( تابع . . . 1 ) : ( قال ) الشيخ الإمام الأجل الزاهد - C - اعلم بأن الإباق تمرد .
ولو أن أمة أبقت من مولاها فالتحقت بأرض الحرب ثم أصابها المسلمون فاشتراها رجل متهم فوطئها فولدت له ثم جاء مولاها فإنه يأخذها وعقرها وقيمة ولدها في قول أبي حنيفة وكذلك لو كان الواطئ اشتراها من المشركين وعندهما أم ولد لمن استولدها ولا سبيل لمولاها عليها وهذا بناء على أن الآبق إلى دار الحرب لا يملكه المشركون بالأخذ في قول أبي حنيفة لأنهم لم يحرزوه لكونه في يد نفسه وهي يد محترمة فإذا لم يملكها المشتري منهم ولا المسلمون بالاستيلاء أيضا فمن اشتراها فوطئها فهو بمنزلة المغرور لأنه في الاستيلاء اعتمد ظاهر الشراء وولد المغرور حر بالقيمة وللمستحق أن يأخذ الجارية وعقرها وقيمة ولدها وبه قضى عمر وعلي - رضي الله تعالى عنهما - وعندهما هم يملكون الآبق إليهم بالأخذ فإذا ملكوها ملكها المشتري أيضا وقد استولدها فكانت أم ولد له ولا حق للمولى في استردادها والجعل واجب في رد المدبر وأم الولد لأنهما مملوكان للمولى يستكسبهما بمنزلة القن .
( فإن قيل ) : فأين ذهب قولكم أنه يستوجب الجعل بإحياء المالية في أم الولد خصوصا عند أبي حنيفة .
( قلنا ) : نعم ليس له فيها مالية باعتبار الرقبة ولكن له مالية باعتبار كسبها بخلاف المكاتب فإنه أحق بمكاسبه فلا يكون راده محييا للمولى مالية باعتبار الرقبة ولا باعتبار الكسب فإن مات المولى قبل أن يوصلهما الراد إليه فلا جعل له لأنهما عتقا بموته وراد الحر لا يستوجب الجعل وكذلك إن كان على المدبر سعاية بأن لم يكن للمولى مال سواه فرده على الورثة لم يستوجب الجعل لأن المستسعي بمنزلة المكاتب عند أبي حنيفة وعندهما هو حر عليه دين ولا جعل لراد المكاتب أو الحر فأما إذا وصلهما إلى المولى فقد تقرر حقه في الجعل فلا يسقط بموت المولى وعتقهما بعد ذلك .
وإن كان الآبق بين رجلين أثلاثا فالجعل بينهما على قدر أنصبائهما وجوبه باعتبار إحياء ماليتهما والمالية لصاحب الكثير أكثر منها لصاحب القليل وراد الصغير إذا كان آبقا يستوجب الجعل كراد الكبير غير أنه إن جاء به من مسيرة سفر فله أربعون درهما وإن جاء به مما دون ذلك يرضخ له على قدر عنائه وعناؤه في رد الكبير أكثر منه في رد الصغير فالرضخ يكون بحسب ذلك .
وإذا انتهى الرجل بالعبد الآبق إلى مولاه فلما نظر إليه أعتقه فالجعل واجب عليه لأنه صار قابضا له بإعتاقه ألا ترى أن المشتري إذا أعتق المبيع قبل القبض يصير به قابضا وكذلك إن باعه مولاه من الذي أتاه به لأنه صار قابضا له لما نفذ تصرفه فيه بالتمليك من غيره ولأن سلامة الثمن له باعتبار رد هذا الراد فيكون بمنزلة سلامة العين له . وإن سلمه الراد إلى مولاه فأبق منه ثم جاء به رجل آخر من مسيرة ثلاثة أيام فعلى الولي جعل تام لكل واحد منهما لأن السبب وهو إحياء المالية بالرد على المولى قد تقرر من كل واحد منهما بك .
وإن أخذه في المصر أو خارجا منه ولكن فيما دون مسيرة سفر في القياس لا شيء له لأن التقدير الثابت بالشرع يمنع أن يكون لما دون المقدر حكم المقدر ولأن الجعل إنما يستحقه راد الآبق وتمام الإباق بمسيرة السفر ففيما دونه هو كالضال ولهذا لا يتعلق شيء من أحكام السفر فيما دون مسيرة السفر .
وإن أخذه في المصر أو خارجا منه ولكن فيما دون مسيرة سفر في القياس لا شيء له لأن التقدير الثابت بالشرع يمنع أن يكون لما دون المقدر حكم المقدر ولأن الجعل إنما يستحقه راد الآبق وتمام الإباق بمسيرة السفر ففيما دونه هو كالضال ولهذا لا يتعلق شيء من أحكام السفر فيما دون مسيرة السفر .
وفي الاستحسان له الجعل على قدر المكان والعناء لأن في مدة السفر وجوب الجعل ليس لعين المدة بل لما يلحق من العناء والتعب في رده وقد وجد بعض ذلك فيستوجب من الجعل بقدره ألا ترى أن المالك لو استأجره بمال معلوم ليرده من مسيرة يوم استحق من المسمى بقدره فكذلك فيما هو ثابت شرعا