( قال ) ( إذا اشترى عبدا على أنه لا يبيعه ولا يهبه ولا يتصدق به فالبيع فاسد عندنا ) وقال ابن أبي ليلى البيع جائز والشرط باطل .
و ( قال ) ابن سيرين : البيع جائز والشرط صحيح وحكي عن عبدالوارث بن سعيد قال : حججت فدخلت بمكة على أبي حنيفة وسألته عن البيع بالشرط ( فقال ) باطل فخرجت من عنده ودخلت على ابن أبي ليلى وسألته عن ذلك ( فقال ) البيع جائز والشرط باطل فدخلت على ابن سيرين وسألته عن ذلك ( فقال ) البيع جائز والشرط جائز فقلت هؤلاء من فقهاء الكوفة وقد اختلفوا في هذه المسألة كل الاختلاف فعجزني أن أسأل كل واحد منهم عن حجته فدخلت على أبي حنيفة فأعدت السؤال عليه فأعاد جوابه فقلت : إن صاحبيك يخالفانك فقال : لا أدري ما قالا : حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنهم - ( أن النبي - A - نهى عن بيع وشرط ) فدخلت على ابن أبي ليلى فقلت له مثل ذلك فقال لا أدري ما قال ( حدثني ) هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها لما أرادت أن تشتري بريرة - Bها - أبى مواليها إلا بشرط أن يكون الولاء لهم فذكرت ذلك لرسول الله - A - فقال صلوات الله عليه وسلامه اشتري واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق ثم خطب رسول الله - A - فقال ( ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل كتاب الله أحق وشرط الله أوثق والولاء لمن أعتق ) فدخلت على ابن شبرمة وقلت له مثل ذلك فقال : لا أدري ما قالا ( حدثني ) محارب بن دثار عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله الأنصاري - رضي الله تعالى عنهم - أن النبي - A - اشترى منه ناقة في بعض الغزوات وشرط له ظهرها إلى المدينة .
والصحيح ما استدل به أبو حنيفة فإنه حديث مشهور ومطلق النهي يوجب فساد المنهي عنه فأما حديث هشام بن عروة فقد ( قال ) أبو يوسف أوهم هشام بن عروة قال رسول الله - A - ( اشترطي لهم الولاء ) لأن هذا أمر بالغرور ولا يظن برسول الله - A - ذلك ولو صح فتأويله اشترطي الولاء عليهم واللام تذكر بمعنى على قال الله تعالى { أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار } ( الرعد : 25 ) أو معناه أعلميهم معنى الولاء فالاشتراط في اللغة الأعلام ومنه أشراط الساعة قال القائل : .
فاشرط فيها نفسه وهو معصم .
وألقى بأسباب له وتوكلا .
أي جعل نفسه علما لذلك الأمر وتأويل ( حديث ) جابر - رضي الله تعالى عنه - أن ذلك لم يكن شرطا في البيع على أن ما جرى بينهما لم يكن بيعا حقيقة وإنما كان ذلك من حسن العشرة والصحبة في السفر والدليل عليه قصة الحديث فإن جابرا - رضي الله تعالى عنه - ( قال ) كانت لي ناقة ثغال فقامت علي في بعض الطريق فأدركني رسول الله - A - ( فقال ) ( ما بالك يا جابر فقلت جرى أن لا يكون لي إلا ناقة ثغال فنزل رسول الله - A - عن راحلته فدعا بماء ورشه في وجه ناقتي ثم قال اركبها فركبتها فجعلت تسبق كل راحلة ) ( الحديث ) إلا أن قال أتبيعني ناقتك بأربعمائة درهم فقلت هي لك يا رسول الله ولكن من لي بالحمل إلى المدينة ( فقال ) - A - ( لك ظهرها إلى المدينة فاشتراها رسول الله - A - بأربعمائة درهم فلما قدمت المدينة جئت بالناقة إلى باب المسجد ودخلت المسجد ( فقال ) رسول الله - A - أين الناقة قلت بالباب ( فقال ) صلوات الله عليه : جئت لطلب الثمن فسكت فأمر بلالا - رضي الله تعالى عنه - فأعطاني أربع مائة درهم ( فقال ) - A - : خذها مع الناقة فيما لك بارك الله لك فيهما ) وبهذا يتبين أنه لم يكن بينهما بيع ثم الشرط في البيع على أوجه إما أن يشترط شرطا يقتضه العقد كشرط الملك للمشتري في المبيع أو شرط تسليم الثمن أو تسليم المبيع فالبيع جائز لأن هذا بمطلق العقد يثبت فالشرط لا يزيده إلا وكادة وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف ظاهر فذلك جائز أيضا كما لو اشترى نعلا وشراكا بشرط أن يحذوه البائع لأن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي ولأن في النزوع عن العادة الظاهرة جرحا بينا وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف ظاهر .
( قال ) ( فإن كان فيه منفعة لأحد المتعاقدين فالبيع فاسد ) لأن الشرط باطل في نفسه والمنتفع به غير راض بدونه فتتمكن المطالبة بينهما بهذا الشرط فلهذا فسد به البيع وكذلك إن كان فيه منفعة للمعقود عليه وذلك نحو ما بينا أنه إذا اشترى عبدا على أنه لا يبيعه فإن العقد يعجبه أن لا تتناوله الأيدي وتمام العقد بالمعقود عليه حتى لو زعم أنه حر كان البيع باطلا فاشتراط منفعته كاشتراط منفعة أحد المتعاقدين .
( قال ) ( وإن لم يكن فيه منفعة لأحد فالشرط باطل والبيع صحيح ) نحو ما إذا اشترى دابة أو ثوبا بشرط أن لا يبيع لأنه لا مطالب بهذا الشرط فإنه لا منفعة فيه لأحد وكان لغوا والبيع صحيح إلا في رواية عن أبي يوسف .
( قال ) : يبطل به البيع نص عليه في آخر المزارعة لأن في هذا الشرط ضررا على المشتري من حيث أنه يتعذر عليه التصرف في ملكه والشرط الذي فيه ضرر كالشرط الذي فيه منفعة لأحد المتعاقدين ولكنا نقول لا معتبر بعين الشرط بل المطالبة به والمطالبة تتوجه بالمنفعة في الشرط دون الضرر .
( قال ) ( وإذا اشترى عبدا على أنه يعتقه فالبيع فاسد ) وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أن البيع جائز بهذا الشرط وهو قول الشافعي ( لحديث بريرة - Bها - فإنها جاءت إلى عائشة - Bها - تستعينها في المكاتبة ( قالت ) إن شئت عددتها لأهلك وأعتقك فرضيت بذلك فاشترتها وأعتقتها وإنما اشترتها بشرط العتق وقد أجاز ذلك رسول الله - A - لها ) ولأن الشراء بشرط الإعتاق متعارف بين الناس لأن بيع العبد سمة متعارف في الوصايا وغيره وتفسيره البيع بشرط العتق ولأن العتق في المبيع قبض حتى إذا أعتق المشتري المبيع قبل القبض صار قابضا والقبض من أحكام العقد فاشتراطه في العقد يلائم العقد ولا يفسده .
وحجتنا في ذلك ( نهي النبي - A - عن بيع وشرط ) ولأن في هذا الشرط منفعة للمعقود عليه والعقد لا يقتضيه فيفسد به في العقد كما لو شرط أن لا يبيع يوضحه : أنه لو شرط في الجارية أن يستولدها أو في العبد أن يدبره كان العقد فاسدا فإذا كان اشتراط حق العتق لها يفسد البيع فاشتراط حقيقة العتق أولى ودعواه أن هذا الشرط يلائم العقد لا معنى له فإن البيع موجب للملك والعتق مبطل له فكيف يكون بينهما ملائمة ثم هذا الشرط يمنع استدامة الملك فيكون ضد ما هو المقصود بالعقد وبيع العبد لسمة لا يكون بشرط العتق بل يكون ذلك وعدا من المشتري ثم البيع بعقد مطلقا وهو تأويل حديث ( عائشة - Bها - فإنها اشترت بريرة - Bها - مطلقا ووعدت لها أن تعتقها لترضى هي بذلك ) فإن بيع المكاتبة لا يجوز بغير رضاها فإن استهلكه المشتري فعليه قيمته لأنه قبضه بعقد فاسد فيكون مضمونا بالقيمة عند تعذر رد العين .
وإن أعتقه فعليه الثمن المسمى في قول أبي حنيفة استحسانا .
وفي قولهما : عليه قيمته وهو القياس لأنه قبضه بعقد فاسد وقد تعذر رده بإعتاقه فيلزمه قيمته كما لو تعذر بيعه أو استهلاكه بوجه آخر يوضحه : أنه لو اشتراها بشرط التدبير أو الاستيلاد كانت مضمونة عليه بالقيمة إذا تعذر ردها ثان وفى بذلك الشرط فكذا إذا اشترى بشرط العتق اعتبارا لحقيقة الحرمة بحقيقة العتق وأبو حنيفة استحسن . فقال : زال المفسد قبل تقرره فيجب الثمن كما لو اشتراه بأجل مجهول ثم أسقطه قبل مضيه .
وبيان ذلك : أن الحكم بفساد هذا العقد كان لمخافة أن لا يفي المشتري بالعتق وليكون في الإقدام على التصرف في ملكه مختارا غير مجبر عليه وقد زال هذا المعنى حين أقدم على إعتاقه مختارا .
وحقيقة المعنى فيه أن هذا الشرط لا يلائم العقد بنفسه ولكن يلائم العقد بحكمه لأن العتق ينهي الملك فإن الملك في بني آدم ثابت إلى العتق فيكون العتق مهينا له وإنهاء الشيء يقرره ولهذا لو اشترى عبدا فأعتقه ثم اطلع على عيب به رجع بنقصان العيب بخلاف ما إذا باعه والدليل عليه أن شراء القريب إعتاق على معنى أنه متمم عليه العتق وهي الملك فكان هذا الشرط ملائما بحكمه للعقد وبصورته غير ملائم لأن الإنسان لا يجبر على إنهاء ملكه بالعتق وبالشرط يجبر عليه فلا يحكم بفساد العقد على الثبات ولكنه موقوف .
فإن استهلكه بوجه آخر يتقرر الفساد لوجود صورة الشرط دون الحكم وإن أعتقه تتقرر صفة الجواز باعتبار الملائمة بحكم العقد وهو إنهاء الملك به فيلزمه الثمن المسمى وإنما سماه استحسانا لمعنى التوقف فيه في الابتداء ومخالفة صورته معنى بخلاف شرط الاستيلاد والتدبير فالملك به لا ينتهي ومعنى الملائمة باعتبار إنهاء الملك به فلهذا تتعين صفة الفساد هناك وفى بالشرط أو لم يف .
( قال ) ( وإذا اشتراه على أن يقرض له قرضا أو يهب له هبة أو يتصدق عليه بصدقة أو على أن يبيعه بكذا وكذا من الثمن فالبيع في جميع ذلك فاسد ) ( لنهي النبي - A - عن بيع وسلف ) ( وعن بيعتين في بيعة ) وكل شيء فسد فيه البيع فالمشتري إذا استهلكه فهو ضامن لقيمته بالغة ما بلغت لأن الضمان الأصلي في البيع ضمان القيمة ولهذا كان المقبوض على سوم المبيع مضمونا بالقيمة وقبض الغصب ينوب عن قبض الشراء وإنما يتحول من القيمة إلى المسمى عند صحة السبب وتمامه فإذا فسد السبب بقي الضمان الأصلي كما إذا كان البيع بالخيار فإن البيع يكون مضمونا على المشتري بالقيمة لعدم تمام السبب .
( قال ) ( ولو اشترى ثوبا على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فالبيع فاسد ) في القياس وهو قول زفر .
وفي الاستحسان يجوز وهو قول علماؤنا الثلاثة - رحمهم الله تعالى - وجه القياس أنه شرط في البيع إقالة معلقة لخطر عدم النقد ولو شرط إقالة مطلقة فسد به العقد فإذا شرط إقالة معلقة أولى أن يفسد به العقد وهذا الشرط ليس في معنى شرط الخيار لأن هناك لو سكت حتى مضت المدة تم البيع وهنا لو سكت حتى مضت المدة بطل البيع وجواز البيع مع شرط الخيار ثابت بالنص بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه .
ولكن تركنا هذا القياس لحديث بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - فإنه باشر البيع بهذا الشرط وقول الواحد من فقهاء الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - مقدم على القياس عندنا لأن قوله بخلاف القياس كروايته عن رسول الله - A - فإنه لا يظن به أنه قال جزافا والقياس لا يوافق قوله فعرفنا أنه قال سماعا ثم هذا الشرط من حيث المقصود كشرط الخيار لأنه إنما يشترط الخيار ليتروى النظر فيه ويكون مخيرا في الأيام الثلاثة بين فسخ العقد وتمامه بهذا الشرط لا يحصل إلا هذا المقصود والشرع إنما جوز شرط الخيار لهذا المقصود حتى قال لحبان بن منقد ( إذا بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام ) .
( قال ) ( فإن اشتراه على أنه لم ينقده إلى أربعة أيام فلا بيع بينهما ) فهذا العقد فاسد عند أبي حنيفة كقوله في شرط الخيار فإن عنده شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام يفسد العقد وعند محمد العقد جائز بمنزلة شرط الخيار عنده فإنه يجوز شرط الخيار مدة معلومة طالت المدة أو قصرت .
ولم يذكر في الكتاب قول أبي يوسف وفي بعض نسخ المأذون ذكر قول أبي يوسف كقول أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى .
وذكر ابن سماعة في نوادره أن هذا قوله الأول فأما قوله الأخير كقول محمد لأن هذا في معنى شرط الخيار وقوله كقول محمد في جواز اشتراط الخيار أربعة أيام فكذلك في هذا الشرط وجه قوله الذي ذكره في المأذون أن القياس ما قاله زفر فإن هذا الشرط من حيث الحكم ليس نظير شرط الخيار .
ولكن تركنا القياس في ثلاثة أيام لقول ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - ففيما زاد على ذلك نأخذ بالقياس وهذا لأن الغرر يزداد بطول المدة وقد يجوز أن يحمل العقد لليسير من الغرر دون الكثير منه .
ألا ترى أنا نجوز شراء أحد الثياب الثلاثة على أنه بالخيار فيها ثم لا يجوز ذلك في الأربعة لما ذكرنا .
( قال ) ( وكل فاسد رده المشتري على البائع بهبة أو صدقة أو بيع فهو متاركة للبيع ويبرأ المشتري من ضمانه ) لأن الرد بسبب فساد البيع مستحق في هذا المحل بعينه شرعا فعلى أي وجه أتى به يقع من الوجه المستحق كرد المغصوب والودائع وهذا لأنه ممنوع من تمليكه من البائع بسبب مبتدأ مأمور برده لفساد البيع ولا معاوضة بين المنهي عنه ويكره المأمور به فيترك جانب المأمور به في رده عليه .
( قال ) ( وإن اشترى شيئا وشرط على البائع أن يحمله إلى منزله أو يطحن الحنطة أو يخيط الثوب فهو فاسد ) لأن فيه منفعة لأحد المتعاقدين والعقد لا يقتضيه لأنه إن كان بعض البدل بمقابلة العمل المشروط عليه فهو إجارة مشروطة في العقد وإن لم يكن بمقابلته شيء من البدل فهو إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد .
وكذلك لو اشترى دارا على أن يسكنها البائع شهرا فهذه إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد أو هذا شرط أجل في العين والعين لا تقبل الأجل .
( قال ) ( ولو اشترى شيئا على أن يرهنه بالثمن رهنا أو على أن يعطيه كفيلا بنفسه أو بالثمن فهذا العقد فاسد ) والكلام في هذين الفصلين ينقسم على أربعة أقسام أما في شرط الكفيل سواء سمى الكفيل أو لم يسمه فالعقد فاسد إذا كان الكفيل غائبا عن مجلس العقد لأنه لا يدري أيكفل أم لا فيفسد العقد لمعنى الغرر ولأن جواز هذا العقد يتعلق بقبول الكفيل الكفالة فمتى شرط قبوله إذا كان غائبا عن مجلس العقد لم يجز العقد وإن قبله بعد المجلس كالمشتري .
فإن كان الكفيل حاضرا أو حضر وقبل قبل أن يتفرقا جاز البيع استحسانا .
وفي القياس لا يجوز وهو قول زفر لأن الكفالة عقد آخر ليس من حقوق العقد في شيء واشتراط هذا عقد آخر في عقد البيع مفسد للعقد إذا كان فيه منفعة لأحد المتعاقدين .
وجه الاستحسان أن المقصود بالكفالة التوثق بالثمن في معنى اشتراط زيادة وصف الجودة في الثمن ولو اشترط في البيع ثمنا جيدا كان البيع جائزا ثم تمام هذا العقد بقبول الكفيل فإنه بقبوله ينتفي معنى الغرر فإذا وجد ذلك في المجلس كان هذا بمنزلة انتفاء الغرر عند العقد وشرط الحوالة في هذا كشرط الكفالة لأنه لا ينافي وجود أصل الثمن في ذمة المشتري فإن الحوالة تحويل ولا يكون ذلك إلا بعد وجود الثمن في ذمة المشتري بخلاف ما لو شرط وجوب الثمن ابتداء على غير المشتري بالعقد فإن ذلك ينافي وجوب العقد فكان مفسدا للعقد .
يوضحه : أن المبيع في مكانه الذي يقبضه فيه يتعين فيجوز تصرفه فيه كما بعد قبضه بالتخلية وبخلاف المنقول فإنه لا يدري في أي مكان يقبضه ما لم يقبضه ولا يدخل على شيء لما ذكرنا أن التصرف في المسلم فيه قبل القبض لأنا بما قررنا أثبتنا الملك المطلق للتصرف دون سائر الشروط فمن الشرائط في المبيع العينية وجواز السلم رخصة بخلاف القياس ومن الشرائط الكيل فيما اشتراه مكايلة فلا يجوز التصرف فيه قبل أن يكيله وإن كان قبضه .
( قال ) ( رجل باع عبدا آبقا فهو باطل ) لنهي ( النبي - A - عن بيع الغرر ) ( وعن بيع العبد الآبق ) ولأنه عاجز عن تسليمه والمالية في الآبق ثاوية فهو كالمعدوم حقيقة في المنع من البيع حتى أنه وإن عاد من إباقه لا يتم ذلك العقد لأنه لم يصادف محله بمنزلة ما لو باع الطير في الهواء ثم أخذه إلا رواية عن محمد فإنه يقول الملك والمالية بعد الأباق باق حقيقة والمانع كان هو العجز عن التسليم فإذا زال صار كأن لم يكن كالراهن يبيع المرهون ثم يفتكه قبل الخصومة .
( قال ) ( ولو باع جارية كان قد أعتق ما في بطنها أو باعها واستثنى ما في بطنها فهذا فاسد لا يجوز ) وقد بينا هذا الفصل في كتاب الهبة .
( قال ) ( رجل باع عبدا آبقا فهو باطل ) لنهي ( النبي - A - عن بيع الغرر ) ( وعن بيع العبد الآبق ) ولأنه عاجز عن تسليمه والمالية في الآبق ثاوية فهو كالمعدوم حقيقة في المنع من البيع حتى أنه وإن عاد من إباقه لا يتم ذلك العقد لأنه لم يصادف محله بمنزلة ما لو باع الطير في الهواء ثم أخذه إلا رواية عن محمد فإنه يقول الملك والمالية بعد الأباق باق حقيقة والمانع كان هو العجز عن التسليم فإذا زال صار كأن لم يكن كالراهن يبيع المرهون ثم يفتكه قبل الخصومة .
( قال ) ( وإن شرط أن يرهنه بالثمن رهنا فإن كان الرهن مجهولا فالعقد فاسد ) لأن قبول العقد في الرهن لا بد منه عند هذا الشرط وما يشترط قبول العقد فيه لا بد أن يكون معلوما ولكن لو أوفاه الثمن صح العقد لأن المفسد قد زال قبل تقريره لأن شرط الرهن للاستيفاء وقد استوفاه حقيقة وإن شرط أن يرهنه هذا المبتاع بعينه ففي القياس العقد فاسد لما بينا أنه شرط عقد في عقد وفي الاستحسان يجوز هذا العقد لأن المقصود بالرهن الاستيفاء فإن موجبه ثبوت يد الاستيفاء وشرط استيفاء الثمن ملائم للعقد ثم الرهن بالثمن للتوثق بالثمن فاشتراط ما يتوثق به كاشتراط صفة الجودة في الثمن وكذلك إن سمى مكيلا أو موزونا موصوفا بغير عينه وجعله رهنا بالثمن لأن قبول ذلك في البيع قبول صحيح ألا ترى أنه يصلح أن يكون ثمنا فكذلك يصلح اشتراطه رهنا بالثمن فإن أبى المشتري أن يرهنه ما سمى لم يجبر عليه لأن تمام الرهن بالقبض ولم يوجد القبض وعلى قول ابن أبي ليلى يجبر عليه لأنه ثبت في ضمن عقد لازم فيصير الوفاء به مستحقا كالعدل في الرهن إذا سلطه على البيع كان مجبرا عليه ولا يملك الراهن عزله بخلاف التوكيل بالبيع مقصودا .
ولكنا نقول : عقد الرهن ليس من حقوق البيع فلا بد في إتمامه من اتحاد شرط العقد وإتمامه بالقبض فما لم يوجد لا يلزم حكم الرهن ألا ترى أن يد الاستيفاء لا تثبت له إلا بالقبض فكذا اشتراطه في العقد لا يلزم إلا بالقبض ولكن إن أبى المشتري أن يرهنه فللبائع أن يفسخ العقد لأن رضاه بالبيع كان بهذا الشرط فبدونه لا يكون راضيا وإذا لم يتم رضاه كان له أن يفسخ .
( قال ) ( وإن باع شيئا من الحيوان واستثنى ما في بطنه فالبيع فاسد ) لأن ما في البطن لا يجوز إيجاب البيع فيه مقصودا فلا يجوز استثناؤه مقصودا كاليد والرجل وهذا لأن الجنين ما دام متصلا بالأم فهو في حكم الأجزاء . ألا ترى أنها تقطع بالمقراض عنها وأجزاء الحيوان لا تقبل العقد مقصودا ولا يكون مقصودا بالاستثناء وهذا لأن الجنين في البطن مجهول ولا يدري أذكر هو أم أنثى واحدا أو مثنى فإذا كان المستثنى مجهولا فالمستثنى منه يصير مجهولا أيضا وجهالة المعقود عليه تمنع جواز العقد وكذلك إن وقع العقد على عدل بر أو أغنام أو نخيل واشترط أن يرد المشتري أحد العينين أو يأخذ البائع إحداهن بغير عينها فالبيع فاسد لأن المستثنى مجهول وبه يصير المستثنى منه مجهولا أيضا وهذه جهالة تفضي إلى المنازعة لأنها متفاوتة في المالية فيفسد البيع .
( قال ) ( وإن اشترى شاة على أنها حامل فالعقد فاسد ) لأن الحبل في البهائم وهي زيادة مجهولة فإنه لا يدري أن انتفاخ بطنها من ريح أو ولد وإن الولد حي أو ميت ذكر أم أنثى واحد أو مثنى والمجهول إذا ضم إلى معلوم يصير الكل مجهولا وكذلك إن شرط أنها تحلب كذا فالبيع فاسد لأنه لا يدري لعل الشرط باطل يعني أن اشتراط مقدار من البيع ليس في وسع البائع إيجاده ولا طريق إلى معرفته فكان شرطا باطلا فيفسد به العقد .
