( قال ) Bه ( وإذا قال أي غلماني بشرني بكذا فهو حر فبشره بذلك واحد ثم آخر عنق الأول دون الثاني ) لأن الأول بشير والآخر مخبر فإن البشير من يخبره بما غاب عنه علمه فتتغير عند سماعه بشرة وجهه وإنما وجد هذا من الأول دون الثاني وإن بشروه معا عتقوا لأن كل واحد منهم أخبره بما غاب عنه علمه فالعلم بالمخبر به يتعقب الخبر ولا يقترن به والدليل على أن البشارة تتحقق من الجماعة قوله تعالى : { وبشروه بغلام حليم } ( الذاريات : 28 ) ولو بعث أحد غلمانه مع رجل بالبشارة فقال إن غلامك يبشرك بكذا عتق لأن عبارة الرسول كعبارة المرسل فالبشير هو المرسل والرسول مبلغ قال الله تعالى : { إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح } ( آل عمران : 45 ) وإنما سمعت من رسل الله - صلوات الله عليهم - وهم الملائكة ثم كان بشارة من الله تعالى لها وكذلك لو كتب به إليه كتابا لأن البيان بالكتاب كالبيان باللسان .
فإن قال نويت المشافهة لم يعتق لأنه نوى حقيقة كلامه فإن البشارة إنما تكون حقيقة منه إذا سمعه بعبارته .
وإذا قال أي غلماني أخبرني بكذا فالأول والثاني والكاتب والمرسل يعتقون جميعا لأن الخبر متحقق منهم فقد يخبر المرء بما هو معلوم له كما يخبر بما غاب عنه علمه إلا أن يعني المشافهة فتعمل نيته لأنه حقيقة كلامه وقع في بعض نسخ الأصل التسوية بين الإخبار والإعلام والمراد أن الإعلام يحصل بالكتاب والرسول كالإخبار فأما الأعلام لا يكون من الثاني بعد الأول لأن الإعلام ايقاع العلم بالخبر وذلك لا يتكرر بخلاف الأخبار .
ألا ترى أن الرجل يقول أخبرني بهذا غير واحد ولا يقول أعلمني غير واحد .
وإذا قال أي غلماني حدثني فهو على المشافهة بمنزلة قوله كلمني ألا ترى أنا نقول أخبرنا الله بكذا بكتابه أو على لسان رسوله ولا نقول حدثنا الله ولا كلمنا الله .
وإن حلف إن علم بمكان فلان ليخبرنك به ثم علما جميعا فلا بد من أن يخبره ليبر لأن الأخبار يتحقق وإن كان المخبر به معلوما له .
ولو قال ليعلمنك به لم يحنث في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وهو حانث في قول أبي يوسف - C - لأنهما إذا علما جميعا به فما هو شرط بره وهو الإعلام فائت فهو بمنزلة قوله لأشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه وإن قال يوم أفعل كذا فعبده حر ففعله ليلا عتق لأن اليوم يذكر بمعني الوقت قال الله تعالى : { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا } ( الأنفال : 167 ) والرجل يقول انتظر يوم فلان ويذكر والمراد بياض النهار فقلنا إذا قرن به ما يمتد كالصوم علم أن المراد به بياض النهار .
وإذا قرن به ما لا يمتد فالمراد به الوقت وإنما قرن بذكر اليوم هنا فعلا لا يمتد فكان بمعنى الوقت وإن قال نويت النهار دون الليل دين في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه وهي حقيقة مستعملة .
وإن قال ليلة أفعل كذا فهو على الليل خاصة لأن الليل ضد النهار قال الله تعالى : { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } ( الفرقان : 62 ) وكما أن النهار مختص بزمان الضياء فالليل مختص بزمان الظلمة والسواد وإن حلف لا يبيت في مكان كذا فأقام فيه ولم ينم حنث لأن البيتونة هو المكث والقرار بالليل في مكان ولهذا يسمى الموضع الذي يكون المرء فيه بالليل مبيتا واللفظ لا يدل على النوم واليقظة فيحنث نام أو لم ينم إلا أن يعنى النوم فيكون على ما نوى لأنه نوى التخصيص في لفظه والعرف والاستعمال يشهد له وكذلك إن أقام فيه أكثر من نصف الليل .
وإن أقام فيه أقل من نصف الليل لم يحنث لأن الإنسان قد يكون في بعض الليل في غير منزله ثم يرجع إلى منزله .
وإذا سئل أين بات قال في منزلي ولأن الأكثر ينزل منزلة الكمال والأقل تبع للأكثر فإذا أقام فيه أكثر من نصف الليل فكأنه أقام فيه جميع الليل فيحنث وإن حلف لا يظله ظل بيت فدخل بيتا حنث لأن هذا للفظ عبارة عن الدخول في عرف الناس فإنه إنما يظله ظل البيت إذا دخل تحت سقفه وإن أقام في ظله خارجا لم يحنث إلا أن ينوى ذلك لأن لفظه عبارة عن الدخول لغلبة الاستعمال ولم يوجد ذلك وإن حلف لا يأويه بيت فآواه بيت ساعة من الليل أو النهار ثم خرج لم يحنث حتى يكون فيه أكثر من نصف الليل أو النهار في قول أبي يوسف - C تعالى - الأول لأن الإيواء والبيتوتة تتقارب في الاستعمال إلا أن البيتوتة تستعمل في الليل خاصة يقال بات فلان يفعل كذا إذا فعل ليلا وظل يفعل كذا إذا فعله نهارا فأما الإيواء يستعمل فيهما ثم البيتوتة لا تكون إلا في أكثر من نصف الليل فكذلك الإيواء لا يكون إلا في أكثر من نصف الليل أو النهار ثم رجع وقال : إذا دخل ساعة حنث وهو قول محمد - C تعالى - لأن الإيواء بالحصول في مكان قال الله تعالى : { سآوي إلى جبل يعصمني } ( هود : 43 ) أي التجيء إليه فأكون فيه .
وقال أبو سعيد الخدري لابن عباس - Bهم - لا آواني وإياك ظل بيت ما دمت على هذا القول أي لا أجتمع معك وقال E ( ما آواه الحرز ففيه القطع ) فإذا آواه الحرز أي حصل فيه فإذا دخل البيت ساعة وجد الإيواء فيحنث ولو أدخل إحدى قدميه لم يحنث لأنه ما حصل في البيت بإدخال إحدى القدمين وكذلك إن أدخل جسده وهو قائم ولم يدخل رجليه لم يحنث لأن اعتماد القائم على رجليه والجسد تبع للرجلين فإذا لم يدخلهما لم يكن حاصلا في البيت فلا يحنث والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب