( قال ) Bه ( رجل أقر أنه مولى فلان مولى عتاقة من فوق أو من تحت وصدقه الآخر فهو مولى له ويعقل عنه قومه ) لأن الولاء كالنسب والإقرار بالنسب صحيح من الأب والابن جميعا فكذلك الإقرار بالولاء وهذا لأن الأسفل يقر على نفسه بأنه منسوب إلى الأعلى بالولاء والأعلى يقر على نفسه بأنه منسوب إليه وأن عليه نصرته وإقرار كل واحد منهما على نفسه نافذ .
وإن كان له أولاد كبار وأنكروا ذلك وقالوا أبونا مولى عتاقة لفلان آخر فالأب يصدق على نفسه والأولاد مصدقون على أنفسهم لأنه لا ولاية للأب عليهم بعد البلوغ في عقد الولاء فكذلك في الإقرار به وهم يملكون مباشرة عقد الولاء على أنفسهم بعد البلوغ فيملكون الإقرار به .
وإذا ثبت هذا في ولاء الموالاة فكذلك في ولاء العتاقة لأنهما في النسبة والنصرة سواء وإن كان الأولاد صغارا كان الأب مصدقا عليهم لأنه يملك مباشرة عقد الولاء عليهم بولاية الأبوة فينفذ إقراره عليهم أيضا ولأن الصغار من الأولاد يتبعونه في الإسلام ولا يعتبر اعتقادهم بخلافه .
فإن كانت لهم أم فقالت أنا مولاة فلان وصدقها مولاها بذلك فالولد مولى موالي الأب لأن كل واحد من الأبوين أصل في حق نفسه .
ولو كان ولاء كل واحد منهما معروفا كان الولد مولى لموالي الأب .
ولو قالت الأم للأب أنت عبد فلان وقال كنت عبد فلان فأعتقني وصدقه فلان فالقول قول الأب لأن بتصادقهما ظهر في جانب الأب ولاء فلا يلتفت إلى قولهما في حق الولد بعد ذلك .
وكذلك لو قالت هم ولدي من غيرك لأن الولد للفراش وفراش الزوج عليها ظاهر فلا تصدق فيما تدعي من فراش آخر عليها غير معلوم .
ولو قالت ولدته بعد عتقي بخمسة أشهر فهو مولى لموالي وقال الزوج ولدتيه بعد عتقك بستة أشهر فالقول قول الزوج لأن الولاء كالنسب .
وفي مثل هذا لو اختلفا في النسب بأن قالت المرأة ولدته بعد النكاح لأقل من ستة أشهر وقال الزوج بل لستة أشهر كان القول قول الزوج لظهور فراشه عليها في الحال فكذلك في الولاء لظهور ولاء الأب في الحال وهو موجب جر ولاء الولد ما لم يعلم أنه كان مقصودا بالعتق .
( امرأة في يدها ولد لا يعرف أبوه أقرت أنها معتقة هذا الرجل وصدقها ذلك الرجل لم تصدق على الابن في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - وهي مصدقة في قول أبي حنيفة ) لأن عند أبي حنيفة - C تعالى - هي تملك مباشرة عقد الولاء على ولدها ويتبعها الولد في الإسلام فتصدق في الإقرار عليه بالولاء أيضا .
وكذلك إن قالت كان زوجي رجلا من أهل الأرض أسلم أو كان عبدا صدقت على الولد في قول أبي حنيفة ولا تصدق في قولهما لأن عندهما لا تملك مباشرة عقد الولاء عليه .
وإن كان زوجها رجلا من العرب وهي لا تعرف فأقرت أنها مولى عتاقة لرجل صدقت على نفسها ولا تصدق على الولد في قول أبي حنيفة لأن الولد بماله من النسب مستغن عن الولاء واعتبار قولها عليه لمنفعة الولد فإذا لم توجد المنفعة هنا لا يعتبر قولها عليه بخلاف ما سبق والإقرار بولاء العتاقة والولاء سواء في الصحة والمرض كالإقرار بالنسب وهذا لأن تصرفه في المرض إنما يتعلق بالمحل الذي يتعلق به حق الغرماء والورثة وذلك غير موجود في الولاء .
وإذا قال فلان مولى لي قد أعتقته وقال فلان بل أنا أعتقتك لم يصدق واحد منهما على صاحبه في قول أبي حنيفة اعتبارا للولاء بالسبب .
ولو قال أنا مولى لفلان وفلان اعتقاني فأقر أحدهما بذلك وأنكر الآخر وحلف ما أعتقته فهو بمنزلة عبد بين اثنين يعتقه أحدهما .
وإن قال أنا مولى فلان أعتقني ثم قال لا بل أعتقني فلان فهو مولى للأول لأنه رجع عن الإقرار بالولاء للأول وهو لا يملك ذلك وبعد ما ثبت عليه الولاء للأول لا يصح إقراره بالولاء للثاني .
ولو قال أعتقني فلان أو فلان وادعى كل واحد منهما فهذا الإقرار باطل لجهالة المقر له فإن الإقرار للمجهول غير ملزم إياه شيئا فيقر بعد ذلك لأيهما شاء أو لغيرهما أنه مولاه فيجوز ذلك كما لو لم يوجد الإقرار الأول .
( رجل أقر أنه مولى لامرأة أعتقته فقالت لم أعتقك ولكنك أسلمت على يدي وواليتني فهو مولاها ) لأنهما تصادقا على ثبوت أصل الولاء واختلفا في سببه والأسباب غير مطلوبة لأعيانها بل لأحكامها وليس له أن يتحول عنها في قول أبي حنيفة - C - وله ذلك في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - لأنه إنما يثبت عليه بإقراره مقدار ما وجد فيه التصديق وذلك لا يمنعه من التحول .
وأبو حنيفة - C - يقول : المقر يعامل في إقراره كأن ما أقر به حق وفي زعمه أن عليه ولاء عتاقة لها وذلك يمنعه من التحول .
وأصل المسألة في النسب إذا أقر لإنسان فكذبه ثم ادعاه لم يصح في قول أبي حنيفة - C تعالى - وهو صحيح في قولهما وقد بيناه في العتاق .
وإن أقر أنه أسلم على يدها ووالاها وقالت بل أعتقتك فهو مولاها وله أن يتحول عنها ما لم يعقل عنه قومها لأن الثابت عند التصديق مقدار ما أقر به المقر وهو إنما أقر بولاء الموالاة وذلك لا يمنعه من التحول ما لم يتأكد بعقل الجناية .
وإن أقر أن فلانا أعتقه وقال فلان ما أعتقتك ولا أعرفك فأقر أنه مولى لآخر لا يجوز ذلك في قول أبي حنيفة - C تعالى - ويجوز في قولهما اعتبارا للولاء بالنسب وفي النسب في نظيره خلاف ظاهر منهم فكذلك في الولاء .
وإذا مات رجل وادعى رجلان كل واحد منهما أنه أعتقه وصدق بعض أولاده من الذكور والإناث أحدهما وصدق الباقون الآخر فكل مولي للذي صدقه لأن الأولاد البالغين كل واحد منهم أصل في مباشرة الولاء على نفسه ذكرا كان أو أنثى فكذلك إقرار كل واحد منهما بالولاء للذي صدقه صحيح في حق نفسه والله سبحانه أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب