( قال ) ( وإذا حلف ليعطين فلانا ماله رأس الشهر أو عند الهلال ولا نية له فله الليلة التي يهل فيها الهلال ويومها كلها ) لأن الشهر جزء من الزمان يشتمل على الليل والنهار ورأس كل شهر أوله فأول الليلة وأول اليوم من الشهر يكون رأس الشهر .
ألا ترى أن في العرف يقال اليوم رأس الشهر وإنما أهل البارحة وعند عبارة عن القرب وذكره في المعنى وذكر الرأس سواء وإن حلف ليعطينه حقه صلاة الظهر فله وقت الظهر كله لأن الصلاة تذكر بمعنى الوقت قال - E - إن للصلاة أولا وآخرا والمراد الوقت ولأن الإعطاء إنما يكون في الزمان لا في الصلاة فعرفنا أن مراده الوقت .
وإن قال عند طلوع الشمس أو حين تطلع الشمس فهو إلى أن تبيض لأن صاحب الشرع نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس ثم النهي يمتد إلى أن تبيض .
وإن قال ضحوة فوقت الضحوة من حين تبيض الشمس إلى أن تزول .
وإن قال مساء فالمساء مساءان أحدهما بعد الزوال والآخر بعد غروب الشمس فأيهما نوى صحت نيته وإن قال سحرا فوقت السحر مما بعد ذهاب ثلثي الليل إلى طلوع الفجر الثاني .
فإن لم يعطه حتى مضى الوقت الذي سماه حنث لفوات شرط البر .
وإن قال يوم كذا فله ذلك اليوم كله فإذا غابت الشمس قبل أن يعطيه حنث لأن اليوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ألا ترى أن صوم اليوم يتأدى بوجود الإمساك في هذا القدر .
وإن أعطاه قبل مجيء الوقت المسمى أو وهبه له أو أبرأه منه ثم جاء الوقت وليس عليه شيء لم يحنث في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - لما بينا أن اليمين المؤقتة إنما تنعقد موجبا في آخر الوقت المسمى وعند ذلك لا حق له عليه وفي مثله لا ينعقد اليمين عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - خلافا لأبي يوسف - C تعالى .
ولو مات أحدهما قبل مضي الوقت لم يحنث لأن شرط حنثه ترك فعل الأداء في آخر ذلك الوقت إليه ولا يتحقق ذلك إذا مات أحدهما قبله وكذلك لو قضى إلى وكيل الطالب بر لأن دفعه إلى وكيل الطالب كدفعه إلى الطالب .
وإن حلف لا يعطيه حتى يأذن له فلان فمات فلان قبل أن يأذن له فأعطاه لم يحنث في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى .
ويحنث في قول أبي يوسف - C - لأنه عقد يمينه على فعل الإعطاء وجعل لذلك غاية وهو إذن فلان فبموت فلان تفوت الغاية وذلك يوجب صيرورة اليمين مطلقة لإطلاقها وإذن فلان كان مانعا من الحنث فبفواته يتحقق اتحاد شرط الحنث ولا ينعدم وهما يقولان المعقود عليه حرمة الدفع إلى غاية وهو إذن فلان وقد فات إذنه بموته فيفوت المعقود عليه والعقد لا يبقى بعد فوات المعقود عليه .
توضيحه : أنها لو بقيت حرمة الدفع مطلقا لا مؤقتا وهذا المطلق لم يكن ثابتا بيمينه فلا يثبت من بعد ولأنه جعل شرط حنثه ترك الاستئذان من فلان قبل الإعطاء وذلك لا يتحقق بعد موت فلان فمن هذا الوجه يفوت شرط الحنث بموت فلان .
وإن حلف ليقضين فلانا ماله وفلان قد مات وهو لا يعلم به لم يكن عليه حنث في يمينه .
وإن كان يعلم بموته حين حلف حنث وكذلك لو حلف ليضربنه أو ليكلمنه أو ليقتلنه وهذا قول أبي حنيفة ومحمد .
وقال أبو يوسف - رضوان الله عليهم أجمعين - : يحنث علم أو لم يعلم لأنه أضاف اليمين إلى محلها فانعقدت ثم شرط البر فات منه وفوات شرط البر يوجب الحنث كما لو كان عالما بموته أو كان حيا فمات قبل أن يقتله .
وبيان الوصف أن محل اليمين خبر في المستقبل سواء كان الحالف قادرا عليه أو عاجزا عنه .
ألا ترى أنه لو قال والله لأمسن السماء أو لأحولن هذا الحجر ذهبا انعقدت يمينه لأنه عقدها على خبر في المستقبل وإن كان هو عاجزا عن إيجاده فهذا مثله .
وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - قالا محل اليمين المعقودة خبر فيه رجاء الصدق لأنها تعقد للحظر أو للإيجاب أو لإظهار معنى الصدق وذلك لا يتحقق فيما ليس فيه رجاء الصدق فلا تنعقد أصلا كاليمين الغموس ثم إذا كان لا يعلم بموته فمقصوده إزهاق روح موجودة فيه وقت اليمين ولا تصور لهذا إذا كان ميتا .
وإذا كان يعلم بموته فمقصوده إزهاق روح يحدثه الله تعالى فيه إذا أحياه وذلك متوهم فانعقدت يمينه ثم حنث لوقوع اليأس عما هو شرط البر ظاهرا وعلى هذا والله لأشربن هذا الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء في الكوز لا تنعقد يمينه في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - لأنه عقد يمينه على خبر ليس فيه رجاء الصدق إلا أنه لا فرق هنا بين أن يعلم أن الكوز لا ماء فيه أو لا يعلم لأنه عقد اليمين على شرب الماء الموجود في الكوز والله تعالى وإن أحدث في الكوز ماء فليس هو الماء الذي كان موجودا في الكوز وقت اليمين بخلاف مسألة القتل إذا كان يعلم بموت فلان لأن عقد يمينه على فعل القتل في فلان فإذا أحياه الله تعالى فهو فلان فكان ما عقد عليه اليمين متوهما ووزان هذا في مسألة الكوز أن لو قال لأقتلن هذا الميت فإن يمينه لا ينعقد لأنه لا تصور لما حلف عليه فإنه إذا أحياه الله تعالى حتى يتحقق فيه فعل القتل لا يكون ميتا .
وفي مسألة القتل رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - على ضد ما ذكره في الأصل أنه إذا كان لا يعلم بموته ينعقد يمينه باعتبار ما يتوهمه بجعله كالموجود حقيقة في حقه وإن كان يعلم بموته لا تنعقد يمينه ولكن الأول أصح .
فأما إذا حلف ليمسن السماء فهو آثم في هذه اليمين لأن المقصود باليمين تعظيم المقسم به وإنما يحصل بيمينه هتك حرمة الإسم باستعمال اليمين في هذا المحل ولكن عليه الكفارة عندنا خلافا لزفر - C تعالى - فإنه يعتبر لعقد اليمين أن يكون ما يحلف عليه في وسعه إيجاده وذلك غير موجود هنا .
ولكنا نقول انعقاد اليمين باعتبار توهم الصدق في الخبر وذلك موجود فإن السماء عين ممسوس والملائكة يصعدون السماء ولو أقدره الله تعالى على صعود السماء يصعد وكذلك الحجر محل قابل للتحول لوجوده فانعقدت يمينه ثم حنث في الحال لعجزه عن إيجاد شرط البر ظاهرا وذلك كاف للحنث .
ألا ترى أن في الفعل الذي يقدر عليه يحنث إذا مات قبل أن يفعله لوجود العجز عن إيجاد شرط البر ظاهرا ولا فائدة في انتظار الموت هنا لأن ذلك العجز ثابت في الحال ولا يقال إعادة الزمان الماضي في قدرة الله تعالى أيضا وقد فعله لسليمان - صلوات الله عليه - فكان ينبغي أن ينعقد اليمين الغموس بالطريق الذي قلتم وهذا لأن هناك أخبر عن فعل قد وجد منه وذلك لا كون له والله تعالى وإن أعاد الزمان الماضي لا يصير الفعل موجودا من الحالف حتى يفعله .
وفي مسألة مس السماء لو وقت يمينه لم يحنث ما لم يمض ذلك الوقت لما بينا أن انعقاد اليمين المؤقتة في آخر الوقت المسمى .
وعن أبي يوسف - C تعالى - أنه يحنث في الحال لأنه إنما يتوقت انعقاد اليمين إذا كان ما حلف عليه في وسعه إيجاده عند ذلك .
فأما إذا لم يكن في وسعه إيجاده كان توقيته لغوا فيحنث في الحال وهكذا على مذهبه في مسألة شرب الماء الذي في الكوز إذا وقت يمينه فإن كان في الكوز ماء لم يحنث إلا في آخر الوقت .
وإن لم يكن في الكوز ماء حنث في الحال ولو حلف بطلاق امرأته ليأتين البصرة فمات قبل ذلك طلقت عند الموت لأن بموته فات شرط البر وهو إتيان البصرة ولا نقول أنه يحنث بعد موته ولكنه كما أشرف على الموت وتحقق عجزه عن إتيان البصرة حنث حتى إن كان لم يدخل بها فلا ميراث لها ولا عدة عليها وإن كان قد دخل بها فلها الميراث وعليها العدة وتعتد إلى أبعد الأجلين بمنزلة امرأة الفار .
فإن ماتت هي وهو حي لم تطلق لأن قادر على إتيان البصرة بعد موتها فلم يتحقق شرط الحنث بموتها .
ولو حلف بطلاق امرأته إن لم تأت البصرة هي فماتت فلا ميراث للزوج لأنها لما أشرفت على الموت فقد تحقق عجزها عن إتيان البصرة فتطلق ثلاثا قبل موتها .
ولو مات الزوج كان لها الميراث لأنها تقدر على إتيان البصرة بعد موته ولو حلف بعتق كل مملوك له لا يكلم فلانا فإنما يتناول هذا اللفظ الموجود في ملكه حين حلف فإن بقي في ملكه إلى وقت الكلام عتق وإلا فلا .
فإن لم يكن في ملكه حين حلف مملوك لم ينعقد يمينه .
ولو قال إذا كلمت فلانا فكل مملوك لي يوم أكلمه حر فهو كما قال إذا ملك مملوكا ثم كلمه عتق .
وإن قال كل مملوك أشتريه حر يوم أكلم فلانا فاشترى رقيقا ثم كلم فلانا ثم اشترى آخرين عتق الذين اشتراهم قبل الكلام ولم يعتق الذين اشتراهم بعد الكلام لأن قوله كل مملوك أشتريه شرط وقوله فهو حر يوم أكلم فلانا جزاء لما بينا أن الجزاء ما يتعقب حرف الجزاء فإنما جعل الجزاء عتقا معلقا بالكلام وهذا يتحقق في الذين اشتراهم قبل الكلام ولو تناول كلامه الذين اشتراهم بعد الكلام لعتقوا بنفس الشراء فلم يكن هذا هو الجزاء الذي علقه بالشراء .
وإن حلف بعتق عبده إن لم يكلم فلانا فمات الحالف عتق العبد من ثلثه لأن شرط حنثه فوت الكلام في حياته وذلك يتحقق عند موته فكان هذا بمنزلة العتق في المرض فيعتبر من ثلثه .
وإن مات المحلوف عليه وبقي الحالف عتق العبد لفوات شرط البر وهو الكلام مع فلان فإن الميت لا يكلم فإن المقصود من الكلام الإفهام وذلك لا يحصل بعد الموت .
وإن حلف لا يطلق امرأته فأمر رجلا فطلقها أو جعل أمرها بيدها فطلقت نفسها . حنث لأن الموقع للطلاق هو الزوج ولكن بعبارة الوكيل أو بعبارتها وحقوق العقد في الطلاق لا تتعلق بالعاقد بل هو معبر عن الآمر فكأنه طلقها بنفسه إلا أن يكون نوى أن يتكلم به بلسانه فحينئذ يدين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء لأنه نوى التخصيص ولأن الظاهر أن مقصوده أن لا يفارقها ويحتمل أن يكون مقصوده أن لا يتكلم بطلاقها ولكن القاضي مأمور باتباع الظاهر والله تعالى مطلع على ما في ضميره .
ولهذا لو خلعها وقال أنت بائن حنث لأن ما منع نفسه منه وقصده بيمينه قد أتى به ولو آلى منها فمضت المدة بانت وحنث في يمينه في قول أبي يوسف - C تعالى - لأن الإيلاء طلاق مؤجل فعند مضي المدة يقع الطلاق ويكون مضافا إلى الزوج .
وعند زفر - C تعالى - لا يحنث لأن الطلاق إنما وقع حكما باعتبار دفع الضرر عنها فلا يكون شرط الحنث به موجودا وعلى هذا لو كان الزوج عنينا ففرق القاضي بينهما بعد مضي المدة لم يحنث في قول زفر - C تعالى .
وعن أبي يوسف - C تعالى - هنا روايتان : في إحداهما سوى بين هذا وبين الإيلاء لأن القاضي نائب عن الزوج في الطلاق شرعا بعد مضي المدة .
وفي الأخرى : فرق بينهما فقال هنا لم يوجد من الزوج معنى يصير به مباشرا للطلاق وذلك شرط حنثه والعتق قياس الطلاق لأن الحقوق فيه تتعلق بمن وقع له دون من باشره .
فأما إذا حلف لا يبيع ولا يشتري فأمر غيره ففعل ذلك لم يحنث لأن حقوق العقد في البيع والشراء تتعلق بالعاقد والعاقد لغيره بمنزلة العاقد لنفسه فيما يرجع إلى حقوق العقد فلا يصير الحالف بفعل الوكيل عاقدا إلا أن يكون نوى أن لا يأمر غيره فحينئذ قد شدد الأمر على نفسه بنيته .
وكذلك إن كان الحالف ممن لا يباشر البيع والشراء بنفسه لأن اليمين تتقيد بما عرف من مقصود الحالف وإن حلف لا يتزوج امرأة فأمر غيره فزوجه حنث لأن حقوق العقد في النكاح تتعلق بالآمر دون العاقد ولأن الوكيل لا يضيف العقد إلى نفسه وإنما يضيف إلى الموكل فكان بمنزلة الرسول .
وكذلك إن زوجه بغير أمره فأجازه بالقول حنث لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء .
وعن محمد - C تعالى - أنه لا يحنث لأن في أصل العقد العاقد ليس بمعبر عنه إذا لم يكن مأمورا به من جهته والإجازة ليست بعقد ألا ترى أن ما هو شرط النكاح وهو الشهود لا يشترط عند الإجازة فلهذا لا يحنث وفي الإجازة بالفعل اختلاف المشايخ .
( قال ) Bه ( والأصح عندي أنه لا يحنث ) لأن عقد النكاح يختص بالقول حتى لا ينعقد بالفعل بحال ولا يمكن أن يجعل المجيز بالفعل عاقدا حقيقة ولا حكما إنما يكون راضيا وشرط حنثه العقد دون الرضا .
وإن قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق إن كلمت فلانا فتزوج امرأة قبل الكلام وأخرى بعده تطلق التي تزوج قبل الكلام خاصة لما بينا أن التزوج شرط والطلاق جزاء معلق بالكلام وذلك يتحقق في التي تزوجها قبل الكلام دون التي يتزوجها بعد الكلام لأنها لو طلقت طلقت بنفس التزوج وذلك لم يكن جزاء شرطه وفيه اختلاف زفر - C تعالى - وقد بيناه في الجامع وبينا هناك الفرق بين ما إذا وقت يمينه فقال إلى ثلثين سنة وبين ما إذا لم يوقت وبينما إذا قدم الشرط أو أخر وقال إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فإنما تطلق بهذا اللفظ التي تزوجها بعد الكلام وقت يمينه أو لم يوقت .
وإذا حلف لا يبيع لرجل شيئا قد سماه بعينه فباعه لآخر طلبه إليه لم يحنث وكذلك الشراء لأن معنى قوله لا أبيع لفلان أي لأجل فلان وما باع لأجله حين أمره به غيره وإنما باعه لأجل من أمر به بخلاف ما لو قال لا أبيع ثوبا لفلان لأن معنى هذا الكلام لا أبيع ثوبا هو مملوك لفلان وقد وجد ذلك وإن أمره به غيره وإيضاح هذا الفرق في الجامع .
وإن حلف لا يهب لفلان هبة فوهب ولم يقبل فلان أو قبل ولم يقبض فهو حانث عندنا .
وقال زفر - C تعالى - لا يحنث لأن الهبة عقد تمليك كالبيع وفي البيع لا يحنث ما لم يقبل المشتري لأن الملك لا يحصل قبل قبوله فكذلك في الهبة ولهذا قال زفر - C تعالى - في البيع لو باعه بيعا فاسدا لم يحنث حتى يقبضه المشتري ولكنا نقول الهبة تبرع وذلك يتم في جانب المتبرع بفعله لأنه إيجاب لا يقابله استيجاب وذلك يتم بالموجب في حقه كالإقرار بخلاف البيع فإنه معاوضة وإيجاب يقابله استيجاب والدليل عليه العرف فإن الرجل يقول وهبت لفلان فرد علي هبتي وأهديت إليه فرد علي هديتي .
وكذلك كل عقد هو تبرع كالصدقة والقرض حتى لو حلف لا يقرض فلانا شيئا فأقرضه ولم يقبل حنث إلا في رواية عن أبي يوسف - C تعالى - قال في القرض لا يحنث كما في البيع فإن القرض عقد ضمان فإنه يوجب ضمان المثل على المستقرض وذلك لا يحصل إلا بقبضة وعلى هذه الرواية يفرق أبو يوسف - C تعالى - بين هذا وبين ما إذا حلف لا يستقرض فإنه يحنث إذا طلب القرض من آخر وإن لم يقرضه لأن السين في قوله استقرضت لمعنى السؤال فإنما شرط حنثه طلب القرض وقد وجد بخلاف ما لو حلف لا يقرض أو حلف لا يهب فأمر غيره حتى فعل حنث .
وكذلك لو حلف لا يكسوه أو لا يحمله على دابة لأن هذا من العقود التي لا تتعلق الحقوق فيها بالعاقد .
ألا ترى أنه يقال كسا الأمير فلانا وإنما أمر غيره به وإن حلف ليضر بن عبده أو ليخيطن ثوبه أو ليبنين داره فأمر غيره ففعل بر في يمينه لأنه هو الفاعل لذلك وإن أمر غيره به فإن في العرف يقال بنى فلان دارا أو خاط فلان ثوبا على معنى أنه أمر غيره به وإن لم يكن هو بناء ولا خياطا إلا أن يكون عنى أن يبنيه بيده فحينئذ المنوي حقيقة فعله وفيه تشديد عليه وكذلك كل شيء يحسن فيه أن يقول فعلته وقد فعل وكيله .
ولو حلف على حر ليضربنه فأمر غيره فضربه لم يبر حتى يضربه بيده لأنه لا ولاية له على الحر فلا يعتبر أمره فيه ألا ترى أنه لا يثبت للضارب حل الضرب باعتبار أمرة بخلاف العبد فإنه مملوك له عليه ولاية فأمر غيره بضربه معتبر .
ألا ترى أن الضارب يستفيد به حل الضرب ولأن العادة الظاهرة أن الإنسان يترفع من ضرب عبده بيده وإنما يأمر به غيره فعرفنا أن ذلك مقصوده ولا يوجد مثله في حق الحر إلا أن يكون الحالف السلطان أو القاضي فحينئذ يبر إذا أمر غيره بضربه لأنه لا يباشر الضرب بنفسه عادة وضرب الغير بأمره يضاف إليه فيقال الأمير اليوم ضرب فلانا وضرب القاضي فلانا الحد إلا أن ينوي أن يضربه بيده فحينئذ نوى حقيقة كلامه فتعمل نيته ويدين في القضاء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب