( قال ) Bه ( رجل مات وترك مالا ولا وارث له فادعي رجل أنه وارثه بالولاء فشهد له شاهدان أن الميت مولاه ووارثه لا وارث له غيره لم تجز الشهادة حتى يفسرا الولاء ) لأن اسم المولى مشترك قد يكون بمعنى الناصر قال الله تعالى : { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } وقد يكون بمعنى ابن العم قال الله تعالى : { وإني خفت الموالي من ورائي } وقد يكون بالعتق وقد يكون بالموالاة فما لم يفسروا لم يتمكن القاضي من القضاء بشيء .
وكذا لو شهد أن الميت مولى هذا مولى عتاقه لأن اسم مولى العتاقة يتناول الأعلى ويتناول الأسفل فلا يدري القاضي بأي الأمرين يقضي وأيهما كان أعتق صاحبه .
( فإن قيل ) : هذا الاحتمال يزول بقولهما ووارثه فإن الأسفل لا يرث من الأعلى وإنما يرث الأعلى من الأسفل .
( قلنا ) : بهذا لا يزول الاحتمال فمن الناس من يرى توريث الأسفل من الأعلى وهو باطل عندنا ولعل الشاهدين اعتقدا ذلك وقصدا به التلبيس على القاضي بعلمهما أنهما لو فسرا لم يقض القاضي له بالميراث ثم قد يكون مولى عتاقه له بإعتاق منه وبإعتاق من أبيه أو بعض أقاربه وبين الناس كلام في الإرث بمثل هذا الولاء يختص به العصبة أن يكون بين جميع الورثة فلهذا لا يقضى بشهادتهما ما لم يفسرا .
فإن شهدا أن هذا الحي أعتق هذا الميت وهو يملكه وهو وارثه لا يعلمون له وارثا سواه جازت الشهادة لأنهم فسروا ما شهدوا به على وجه لم يبق فيه تهمة التلبيس ويستوي في هذا الشهادة على الشهادة وشهادة الرجال مع النساء لأنهم يشهدون بسبب استحقاق المال فهو بمنزلة شهادتهم على النسب وإن لم يشهدوا أنه وارثه لم يرث منه شيئا لأن استحقاق الإرث بولاء العتاقة مقيد بشرط وهو أن لا يكون للميت عصبة نسبا ولا يثبت ذلك الشرط إلا بشهادتهم وقولهم لا نعلم له وارثاغيره ليس بشهادة إنما الشهادة على ما يعلمون وكما أنهم لا يعلمون فالقاضي لا يعلم فعرفنا أن هذا ليس هو المشهود به فلا بد من أن يشهدوا أنه وارثه وكذلك إن شهدوا على عتق كان من أبيه وفسروا على وجه يثبت وراثته منه .
فإن قالا لم ندرك أباه هذا المعتق ولكنا قد علمنا هذا لم نجز شهادتهما على هذا أما على قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - فلأنهما لا يجوز أن الشهادة على الولاء بالتسامع .
وأما أبو يوسف - C تعالى - يجوز ذلك ولكن إذا أطلقا الشهادة عند القاضي فأما إذا بينا أنهما لم يدركا وأنما يشهدان بالتسامع فالقاضي لا يقبل ذلك وبيان هذا في كتاب الشهادات .
ولو أقام المدعي شاهدين أنه أعتق أم هذا الميت وأنها ولدته بعد ذلك بمدة من عبد فلان وأن أباه مات عبدا أو ماتت أمه ثم مات وهو وارثه فقد فسروا الأمر على وجهه فإن القاضي يقضي له بالميراث .
( قال ) ( فإن أقام رجل البينة أنه كان أعتق أباه قبل أن يموت وهو يملكه وإنه وارثه فإنه يقضي له بالميراث ) لأنه أثبت سبب جر الولاء إليه وهو عتق الأب فتبين أن القاضي أخطأ في قضائه بالميراث لموالي الأم وكذلك هذا في ولاء الموالاة إذا أثبت الثاني خطأ القاضي في القضاء به للأول فإنه يبطل ما قضى به ويكون الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم أو بالمعاينة .
ولو ادعي رجلان ولاء ميت بالعتق وأقام كل واحد منهما البينة جعل ميراثه بينهما لاستوائهما في سبب الاستحقاق ولأنه لا يبعد إرث رجلين بالولاء من واحد كما لو أعتقا عبدا بينهما والبينات حجج فيجب العمل بها بحسب الإمكان .
فإن وقتت كل واحدة من البينتين وقتا وكان أحدهما سابقا فهو أولى لأنه أثبت الولاء لنفسه في وقت لا ينازعه الغير فيه فهو كالنسب إذا أقام رجلان البينة عليه وأحدهما أسبق تاريخا ولأنه بعد ما ثبت العتق من الأول في الوقت الذي أرخ شهوده لا يتصور ملك الثاني فيه حتى يعتقه فتبين بشهادة الذين أرخوا تاريخا سابقا بطلان شهادة الفريق الثاني .
وإن كان ذلك في ولاء الموالاة فصاحب العقد الآخر أولى لأنه بعد عقد الموالاة مع الأول يتحقق منه العقد مع الثاني ويكون ذلك نقضا للولاء الأول فشهود الآخر أثبتوا بشهادتهم ما يفسخ الولاء الأول فالقضاء بشهادتهم أولى إلا أن يشهد شهود صاحب الوقت الأول أنه كان عقل عنه فحينئذ قد تأكد ولاؤه ولا ينتقض بالعقد مع الآخر بل يبطل الثاني ويبقي الأول بحاله فلهذا كان الأول أولى .
وإن أقام رجل البينة أنه أعتقه وهو يملكه وقضى له القاضي بولائه وميراثه ثم أقام آخر البينة على مثل ذلك لم يقبل القاضي ذلك كما في النسب إذا ترجح أحد المدعيين بتقدم القضاء من القاضي ببينته لم تقبل البينة من الآخر بعد ذلك وهذا لأن القاضي يعلم كذب أحد الفريقين وقد تأكدت شهادة الفريق الأول بانضمام القضاء إليها فإنما يحال بالكذب على شهادة الفريق الثاني إلا أن يشهدوا أنه كان اشتراه من الأول قبل أن يعتقه ثم أعتقه وهو يملكه فحينئذ يقضي القاضي له بالميراث ويبطل قضاؤه للأول لأنهم أثبتوا سبب كونه مخطئا في القضاء الأول وهو أن الأول لم يكن مالكا حين أعتقه لأن الثاني كان اشتراه منه قبل ذلك .
( قال ) ( رجل مات وادعى رجل أن أباه أعتقه وهو يملكه وأنه لا وارث لأبيه ولا لهذا الميت غيره وجاء بابني أخيه فشهدا على ذلك ) قال : ( لم تجز شهادتهما ) لأنهما يشهدان لجدهما على ما بينا أن الولاء للمعتق والإرث به كان للمعتق بطريق العصوبة على أن يخلفه في ذلك أقرب عصبته وشهادة النافلة للجد لا تقبل وكذلك شهادة ابني المعتق بذلك لا تجوز لأنهما يشهدان لأبيهما .
وإذا ادعى رجل ولاء رجل وأقام البينة أنه أعتقه وهو يملكه وأقام الآخر البينة أن هذا حر الأصل أسلم على يديه ووالاه والغلام يدعي أنه حر الأصل يقضي به للذي والاه دون الذي أعتقه لأن حرية الأصل تثبت له بالبينة وحرية الأصل لا ناقض لها فبعد ثبوتها تندفع بينة العتق ضرورة لأن العتق ينبني على الملك وقد انتفى الملك بثبوت حرية الأصل ولهذا قضى بولائه للذي والاه .
وكذلك لو كان ميتا عن تركة لأن إحدى البينتين تقوم على رقه والأخرى على حريته فالمثبت للحرية أولى ولأن صاحب الموالاة أثبت ببينته أنه عاقده عقد الولاء وذلك إقرار منه بأنه حر ولا ولاء عليه فثبوت هذا الإقرار بالبينة كثبوته بالمعاينة أن لو كان حيا أو ادعى ذلك فإن كان حيا فأقر أنه مولى عتاقه لهذا أجزت بينة العتاقة وكان هذا نقضا من الغلام للموالاة لو كان والى هذا الآخر لأن العبد مكذب للذين شهدوا بحريته في الأصل ومدعي الموالاة خرج من أن يكون خصما في إثبات ذلك لأن العبد بإقراره بولاء العتاقة على نفسه يصير ناقضا لولاء الموالاة لما بينهما من المنافاة وهو متمكن من نقض ولائه ما لم يعقل عنه .
فإذا لم يبق خصم يدعي حرية الأصل له صح إقراره بالملك وولاء العتاقة .
ومن أصحابنا من يقول : هذا قول أبي حنيفة - C تعالى - لأن من أصله أن البينة على حرية العبد لا تقبل من غير الدعوى .
وعندهما : تقبل فيثبت له حرية الأصل بحجة حكمية وذلك لا يحتمل النقض بإقراره فينبغي أن لا يثبت عليه ولاء العتاقة عندهما .
والأصح أن هذا قولهم جميعا لأن بينة العتاقة تعارض بينة حرية الأصل فيما لأجله تقبل البينة عندهما وهو إثبات حقوق الشرع عليه ثم تترجح بخصم يدعيها أو لما انتفى ولاء الموالاة فهذا حر لا ولاء عليه وقد أقر بأنه مولى هذا الذي يدعي ولاء العتق عليه فيكون إقراره صحيحا لأنه يقر بما هو من خالص حقه كما لو أقر بالنسب لإنسان ولا نسب له .
( رجل مات عن بنين وبنات فادعى رجل أن أباه أعتقه وهو يملكه وشهد ابنا الميت على ذلك وادعى آخر أن أباه أعتقه فأقرت بذلك بنت الميت فالإقرار باطل والشهادة جائزة ) لأن الابنين يشهدان على أبيهما بالولاء ولا تهمة في شهادة الولد على والده ثم الإقرار لا يعارض البينة لأن الإقرار لا يعدو المقر والشهادة حجة في حق الناس كافة فلا بد من أن يقضي القاضي بأن الميت معتق أب المدعي ومن ضرورة هذا القضاء تكذيب الابنة فيما أقرت به فسقط اعتبار إقرارها وهو بمنزلة ما لو مات عن ألف درهم وابنين وابنة وادعى رجل دينا ألف درهم على الميت وشهد له ابنا الميت وادعى آخر دينا ألف درهم وأقرت ابنة الميت بذلك فإنه لا يلتفت إلى إقرارها ويجعل المال كله للذي أثبت دينه بالبينة .
ولو شهد للآخر ابن له وابنتان ولم يوقتوا وقتا كان الولاء بينهما نصفين للمساواة بين الحجتين فإن شهادة النساء مع الرجال في الولاء مثل شهادة الرجال ولا ترجيح من حيث التاريخ في إحدى البينتين فلهذا كان الولاء بينهما نصفين .
ولو جاء رجل من الموالي فادعى على عربي أنه مولاه وأن أباه أعتق أباه وجاء بأخويه لأبيه يشهدان بذلك والعربي ينكره لم تقبل شهادتهما لأن في الحقيقة هذا منهم دعوى فإن المدعي مع أخويه في هذا الولاء سواء لأنهما يشهدان لأبيهما مالا فإن الولاء كالنسب تتحقق الدعوى فيه من الجانبين .
فإذا كان العربي منكرا كان المدعي هو الابن الذي يدعي الولاء بطريق الخلافة عن أبيه فيجعل كأن الأب حي يدعيه وشهادة الابنين لأبيهما فيما يدعيه لا تكون مقبولة .
وإن ادعى العربي ذلك وأنكره المولى جازت الشهادة لأن انكار الابن كانكار أبيه لو كان حيا فإنهما يشهدان على أبيهما بالولاء للعربي ولا تهمة في هذه الشهادة .
وإن ادعى رجل ولاء رجل فجاء بشاهدين فشهد أحدهما أن أباه أعتقه في مرضه ولا وارث له غيره وشهد الآخر أن أباه أعتقه عن دبر موته وهو يملكه فالشهادة باطلة لاختلافهما في المشهود به لفظا ومعنى فإن التدبير غير العتق المنجز في المرض .
ومثل هذا لو شهد أحدهما أن أباه قد علق عتقه بدخول الدار وقد دخل والآخر أنه قد علق عتقه بكلام فلان وقد فعل أو شهد أحدهما أن أباه كاتبه واستوفى البدل والآخر أنه أعتقه بمال فإن الكتابة غير العتق بمال .
ألا ترى أنه يملك الكتابة من لا يملك العتق فكان هذا اختلافا في المشهود به لفظا ومعنى بخلاف ما لو اختلفا في الزمان والمكان حيث تقبل شهادتهما لأن العتق قول ولا يختلف باختلاف الزمان والمكان إذ القول يعاد ويكرر ويكون الثاني هو الأول .
ولو مات رجل فأخذ رجل ماله وادعى أنه وارثه لم يؤخذ منه لأنه لا منازع له في ذلك وخبر المخبر محمول على الصدق في حقه إذا لم يكن هناك من يعارضه ولأن المال في يده في الحال وهو يزعم أنه ملكه فالقول قوله في ذلك فإن خاصمه فيه إنسان سألته البينة لأنه يدعي استحقاق اليد عليه في هذا المال ولا يثبت الاستحقاق إلا ببينة فما لم تقم البينة على سبب استحقاقه لا يؤخذ المال من يد ذي اليد .
فإن ادعى رجل أنه أعتق الميت وهو يملكه وأنه لا وارث له غيره وأقام الذي في يديه المال البينة على مثل ذلك قضيت بالولاء والميراث بينهما نصفين لأن المقصود بهذه البينة إثبات السبب وهو الولاء وإنما قامت بينة كل واحد منهما على الميت وقد استوت البينتان في ذلك فيقضي بينهما بالولاء ثم استحقاق المال يترتب على ذلك .
( فإن قيل ) : لا كذلك بل المقصود إثبات استحقاق المال وأحدهما فيها صاحب اليد والآخر خارج فإما أن يجعل هذا كبينة ذي اليد والخارج على الملك المطلق فيقضى للخارج أو يجعل كما لو ادعيا تلقي الملك من واحد وأقاما البينة فتكون بينة ذي اليد أولى .
( قلنا ) : لا كذلك بل الولاء حق مقصود يستقيم إثباته بالبينة وإن لم يكن هناك مال وإنما ينظر إلى إقامتهما البينة على الولاء أولا وهما في ذلك سواء ثم استحقاق الميراث ينبني على ذلك وليس هذا نظير ما لو ادعيا تلقي الملك من واحد بالشراء لأن السبب هناك غير مقصود حتى لا يمكن إثباته بدون الحكم وهو الملك ولأن السبب هناك يتأكد بالقبض فذو اليد يثبت شراء متأكدا بالقبض فلهذا كانت بينته أولى وهنا الولاء متأكد بنفسه ولا تأثير لليد على المال في تأكيد السبب فلهذا قضي بينهما .
فإن أقام مسلم شاهدين مسلمين أنه أعتقه وهو يملكه وأنه مات وهو مسلم لا وارث له غيره وأقام ذو اليد الذمي شاهدين مسلمين أنه أعتقه وهو يملكه وأنه مات كافرا لا وارث له غيره فللمسلم نصف الميراث ونصف الميراث لأقرب الناس إلى الذمي من المسلمين فإن لم يكن له منهم قرابة جعلته لبيت المال لما بينا أن المقصود إثبات الولاء وقد استوت الحجتان في ذلك فإن شهود الذمي مسلمون وهو حجة على المسلم كشهود المسلم فيثبت الولاء بينهما نصفين ثم إحدى البينتين توجب كفره عند الموت والأخرى توجب إسلامه عند الموت والذي يثبت إسلامه أولى .
وإذا ثبت أنه مات مسلما فالمسلم يرثه المسلم دون الكافر ولكن الإرث بحسب السبب وللمسلم نصف ولاية فلا يرث به إلا نصف الميراث ونصف الولاء للذمي وهو ليس بأهل أن يرثه فيجعل كالميت ويكون هذا النصف لأقرب عصبة له من المسلمين فإذا لم يوجد ذلك فهو لبيت المال بمنزلة ما لو مات الذمي ولا وارث له فالولاء في هذا مخالف للنسب فإن النسب لا يتجزى بحال فيتكامل السبب في حق كل واحد منهما .
فإذا لم يكن أحدهما ممن يرثه فللآخر جميع المال لتكامل السبب في حقه فأما الولاء يحتمل التجزي حتى لو أعتق رجلان عبدا كان لكل واحد منهما نصف ولائه فلهذا لا يرث المسلم إلا نصف الميراث فإن كان شهود الذمي نصارى لم تجز شهادتهم على المسلم لأن إسلام الميت يثبت بشهادة الشهود المسلمين والحجة في الولاء تقوم عليه وشهادة النصارى ليست بحجة عليه ولأن المسلم أثبت دعواه بما هو حجة على خصمه والذمي أثبت دعواه بما ليس بحجة على خصمه فلا تتحقق المعارضة بينهما ولكن يقضى بولائه للمسلم وبجميع الميراث له فإن وقت كل واحدة من البينتين وقتا في العتق وهو حي والشهود كلهم مسلمون فصاحب الوقت الأول أحق لأن صاحب الوقت الأول أثبت عتقه من حين أرخ شهوده فلا تصور للعتق من الآخر بعد ذلك ومتى كانت إحدى البينتين طاعنة في الأخرى دافعة لها فالعمل بها أولى .
( ذمي في يديه عبد أعتقه فأقام مسلم شاهدين مسلمين أنه عبده وأقام الذمي شاهدين مسلمين أنه أعتقه وهو يملكه أمضيت العتق والولاء للذمي ) لأن في بينته إثبات العتق وفي بينة المسلم إثبات الملك وكل واحد منهما حجة على الخصم فيترجح بينة العتق كما لو كان كل واحد من المدعيين مسلما وإذا كان شهود الذمي كفارا قضيت به للمسلم لأن بينته في إثبات الملك حجة على خصمه وبينة الذمي في إثبات العتق ليس بحجة على خصمه فكأنها لم تقم في حقه .
وإن كان المسلم أقام شاهدين مسلمين أنه عبده دبره أو كانت جارية وأقام البينة أنه استولدها وأقام الذمي شاهدين مسلمين على الملك والعتق فبينة الذمي أولى لأن المسلم يثبت ببينته حق العتق والذمي حقيقة العتق وحق العتق لا يعارض حقيقة العتق ولو قبلنا بينة المسلم وطأها بالملك بعد ما قامت البينة على حريتها وذلك قبيح ولهذا كانت بينة الذمي أولى .
ولو كانت أمة في يدي ذمي قد ولدت له ولدا فادعى رجل أنها أمته غصبها هذا منه وأقام البينة على ذلك وأقام ذو اليد البينة أنها أمته ولدت هذا منه في ملكه قضيت بها وبولدها للمدعي لأن بينته طاعنة في بينة ذي اليد دافعة لها فإنهم إنما شهدوا بالملك لذي اليد باعتبار يده إذ لا طريق لمعرفة الملك حقيقة سوى اليد وقد أثبتت بينة المدعي أن يده كانت يد غصب من جهته لا يد ملك فلهذا كانت بينة المدعي أولى وإذا قضى بالملك للمدعي قضي له بالولد أيضا لأنه جزء منها وولادتها في يدي الآخر بعد ما ثبت أنه ليس بمالك لها لا يوجب أمية الولد لها .
وكذلك لو ادعى المدعي أنها أمته أجرها من ذي اليد أو أعارها منه أو وهبها منه وسلمها إليه لأن بهذه الأسباب يثبت أن وصولها إلى يده كان من جهته وأن يده فيها ليست يد ملك فهذا وفصل الغصب سواء .
ولو كان المدعي أقام البينة أنها أمته ولدت في ملكه قضيت بها لذي اليد لأنه ليس في بينة المدعي هنا ما يدفع بينة ذي اليد لأن ولادتها في ملكه لا ينفي ملك ذي اليد بعد ذلك فيبقى الترجيح لذي اليد من حيث أنه يثبت الحرية للولد وحق أمية الولد لها .
وكذلك لو ادعى ذو اليد أنها أمته أعتقها وأقام المدعي البينة أنها أمته ولدت في ملكه فبينة المعتق أولى لأن فيها إثبات حريتها ولا يجوز أن توطأ بالملك بعد ما قامت البينة على حريتها .
ولو شهد شهود كل واحد منهما مع ذلك بالغصب على الآخر كان شهود العتق أيضا أولى لأن البينتين تعارضتا في أن كل واحدة منهما دافعة للأخرى طاعنة فيها وللمعارضة لا تندفع واحدة منهما بالأخرى ثم في بينة ذي اليد زيادة إثبات الحرية لها واستحقاق الولاء عليها وهذا لأن الولاء أقوى من الملك لأنه لا يحتمل النقض بعد ثبوته وإذا كان في إحدى البينتين إثبات حق قوي ليس ذلك في الأخرى تترجح هذه البينة والله أعلم بالصواب