( قال ) رضي الله تعالى عنه ( وإذا كاتب المسلم عبدا كافرا ثم إن المكاتب كاتب أمة مسلمة ثم أدى الأول فعتق فولاؤه لمولاه وإن كان كافرا ) لأن الولاء كالنسب ونسب الكافر قد يكون ثابتا من المسلم فكذلك يثبت الولاء للمسلم على الكافر إذا تقرر سببه ولأن الولاء أثر من آثار الملك وأصل الملك يثبت للمسلم على الكافر فكذلك أثره ولكنه لا يرثه لكونه مخالفا له في الملة وشرط الإرث الموافقة في الملة ولا يعقل عنه جنايته لأن عقل الجناية باعتبار النصرة والمسلم لا ينصر الكافر فإذا أدت الأمة فعتقت فولاؤها للمكاتب الكافر لأنها عتقت من جهته على ملكه وهو من أهل أن يثبت الولاء له لكونه حرا وكما يثبت الملك للكافر على المسلم فكذلك الولاء أو يعتبر بالنسب ونسب المسلم قد يكون ثابتا من الكافر .
فإن ماتت فميراثها للمولى المسلم .
وإن جنت فعقل جنايتها على عاقلة المولى المسلم لأن مولاها وهو المكاتب الكافر ليس من أهل أن يرثها ولا أن يعقل جنايتها فيجعل كالميت وعند الموت معتقه يقوم مقامة في ولاء معتقه في حكم الإرث وعقل الجناية فهذا مثله .
( فإن قيل ) : فأي فائدة في إثبات الولاء للمسلم على الكافر وللكافر على المسلم إذا كان لا يرثه ولا يعقل جنايته بعد ذلك .
( قلنا ) : أما فائدته النسبة إليها بالولاء كالنسب مع أن الكافر قد يسلم فيرثه ويعقل جنايته بعد ذلك وبعد الإسلام قد ظهرت من الوجه الذي قلنا أن المولى المسلم معتقه فيرثه ويعقل جنايتها عاقلته .
رجل باع مكاتبا فبيعه باطل لأنه استحق نفسه بالكتابة وفي بيعه إبطال هذا الحق الثابت له وقد صار بمنزلة الحر يدا فلا يقدر المولى على تسليمه بحكم البيع ومالية رقبته صار كالتاوي لأن حق المولى في بدل الكتابة دون مالية الرقبة .
فإن أعتقه المشتري بعد القبض فقبضه باطل وهو مكاتب على حاله لأنه مع بقاء الكتابة ليس بمحل للبيع كالحر والبيع لا ينفذ بدون المحل والملك لا يثبت بالقبض إذا لم يكن العقد منعقدا فلهذا كان عتق المشتري باطلا .
وإن قال المكاتب قد عجزت وكسر المكاتبة فباعه المولى فبيعه جائز لأن المكاتب يملك فسخ الكتابة بأن يعجز نفسه فإنما صادفه البيع من المولى وهو قن .
وكذلك لو باع المكاتب برضاه يجوز في ظاهر الرواية لما روينا من حديث بريرة ولأنهما قصدا تصحيح البيع ولا وجه لذلك إلا بتقديم فسخ الكتابة فيتقدم فسخ الكتابة ليصح البيع وقد بينا ما في هذا الفصل من اختلاف الروايات فيما أمليناه من شرح الجامع .
( رجل كاتب عبده على ألف وهي حالة فكاتب العبد أمة على ألفين ثم وكل العبد مولاه بقبض الألفين منها على أن ألفا منها قضاء له من مكاتبته ففعل فإن ولاء الأمة للمولى ) لأن المولى وكيل عبده في قبض الألفين منها فتعتق هي بالأداء إليه ثم المولى يقبض إحدى الألفين لنفسه بعد ما يقبضه للمكاتب فتبين بهذا أن عتقها يسبق عتق المكاتب .
ولو أدت إلى المكاتب فعتقت قبل عتق المكاتب كان ولاؤها للمولى لأن المكاتب ليس من أهل أن يثبت له الولاء فيخلفه مولاه في ذلك فهذا مثله ولأنا نعلم أن المكاتب لم يعتق قبلها وما لم يعتق قبلها لا يكون هو أهلا لولائها وليس للعبد المأذون له أن يعتق .
وإن أذن له مولاه فيه إذا كان عليه دين لأن كسبه حق غرمائه وكما لا يكون للمولى أن يعتق كسبه إذا كان عليه دين فكذلك لا يكون له أن يأذن للعبد فيه أو ينيبه مناب نفسه وإن فعل والدين على العبد يحيط بكسبه ورقبته ففي نفوذه اختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه - رحمهم الله تعالى - بناء على أن المولى هل يملك كسب العبد المديون ؟ وهي مسألة المأذون وإن لم يكن عليه دين جاز ذلك منه بإذن المولى لأن المولى يملك مباشرته بنفسه فإن كسبه خالص ملكه فيملك أن ينيب العبد مناب نفسه .
وكذلك الكتابة فإن كاتب عبدا بإذن المولى ثم أعتقه مولاه ثم أدى المكاتب المكاتبة عتق وولاؤه للمولى دون العبد المعتق لأن العبد كان نائبا عن المولى في عقد الكتابة كالوكيل .
ألا ترى أن المولى هو الذي يقبض بدل الكتابة منه فإنما عتق عند الأداء على ملك المولى ولهذا كان الولاء له وهذا بخلاف مكاتب المكاتب إذا أدى بعد ما أعتق الأول لأن الثاني مكاتب من جهة الأول باعتبار حق الملك الذي له في كسبه وقد انقلب ذلك بالعتق حقيقة ملك وكان حق قبض البدل له فإنما عتق على ملك الأول فكان له ولاؤه وليس للعبد في كسبه ملك ولا حق وبعد عتقه يكون كسبه الذي اكتسبه في حالة الرق لمولاه .
وللصبي أن يكاتب عبده بإذن أبيه أو وصيه وليس له أن يعتقه على مال لأن وليه يملك مباشرة الكتابة في عبده دون العتق بمال فكذلك يصح إذنه في الكتابة دون العتق بمال .
وإذا أدى المكاتب إليه البدل فولاؤه للصبي لأنه عتق على ملكه وإذا ثبت أن الصبي من أهل ولاء العتق فكذلك ولاء الموالاة .
وللصبي أن يقبل ولاء من يواليه بإذن وصيه أو أبيه ولهما أن يقبلا عليه هذا الولاء لما بينا أن عقد الولاء يتردد بين المنفعة والمضرة ومعنى المنفعة فيه أظهر ومثل هذا العقد يملكه الوصي على الصبي ويصح من الصبي بإذن الولي لأنه يتأيد رأيه بانضمام رأى الولي إليه كما في التجارات .
وإن أسلم صبي على يدي رجل ووالاه لم يجز عقد الموالاة لأن حق الاستبداد باعتبار ما ظهر له من العقل والتمييز يثبت فيما يتمحض منفعة له دون ما يتردد بين المنفعة والمضرة والإسلام يتمحض منفعة له فيصح منه وأما عقد الولاء متردد بين المنفعة والمضرة فلا يصح منه مباشرته ما لم ينضم رأي وليه إلى رأيه وكذلك إن فعله بإذن وليه الكافر لأنه لما حكم بإسلامه فلا ولاية للأب الكافر عليه بل هو كأجنبي آخر منه في مباشرة هذا العقد عليه فكذلك في الإذن له فيه .
وإن أسلم رجل على يدي رجل على أن يكون ولاؤه لما في بطن امرأته أو على أن يكون لأول ولد تلده لم يجز له ذلك لأنه لا ولاية لأحد على ما في البطن في ايجاب العقد ولا في قبوله وبدونه لا يثبت عقد الولاء فلهذا كان الحكم في الموجود في البطن هذا ففي المعدوم أصلا أولى .
رجل أعطى رجلا ألف درهم على أن يعتق عبده عن ابن المعطي وهو صغير ففعل فالعتق عن المولى الذي أعتق ولا يكون عن الصبي ) لأن الصبي ليس له ولاية العتق في ملكه ولا لوليه ذلك عليه ولا يمكن إضمار التمليك من الصبي في هذا الالتماس لأن الإضمار لتصحيح ما صرح به إن أعتقه فيكون العتق عنه ويرد الألف إن كان قبض فإذا لم يكن في الإضمار تصحيح ما صرح به فلا معنى للاشتغال به ولا يمكن إضمار التمليك من المعطي للمال في كلامه أيضا لأنه ما التمس إعتاقه عن نفسه والتمليك في ضمن هذا الالتماس .
فظهر أن العبد باق على ملك مولاه إلى أن أعتقه فيكون العتق عنه ويرد الألف إن كان قبض .
وكذلك إن كان الآمر بذلك مكاتبا أو عبدا تاجرا بأن قال لحر أعتق عبدك عني على ألف درهم لأنه ليس في إضمار التمليك هنا تصحيح ما صرح به فإن المكاتب والعبد ليس لهما أهلية العتق في كسبهما .
وإن كان العبد للصبي فقال رجل لأبيه أو وصيه أعتقه عني على ألف درهم ففعله الأب جاز لأنه يصير مملكا العبد من الملتمس بالألف ثم نائبا عنه في العتق وللولي حق هذا التصرف في مال الصبي كالبيع وكذلك لو قال هذا حر لمكاتب أو عبد مأذون له عبد فقال أعتقه عني على ألف درهم لأنه يصير مملكا العبد منه بألف وذلك صحيح من المكاتب والمأذون في كسبهما ثم ينوب عن الملتمس في العتق وذلك صحيح منهما أيضا .
وإن قال ذلك مكاتب لمكاتب لم يجز ولم يعتق لأن إضمار التمليك إنما يجوز لتصحيح ما صرح به والمكاتب الملتمس ليس بأهل للعتق فلما ثبت التمليك منه بهذا الالتماس بقي المأمور معتقا ملك نفسه وهو مكاتب فيكون الاعتاق باطلا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب