( قال ) رضي الله تعالى عنه ( رجل اشترى من رجل عبدا ثم شهد أن البائع كان أعتقه قبل أن يبيعه فهو حر وولاؤه موقوف إذا جحد ذلك البائع ) لأن المشتري مالك له في الظاهر وقد أقر بحريته بعتق نفذ فيه ممن يملكه ولو أنشأ فيه عتقا نفذ منه فكذلك إذا أقر بحريته بسبب صحيح ثم كل واحد منهما ينفي الولاء عن نفسه فالبائع يقول المشتري كاذب وإنما عتق عليه بإقراره والمشتري يقول عتق على البائع وولاؤه له وليس لواحد منهما ولاية إلزام صاحبه الولاء فبقي موقوفا فإن صدقه البائع بعد ذلك لزمه الولاء ورد الثمن لأنه أقر ببطلان البيع وإنه كان حرا من جهته حين باعه وكذلك إن صدقه ورثته بعد موته أما في حق رد الثمن فلأنه أوجب من التركة والتركة حقهم وأما في حق الولاء ففي القياس لا يعتبر تصديق الورثة لأنهم يلزمون الميت ولاء قد أنكره وليس لهم عليه ولاية إلزام الولاء ألا ترى أنهم لو أعتقوا عنه عبدا لم يلزمه ولاؤه فكذلك هذا .
ولكنه استحسن فقال : ورثته يخلفونه بعد موته ويقومون مقامه في حقوقه فيكون تصديقهم كتصديقه في حياته ألا ترى أن في النسب يجعل إقرار جميع الورثة إذا كانوا عددا كإقرار المورث فكذلك في الولاء .
وإن كان أقر بالتدبير فأنكره البائع فهو موقوف لا يخدم واحدا منهما لأن كل واحد منهما تبرأ عن خدمته ولكنه يكتسب فينفق على نفسه .
فإذا مات البائع عتق لأن المشتري مقر أنه مدبر البائع قد عتق بموته والبائع كان مقرا أنه ملك المشتري وأن إقراره فيه نافذ فيحكم بعتقه وولاؤه موقوف فإن صدقه الورثة لزم الولاء البائع استحسانا لما قلنا .
( أمة بين رجلين شهد كل واحد منهما أنها ولدت من صاحبه وصاحبه ينكر فإنها تبقى موقوفة لا تخدم واحدا منهما ) .
لأن كل واحد منهما يتبرأ عنها ويزعم أنها أم ولد صاحبه وأن حقه في ضمان نصف القيمة على صاحبه فتبقى موقوفة حتى يموت أحدهما فإذا مات أحدهما عتقت لأن الحي منهما مقر بأنها كانت أم ولد للميت وقد عتقت بموته والميت منهما كان مقرا بأنها أم ولد الحي وأن إقراره فيها نافذ فيعتق باتفاقهما وولاؤها موقوف لأن كل واحد منهما ينفيه عن نفسه .
( أمة لرجل معروفة أنها له ولدت من آخر فقال رب الأمة بعتكها بألف وقال الآخر بل زوجتنيها فالولد حر ) لأن في زعم والده أنه ملك لمولى الأمة فإنه استولدها بالنكاح ومولى الأمة يزعم أنه حر لأنه باعها من أب الولد وإنما استولد ملك نفسه فيثبت حرية الولد لاتفاقهما على ذلك عند إقرار مولى الأمة به وولاؤه موقوف لأن مولى الأمة ينفي ولاءه عن نفسه ويقول هو حر الأصل علق في ملك أبيه والجارية موقوفة بمنزلة أم الولد لا يطأها واحد منهما ولا يستخدمها ولا يستغلها لأن أب الولد يتبرأ عنها لإنكاره الشراء ويزعم أنها أمة لمولاها ومولاها يقول هي أم ولد لأب الولد لأني قد بعتها منه فتبقى موقوفة بمنزلة أم الولد لأن مولاها أقر بذلك وأب الولد مقر بأن إقرار مولاها فيها نافذ فإذا مات أب الولد عتقت لأن مولاها مقر بأنها عتقت بعد موت أب الولد لكونها أم ولد وأب الولد كان مقرا بأن إقرار مولاها فيها نافذ فلهذا عتقت وولاؤها موقوف لأن كل واحد منهما ينفيه عن نفسه ويأخذ البائع العقر من أب الولد قصاصا من الثمن لتصادقهما على وجوب هذا القدر من المال له عليه فإن أب الولد يزعم أنه دخل بها بالنكاح فعليه صداقها لمولاها ومولاها يزعم أنه باعها منه فعليه الثمن وبعد ما تصادقا على وجوب المال في ذمته لا يعتبر اختلافهما في السبب ولكن يؤمر من عليه بأن يؤدي ذلك من الوجه الذي يدعيه ويقبضه الآخر من الوجه الذي يدعي أنه واجب له .
( رجل أقر أن أباه أعتق عبده في صحته أو في مرضه ولا وارث له سواه فولاؤه موقوف في القياس ولا يصدق على الأب ) لأنه أقر بما لا يملك إنشاءه فإنه لا يملك أن يلزم ولاءه أباه بإنشاء العتق فلا يصدق في الإقرار به لكونه متهما في حق أبيه ولأن الولاء كالنسب وبإقرار الوارث إذا كان واحدا لا يثبت النسب عن أبيه فكذلك لا يثبت الولاء له ولكنه استحسن وألزم ولاءه الأب إذا كان عصبتهما واحدا وقومهما من حي واحد لأن الولاء أثر الملك وإقراره في أصل الملك بعد موت الأب كإقرار الأب له في حياته فكذلك في أثره ثم الإرث بحكم ذلك الولاء إنما يثبت للابن المقر كما لو أعتقه بنفسه وعقد الجناية يكون على قومه .
فإذا كانا من حي واحد فهو غير متهم في حق قومه لأنه لو أنشأ عتقه بنفسه يلزمهم عقل جنايته فكذلك إذا أقر به على أبيه وإن كان الأب أعتقه قوم والابن أعتقه آخرون فالولاء موقوف لأنه متهم في حق موالي الأب فإنه لا يملك أن يلزمهم عقل جنايته بإنشاء العتق فيكون متهما في الإقرار به وهذا الفصل نظير النسب لأنه لا يملك إثبات حكمه في حق الأب وقومه بطريق الإنشاء فلا يصدق في الإقرار به أيضا .
وإن كان معه ابن آخر فكذبه كان له أن يستسعي العبد في حصته لأن نصف العبد مملوك وهو يزعم أن صاحبه قد أفسده عليه بإقراره كاذبا ولم يصر بذلك ضامنا كما لو شهد على شريكه بالعتق بل احتبس نصيبه عند العبد فله أن يستسعيه في نصف قيمته .
ثم عند أبي حنيفة - C تعالى - ولاء هذا النصف للذي استسعاه لأنه يدعيه ويزعم أنه عتق على ملكه بأداء السعاية وولاء النصف الآخر للميت لأن الولد المقر يزعم أن ولاء الكل للميت وإقراره صحيح فيما هو من حقه كما لو لم يكن معه غيره ولهذا جعلنا ولاء حصته للميت إذا كان قومهما واحدا .
وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - ولاء النصف الذي هو نصيب المقر للميت لهذا المعنى أيضا وولاء النصف الذي استسعاه موقوف لأن عندهما العتق لا يتجزى فالذي استسعاه يتبرأ من الولاء ويقول إنما عتق هذا النصف بإقرار شريكي لأن إقراره كالعتق فالولاء في الكل له والمقر يزعم أنه ليس له بل هو للميت فيتعارض قولهما في نصيب الذي استسعاه فيبقى موقوفا حتى يرجع أحدهما إلى تصديق صاحبه وكذلك إن كان في الورثة رجال ونساء فأقرت امرأة منهم بذلك .
( فإن قيل ) : على قولهما لما أقر المستسعي بولاء نصيبه لصاحبه وصاحبه مقر به للميت فينبغي أن يثبت ولاء العبد كله من الميت .
( قلنا ) : نعم ولكن من ضرورة إثبات كل الولاء من الميت الحكم بأنه عتق من جهة الميت وذلك يسقط حق المستسعي في السعاية فلإبقاء حقه في السعاية جعلنا ولاء هذا النصف موقوفا .
( عبد بين رجلين قال أحدهما : إن لم يكن دخل أمس المسجد فهو حر وقال الآخر : إن كان دخل فهو حر ) قد بينا هذه المسألة في كتاب العتاق في الإسقاط نصف السعاية عن المملوك أعادها لبيان حكم الولاء وهو أنهما إذا كانا معسرين يسعى العبد في نصف قيمته بينهما والولاء بينهما في قول أبي حنيفة - C تعالى - لأن نصيب كل واحد عتق على ملكه باعتبار ما أدى إليه من السعاية وما سقط بإسقاطه لا باعتبار الأحوال فيكون لكل واحد منهما ولاء نصيبه .
وفي قول أبي يوسف - C تعالى - الولاء موقوف لأن كل واحد منهما ينفيه عن نفسه ويزعم أن صاحبه حانث وأن الكل عتق من جهته لأن العتق عنده لا يتجزى فلهذا كان الولاء موقوفا .
وعلى قول محمد - C تعالى - يسعى في قيمته كاملة لها والولاء موقوف لأن العتق عند محمد - C تعالى - لا يتجزى فكل واحد منهما يزعم أن صاحبه حانث وأن الولاء كله له فلهذا يتوقف الولاء وكل ولاء موقوف فميراثه يوقف في بيت المال لأنه لصاحب الولاء وهو غير معلوم والمال الذي لا يعرف مستحقه يوقف في بيت المال حتى يظهر مستحقه وجنايته على نفسه لا يعقل عنه بيت المال لأن بيت المال لا يرث ماله إنما يوقف المال فيه ليظهر مستحقه فلا يعقل جنايته أيضا وهذا لأن بيت المال إنما يعقل جناية من يكون ولاؤه للمسلمين ومن عليه ولاء عتاقة لا يكون ولاؤه للمسلمين ونحن نتيقن أن على هذا الرجل ولاء عتاقة فلهذا لا يجعل عقل جنايته على بيت المال والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب