( قال ) Bه ( رجل قال لأمته ما في بطنك حر ثم قال إن حبلت فسالم حر فولدت بعد هذا القول لأقل من سنتين فالقول فيه قول المولى ) لجواز أن يكون هذا الولد موجودا في البطن وقت الإيجاب فإنما يعتق هذا أو كان من حبل حادث فإنما يعتق سالم وقد بينا أن العلوق إنما يستند إلى أقرب الأوقات إذا لم يكن فيه إثبات عتق بالشك فأما إذا كان فيه إثبات عتق بالشك فإنما يعتبر اليقين لأن بالشك لا يزول وهنا تيقنا بحرية أحدهما فالبيان فيه إلي المولى كما لو قال لعبدين له أحدكما حر .
فإن أقر أنها كانت حاملا يومئذ فهذا منه إقرار بعتق الولد وإن أقر أنه حبل مستقبل عتق سالم لإقراره به وإن جاءت به لأكثر من سنتين عتق سالم لأنا تيقنا أنه من علوق حادث .
( رجل أوصى بما في بطن أمته لرجل فأعتقه الموصى له بعد موته فإن عتقه جائز وهو مولاه ) لأن الوصية أخت الميراث فكما أن الجنين يملك بالإرث فكذلك بالوصية وعتق الموصي له في ملكه نافذ فإن ضرب إنسان بطنها فألقته ميتا ففيه ما في جنين الحرة وهو ميراث لمولاه الذي أعتقه لأن بدل نفس الجنين موروث عنه وأبواه مملوكان فكان ميراثا لمولاه .
ولو أوصى بما في بطن أمته لفلان فأعتقه الموصى له به وأعتق الوارث الأمة وأعتق مولى الزوج زوج الأمة فولاء الولد للموصي لأنه مقصود بالعتق من جهته .
فإن ضرب إنسان بطنها فألقته ميتا ففيه ما في جنين الحرة ميراثا لأبويه لأنهما حران عند وجوب بدل نفس الجنين فإن كانا أعتقا بعد الضربة قبل أن يسقط أو بعد الاسقاط فالغرة للذي أعتق الولد لأنه يحكم بموت الجنين عند الضربة ولهذا وجب البدل به وعند ذلك كانا مملوكين فلا يرثانه وإن عتقا بعد ذلك بل الميراث للمعتق وإنما يستقيم هذا الجواب وهو أن ولاء الجنين للمعتق إذا كان عتق ما في البطن أولا أو كانا سواء .
فأما إذا أعتق الوارث الأم أولا فإن الجنين يعتق بعتق الأم ويكون الوارث ضامنا للموصى له قيمة الجنين يوم تلد ولا يتصور الإعتاق من جهته في الجنين بعد ذلك ولا يثبت له ولاؤه .
وإذا أعتق الرجل ما في بطن أمته فولدت لستة أشهر فقالت للمولى قد أقررت أني حامل بقولك ما في بطنك حر وقال المولى هذا حبل حادث فالقول قول المولى لأنكاره العتق وما تقدم لا يكون إقرارا منه بوجود الولد في البطن يومئذ بل معناه ما في بطنك حر إن كان في بطنك ولد ولو أعتق أمته وهي معتدة فجاءت بولد لتمام سنتين من وقت وجود العدة عليها فهو مولى لموالي الأم لأنا حكمنا بأن العلوق كان سابقا على إعتاقه إياها حين أثبتنا نسب الولد من الزوج .
فإن ولدت ولدين أحدهما لتمام سنتين والآخر بعد ذلك بيوم فكذلك أيضا هكذا ذكره في الأصل وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى .
فأما عند محمد - C تعالى - يكون الولد لموالي الأب هنا وكأنها ولدتهما لأكثر من سنتين قال اتبع الشك اليقين وهما يتبعان الثاني الأول وقد بينا هذا فيما أمليناه من شرح الزيادات .
ولا يمين في الولاء في قول أبي حنيفة - C تعالى - إن ادعى الأعلى أو الأسفل .
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - فيه اليمين وقد بينا هذا مع نظائره في كتاب النكاح والدعوى ولا خلاف أن المولى إذا جحد العتق فإنه يستحلف لأن العتق مما يعمل فيه البدل فيجري فيه الاستحلاف وعند نكوله يقضى بالعتق ثم الولاء ينبني عليه وهو نظير المرأة تستحلف في انقضاء العدة ثم إذا نكلت ينبني عليه صحة رجعة الزوج .
وكذلك لو ادعى رجل عربي على ورثة ميت قد ترك ابنة ومالا أنه مولاه الذي أعتقه وله نصف ميراثه فلا يمين على الابنة في الولاء ولكن تحلف أنها ما تعلم له في ميراث أبيها حقا ولا إرثا لأن هذا استحلاف في المال والمال مما يعمل فيه البدل وهو كمن ادعى ميراثا بنسب لا يستحلف المنكر على النسب عنده ويستحلف على الميراث .
وإن ادعى عربي على نبطي أنه والاه وجحده النبطي فلا يمين عليه في قول أبي حنيفة - C تعالى - وولاء الموالاة في هذا كولاء العتاقة .
فإن أقر به بعد انكاره فهو مولاه ولا يكون جحوده نقضا للولاء وكذلك لو كان العربي هو الجاحد لأن النقض تصرف في العقد بالرفع بعد الثبوت وإنكار أصل الشيء لا يكون تصرفا فيه بالرفع كإنكار الزوج لأصل النكاح .
وإن ادعى نبطي على عربي أنه مولاه الذي أعتقه والعربي غائب ثم ادعى النبطي ذلك على آخر وأراد استحلافه فإنه لا حلف لوجهين : .
( أحدهما ) أن أبا حنيفة - C تعالى - لا يرى الاستحلاف في الولاء .
( والثاني ) أنه قد ادعي ذلك على غيره ولو أقر الثاني له بذلك لم يكن مولاه في قول أبي حنيفة - C تعالى - فكيف يستحلف على ذلك .
وعندهما : إن قدم الغائب فادعى الولاء فهو أحق به وإن أنكر فهو مولى للثاني .
( رجل من الموالي قتل رجلا خطأ فادعى ورثته على رجل من قبيلة أنه أعتقه وأرادوا استحلافه فليس لهم ذلك ) لأنه لا يمين في الولاء ولأنه ليس بخصم لهم وإن أقر الرجل به لم يصدق على العاقلة لأنه متهم في حق العاقلة وإنما يريد أن يلزمهم مالا بإقراره وهو لا يملك أن يلزمهم ذلك بإنشاء التصرف في هذه الحالة فكذلك بالإقرار وتكون الدية على القاتل في ماله لأن أصل وجوب الدية عليه في ماله .
وإن كان المقتول من الموالى فادعى رجل أنه أعتقه قبل القتل وأنه لا وارث له غيره وأراد استحلاف القاتل على الولاء وهو مقر بالقتل لم يستحلف عليه ولكن يحلف ما يعلم لهذا في دية فلأن المسمى عليك حقا لأنه لو أقر بما ادعاه المدعى أمر بتسليم الدية إليه فإذا أنكر يستحلف على ذلك لرجاء نكوله فأما أصل الولاء فلا يمين فيه على من يدعيه فكيف على غيره .
( وولد الملاعنة من قوم أمه وعقل جنايته عليهم ) لأنه لا نسب له ولا ولاء من جانب الأب فيكون منسوبا إلى قوم الأم بالنسب إن كانت من العرب وبالولاء إن كانت من الموالي فإن أعتق ابن الملاعنة عبدا فعقل جنايته على عاقلة الأم أيضا لأن المعتق منسوب بالولاء إلى من ينسب إليه المعتق بواسطة وقد بينا أن المعتق منسوب إلى قوم أمه عليهم عقل جنايته فكذلك معتقه .
وإن مات العبد بعد موت الابن وأمه ولا وارث له غيره ورثه أقرب الناس من الأم من العصبات لأن الولد لما كان منسوبا إليها كانت هي في حقه كالأب ولو كان له أب كان ميراث معتقه لأقرب عصبة الأب بعد موته فكذلك هنا .
ولو كان لها ابن ثم مات المولى ولا وارث له غير ابن الأم وهو أخ المعتق لأمه فإنه يرث المولى كأنه أخ المعتق لأبيه وأمه ولأن هذا الابن أقرب عصبة الأم في نسبة المعتق إليها كالأب فكذلك ابنها في استحقاق ميراث المعتق كابن الأب .
ولو كان للمعتق أخ وأخت كان ميراث المولى للأخ دون الأخت لهذين المعنيين ولو لم يكن له وارث غير أمه لم يكن لها من الميراث شيء لما بينا أنه لا يرث من النساء بالولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن وكان الميراث لأقرب الناس منها من العصبات لأنها لما لم ترث شيئا كانت كالميتة .
فإن ادعاه الأب وهو حي ثبت نسبه منه لأن النسب قد استتر باللعان بعد ما كان ثابتا منه بالفراش وبقي موقوفا على حقه .
فإذا ادعاه في حال قيام حاجته ثبت نسبه منه ورجع ولاء مواليه العتاقة والموالاة إليه ويرجع عاقلة الأم بما عقلوا عنهم علي عاقلة الأب وما كانوا متبرعين في هذا الأداء بل كانوا مجبرين عليه في الحكم فيرجعون عليهم .
وقد بينا الفرق بين هذا وبين ما إذا جر الأب ولاء الولد بعد ما عقل عنه موالي الأم وإنما يرجعون على عاقلة الأب لما بينا أن النسب إنما يثبت من وقت العلوق فتبين أن عاقلة الأم أدوا ما كان مستحقا على عاقلة الأب وإن كان الابن ميتا لم تجز دعوة الأب إلا أن يكون بقي له ولد لأنه بالموت استغني عن النسب فدعوى الأب لا تكون إقرارا بالنسب بل تكون دعوى للميراث وهو في ذلك متناقض .
فإن خلف الود ابنا فحاجة ابن الابن كحاجة الابن في تصحيح دعوى الأب .
ولو كان ولد الملاعنة بنتا فماتت وتركت ولدا ثم ادعاه الأب جازت دعوته في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - لأن موتها عن ولد كموت ابن الملاعنة عن ولد وهذا لأن ولدها محتاج إلى إثبات نسب أمه ليصير كريم الطرفين .
وفي قول أبي حنيفة - C تعالى - لم تجز دعوته لأن نسبة هذا الولد إلى أبيه دون أمه فإن الولد من قوم أبيه .
ألا ترى أن إبراهيم بن رسول الله - A - ورضي عنه - كان من قريش وأن أولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة فلا معتبر بوجود هذا الولد لما لم يكن منسوبا إليها فلهذا لا تصح دعوة الأب وإن كان ولد الملاعنة أعتق عبدا ثم مات لا عن ولد فادعى الأب نسبه لم يصدق باعتبار بقاء مولاه لأن الولاء أثر الملك ولو بقي له أصل الملك على العبد لم يصدق هو في الدعوة باعتباره فبقاء الولاء أولى وهذا لأنه إنما يعتبر بقاء من يصير منسوبا إليه بالنسب إذا صحت دعوته والمولى لا يصير منسوبا إليه بالنسب .
وإذا لاعن بولدي توأم ثم أعتق أحدهما عبدا ومات فادعى الأب الحي منهما ثبت نسبهما لأنهما خلقا من ماء واحد فبقاء أحدهما محتاجا إلى النسبة كبقائهما وإذا ثبت نسبهما جر الأب ولاء معتق الميت منهما إلى نفسه كما لو كان ثابت النسب منه حين أعتقه .
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب وإليه المرجع والمآب .
قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد انتهى شرح كتاب الولاء بطريق الاملاء من الممتحن بأنواع البلاء يسأل من الله تعالى تبديل البلاء والجلاء بالعز والعلاء فإن ذلك عليه يسير وهو على ما يشاء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطاهرين