( قال ) Bه ( واللقيط حر يرثه بيت المال ويعقل عنه ) هكذا نقل عن عمر وعلي - Bهما - وهذا لأن الحرية والإسلام تثبت له باعتبار الدار فيكون ولاؤه لأهل دار الإسلام يرثونه ويعقلونه جنايته ومال بيت المال مال المسلمين بخلاف مال من عليه ولاء موقوف لأن ذلك منسوب إلى المعتق وهذا غير منسوب إلى أحد حتى لو والى اللقيط إنسانا قبل أن يعقل عنه بيت المال جنايته فولاؤه له لأنه صار منسوبا إليه بالولاء حين عاقده وولاؤه لبيت المال لم يتأكد بعقل الجناية حتى لو تأكد بعقل الجناية لم يملك أن يوالي أحدا .
( فإن قيل ) الولاء عليه للمسلمين ثبت شرعا فلا يملك إبطاله بعقده كولاء العتق .
( قلنا ) : نعم ولكن ثبوته لمعنى ذلك المعنى يزول بالعقد وهو أنه غير منسوب إلى أحد بخلاف مولي العتاقة فإن ثبوت الولاء عليه لمعنى لا يزول ذلك بالعقد وحكم موالى اللقيط كحكم اللقيط لأنهم ينسبون إليه بولاء العتق أو الموالاة وولاؤه للمسلمين فكذلك ولاء مواليه كما في معتق المعتق وكذلك الكافر أسلم ولا يوالي أحدا لأنه غير منسوب إلى أحد بالولاء وهو من أهل دار الإسلام فهو كاللقيط .
فإن كان بينه وبين رجل من العرب عبد فأعتقاه فجنى جناية كان نصف الجناية على عاقلة العربي لأن نصف ولائه له ونصفها على بيت المال لأن نصف ولائه لمن هو مولى المسلمين .
وكذلك إذا ادعيا ولدا وأقاما البينة فهو ولدهما ونصف جنايته على قبيلة العربي ونصفه على بيت المال باعتبار ثبوت نسبه من اللقيط والعربي جميعا .
( قال ) ( ذمي أعتق مسلما أو كافرا فأسلم الكافر كان ميراثه لبيت المال ) لأنه مولى الكافر ولكن الكافر لا يرث المسلم وعقله على نفسه لأنه منسوب بالولاء إلى إنسان ولا يمكن إيجاب عقل جنايته على بيت المال ولا وجه لإيجابه على الكافر لأن الكفار لا ينصر المسلم فكان عقل جنايته على نفسه ألا ترى أنه لو مات مولاه ولا عشيرة له من الكفار كان ماله مصروفا إلى بيت المال .
( قال ) ( ولو جنى جناية كان عقل جنايته على نفسه فكذلك حال المعتق وهذا إذا لم يكن للذمي عشيرة من المسلمين فإن كان له ذلك فميراثه له ) لأنه أقرب عصبة من المعتق .
وإن والى هذا المعتق رجلا لم يجز لأن عليه ولاء عتاقة لكافر فلا يتمكن من إبطاله بعقد الموالاة .
وإن أسلم مولاه المعتق ووالي رجلا صار هذا المعتق مولاه لأنه كان منسوبا إليه بالولاء وقد صار مولى لمن عاقده .
نصراني أعتق عبدا له مسلما كان ولاؤه لقبيلة مولاه الذي أعتقه إن كان من بني تغلب فهو تغلبي منسوب إليهم يعقلون عنه ويرث المسلمون منهم أقربهم إلى مولاه عصوبة لأن الولاء يثبت للمعتق وإن كان نصرانيا إلا أنه لا يرث لكونه مخالفا له في الدين فيقوم أقرب عصبته مقامه في استحقاق ميراثه وعقل جنايته على قبيلة مولاه كعقل جناية مولاه لأنه منسوب إليهم بالولاء وكل معتق جرى عليه الرق بعد العتق انتقض به الولاء الأول وكان حكم الولاء للعتق الذي يحدث من بعد عندنا .
وعند الشافعي - Bه - لا ينتقض الأول بالاسترقاق فربما يقول لا يسترق من عليه ولاء لمسلم لأن الولاء كالنسب ولا يبطل النسب بالاسترقاق أو لمراعاة حق المسلم في الولاء لا يجوز استرقاقه كالحرية المتأكدة بالإسلام لا يجوز إبطالها بالرق .
( ولكنا ) نقول سبب الولاء الأول قد انعدم بالاسترقاق وهو العتق وقوة المالكية التي حدثت فيه ولا بقاء للحكم بعد بطلان السبب ولا يجوز أن يمتنع الاسترقاق لأن سببه قد تقرر فلا يمتنع إلا لمانع وهي العصمة ولا عصمة باعتبار الولاء كما لا عصمة له باعتبار نسب المسلم حتى يجوز استرقاق الحربي وإن كان له والد مسلم وإذا صار رقيقا للثاني فأعتقه فقد اكتسب سبب الولاء عليه لنفسه فلهذا كان .
مولى له حربي أعتق عبدا في دار الحرب ثم خرجا مسلمين كان له أن يوالي من شاء لما بينا أن عتقه في دار الحرب باطل لأنه إن لم يخل سبيله فلا ولاية له عليه وإن خلى سبيله كان عتقه نافذا ولكن لا يثبت الولاء له لأن ذلك من حكم الإسلام فلا يجرى على أهل الحرب ولئن ثبت الولاء فهو أثر من آثار الملك ولا حرمة لملكه فكذلك لا حرمة لأثر ملكه ولكن بإحراز العبد نفسه في دار الإسلام يبطل ذلك كله فله أن يوالي من شاء .
( حربي دخل دارنا بأمان فاشترى عبدا فأعتقه أو أعتق عبدا جاء به من دار الحرب معه ثم رجع إلى دار الحرب فأسر وجرى عليه الرق فمعتقه مولاه لا يتحول عنه أبدا ) لأن سبب ثبوت الولاء له العتق وإحداث القوة في المملوك وذلك باق بعد ما صار رقيقا وضعف حاله بسبب الرق لا يكون فوق ضعف حاله بالموت والولاء الثابت للمعتق لا يبطل بالموت فكذلك برقه .
( فإن قيل ) : الرق الذي حدث فيه ينافي ابتداء الولاء بالعتق وإن تقرر سببه منه كما بينا في المكاتب فكذلك ينافي بقاءه .
( قلنا ) : لا كذلك ولكن الرق مناف حقيقة الملك وعليه يترتب العتق الذي يعقبه الولاء ولا حاجة إلى ذلك في إبقاء الولاء وهو نظير الموت في أنه ينافي الملك وابتداء الولاء للميت ولا ينافي بقاءه .
فإن مات معتقه كان ميراثه في بيت المال لأن مولاه رقيق لا يرثه وليس له عشيرة من المسلمين فيوضع ماله في بيت المال نصيب كل مال ضائع وعقل جنايته على نفسه لأنه منسوب بالولاء إلى إنسان .
فإن عتق هذا الحربي صار مولى لمعتقه وكذلك معتقه يكون مولى له بواسطة .
أم ولد لحربي خرجت إلينا مسلمة فهي حرة توالي من شاءت لما بينا أنها أحرزت نفسها بدار الإسلام .
ولو كانت قنة فأحرزت نفسها بالدار كانت تعتق لملكها نفسها ولا ولاء عليها لأحد فكذلك إذا كانت أم ولد ولهذا كان لها أن توالي من شاءت والأصل فيه ما روى ( أن ستة من عبيد أهل الطائف خرجوا مسلمين حين كان رسول الله - A - محاصرا لهم ثم خرج مواليهم يطلبون ولاءهم فقال النبي - A - أولئك عتقاء الله ) .
( مسلم دخل دار الحرب بأمان أو أسلم حربي هناك ثم أعتق عبدا اشتراه في دار الحرب ثم أسلم عبده لم يكن مولاه في القياس وله أن يوالي من شاء في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - ) لأن ثبوت الولاء عليه من حكم الإسلام وحكم الإسلام لا يجري على الحربي في دار الحرب فإذا لم يثبت على هذا المعتق الحربي ولاء حين أسلم فله أن يوالي من شاء .
وقال أبو يوسف أجعله مولاه استحسانا لما ورد في الخبر من عتق النبي - E - زيد بن حارثة وعتق أبو بكر - Bه - سبعة ممن كان يعذب في الله تعالى بمكة منهم صهيب وبلال وكان ولاؤهم له .
وقال أبو حنيفة - C تعالى - كان هذا قبل أن يؤمر بالقتال وقبل أن تصير مكة دار الحرب وإنما صارت دار حرب بعد ما هاجر رسول الله - A - منها وأمر بالقتال فجرى حكم الإسلام في دار الإسلام على أن أولئك المعتقين كانوا مسلمين وكانوا يعذبون بمكة .
والمسلم إذا أعتق عبدا مسلما في دار الحرب فولاؤه له .
( حربي اشترى في دار الإسلام عبدا فأعتقه ثم رجع الحربي إلى دار الحرب فأسر واسترق فاشتراه معتقه وأعتقه فولاء الأول للآخر وولاء الآخر للأول ) لأنه تقرر من كل واحد منهما اكتساب سبب الولاء في صاحبه ولا منافاة بين الولاءين لأنه إذا كان يجوز نسبة كل واحد من الأخوين بالأخوة إلى صاحبه فكذلك نسبة كل واحد من المعتقين إلى صاحبه بالولاء حربي مستأمن اشترى عبدا مسلما فأدخله دار الحرب فهو حر عند أبي حنيفة - C تعالى - وقد بيناه في كتاب العتاق ولا يكون ولاؤه للذي أدخله في قول أبي حنيفة - C تعالى - لأنه إنما عتق بعد وصوله إلى دار الحرب وزوال العصمة عن ملك الحربي وثبوت الولاء باعتبار عصمة الملك فإذا لم يبق لملكه عصمة لا يثبت له ولاؤه .
وعند أبي يوسف ومحمد إن أعتقه الذي أدخله فولاؤه له لأن المسلم من أهل دار الإسلام .
وإن كان في دار الحرب فهو ملتزم لحكم الإسلام فيثبت الولاء له بالعتق .
ولكن أبو حنيفة - C تعالى - يقول : إنما عتق لملكه نفسه لأنه لما دخل دار الحرب حل له قتل مولاه وأخذ ماله وهو قاهر لمولاه في حق نفسه فيعتق بملكه نفسه ولهذا لا يكون عليه ولاء .
وإذا أسلم عبد الحربي في دار الحرب لم يعتق بنفس الإسلام لأنه لم يكن محرزا نفسه بدار الإسلام قبل هذا وملكه نفسه بالإحراز بخلاف الأول على قول أبي حنيفة - C تعالى - فإنه كان محرزا نفسه بدار الإسلام ولم يبطل ذلك بإدخال الحربي إياه دار الحرب .
فإن باعه الحربي من مسلم أو حربي مثله فهو حر في قول أبي حنيفة - C تعالى - لأن ملك الحربي زال عنه بالبيع وملك الحربي متى زال عن العبد المسلم في دار الحرب يزول إلى العتق كما لو خرج مراغما .
وعندهما لا يعتق لأن المشتري يخلف البائع في ملكه وهي مسألة السير فإن غنمه المسلمون عتق بالإتفاق لأن يده في نفسه أقرب من أيدي المسلمين إليه فيصير محرزا نفسه بمنعة الجيش .
( قال ) ( حربي خرج مستأمنا في تجارة لمولاه فأسلم لم يعتق ولكن الإمام يبيعه ويمسك ثمنه على مولاه ) لأن مالية الحربي فيه صار معصوما بالأمان فلا يعتق ولكن بعد الإسلام لا يجوز إبقاء المسلم في ملك الكافر ألا ترى أن مولاه لو كان معه يجبره الإمام على بيعه ولم يتركه ليرجع به إلى دار الحرب فإذا لم يكن المولى معه ناب الإمام عنه في البيع ويمسك ثمنه على مولاه حتى يجيء فيأخذه .
وكذلك لو كان أسلم في دار الحرب ثم خرج إلينا في تجارة لمولاه لأنه ما قصد بالخروج إحراز نفسه على مولاه فهو كما لو خرج مع مولاه في تجارة بخلاف ما إذا خرج مراغما لأنه قصد إحراز نفسه عن مولاه فكان حرا يوالي من شاء ما لم يعقل عنه بيت المال فإن عقل عنه بيت المال لم يكن له أن يوالي أحدا لأن ولاءه للمسلمين قد تأكد بعقد جنايته .
( رجل ارتد ولحق بدار الحرب فمات مولى له قد كان أعتقه قبل ردته فورثه الرجال من ورثته دون النساء ثم خرج ثانيا أخذ ما وجد من مال نفسه في يد ورثته ولم يأخذ ما وجد من مال مولاه في أيديهم ) لأنه كان مرتدا حين مات مولاه والمرتد لا يرث وإنما يعاد إليه بعد الإسلام المال الذي كان له قبل الردة فأما ما لم يكن مملوكا قط لا يعاد إليه لأنه لو أسلم كان هذا ملكا مبتدأ له وبسبب إسلامه لا يستحق تملك المال على أحد ابتداء وكذلك إن كان في دار الإسلام حين مات مولاه لأنه مرتد فلا يرث المسلم ولكن يجعل هو كالميت في إرث مولاه فيكون ميراثه لأقرب عصبة منه من المسلمين .
( امرأة من بني أسد أعتقت عبدا لها في ردتها أو قبل ردتها ثم لحقت بدار الحرب فسبيت فاشتراها رجل من همدان فأعتقها فإنه يعقل عن العبد بنو أسد في قول أبي يوسف - C تعالى - الأول وترثه المرأة إن لم يكن له وارث ) لأن قبل ردتها كان عقل جناية هذا المعتق على بني أسد باعتبار نسبة المعتقة إليهم وذلك باق بعد السبي فإن النسب لا ينقطع بالسبي وبعد ما عتقت هي منسوبة إليهم بالنسب أيضا فكان عقل جنايته عليهم .
ألا ترى أنه بعد السبي قبل العتق كان الحكم هكذا فلا يزداد بالعتق إلا وكادة ثم رجع يعقوب عن هذا . وقال : يعقل عنه همدان وهو قول محمد - C تعالى - لأن المعتقة لما سبيت فأعتقت صارت منسوبة بالولاء إلى قبيلة معتقها فكذلك معتقها يكون منسوبا إليهم بواسطتها وهذا لأن ولاء العتق في الحكم أقوى من النسب ألا ترى أن عقل جنايتها يكون على قوم معتقها .
ولو أعتقت بعد هذا عبدا كان مولى لقوم معتقها فكذلك ما سبق وقبل الردة إنما كان المعتبر النسبة لانعدام ولاء العتق عليها .
فإذا ظهر ولاء العتق كان الحكم له كما ينسب الولد بالولاء إلى قوم أمه ما لم يظهر له ولاء في جانب أبيه فإذا ظهر كان الحكم له وكذلك لو كانت معتقة للأولين لما بينا أن الولاء الثابت عليها للأولين قد بطل حين سبيت وأعتقت فكذلك ما يبتنى عليه من ولاء معتقها .
( رجل ذمي أعتق عبدا فأسلم العبد ثم نقض الذمي العهد ولحق بدار الحرب فليس للعبد أن يوالي أحدا ) لأن الولاء ثابت عليه لمعتقه وإن صار حربيا باعتبار أن صيرورته حربيا كموته .
وإن جنى جناية لم يعقل عنه بيت المال وكانت عليه في ماله لأنه منسوب بالولاء للإنسان وإنما يعقل بيت المال عمن لا عشيرة له من المسلمين ولا ورثة .
وإذا أسلمت امرأة من أهل الذمة ثم أعتقت عبدا ثم ارتدت ولحقت بدار الحرب ثم سبي أبوها من دار الحرب كافرا فأعتقه رجل لم يجر ولاء مولاها لأنها حرة حربية فلا تصير مولى لموالي أبيها لما بينا أن حكم الإسلام لا يجري على الحربية في دار الحرب وإنما ينجر ولاء معتقها إلى موالي الأب بواسطتها فإذا لم تثبت هذه الواسطة في حقهم لا ينجر إليهم الولاء .
فإن كان مولاها الذي أعتقته مسلما فجنى جناية فعقله على بيت المال لأنها حين أعتقت العبد كان ولاؤها لبيت المال ألا ترى أنها لو جنت كان عقل جنايتها على بيت المال فيثبت ذلك الحكم في حق مولاها ثم يبقى بعد ردتها كما يبقى بعد موتها لو ماتت لأن من هو من أهل دار الحرب فهو في حق المسلمين كالميت .
( امرأة من العجم أسلمت ثم أعتقت عبدا ثم سبي أبوها فاشتراه رجل فأعتقه فإن ولاء المرأة وولاء مولاها إلى موالي الأب وينجر بواسطتها ولاء معتقها إلى موالي الأب أيضا ) وهذا لأن ثبوت الولاء عليها للمسلمين لا يمنعها من أن توالي إنسانا فلا يمنع جر ولائها إلى قوم الأب بعد ما عتق الأب .
( حربي أو مرتد أسلم في دار الحرب ثم أعتق عبدا مسلما ثم رجع عن الإسلام فأسر فأسلم العبد وأبي المولى أن يسلم فقتل فولاء العبد للمولى لا يتحول عنه ) لأن قتله بعد الردة كموته والولاء الثابت لا يبطل بموته فإن كان له عشيرة كان عقله عليهم وإن لم يكن له عشيرة فميراثه لبيت المال وعقله على نفسه لما بينا أنه منسوب بالولاء إلى إنسان بعينه فلا يعقل عنه بيت المال فإذا تعذر إيجاب عقل جنايته على غيره جعل على نفسه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب