قال - Bه - اعلم أنه أورد هذا الباب في كتاب الدعوى وقد بينا شرح مسائله هناك وهو بكتاب الدعوى أشبه وقد بينا بعض المسائل فيما تقدم هنا أيضا فمما زاد على ما تقدم بيانه أن الجارية المبيعة إذا ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر من ستة أشهر فادعاهما البائع فإنه يرد البيع لأنا تيقنا حصول العلوق بالتي ولدت لأقل من ستة أشهر في ملكه وهما توأم فمن ضرورة التيقن بعلوق أحدهما في ملكه التيقن بعلوق الآخر فهو كما لو ولدتهما لأقل من ستة أشهر وقد بينا أن بعد موت الولد لا تصح دعوى البائع .
وإن كان الولد خلف ولدا بخلاف ولد الملاعنة فإنه إذا مات عن ولد ثم أكذب الملاعن نفسه فإنه يثبت النسب منه وهذا لأن نسب ولد الملاعنة كان ثابتا من الزوج بالفراش وبقي بعد اللعان موقوفا على حقه حتى لا تنفذ دعوة الغير فيه فيظهر ذلك بالإكذاب إذا كان مقيدا وتقام حاجة ولده إلى ذلك مقام حاجته فأما نسب ولد الجارية المبيعة فلم يكن ثابتا منه . قبل الدعوى وإنما تصح دعواه لحاجة الولد إلى النسب وقد استغنى عن ذلك بالموت فلا يمكن إقامة ولده مقامه في إثبات نسبة ابتداء فلهذا لا تصح دعواه .
وإن كان في يده صبي لا ينطق فزعم أنه عبده ثم أعتقه ثم زعم أنه ابنه فهو غير مصدق في ذلك في القياس لأنه مناقض في كلامه ويصدق في الاستحسان ويثبت نسبه منه لأن الإنسان قد يشتبه عليه هذا في الابتداء ثم يتبين له في الانتهاء فيريد أن يتدارك وقد بينا أن لخفاء أمر العلوق يعذر في التناقض فيه ثم لا منافاة بين الولاء الثابت له عليه وبين النسب ألا ترى أنه يشتري ابنه فيعتق عليه ويجتمع له ولاؤه ونسبه ولو كان عبدا كبيرا أعتقه ثم ادعاه ومثله يولد لمثله لم تجز دعوته إلا أن يصدقه لأنه بالعتق صار في يد نفسه فالتحق بسائر الأحرار فالدعوى من المولى بعد ذلك ومن غيره سواء لا ينفذ إلا بتصديقه بخلاف الصغير الذي لا يعبر عن نفسه لأنه في يد مولاه إذ هو ليس بمحل أن يعبر عنه نفسه .
قال في الكتاب : أستحسن في الصغير كما أستحسن في المدبر يكون بين اثنين إذا جاء بولد فادعاه أحدهما وقد تقدم بيان هذه المسألة في كتاب العتاق .
( قال ) ( وإذا ولدت الأمة ولدين في بطن واحد فباع المولى الأم مع أحدهما ثم ادعى المشتري الذي اشترى فإن نسبة يثبت منه ) لأنه ادعى مملوكه في حال حاجته إلى النسب ثم يثبت منه نسب الذي عند البائع لأنه توأم ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما منه ثبوت نسب الآخر وهو عند البائع على حاله لأن العلوق لم يكن في ملك المشتري فدعواه دعوى التحرير والتوأم ينفصل أحدهما عن الآخر في التحرير كما لو أعتق أحدهما وإن كان البائع ادعى الولد الذي عنده ثبت نسبهما منه وانتقض البيع في الآخر وإن كان اعتقه المشتري لأن أصل العلوق كان في ملك البائع فدعواه توجب حرية الأصل الذي بقي عنده والتوأمان خلقا من ماء واحد ولا يفصل أحدهما عن الآخر في حرية الأصل وقد بينا أنه يجوز نقض عتق المشتري لضرورة إثبات حرية الأصل له .
( قال ) ( وإذا باع أمة حاملا فخاف المشتري أن يدعي البائع حملها وأراد أن يتحرز عن ذلك فإنه يشهد عليه أن هذا الحمل من عبد له كان زوجا لها ) وليس هذا بتعليم للكذب ولا أمر به فإنه لا رخصة في الكذب ولكنه بيان لحكم أن البائع إن أقر بذلك كيف يكون الحكم فيه وقد بينا بقية هذه المسألة في كتاب الإعتاق أن المقر له إن صدقة أو لم يظهر منه تصديق ولا تكذيب فليس للبائع أن يدعيه لنفسه وإن كذبه فكذلك عند أبي حنيفة لأن لإقراره حكمين إخراج نفسه عن نسب هذا الولد وإثبات من المقر له فإنما يبطل بتكذيب المقر له ما كان من حقه فأما ما هو من خالص حق المقر فإن إقراره فيه لا يبطل بتكذيب المقر له خصوصا فيما لا يحتمل الإبطال وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - الإقرار بتكذيب المقر له يبطل من أصله فله أن يدعيه لنفسه بعد ذلك وقاسا النسب بالولاء فإن من اشترى جارية ثم زعم أن البائع كان أعتقها فكذبه البائع كان له أن يدعي ولاءها لنفسه بعد ذلك إلا أن أبا حنيفة يفرق بينهما فيقول الولاء قابل للتحول من شخص إلى شخص ألا ترى أن ولاء الولد يثبت لمولى الأم إذا كان الأب عبدا فإذا عتق الأب تحول ولاؤه إليه والنسب لا يحتمل التحول من شخص إلى شخص فعندما أخرج نفسه من نسب هذا الولد لا يصح دعواه لنفسه .
( قال ) ( أمة بين اثنين باع أحدهما نصيبه من صاحبه ثم ولدت لأقل من ستة أشهر فادعاه البائع صحت دعواه وبطل البيع فيكون هذا كحكم الجارية المشتركة استولدها أحدهما ولو ادعياه معا ثبت نسبه منهما وبطل البيع ) لأن العلوق حصل في ملكيهما جميعا ولو دعاه البائع وأعتقه المشتري فدعوى البائع تستند إلى وقت العلوق ويثبت به حرية الأصل للولد فيكون عتق المشتري فيه باطلا ولو باع أحدهما نصيبه من رجل وهي حامل فادعى المشتري الحبل وادعاه البائع والذي لم يبع .
( فإن ولدت لأقل من ستة أشهر فالبيع باطل ويثبت نسبه من البائع ومن شريكه ) لأن دعواهما تستند إلى وقت العلوق فالعلوق حصل في ملكهما ويأخذ المشتري ما نقد من الثمن ويرد على الذي لم يبع نصف العقد لإقراره بالوطء .
قال الحاكم أبو الفضل : قوله ويرد على الذي لم يبع نصف العقد ليس بسديد والصواب أن يرد جميع العقد على الشريكين جميعا وهكذا في رواية أبي سليمان لأن إقراره بوطئها لا بد أن يكون سابقا على الشراء وقد حصل ذلك في ضمن دعوى النسب فيكون عليه جميع العقد للشريكين .
( وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر ثبت نسبه من المشتري ومن الذي لم يبع ) لأنا لم نتيقن بحصول العلوق قبل البيع فلا يصح دعوى البائع ولكن على البائع نصف العقد للذي لم يبع لأنه أقر بوطئها وذلك يلزمه نصف العقد للذي لم يبع سواء كان وطؤه إياها قبل البيع أو بعد البيع بشبهة وليس للبائع على المشتري عقد لأنه ما أقر بوطئها قبل شرائه وإنما زعم أنه وطئها بعد شرائه في ضمن دعوى النسب فلهذا لا يغرم له شيئا من العقد والله أعلم