( قال ) - C تعالى - ( إذا اشترى سمنا أو غيره في زق فوزنه ثم جاء بالزق ليرده فقال البائع : ليس هذا بزقي وقال المشتري بل هو زقك فالقول قول المشتري مع يمينه ) لأن الزق أمانة في يد المشتري والقول في تعيين الأمانة قول الأمين وإن كان مضمونا في يده كان القول في تعيينه أيضا قوله كالمغصوب ولأن حقيقة الاختلاف بينهما في مقدار ما قبض من المعقود عليه فإن ذلك يختلف باختلاف وزن الزق فالبائع يدعي الزيادة فعليه البينة والمشتري منكر للزيادة فالقول قوله مع يمينه .
( قال ) ( وإن اشترى عبدين فقبض أحدهما ومات عنده ومات الآخر عند البائع ثم اختلفا في قيمة المقبوض وفي قيمة الآخر فالقول قول المشتري مع يمينه ) لأن حاصل اختلافهما في مقدار ما قبضه المشتري فالبائع يقول : قبضت ثلثي المعقود عليه فإن قيمة المقبوض ألف وقيمة الآخر خمس مائة والمشتري ينكر ذلك ويقول ما قبضت إلا ثلث المعقود عليه فإن قيمة المقبوض خمسمائة وقيمة الآخر ألف فالقول قول المشتري مع يمينه لإنكاره القبض فيما زاد على الثلث .
ألا ترى أنه لو اشترى كر حنطة فقبض بعضه وهلك الباقي عند البائع ( فقال ) المشتري قبضت منك ثلثه و ( قال ) البائع نصفه كان القول قول المشتري مع يمينه ولو كان المشتري قبض العبدين فمات أحدهما عنده وجاء بالآخر يرده بالعيب فاختلفا في قيمة الميت كان القول قول البائع مع يمينه لأن المشتري هنا قبض جميع المعقود عليه ثم وقع الاختلاف بينهما في مقدار ما رده بالعيب فالمشتري يدعي الزيادة فيه والبائع ينكره فكان القول قول المنكر مع يمينه يوضح الفرق : نحن نعلم أن الثمن كله لم يتقرر على المشتري وإنما الاختلاف بينهما في مقدار ما تقرر من الثمن على المشتري فالبائع يدعي في ذلك زيادة والمشتري منكر ردهما اتفقا أن جميع الثمن متقرر على المشتري بالقبض ثم الاختلاف بينهما في مقدار ما سقط عنه بالرد فالمشتري يدعي زيادة في ذلك والبائع منكر فكان القول قوله مع يمينه ويقسم الثمن على قيمة الذي يريد رده غير معيب وعلى قيمة الميت كما أقر به البائع لأن الانقسام على قيمة المبيع كما دخل في العقد وقد دخل في العقد غير معيب .
ولو أقاما جميعا البينة على قيمة الميت أخذت بينة البائع أيضا لأنها مثبتة الزيادة في المشهود به وهو قيمة الميت والمثبت للزيادة من البينتين يترجح .
( قال ) ( وإذا اختلف البائع والمشتري في الثمن والسلعة قائمة في يد البائع أو المشتري فإنهما يتحالفان ويترادان ) استحسانا وفي القياس القول قول المشتري لأنهما اتفقا على أصل البيع وادعى البائع زيادة في حقه وهو الثمن والمشتري منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه لقوله - A - ( واليمين على من أنكر ) ولكن تركنا القياس بالسنة والمروي في الباب حديثان : .
أحدهما حديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - A - ( قال ) ( إذا اختلفا المتبايعان والسلعة قائمة بعينها فالقول ما يقوله البائع ويترادان ) .
