( قال ) - Bه - ( حربي تزوج امرأة حربية لها زوج ثم أسلما وخرجا إلى دارنا لم تحل له إلا بنكاح جديد ) لأن العقد الذي كان بينهما في دار الحرب لغو فإنها كانت منكوحة الغير يومئذ ونكاح المنكوحة لا يحله أحد من أهل الأديان فكانا أجنبين حين أسلما فلا يحل له أن يطأها إلا بنكاح جديد كما لو لم يسبق بينهما ذلك العقد في دار الحرب وإذا تزوج الحر الحربي أربع نسوة ثم سبى وسبين معه فلا نكاح بينه وبينهن سواء تزوجهن في عقدة أو في عقد لأن الرق المعترض في الزوج ينافي نكاح الأربع بقاء وابتداء وليس بعضهن بأولى من البعض في التفريق بينه وبينها فتقع الفرقة بينه وبينهن كما لو تزوج رضيعتين فجاءت امرأة فأرضعتهما ولا فرق فالمنافي هناك عارض في المحل بعد صحة نكاحهما وهو الأختية وههنا عارض في الزوج بعد صحة نكاحهن فإن كانت قد ماتت امرأتان منهن فنكاح الباقيتين جائز لأنه حين استرق فليس في نكاحه إلا اثنتين ورقه لا ينافي نكاح اثنتين ابتداء ولا بقاء وقد تقدم بيان هذه الفصول في النكاح وذكرنا أنه يكره للمسلم أن يتزوج كتابية في دار الحرب ولا بأس له أن يتناول من ذبائح أهل الكتاب منهم وذلك منقول عن علي - Bه - ثم كراهة النكاح لمعنى كراهة التوطن فيهم أو مخافة أن يبقى له نسل في دار الحرب أو ما فيه من تعريض ولده للرق إذا سبيت والولد في بطنها وذلك لا يوجد في الذبائح وإذا قتل المسلم المستأمن في دار الحرب إنسانا منهم أو استهلك ماله لم يلزمه غرم ذلك إذا خرجوا لأنهم لو فعلوا ذلك به لم يلزمهم غرم فكذلك إذا فعل بهم وهذا لأنهم غير ملتزمين أحكام الإسلام في دار الحرب حيث جرى ذلك بينهم وأكره للمسلم المستأمن إليهم في دينه أن يغدر بهم لأن الغدر حرام ( قال - A - لكل غادر لواء يركز عند باب أسته يوم القيام يعرف به غدرته ) فإن غدر بهم وأخذ ما لهم وأخرجه إلى دار الإسلام كرهت للمسلم شراءه منه إذا علم ذلك لأنه حصله بكسب خبيث وفي الشراء منه إغراء له على مثل هذا السبب وهو مكروه للمسلم والأصل فيه حديث الميغرة بن شعبة ( - Bه - حين قتل أصحابه وجاء بمالهم إلى المدينة فأسلم وطلب من رسول الله - A - أن يخمس ماله فقال أما إسلامك فمقبول وأما مالك فمال غدر فلا حاجة لنا فيه ) .
