا بأس بالاحتيال لإسقاط الاستبراء بهذه الصفة إذا علم أن البائع لم يكن وطئها في هذا الطهر في قول أبي يوسف .
وقال محمد يكره ذلك وهو نظير ما تقدم من الحيلة لإسقاط الزكاة فعند أبي يوسف هو يمتنع من التزام حكم مخافة أن لا يتمكن من الوفاء به إذا لزمه ومحمد يقول : الفرار من الأحكام الشرعية ليس من أخلاق المؤمنين فيكره له اكتساب سبب الفرار وهكذا الخلاف في الحيلة لإسقاط الشفعة والله أعلم