( والثاني ) حديث أبي هرير - Bه - أن النبي - A - قال ( إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا ) فالحديث صحيح مشهور فيترك كل قياس بمقابلته وكان أبو حازم القاضي يقول : إن كانت السلعة في يد البائع فالتحالف بطريق القياس لأن كل واحد منهما يدعي حقا لنفسه على صاحبه فإن البائع يدعي زيادة الثمن والمشتري يدعي وجوب تسليم السلعة إليه عند أداء ما أقر به من الثمن فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه قياسا وإن كانت في يد المشتري فالتحالف بخلاف القياس لأن المشتري لا يدعي لنفسه على البائع شيئا فإن المبيع مسلم إليه باتفاقهما وكان أبو يوسف يقول : أولا يبدأ بيمين البائع وهو قول زفر وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة : لأن الشرع جعل القول قول البائع وهو يقتضي الاكتفاء بيمينه وإن كان لا يكتفي بيمينه فلا أقل من أن يبدأ بيمينه ولأن المقصود من الاستحلاف النكول وبنكوله تنقطع المنازعة بنفسه وبنكول المشتري لا تنقطع المنازعة ولكن يجبر على أداء ما ادعى من الثمن واليمين تقطع المنازعة فيبدأ بيمين من يكون نكوله أقرب إلى قطع المنازعة ثم رجع فقال : يبدأ بيمين المشتري وهو قول محمد وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة لأنه أظهرهما إنكارا واليمين على المنكر ولأن أول التسليمين على المشتري وهو تسليم الثمن فأول اليمينين عليه ولهذا قلنا في بيع المقابضة القاضي يبدأ بيمين أيهما شاء لأنه لا يجب على أحدهما التسليم قبل صاحبه وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه لأن نكوله بدل أو هو قائم مقام الإقرار .
وإن حلفا جميعا معا ذكر في كتاب الدعوى أن في القياس يكون البيع بينهما بألف درهم لأن الزيادة التي ادعاها البائع انتفت بيمين المشتري وقد تصادقا على صحة البيع بينهما فيقضي بالبيع بما وقع عليه الاتفاق من الثمن ولكنا تركنا القياس وقلنا : يفسخ البيع بينهما بالسنة وهو قوله - A - ( يترادان ) والمراد رد العقد لا رد المقبوض لأن ما يكون على ميزان التفاعل يقتضي وجوده من الجانبين وأحد البدلين غير مقبوض وقد بينا في السلم أنه إنما يفسخ العقد إذا طلب ذلك أحدهما وأيهما أقام البينة أوجب قبول بينته أما البائع فلأنه مدعي حقيقة وقد أثبت الزيادة بالبينة وأما المشتري فلأنه مدعي صورة لأنه يدعي العقد بألف درهم والدعوى صورة تكفي لقبول البينة كالمودع إذا ادعى رد الوديعة وأقام البينة وإن أقاما جميعا البينة فالبينة بينة البائع لما فيها من إثبات الزيادة .
( قال ) ( وإن كانت السلعة قد هلكت في يد المشتري ثم اختلفا في الثمن ) فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - القول قول المشتري مع يمينه .
وعند محمد والشافعي - رحمهما الله تعالى - يتحالفان ويترادان العقد لظاهر قوله - A - ( إذا اختلفا المتبايعان وترادا ) ولا يمنعا من الاستدلال لظاهر هذا الحديث الآخر من ظاهر قوله والسلعة قائمة بعينها لأن ذلك مذكور على سبيل التثنية أي تحالفا وإن كانت السلعة قائمة لأن عند ذلك يتأتى تميز الصادق من الكاذب بتحكيم قيمة السلعة في الحال ولا يتأتى ذلك بعد هلاك السلعة فإذا كان تحري التحالف مع إمكان تميز الصادق من الكاذب فعند عدم الإمكان أولى ولأن التحالف عند قيام السلعة إنما يصار إليه لأن كل واحد منهما يدعي عقدا ينكره صاحبه فالبيع بألف غير البيع بألفين ألا ترى أن شاهدي البيع إذا اختلفا في مقدار الثمن لا تقبل الشهادة والدليل عليه أنه لو انفرد كل واحد منهما بإقامة البينة وجب قبول بينته فعرفنا أن كل واحد منهما يدعي عقدا ينكره صاحبه فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وهذا المعنى عند هلاك السلعة متحقق فصار كما لو ادعى أحدهما البيع والآخر الهبة أو كان البيع مقابضة وهلك أحد البدلين ثم اختلفا أو قبل المبيع قبل القبض ثم اختلفا في الثمن فإنهما يتحالفان ثم إذا حلفا فقد انتفى كل واحد من الثمنين بيمين المنكر منهما فيبقى البيع بلا ثمن والبيع بغير ثمن يكون فاسدا والمقبوض بحكم عقد فاسد يجب رد عينه في حال قيامه ورد قيمته بعد هلاكه .
وأبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله تعالى - استدلا بقوله - A - ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) والبائع هو المدعي والمشتري منكر فكان القول قوله مع اليمين فأما المشتري لا يدعي لنفسه شيئا على البائع لأن المبيع مملوك له مسلم إليه باتفاقهما وهذا هو القياس حال قيام السلعة أيضا ولكنا تركناه بالنص وهو قوله - A - ( إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا ) وقوله والسلعة قائمة مذكور على وجه الشرط لا على وجه البينة لأن قوله إذا اختلفا المتبايعان شرط وقوله والسلعة قائمة بعينها معطوف على الشرط فكان شرطا لأن موجب الاشتراط والمخصوص من القياس بالسنة لا يلحق به إلا ما كان في معناه وحال هلاك السلعة ليس في معنى حال قيام السلعة لأن عند قيام السلعة يندفع الضرر عن كل واحد منهما بالتحالف فإنه ينفسخ العقد فيعود إلى كل واحد منهما رأس ماله بعينه وبعد هلاك السلعة لا يحصل ذلك فالعقد بعد هلاك السلعة لا يحتمل الفسخ .
ألا ترى أنه لا ينفسخ بالإقالة والرد بالعيب فكذلك بالتحالف وهذا لأن الفسخ لا يراد إلا على ما ورد عليه العقد والمعقود عليه فات لا إلى بدل فإن القيمة قبل الفسخ لا تكون واجبة على المشتري والفسخ على غير محله لا يتأتى بخلاف بيع المقابضة فإن أحد العوضين هناك قائم وهو معقود عليه ولهذا جاز الفسخ بالإقالة والرد بالعيب فكذلك بالتحالف وكذلك إذا قبل المبيع قبل القبض فالقيمة هناك واجبة على القاتل وهي قائمة مقام العين في إمكان فسخ العقد عليها لأن القيمة الواجبة قبل القبض لما ورد عليها القبض المستحق بالعقد كانت في حكم المعقود عليه ولا معنى لقوله : إن كل واحد منهما يدعي عقدا آخر فإن العقد لا يختلف باختلاف الثمن ألا ترى أن الوكيل بالبيع بألف يبيع بألفين وأن البيع بألف قد يصير بألفين بالزيادة في الثمن والبيع بألفين يصير بألف عند حط بعض الثمن واختلاف الشاهدين في مقدار الثمن إنما يمنع قبول الشهادة لا لاختلاف العقد بل لأن المدعي يكذب أحدهما وقبوله بينة المشتري عند الانفراد لأنه مدعي صورة لا معنى وذلك يكفي لقبول بينته ولكن لا يتوجه به اليمين على خصمه كالمودع يدعي رد الوديعة فلا يتوجه اليمين على خصمه وإن كانت بينته تقبل عليه والدليل عليه أن المشترى لو كان جارية حل للمشتري وطؤها ولو كان الاختلاف في الثمن موجبا اختلاف العقد لما حل له وطؤها كما لو ادعى أحدهما البيع والآخر الهبة ولهذا تبطل دعوى الفساد وهو قوله إنهما إذا حلفا يبقى العقد بلا ثمن لأنه لو كان هكذا لما حل له وطؤها ولأن القاضي إنما يفسخ البيع عند طلب أحدهما وما لم يفسخ حل للمشتري وطؤها ولو فسد البيع بالتحالف لما حل له وطؤها ولما تأخر حكم الفسخ إلى طلب أحدهما والحديث المطلق فيه ما يدل على قيام السلعة وهو لفظ التراد لأنه إن كان المراد رد المأخوذ حسا وحقيقة فذلك يتأتى عند قيام السلعة وإن كان المراد العقد فقد بينا أن الفسخ إنما يتأتى عند قيام السلعة مع أن المطلق والمقيد في حادثة واحدة في حكم واحد إذا ورد فالمطلق محمول على المقيد .
( قال ) ( وإن كان البائع قد مات واختلفت ورثة المشتري في الثمن فالقول قول ورثة البائع ) إن كان المبيع في أيديهم ويجري التحالف بالاتفاق استحسانا لأنهم قائمون مقام البائع حتى يطالبون بالثمن ويطالبون بتسليم المبيع وذلك بحكم العقد فإذا ثبت في حقهم عرفنا أنهم صاروا كالبائع وإن كان المشتري قد قبض المبيع فالقول قوله مع يمينه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف .
وعند محمد يتحالفان ويترادان .
وكذلك إن مات المشتري وبقي البائع فإن كانت الساعة لم تقبض جرى التحالف استحسانا لأن ورثة المشتري قاموا مقامه في وثوق العقد فإنه يثبت لهم حق المطالبة بتسليم المبيع .
وإن كانت السلعة مقبوضة فعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - القول قول ورثة المشتري .
وعند محمد يتحالفان ويترادان وكذلك إذا ماتا جميعا ثم وقع الاختلاف بين الورثة في الثمن .
فإن كانت السلعة مقبوضة فعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - لا يتحالفان .
وعند محمد يتحالفان وإن لم تكن مقبوضة يتحالفان بالإجماع وهذا بناء على الفصل الأول فإن الوارث يخلف الميت كما أن القيمة تخلف العين فكما أثبت محمد - C تعالى - حكم التحالف والفسخ عند هلاك السلعة باعتبار ما يخلفها وهي القيمة فكذلك أثبت حكم التحالف عند موت العاقد باعتبار من يخلفه وهو الوارث إذا كانت السلعة قائمة وأبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله تعالى - فرقا في الأصل بين هلاك السلعة قبل القبض إلى ما يخلفها وهو القيمة بأن قتل قبل القبض ثم اختلفا في الثمن وبين هلاكها بعد القبض في حكم التحالف فكذلك في موت العاقد فرقا بين ما قبل القبض وبين ما بعده لأن هذا حكم ثبت بخلاف القياس بالنص وصاحب الشرع اعتبر اختلاف المتبايعين وقيام السلعة فقبل القبض وارث البائع في معنى البائع حكما لأنه مطالب بتسليم السلعة فيمكن إثبات حكم التحالف فيه بالنص فأما بعد القبض وارث البائع ليس ببائع حقيقة ولا حكما فلم يكن هذا في معنى المنصوص عليه فيؤخذ فيه بالقياس وكذلك وارث المشتري على هذا ولا يقال الوارث يقوم مقام المورث في الإقالة والرد بالعيب فكذلك في الفسخ بالتحالف لأن صحة ذلك منه باعتبار الخلافة في الملك لا في العقد ألا ترى أن الموكل يملك الإقالة والرد بالعيب باعتبار الملك وإن لم يكن هو عاقدا حقيقة ولا حكما .
( قال ) ( وإن كانت السلعة في يد المشتري وقد ازدادت خيرا ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري ) في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد - رحمهما الله تعالى - يتحالفا فيفسخ العقد على العين لأن الزيادة المتصلة لا عبرة بها في عقود المعاوضات عند محمد ولهذا قال لا يمنع بنصف الصداق في الطلاق وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - الزيادة المتصلة تمنع الفسخ كما تمنع بنصف الصداق عندهما وإذا تعذر الفسخ امتنع التحالف لأنه لا يفسخ العقد إلا فيما ورد عليه العقد والزيادة الحادثة بعد القبض لم يرد عليها العقد ولا القبض المستحق بالعقد فلا يمكن فسخ العقد فيها فيمتنع الفسخ في الأصل لأجلها كالموهوبة إذا زادت في بدنها خير لا يملك الواهب الرجوع فيها بعد ذلك لهذا المعنى أنه تعذر فسخ العقد عليه بهلاكه العبد في الزيادة فيتعذر في الأصل لأن الزيادة لا تنفصل عن الأصل وعند محمد تعذر الفسخ في جميع المعقود عليه بهلاكه لا يمنع التحالف ففي البعض أولى .
وقد ذكر في المأذون أنهما لو تبايعا عند الجارية وقبض الجارية وازدادت في بدنها ثم هلك العبد قبل القبض أو وجد به المشتري عيبا فرده فإنه يسترد الجارية بزيادتها فهو دليل محمد في أن الزيادة المتصلة لا تمنع الفسخ عن العين وقيل هو قول محمد خاصة وبعد التسليم الفرق بينهما أن هناك سبب الفسخ قد تقرر وهو هلاك العين قبل القبض أو رده بالعيب وبتقرر السبب يثبت الحكم ضرورة في محله وهو أصل الجارية ومن ضرورة ثبوت حكم الفسخ فيها ثبوته في الزيادة لأن الزيادة المتصلة بيع محض وثبوت الحكم في البيع بثبوته في الأصل وهنا سبب الفسخ التحالف ولم يتقرر لما بينا أن هذا ليس في معنى المنصوص من كل وجه فيمتنع التحالف بطريق القياس فيه ومن ضرورته أن يجعل القول قول المشتري مع يمينه .
( قال ) ( وإن كانت الزيادة المتصلة غير متولدة في الأصل كالضبع في الثوب والسمن في السويق ) فكذلك الجواب في حكم التحالف إنه على الاختلاف إلا أن عند محمد يفسخ العقد على القيمة هنا أو المثل لأن هذه الزيادة ليست من عين المعقود عليه فلا يثبت فيها حكم العقد .
( قال ) ( وإن كانت الزيادة منفصلة فإن كانت متولدة من العين كالجارية إذا ولدت أو جنى عليها فأخذ المشتري أرشها فحكم التحالف على الاختلاف الذي قلنا ) إلا أن عند محمد يفسخ العقد على القيمة لأن الزيادة المنفصلة المتولدة من العين تمنع الفسخ بالرد في العيب عنده فكذلك بالتحالف فتكون الجارية كالهالكة .
وعند الشافعي - Bه - الزيادة المنفصلة لا تمنع الرد بالعيب فلا تمنع فسخ العقد على العين بالتحالف ولكنها ترد ويسلم الولد للمشتري وإن كانت الزيادة المنفصلة غير متولدة كالكسب والعلة فإنها لا تمنع التحالف وفسخ العقد على العين بالاتفاق كما لا يمنع الفسخ بالإقالة والرد بالعيب وإن انتقصت السلعة عند المشتري بعيب دخلها فالقول قول المشتري أيضا لا أن يرضي البائع أن يأخذها ناقصة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - لأن حدوث العيب في يد المشتري يمنع الرد بالعيب والإقالة إلا أن يرضى به البائع فكذلك البيع انفسخ بالتحالف وعند محمد يتحالفان ثم يفسخ العقد على الغير إن رضي به البائع وإن أبى فعلى المشتري رد القيمة كما لو كانت هالكة .
( قال ) ( وإن اختلفا في الثمن وقد خرجت السلعة من ملك المشتري فهو على الخلاف ) الذي بينا فيما إذا هلكت السلعة وكذلك إن كانت قد رجعت إليه لوجه غير الذي خرجت به من يده لأن هذا ملك حادث فاختلاف أسباب الملك كاختلاف الأعيان فكما لا يجري التحالف باعتبار رجوع عين آخر إليه فكذلك باعتبار رجوع هذه العين بسبب مستقل .
( قال ) ( وإن كان البائع باعها من رجلين فباع أحدهما نصيبه من شريكه ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري ) الذي باع نصيبه لزوال ملكه المستفاد من جهة البائع ويجعل في حقه كأنهما باعا ويتحالفان على حصة الآخر لقيام ملكه في النصف الذي استفاده من جهة البائع وقيل هذا قول أبي يوسف فأما عند أبي حنيفة لا يجري التحالف إلا أن يرضى البائع لأن أصله إن تعذر الرد في نصيب أحدهما يمنع الفسخ في نصيب الآخر بسبب العيب أو الخيار على ما نبينه في بابه - إن شاء الله تعالى - فيكون القول قولهما في الكل إلا أن يرضى البائع به فحينئذ يتحالفان على حصة الآخر وعند محمد التحالف يجري في الكل ثم في حصة الذي باع يفسخ العقد على القيمة وفي حصة الذي لم يبع يفسخ العقد على العين .
( قال ) ( وإذا اختلفا البائع والمشتري في الأجل فالقول قول البائع ولا يتحالفان ) عندنا .
و ( قال ) زفر والشافعي - رحمهما الله تعالى - يتحالفان لأن هذا في معنى الاختلاف في مقدار مالية الثمن فإن المؤجل أنقص من الحال في المالية ولكنا نقول اختلفا في مدة ملحقة بالعقد شرطا فيكون القول قول من ينكرها ولا يجري التحالف كما لو اختلفا في خيار الشرط وهذا لأن حكم التحالف عرف بالنص وإنما ورد النص عند الاختلاف فيما يتم به العقد والأجل وراء ما يتم به العقد فلم يكن في معنى المنصوص فأخذنا فيه بالقياس وجعلنا القول قول البائع سواء أنكر زيادة الأجل أو أنكر أصل الأجل وفرق بين هذا وبين الأجل في باب السلم فإن هناك القول قول من يدعي الأجل عند أبي حنيفة وهنا القول قول من ينكر الأجل من قبل أن هناك الأجل من شرائط صحة العقد فإقراره بالعقد إقرار به وبما هو من شرائط العقد فإذا أنكر الأجل بعد ذلك فقد رجع عن الإقرار بعدما أقر به فلا يصدق فأما هنا الأجل ليس من شرائط العقد ولا من مقتضياته لأن العقد يقتضي أيضا الثمن والمعقود عليه في المجلس فالمشتري يدعي عليه التأخير وهو منكر فكان القول قول المنكر .
( قال ) ( وإن اتفقا على الأجل واختلفا في نصيبه فالقول قول المشتري ) لأن الأجل حقه وهو منكر استيفاء حقه .
( قال ) ( وإن قال البائع بعتك هذه الجارية بمائة دينار وقال المشتري بعتنيها مع هذا الوصيف بخمسين دينارا وأقاما البينة فهما جميعا للمشتري ) بمائة دينار وتقبل البينتان جميعا ويقضي بالعقدين لأن كل واحد منهما يثبت زيادة في حقه فبينة كل واحد منهما على ما أثبت من الزيادة في حقه مقبولة وقيل هذا قول أبي حنيفة الآخر فأما في قوله الأول وهو قول زفر يقضي بهما للمشتري بمائة وخمسة وعشرين دينارا إذا استوت قيمتهما وقد قررنا هذا في نظير هذه المسألة في شرح الإجارات .
( قال ) ( ولو قال البائع بعتك هذه الجارية لعبدك هذا وقال المشتري اشتريتها منك بمائة دينار وأقاما البينة لزمه البيع بالعبد وتقبل بينة البائع دون المشتري ) لأن حق المشتري في الجارية ثابت باتفاقهما وإنما الاختلاف في حق البائع فبينته على حقه أولى بالقبول ولأنه يثبت ببينته الحق لنفسه في العبد والمشتري ينفي ذلك والبينات للإثبات لا للنفي .
( قال ) ( وإذا اشترى عبدا بثوبين وتقابضا ثم استحق العبد أو وجد به عيبا فرده وقد هلك أحد الثوبين فإنه يأخذ الباقي وقيمة الهالك ) لأن العقد انفسخ باستحقاق العبد أو رده بالعيب فعلى قابض الثوبين ردهما لأنه قبضهما بحكم العقد وهو في القائم فيهما القادر على رد العين وفي الهالك عاجز عن رد العين فيلزمه رد قيمته وكذلك لو هلكا فعليه قيمتهما لأنه تعذر رد العين مع تقرر السبب الموجب للرد فتجب القيمة كالمغصوب والقول في القيمة قول الذي كانا في يديه لأن القيمة دين في ذمته فالقول في بيان مقداره قوله .
( قال ) ( ولو كان الثمن جارية فولدت من غير السيد ثم استحق العبد كان لصاحب الجارية أن يأخذها وولدها ) لأن باستحقاق العبد يبطل العقد من الأصل فتكون الجارية في يد القابض بمنزلة المقبوضة بحكم عقد فاسد فيجب ردها بزوائدها وإن كان قد دخلها عيب ينقصها أخذ معها النقصان أيضا كما في المشتراة شراء فاسدا وهذا لأنها مضمونة بالقبض والأوصاف تضمن بالتناول .
( قال ) ( ولو كان الذي الجارية في يده أعتقها نفذ عتقه فيها ) لأنها مملوكة له فإن بدل المستحق مملوك عند القبض بمنزلة المشتراة شراء فاسدا وعليه رد قيمتها مع الولد إن كانت ولدته قبل العتق لتعذر رد عينها بنفوذ العتق فيها .
( قال ) ( ولو وجد العبد حرا كان عتق البائع في الجارية باطلا ) لأن بدل الحر لا يملك بالعقد فإن الحر ليس بمال والبيع مبادلة مال بمال فعند انعدام المالية في أحد البدلين لا ينعقد البيع أصلا وبدون انعقاد البيع لا يثبت الملك بالقبض كما في المشتراة بميتة أو دم .
( قال ) ( ولو اشترى العبد بثوبين وقبض العبد ثم هلك الثوبان قبل أن يقبضهما فعليه رد العبد ) لفساد العقد بفوات القبض المستحق بالعقد فإن أعتقه أو باعه قبل هلاك الثوبين أو بعده قبل أن يقضي القاضي بينهما بشيء فهو جائز لأنه أعتق ملكه أما قبل هلاك الثوبين فلا إشكال وبعد هلاكهما وإن فسد العقد فقد بقي الملك ببقاء القبض لأن فساد العقد لا يمنع ثبوت الملك بالقبض ابتداء فلا يمنع بقاؤه بطريق الأولى ثم عليه قيمته لتعذر رد العين بعدما فسد السبب فيه ولو تقابضا ثم استحق الثوبين فقال الذي كان عنده الثوبان استحق أعلاهما ثمنا وقال الذي باعهما بل أستحق أرخصهما ثمنا فالقول قول المشتري في الثوبين مع يمينه لأنهما تصادقا على أنه لم يسلم لبائع الثوبين جميع العبد حين استحق أحد الثوبين وإنما الاختلاف بينهما في مقدار ما يثبت لبائع الثوبين من العبد وهو يدعي زيادة في ذلك فعليه أن يثبتها بالبينة وإن لم يكن لهما بينة فالقول قول المنكر مع يمينه .
( قال ) ( وإن قال البائع بعت منك هذا العبد الذي في يدي بألف درهم وقال المشتري بل هذه الجارية بخمسين دينارا فهنا كل واحد منهما مدع ومنكر حقيقة ) لأنه يدعي كل واحد منهما العقد في عين آخر فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وإن أقاما البينة قضى بالبيع فيهما جميعا بألف وخمسين دينارا وقد بينا هذا في باب السلم وإن قال المشتري ابتعت منك هذا العبد الذي في يدي بألف درهم ونفذت الثمن وقال البائع ما بعتك هذا العبد إنما بعتك جارية بهذه الألف وقبضت الثمن ودفعتها إليك فكل واحد منهما يحلف على دعوى صاحبه فإن حلف البائع رد عليه العبد لأن العقد قد انتفى بيمينه فيه وقد أقر ذو اليد أنه كان مملوكا له في الأصل وإذا حلف الذي كان في يديه العبد ما اشترى الجارية فعلى بائعها رد الألف عليه وإن قامت لهما بينة قضى بالبينتين وعلى المشتري أداء ألف أخرى .
( قال ) ( رجل اشترى عدل زطي وأقر أنه زطي ولم يره وقبضه ثم جاء بعد ذلك يرده فقال وجدته كرابيس لم يصدق والثمن له لازم ) لأنه مناقض في دعواه والمناقض لا قول له ولأن بسبب خيار الرؤية إنما يتمكن من الفسخ إذا أحضر المعقود عليه والذي أحضره كرابيس والمعقود عليه زطي يزعمه من فسخ العقد على غير المعقود بخيار الرؤية وإن قال لا أدري أزطي هو أم لا ولكني أخذته على قولك فانظر ثم جاء يرده فقال وجدته كرابيس كان مصدقا في ذلك مع يمينه لأن المشتري ينفرد بفسخ العقد بخيار الرؤية وخيار الشرط وإذا انفسخ بخيار الرؤية وخيار الشرط بقي المقبوض في يده ملك البائع فالقول قوله في تعيينه ضامنا كان أو أمينا وهذا لأنه غير مناقض في كلامه هنا بل منكر لقبض الزطي فالقول قوله مع يمينه وفي الأول هو مناقض في كلامه لأنه أقر بقبض المعقود عليه وهو الزطي فلا يقبل منه قوله بخلاف قوله ذلك .
( قال ) ( ولو اشترى ثوبا فقال البائع هو هروي وقال المشتري لا أدري وقد رآه ولكني أخذته على ما يقول ثم جاء يرده وقال وجدته يهوديا لم يصدق ) لأنه كان قد رأى المعقود عليه فليس له فيه خيار الرؤية بعد ذلك بقي دعواه حق الرد لنفسه على البائع في هذه العين والبائع منكر لذلك فلا يقبل قوله كما ادعى المشتري العيب بالمعقود عليه إلا بحجة .
( قال ) ( وإذا نظر إلى العدل مطويا ولم ينشره ثم اشتراه فليس له أن يرده إلا بعيب ) لأنه قد رأى طرفا من كل ثوب ورؤية جزء من المعقود عليه كرؤية الكل في إسقاط خيار الرؤية إلا أن يكون في طي الثوب ما هو مقصود كالطراز والعلم فحينئذ لا يسقط خياره ما لم ير ذلك الموضع لأن مالية المعقود عليه تختلف باختلاف المقصود والمقصود بالرؤية العلم بمقدار المالية .
( قال ) ( وإذا اشترى خادمة على أنها خراسانية فوجدها سندية كان له أن يردها فهذا بمنزلة هذا العيب فيها ) لأن العبيد جنس واحد لاتحاد الأصل وتقارب المقصود إلا أن الخراسانيات أكثر مالية من السنديات فإنما فات زيادة صفة مشروطة وذلك بمنزلة العيب في إثبات حق الرد كما لو اشترى عبدا على أنه كاتب أو خباز فوجده لا يحسن ذلك العمل والله أعلم بالصواب