( قال ) ( وإن شرط أنها حلوب أو لبون لم يذكر هذا الفصل في الأصل ) وقد ذكر الكرخي أن هذا ما لو شرط أنها تحلب كذا وكذا سواء لأن اللبن زيادة مال منفصل ولا يكون لبونا حلوبا إلا به وتلك الزيادة مجهولة على ما مر فصار كما لو اشترى على أنها حامل وذكر الطحاوي أن هذا شرط وصف مرغوب فيه فلا يفسد العقد به كما لو شرط في العبد أنه كاتب أو خبار ولأن هذا يذكر على سبيل بيان الوصف لا على سبيل الشرط لأن هذا وصف مرغوب فيه كما إذا اشترى فرسا على أنها هملاج أو اشترى كلبا على أنه صائد فإنه يجوز كذا هنا وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - في الحلوب بخلاف ما إذا اشترط أنها تحلب كذا لأن الفساد باشتراط مقدار لبن في الضرع لا طريق إلى معرفته .
( قال ) ( وكذلك إن اشترى سمسما أو زيتونا على أن فيهما من الدهن كذا أو اشترى حنطة بشرط أن يطحن منها كذا مختوم دقيق فهذا شرط باطل ) لا طريق للبائع إلى معرفته ولا يقدر على الوفاء به فيكون مفسدا للعقد .
( قال ) ( ولو باع جارية وتبرأ من الحبل وكان بها حبل أو لم يكن فالبيع جائز ) لأن الحبل في بنات آدم ألا ترى أن للمشتري حق الرد به فإنما تبرأ البائع من العيب وذلك غير مفسد للعقد .
( قال ) ( وليست البراءة في هذا كالبهائم ) قيل معناه كالشرط في البهائم فإن الحبل في البهائم زيادة فذكره في العقد شرط زيادة مجهولة وفي الآدمية عيب فذكره يكون تبريا من العيب ولا يكون شرط زيادة مجهولة وقيل معناه إذا ذكر الحبل في الجارية على وجه التبري عرفنا أن مراده العيب فلا يفسد به العقد وإذا ذكره على وجه الشرط عرفنا أن مراده شرط زيادة مجهولة فيفسد به العقد وقد ذكر هشام عن محمد - رحمهما الله تعالى - أنه إذا اشترى جارية على أنها حامل فالبيع جائز إلا أن يظهر المشتري أنه يريدها للطؤرة فحينئذ يفسد به العقد لعلمنا أنه قصد الحبل بالشرط وهو مجهول وعلى هذا يحكى عن الهندواني أنه كان يقول : إن شرط الحبل إذا وجد من البائع لم يفسد به العقد وأن شرطه المشتري يفسد لأن البائع إنما يذكر الحبل على وجه بيان العيب عادة والمشتري يذكر على وجه اشتراط الزيادة .
( قال ) ( رجل اشترى جارية بجاريتين إلى أجل فالعقد فاسد ) لأن الحيوان لا يثبت دينا في الذمة بدلا عنها هو مال ولأن الجنس بانفراده يحرم النساء فإن قبض الجارية فذهبت عينها عنده من عمله أو من غير عمله فللبائع أن يأخذها ويضمنه نصف قيمتها لأن العين من الآدمي نصفه وفوات النصف في ضمان المشتري كفوات الكل ولو هلكت كان عليه ضمان قيمتها سواء هلكت بفعله أو بغير فعله فكذلك إذا ذهب نصفها وهذا لأنها صارت مضمونة بالقبض والأوصاف تضمن بالقبض ألا ترى أنها تضمن بالغصب فإن الجارية المغصوبة إذا ذهبت عينها عند الغاصب أخذها المغصوب منه مع نصف قيمتها ولو فقأ عينها غيره فإن البائع يأخذها لأن فسخ العقد فيها مستحق شرعا فما دامت قائمة كان على البائع أن يأخذها ثم يتخير في نصف قيمتها فإن شاء ضمن ذلك الفاقئ وإن شاء ضمن المشتري لأن بالأخذ ينفسخ العقد فيها ويعود إلى قديم ملك البائع فجناية الفاقئ كانت على ملكه فله أن يضمنه نصف قيمتها وإن شاء ضمن المشتري ذلك لأنها كانت مضمونة عليه بالقبض بجميع أجزائها فكانت كالمغصوبة في هذا الحكم فإن ضمن المشتري يرجع المشتري بذلك على الفاقئ لأن ملكه تقرر في ذلك الجزء حين ضمن بدله وهو كالغاصب في ذلك وإن ضمن الفاقئ لم يرجع على المشترى بشيء لأنه ضمن بجنايته فأما إذا قتلها في يد المشتري قاتل فللبائع أن يضمن المشتري قيمتها ولا سبيل له على القاتل بخلاف المغصوبة فإن المغصوبة إذا قتلها إنسان في يد الغاصب يتخير المغصوب منه إن شاء ضمن الغاصب قيمتها وإن شاء ضمن القاتل بخلاف المشتراة شراء فاسدا في يد المشتري لأن المغصوبة على ملك المغصوب منه فالقاتل من القاتل جناية على ملكه فيتخير في التضمين إن شاء ضمن الغاصب بالغصب أو القاتل بالقتل وهنا قد صارت الجارية مملوكة للمشتري بالقبض وبالقتل يتعذر فسخ البيع فيها ولا يعود إلى ملك البائع فلهذا تعين حق البائع في تضمين المشتري وليس له أن يضمن القاتل وفي فقء العين ما تعذر فسخ العقد فيها وإذا انفسخ العقد فيها بالرد كانت جناية الفاقئ على ملك البائع فلذلك يتخير البائع إن شاء ضمن القاتل بالقتل وإن شاء ضمن المشتري بالقبض كما في الغصب ثم إذا ضمن البائع المشتري قيمتها في القتل كان للمشتري أن يضمن القاتل قيمتها لأنه أتلف ملكه فيها بالجناية فكان له أن يضمنه قيمتها .
( قال ) ( فلو كانت الجارية كما هي غير أنها ولدت ولدين فمات أحدهما أخذ البائع الجارية والولد الباقي ) لأنها في يده كالمغصوبة مستحقة الرد بزوائدها المتصلة والمنفصلة وهذا لأن الولد متولد من العين ووجوب الرد كان حكما متقررا فيها فيسري إلى الولد ولأن ملك الأصل يسري إلى الولد والثابت للمشتري في الأصل كان ملكا مستحق الإزالة بالرد على البائع فثبت مثله في الولد وليس له أن يضمنه قيمة الميت بمنزلة ولد المغصوب إذا مات في يد الغاصب من غير صنعه لم يضمن لانعدام الصنع منه فهذا مثله .
( قال ) ( فإن كانت الولادة قد نقصتها وفي الولد الثاني وفاء بجميع ذلك النقصان فلا شيء على المشتري ) لرده ما ينجبر به النقصان فإن نقصان الولادة ينجبر بالولد عندنا وقد بينا ذلك في المغصوبة وكذلك في المشتراة شراء فاسدا والولد الميت صار كأن لم يكن فكأنها ولدت ولدا واحدا .
( قال ) ( وإن لم يكن في الولد الباقي وفاء النقصان فعلى المشتري تمام ذلك ) لأن انجبار النقصان بالولد لصفة المالية وإنما ينجبر بقدر مالية الولد وما زاد على ذلك ليس بإزائه ما يجبره فعلى المشتري ضمان ذلك .
( قال ) ( وإن كان الميت مات من فعل المشتري أو منعه بعد طلب البائع حتى مات صار المشتري ضامنا بقيمته يردها مع الأم ) لأن الولد إنما لم يكن مضمونا عليه لانعدام الصنع الموجب للضمان فيه وقد وجد ذلك بالإتلاف أو المنع بعد الطلب ثم رد قيمة الولد كرد عينه حتى إذا كان فيها وفي مالية الحي وفاء بالنقصان فلا شيء على المشتري وإن لم يكن فيها وفاء بنقصان الولادة فعلى المشتري تمام ذلك لأن الانجبار بقدر المالية على ما مر .
( قال ) ( ولو كانت الأم هي الميتة والولدان حيان أخذ البائع الولدين وقيمة الأم يوم قبضه المشتري ) وهكذا القول في كل بيع فاسد لأن حق الاسترداد ثابت للبائع في الولدين فلا يسقط ذلك بهلاك الأم كالمغصوبة إذا ولدت ثم ماتت كذلك هنا وإن كان ضامنا قيمتها للبائع حين قبضها لأنها دخلت في ضمانه بالقبض وتعذر ردها فيجب ضمان قيمتها والولد تبع فلا يقوم مقام الأصل في حق الرد حتى لا يسقط برد الولدين ضمان قيمة الأم وإن كان في ماليتهما وفاء بذلك بخلاف نقصان الولادة فالفائت هناك وصف هو بيع ثم الخلافة هناك باتحاد السبب فإن سبب النقصان والزيادة واحدة وهذا لا يوجد هنا فإن موت الأم لم يكن بالولادة ولو كان بالولادة فالولادة من حيث أنها موت لا توجب الزيادة ولدا ولذا لا ينجبر قدر النقصان بالولدين بعد موت الأم حتى يضمن كمال قيمتها لأن هنا لا يحتاج إلى جبر النقصان بعد موت الأم لأن الملك يثبت للمشتري بعد القبض على ما ذكرنا وتقرر القيمة عليه من حين قبضها فإذا مات تبين أن ذلك النقصان حاصل في ملك المشتري فلا تقع الحاجة إلى جبر هذا النقصان بالولد بخلاف ما إذا بقيت الأم لأنه أمكن فسخ العقد فيها بالرد فإن ردها عادت إلى قديم ملك البائع فتبين أن النقصان حصل فوقعت الحاجة إلى انجبار النقصان بخلف قائم مقامه وهو الولد فلهذا افترقا .
( قال ) ( والبيع الفاسد ينعقد موجبا للملك إذا اتصل به القبض عندنا ) وعند الشافعي لا ينعقد للملك وفي الحقيقة هذه المسألة تنبني على مسألة من أصول الفقه وهو أن النهي عن العقود الشرعية لا يخرجها من أن تكون مشروعة عندنا فإن ذلك موجب النسخ والنهي عن النسخ .
( وعندنا ) يخرجها من أن تكون مشروعة بمقتضى النهي فإن صفة القبح من ضرورة النهي كما أن صفة الجنس من ضرورة الأمر والمشروع ما يكون مرضيا والقبيح ما لا يكون مرضيا فينعدم أصل العقد لضرورة النهي ومقتضاه ولكنا نقول موجب النهي الانتهاء على وجه يكون المنتهي مختارا فيه كما أن موجب الأمر الائتمار على وجه يكون المؤتمر مختارا فيه فإن استحقاق الثواب والعقاب ينبني على ذلك وذلك لا يكون إلا بعد تقرر المشروع مشروعا باعتبار هذا الأصل ثم يخرج المقتضى عليه بحسب الإمكان أولى من إعلام المقضي بالمقتضى وهذه في أصول الفقه .
فأما التخريج هنا على الأصل المتفق عليه وهو أن النهي متى كان لمعنى في غير المنهي عنه فإنه لا يعدم المشروع كالنهي عن البيع وقت النداء وإن كان المنهي عنه بعدمه كالنهي عن بيع المضانين والملاقيح .
والشافعي يقول في البيوع الفاسدة النهي لمعنى في غير المنهي عنه ولهذا أفسد البيع ويتضح هذا في البيع بالخمر فالبيع مبادلة مال متقوم بمال متقوم والخمر ليس بمال متقوم حتى لا يملك بالعقد وإن قبض فلا ينعقد موجبا حكمه فعرفنا أنه غير منعقد في حق حكمه وهو الملك والدليل عليه أن البيع موجب للملك بنفسه ثم الفاسد منه لا يكون موجبا الملك بنفسه فعرفنا أنه ليس ينعقد في حكم الملك وثبوت الضمان بالقبض ليس من حكم انعقاد العقد بالمقبوض على سوم الشراء مضمون بالقيمة ولا عقد وإن كان منعقدا بصفة الفساد لما منعت ثبوت الملك بالبيع قبل القبض فكذلك بعده لأن الفساد قائم بعده ولأن بالقبض يزداد الفساد والحرمة وكل ما يمنع ثبوت الملك بالبيع قبل القبض يمنع بعد القبض كخيار الشرط وهذا في معناه لأن مع خيار الشرط لا يتم الرضا من البائع ومع الفساد كذلك فإنه لو صار مملوكا إنما يصير مملوكا بالقيمة والبائع لم يرض بهذا ولهذا ثبت خيار الفسخ لكل واحد منهما ولأن هذا عقد معاوضة فالفاسد منه لا ينعقد موجبا للملك كالنكاح وهذا لأن الملك مشروع محبوب فيستدعي سببا مرضيا شرعيا بخلاف الكتابة الفاسدة حيث انعقد العقد مع صفة الفساد ففيها معنى المعاوضة واليمين لأنه تعليق العتق بشرط الأداء والحرمة لا تمنع صحة التعليق كما لو ( قال ) إن زنيت فأنت حرة فإنما ينزل العتق هناك لمعنى التعليق دون المعاوضة .
وحجتنا في ذلك من حيث التخريج على الأصل المجمع عليه أن يقول هذا النهي لمعنى في غير المنهي عنه لأن البيع ينعقد بالإيجاب والقبول في محل قابل له ولا يختل شيء من ذلك بالشرط الفاسد وانعقاد العقد يوجب ركنه من أهله والنهي كان للشرط وهو وراء ما يتم العقد به وكذلك النهي عن الربا للفضل الخالي عن المقابلة وهو وراء ما يتم به العقد فلا ينعقد فيه أصل العقد والعقد لا ينعقد شرعا إلا موجبا حكمه لأن الأسباب الشرعية تطلب لأحكامها فإذا كانت خالية عن الحكم تكون لغوا ولكن الحكم متصل بها تارة ويتأخر أخرى كالهبة فإنها عقد تمليك ثم الملك بها يتأخر إلى القبض .
( قوله ) : بأن البيع يفسد به .
( قلنا ) : لأن النهي اتصل بوصفه لأن الخيار والأجل لو كان جائزا كان عمله في تغيير وصف العقد لا في تغيير أصله فكذلك إذا كان فاسدا يكون عمله في تغيير وصف العقد حتى يصير العقد فاسدا وليس من ضرورة انعدام الوصف انعدام الأصل بل من ضرورته انعقاد الأصل فالصفة لا تكون بدون الموصوف وهكذا نقول في النكاح فإنه ينعقد مع الفساد ولهذا يتعلق به وجوب المهر والعدة والنسب عند الدخول إلا أنه لا يثبت الملك به لأن الحكم يثبت بحسب النسب فالعقد الفاسد إنما يثبت ملكا حراما وليس في النكاح إلا ملك الحل وبين الحل والحرمة منافاة فكان من ضرورة الفساد هناك انتفاء الملك وهنا بالبيع الفاسد إنما يثبت ملك حرام ولهذا لو كانت جارية لا يحل له وطؤها وليس من ضرورة ثبوت الحرمة انتفاء ملك اليمين كالعصير يتخمر يبقى مملوكا وإن كان حراما وكشراء الرجل أخته من الرضاع فيملكها وإن كانت حراما عليه فأثبتنا الملك لهذا ولكن العقد بصفة الفساد يضعف فيتأخر الحكم إلى انضمام ما يقوم إليه وهو القبض كعقد التبرع ولأنه لو ثبت الملك قبل القبض يثبت بغير عوض فإن المسمى لا يجب للفساد والضمان لا يجب إلا بالقبض فلهذا تأخر الملك إلى ما بعد القبض وهكذا نقول في البيع بشرط الخيار فإنه انعقد مفيدا لحكمه ولكنه تأخر ثبوت الحكم إلى سقوط الخيار على أن ذلك في معنى المعلق بالشرط لأنه يقول على أني بالخيار والمتعلق بالشرط مقدم قبل الشرط ألا ترى أنه تعذر أعمال التعليق في أصل السبب فيجعل عاملا في الحكم وليس من ضرورة الفساد انعدام العقد شرعا كالإحرام يفسد بالجماع ويبقى أصله والطلاق في حالة الحيض حرام شرعا ويكون مفيدا بحكمه والظهار حرام شرعا ثم ينعقد موجبا حكمه .
والدليل عليه أن المقبوض يصير مضمونا والضمان إنما يجب بطريق الجبران أو بالعقد وهنا وجوب الضمان ليس بطريق الجبر لأنه يقبضه بإذن المالك فعرفنا أن وجوب الضمان بالعقد وهكذا نقول في المقبوض على سوم البيع أنه مضمون بالعقد ولكن على وجه وهو أن يجعل الموعود من العقد كالمتحقق وليس بينهما عقد موجود هنا فعرفنا أن الضمان باعتبار العقد المتحقق وإذا ثبت هذا في البيع مع الشرط الفاسد فكذلك في الربى لأن الفساد يكون لمعنى في وصف العقد فإن بالفضل يصير البيع رابحا وكذلك في البيع بالخمر فإن ركن العقد المالية في البدلين وبتخمر العصير لا تنعدم المالية وإنما ينعدم التقوم شرعا فإن المالية تكون بكون العين منتفعا بها وقد أثبت الله تعالى ذلك في الخمر بقوله تعالى { ومنافع للناس } ( البقرة : 219 ) ولأنه كان مالا متقوما قبل التحريم وإنما ثبت بالنص حرمة التناول ونجاسة العين وليس من ضرورته انعدام المالية كالسرقين إلا أنه فسد تقومه شرعا لضرورة وجوب الاجتناب عنه بالنص ولهذا يكون مالا في حق أهل الذمة فانعقد العقد بوجود ركنه في محله بصفة الفساد ولكن الخمر لا يملك بالقبض لأنه غير متقوم شرعا فيملك بأدائه لانعقاد العقد موجبا الملك فيه بخلاف البيع بالميتة والدم فذلك ليس بمال في حق أحد فلانعدام ركن العقد في محله لا ينعقد العقد .
( قال ) ( ولو كان المشتري أعتق الجارية التي اشتراها بعقد فاسد بعد قبضه إياها أو باعها أو أمهرها أو وهبها وسلمها أو دبرها أو كاتبها أو استولدها جاز جميع ذلك ) لأنه تصرف في ملكه وهذا التعليل نص عليه محمد في كتاب الشهادات في نظير هذا قال لأنه مالك رقبتها وهنا ( قال ) لأن البائع سلطه عليها وهو إشارة إلى ما قلنا لأن التمليك تسليط على التصرف فصار كما لو سلطه على الإعتاق نصا بأن ( قال ) أعتقتها ألا ترى أنه ذكر في كتاب الاستحسان إذا اشترى طعاما حل له أن يتناول من ذلك الطعام لأن البائع سلطه على ذلك فلما كان في العقد الجائز يعتبر التسليط في حق تناول الطعام فكذا في حق الفاسد ولهذا قلنا إنه لا يحل له أن يطأها لأن الوطء مما لا يستباح بصريح التسليط فكذلك لا يستباح به دلالة ويعود التصرف باعتبار أصل الملك دون صفة الحل وقد ثبت أصل الملك فيثبت التسليط على التصرف ثم قد تعذر رد عينها فيلزمه رد قيمتها وإنما تعذر الرد باعتبار هذه التصرفات نحو البيع والهبة وما أشبه ذلك لأن المشتري شرا فاسدا لما باع من غيره وسلمه إليه تعلق بهذا العين حق المشتري الثاني وحق الله تعالى من حيث فسخ العقد بالرد على البائع الأول وحق الله تعالى مع حق العبد إذا اجتمعا تقدم حق العبد لا تهاونا بحق الله تعالى ولكن الله تعالى أغنى والعفو منه أرجى بخلاف المشتري من الغاصب لأنه تعلق به حق المشتري وحق المغصوب منه وكل واحد من الحقين حق العبد فترجح حق المغصوب منه لأنه أسبق .
( قال ) ( وليس عليه في الوطء مهر ) وفي كتاب السرب يقول وعليه العقر قبل تأويل المسألة إذا لم يستولدها بالوطء حتى ردها على البائع فإن دبردها ينفسخ الملك من الأصل فتبين أن الوطء صادق ملك الغير فيلزمه العقر بالوطء وهنا قال استولدها وبالاستيلاد يتقرر ملكه فإنما وطئها وهي مملوكة له فلا يلزمه العقد بذلك وقيل ما ذكر هنا قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - وما ذكر هناك قول محمد وأصله فيما ذكر هشام أنها لو زادت في يد المشتري في بدنها ثم أعتقها فعليه ضمان قيمتها وقت القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - وعند محمد وقت العتق فلما كان محمد ثبت حق البائع في الزيادة ويجعلها مضمونة على المشتري بالإتلاف فكذلك المستوفي بالزيادة في حكم زيادة هي ثمرة ومن أصلها أن الزيادة تكون في يد مضمونة على المشتري بالإتلاف فكذلك المستوفي بالوطء فلهذا لا مهر عليه .
( قال ) ( وإن رهنها فعليه قيمتها ) لأن عقد الرهن إذا اتصل به القبض يكون لازما في حق الراهن فيثبت به عجزه عن رد العين فلهذا لزمته قيمتها وإن افتكها قبل أن يضمنه القاضي قيمتها ردها عليه لأن المانع قد زال قبل تحول حق البائع إلى القيمة وكذلك إن عجزت عن الكتابة لأن المانع حق المكاتب وقد سقط قبل أن يتحول الحق إلى القيمة فإن التحول إنما يكون بقضاء القاضي فكذلك إن رجع في الهبة بقضاء أو بغير قضاء ردها على البائع لأنه يعود إليه قديم ملكه في الوجهين فكذلك إن رد عليه بعيب قبل أن يقضي القاضي عليه بالقيمة فإن ذلك كله يمنع قضاء القاضي بالقيمة فإن كان ذلك كله بعد قضاء القاضي بالقيمة فقد تم تحول الحق إلى القيمة فلا يعود في العين بعد ذلك كما لو أبق المغصوب فقضى القاضي بقيمته على الغاصب ثم عاد .
( قال ) ( ولو كان أجرها فله أن ينقص الإجارة ويردها ) لأن الإجارة تنفسخ بالأعذار وقيام حق الشرع في الرد لفساد السبب منه أقوى الأعذار فتنفسخ الإجارة ألا ترى أن المشتري لو أجر المبيع ثم وجد به عيبا كان له أن ينقص الإجارة ليرده فهذا أولى .
( قال ) ( وإن اشترى الرجل شيئا إلى الحصاد أو إلى الدياس أو إلى العطاء أو إلى جذاذ النخل أو رجوع الحاج فهذا كله باطل ) بلغنا نحو ذلك عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وقول ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - إلى العطاء فإن عائشة - رضي الله تعالى عنها - كانت تجيز البيع إلى العطاء وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - كان يفسد ذلك .
وابن أبي ليلى - C تعالى - أخذ بقول عائشة - رضي الله تعالى عنها - ( وقال ) البيع جائز والمال حال لأن العقد لما لم يكن صالحا للأجل الذي ذكره لغى ذكره .
فأما عائشة كانت تقول : وقت خروج العطاء معلوم بالعرف لا يتأخر الخروج عنه إلا نادرا فكان هذا بيعا بأجل معلوم ولكنا أخذنا بقول ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - لأن العطاء فعل العباد قد يتقدم وقد يتأخر بحسب ما يبدوا لهم والآجال بالأوقات دون الأفعال قال الله تعالى { قل هي مواقيت للناس والحج } ( البقرة : 189 ) ثم الشرط في البيوع ببدل مؤجل إعلام الأجل كام قال A ( في السلم إلى أجل معلوم ) وإعلام الأجل يكون بما لا يتقدم ولا يتأخر من الأيام والشهور فأما ما يتقدم ويتأخر من أفعال العباد يكون مجهولا وكذلك الحصاد فإنه من أفعالنا وقد يتقدم أو أنه قد يتعجل الحر وقد يتأخر إذا أبطاء البرد والدياس وجذاذ النخل كذلك ورجوع الحاج فعله قد يتقدم وقد يتأخر .
( قال ) ( فإن أ