فإن اشتراه أجزته لأنه صار مالكا للمال بالإحراز والنهي عن الشراء منه ليس لمعنى في عين الشراء فلا يمنع جوازه وإن كانت جارية كرهت للمشتري أن يطأها لأنه قائم فيها مقام البائع وكان يكره للبائع وطئها فكذلك للمشتري وهذا بخلاف المشتراة شراء فاسدا إذا باعها المشتري جاز للثاني وطئها بعد الاستبراء لأن الكراهة في حق الأول لبقاء حق البائع في الاسترداد وقد زال ذلك بالبيع الثاني وههنا الكراهة لمعنى الغدر وكونه مأمورا بردها عليهم دينا وهذا المعنى في حق الثاني كهو في حق الأول فإن أصاب أهل هذه الدار سبايا من غيرهم من أهل الحرب وسع هذا المسلم أن يشتريها منهم لأنهم ملكوا ذلك بالإحراز بمنعتهم فإنهم نهبة يملك بعضهم على بعض نفسه وماله بالإحراز فحل للمستأمن إليهم شراء ذلك منهم كسائر أموالهم وكذلك إن سبي أهل الدار التي هو فيها جاز له أن يشتريهم من السابين لأنهم ملكوهم بالإحراز وقد كانوا على أصل الإباحة في حقه إنما كان الواجب عليه أن لا يغدر بهم وليس ذلك من الغدر في شيء وكذلك لو أن المسلمين وادعوا قوما من أهل الحرب ثم أغار عليهم قوم آخرون أهل حرب لهم فلهذا المسلم أن يشتري السبي منهم لأنهم بالموادعة ما خرجوا من أن يكونوا أهل حرب ولكن علينا أن لا نغدر بهم وقد صاروا مملوكين للسابي بالإحراز فيجوز شراؤه منهم كسائر الأموال وإن كان الذين سبوهم قوم من المسلمين غدروا بأهل الموادعة لم يسع المسلمون أن يشتروا من ذلك السبي وإن اشتروا رددت البيع لأنهم كانوا في أمان من المسلمين فإن أمان بعض المسلمين كأمان الجماعة ولا يملك المسلمون رقاب المستأمنين وأموالهم بالإحراز وهذا بخلاف ما لو كان دخل إليهم رجل بأمان ثم استولى عليهم المسلمون لأن هناك المسلم ما أمنهم ولكنهم أمنوه وكيف يقال قد أمنهم وهو مقهور غير ممتنع منهم فلهذا حل للمسلمين سبيهم وههنا هم في أمان من المسلمين لأنه أمنهم من له منعة من المسلمين وإذا كان قوم من المسلمين مستأمنين في دار الحرب فأغار على تلك الدار قوم من أهل الحرب لم يحل لهؤلاء المسلمين أن يقاتلوهم .
لأن في القتال تعريض النفس فلا يحل ذلك إلا على وجه إعلاء كلمة الله D وإعزاز الدين وذلك لا يوجد ههنا لأن أحكام أهل الشرك غالبة فيهم فلا يستطيع المسلمون أن يحكموا بأحكام أهل الإسلام فكان قتالهم في الصورة لإعلاء كلمة الشرك وذلك لا يحل إلا أن يخافوا على أنفسهم من أولئك فحينئذ لا بأس بأن يقاتلوهم للدفع عن أنفسهم لا لإعلاء كلمة الشرك والأصل فيه حديث جعفر - Bه - فإنه قاتل بالحبشة مع العدو الذي كان قصد النجاشى وإنما فعل ذلك لأنه لما كان مع المسلمين يومئذ آمنا عند النجاشى فكان يخاف على نفسه وعلى المسلمين من غيره فعرفنا أنه لا بأس بذلك عند الخوف وإن أغار أهل الحرب الذي فيهم المسلمون المستأمنون على دار من المسلمين فأسروا ذراري المسلمين إذا كانوا يطيقون القتال لأنهم ما ملكوا ذراري المسلمين بالإحراز فهم ظالمون في استرقاقهم والمستأمنون ما ضمنوا لهم التقرير على الظلم فلا يسعهم إلا قتالهم لاستنقاذ ذراري المسلمين من أيديهم بخلاف الأموال لأنهم ملكوها بالإحراز وقد ضمن المستأمنون أن لا يتعرضوا لهم في أموالهم وكذلك إن كانوا أغاروا على الخوارج وسبوا ذراريهم لأنهم مسلمون فلا تملك ذراريهم بالإحراز بدار الحرب وكذلك إن كان في بلاد الخوارج الذين أغار عليهم أهل الحرب قوم من أهل العدل لم يسعهم إلا أن يقاتلوا عن بيضة المسلمين وحريمهم لأن الخوارج مسلمون ففي القتال معهم إعزاز الدين ولأنهم بهذا القتال يدفعون أهل الحرب عن المسلمين ودفع أهل الحرب عن المسلمين واجب على كل من يقدر عليه فلهذا لا يسعهم إلا أن يقاتلوهم والله سبحانه وتعالى أعلم