( قال ) ( إبراهيم - Bه - إذا أسلم الرجل على يد الرجل ووالاه فإنه يرثه ويعقل عنه وله أن يتحول بولائه إلى غيره ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول عنه إلى غيره ) وبهذا نأخذ والإسلام على يديه ليس بشرط لعقد الموالاة وإنما ذكره على سبيل العادة وسواء أسلم على يده أو أتاه مسلما وعاقده عقد الولاء كان مولى له .
وكان الشعبي يقول لا ولاء إلا لذي نعمة يعني العتاق وبه يأخذ الشافعي - C تعالى .
وإنما أخذنا فيه بقول إبراهيم - رضي الله تعالى عنه - لحديث أبي الأشعث حيث سأل عمر بن الخطاب - Bه - عن رجل أسلم على يديه ووالاه فمات وترك مالا فقال عمر - Bه - ميراثه لك فإن أبيت فلبيت المال .
ولحديث زياد عن علي بن أبي طالب - Bهما - أن رجلا من أهل الأرض أتاه بواليه فأبى علي - Bه - ذلك فأتى ابن عباس - Bه - فوالاه .
ولحديث مسروق - Bه - أن رجلا من أهل الأرض وإلى ابن عم له وأسلم على يديه فمات وترك مالا فسأل ابن مسعود - Bه - عن ميراثه فقال هو لمولاه .
وأيد أقاويل الصحابة حديث تميم الداري - Bه - قال : سألت رسول الله - A - عن الرجل يسلم على يدي الرجل ما السنة فيه قال : هو أولى الناس بمحياه ومماته .
وأيد هذا قوله تعالى : { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } وقد بينا في أول الكتاب فإن أسلم على يديه ولم يواله لم يعقل عنه ولم يرثه إلا على قول الروافض فإنهم يقولون بالإسلام على يديه يكون مولى له لأنه أحياه بإخراجه إياه من ظلمة الكفر لأن الكفار كالموتى في حق المسلمين فهو كما لو أحياه بالعتق وعلى هذا يزعمون أن الناس موالي علي وأولاده - Bهم - فإن السيف كان بيده وأكثر الناس أسلموا من هيبته وهذا باطل عندنا فإن الله تعالى هو الذي أحياه بالإسلام بأن هداه لذلك وبيان ذلك في قوله تعالى : { أو من كان ميتا فأحييناه } أي كافرا فرزقناه الهدى وقال تعالى : { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه } يعني بالإسلام فدل أن المنعم بالإسلام هو الله تعالى فلا يجوز أن يضاف ذلك إلى الذي عرض عليه الإسلام لأنه بما صنع نائب عن الشرع مباشر ما يحق عليه لله تعالى فهو في حقه كغيره من المسلمين لا يكون مولى له ما لم يعاقده عقد الولاء .
ثم من أين لهم هذا التحكم أن أكثر الناس أسلموا من هيبة علي وهو كان صغيرا حين أسلم الكبار من الصحابة وأبو بكر وعمر كانا مقدمين عليه - Bهم - في أمور القتال وغير القتال لا يخفى ذلك على من يتأمل في أحوالهم .
ولكن الروافض قوم بهت لا يحترزون عن الكذب بل بناء مذهبهم على الكذب فإن أسلم رجل على يدي رجل ووالى رجلا آخر فهو مولى هذا الذي والاه يرثه ويعقل عنه لأنه بالإسلام على يدي الأول لم يصر مولى له ولو كان مولى بأن عاقده كان له أن يتحول عنه وقد فعل ذلك حين عاقد مع الثاني فكيف إذا لم يكن مولى للأول .
فإن مات عن عمة أو خالة أو غيرهما من القرابة كان ميراثه لقرابته دون المولى لما بينا أنه لا يملك إبطال حق المستحق عن ماله بعقده كما لو أوصى بجميع ماله وله وارث وذوو الأرحام من جملة الورثة قال - A - ( الخال وارث من لا وارث له ) فلا يملك إبطال حقه بعقده توضيحه أن سبب ذي الرحم وهو القرابة أقوى لأنه متفق على ثبوته شرعا .
وإن اختلفوا في الإرث به وعقد الولاء مختلف في ثبوته شرعا فلا يظهر الضعيف في مقابلة القوي .
( فإن قيل ) : ينبغي أن يكون للمولى الثلث لأنه خالص حقه يملك وضعه فيمن شاء .
( قلنا ) : نعم ولكنه بعقد الولاء ما وضع شيئا من ماله فيه إنما جعله وارثا منه وفي سبب الوراثة ذو القرابة يترجح فلا يظهر استحقاق المولى معه بهذا السبب في شيء من المال بخلاف الوصية بالثلث فإنه خلافة في المال مقصودا توضيحه أن التملك بالوصية غير التملك بالإرث . ألا ترى أن الموصى له لا يرد بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصي بخلاف الوارث فلا يمكن جعل الثلث له لا بطريق الوصية لأنه ما أوجب له ذلك ولا بطريق الإرث لترجح استحقاق القريب عليه .
وإذا والى رجل رجلا ثم ولد له ابن من امرأة قد والت رجلا فولاء الولد لموالي الأب لأن الأب هو الأصل في النسب والولاء فإذا كان للولد في جانب الأب ولاء هو مساو للولاء الذي في جانب الأم يترجح جانبه كما في ولاء العتق .
( قال ) ( وكذلك إن كانت والت وهي حبلى به وهذا بخلاف ولاء العتاقة فإنها إذا أعتقت وهي حبلى به كان ولاء الولد لموالي أمه ) لأن الولد هناك يكون مقصودا بالسبب وهو العتق فإن الجنين محل للعتق مقصودا وهنا الجنين لم يصر مقصودا بالولاء لأنه ما دام في البطن فهو ليس بمحل لعقد الموالاة مقصودا لأن تمام هذا العقد بالإيجاب والقبول وليس لأحد عليه ولاية القبول .
وإذا كان تبعا فاتباعه الأب أولى كما بينا وكذلك لو كان لهما أولاد صغار حين والى الأب إنسانا . وقد والت الأم قبل ذلك آخر فالأولاد موال لموالي الأب لأنه ليس للأم ولاية عقد الولاء على الأولاد في قولهما وفي قول أبي حنيفة - C تعالى - لها ذلك عند عدم الأب أما مع وجود الأب فلا ولئن كان لها ذلك مع وجود الأب فهي ما عقدت عليهم إنما عقدت على نفسها خاصة ولئن جعل عقدها على نفسها عقدا على الأولاد فعقد الأب كذلك على نفسه عقد على الأولاد .
وولاء الموالاة يقبل التحول فيجعل الأب محولا لولائهم إلى من والاه وذلك صحيح منه ولهذا كان الأولاد موال لموالي الأب فإن جنى الأب جناية فعقل الذي والاه عنه فليس لولده أن يتحول عنه إلى غيره بعد الكبر لأن ولاء الأب تأكد بعقد الجناية ويتأكد التبع بتأكد الأصل وكما ليس للأب أن يتحول عنه إلى غيره بعد ما عقل جنايته فكذلك ليس لولده ذلك إذا كبر .
وكذلك إذا كان هذا الولد جنى أو جنى بعض أخوته فعقل عنه مولاه فليس له أن يتحول عنه لأن الأب مع أولاده كالشخص الواحد في حكم الولاء فبعقل جناية أحدهم يتأكد العقد في حقهم جميعا بخلاف ما قبل عقل الجناية عن أحد منهم لأن هناك ولاءهم لم يتأكد فإن تأكد العقد بحصول المقصود به وإنما لم يجعل هذا العقد متأكدا قبل حصول المقصود به لأنه ليس فيه معنى المعاوضة بل أحدهما متبرع على صاحبه بالقيام على نصرته وعقل جنايته والآخر متبرع على صاحبه في جعله إياه خليفته في ماله بعد وفاته وعقد التبرع لا يلزم بنفسه ما لم يتصل به القبض .
ولو كان هذا معاوضة باعتبار المعنى لم يخرج من أن يكون متبرعا صورة فيكون كالهبة بشرط العوض لا يتم بنفسه ما لم يتصل به القبض فإن كان له ابن كبير حين والى الأب فأسلم الابن على يدي رجل آخر ووالاه فولاؤه له لأنه مقصود باكتساب سبب الولاء هنا بمنزلة اكتساب أبيه فهو كما لو أعتق الأب إنسان والابن إنسان آخر فيكون كل واحد منهما مولى لمن أعتقه .
وإن أسلم الابن ولم يوال أحدا فولاؤه موقوف نعني به أنه لا يكون مولى لموالي الأب بخلاف المولود في ولائه والصغير عند عقد الأب لأن عقد الولاء ترتب على الإسلام عادة .
والابن الكبير لا يتبع أباه في الإسلام بخلاف الصغير والمولود بعد الإسلام فكذلك في حكم الولاء الذي ترتب عليه وهذا لأن الصغير ليس بأصل في اكتساب سبب الولاء .
ألا ترى أنه لا يصح هذا العقد منه بدون إذن وليه فيجعل فيه تبعا لأبيه أما الكبير أصل في اكتساب سبب هذا الولاء حتى يصح منه عقد الولاء بدون إذن أبيه وبين كونه أصلا في حكم وتبعا فيه منافاة ولهذا لا يصير مولى للذي والاه أبوه .
وإذا أسلمت الذمية ووالت رجلا ولها ولد صغير من رجل ذمي لم يكن ولاء ولدها لمولاها . في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى .
وفي قياس : قول أبي حنيفة - C تعالى - يكون ولاء ولدها لمولاها فمنهم من جعل هذه المسألة قياس ولاية التزويج أن عند أبي حنيفة - C تعالى - يثبت ذلك للأم على ولدها الصغير حتى يصح عقدها ولا يتعلق به صفة اللزوم حتى يثبت للولد خيار البلوغ فكذلك يصح هذا العقد منها في حق الولد لأنه لا يتعلق به صفة اللزوم بنفسه وعندهما ليس للأم ولاية التزويج .
مع اختلاف في الرواية عن أبي يوسف - C تعالى - هناك وكذلك ولاء الموالاة .
والأظهر أن هذه مسألة على حدة .
ووجه قولهما : أن حكم الولاء يثبت بعقد فيستدعي الإيجاب والقبول ويتردد بين المنفعة والمضرة والولد بعد الانفصال لا يكون تبعا للأم في مثل هذا العقد ولا يكون لها عليه ولاية المباشرة لهذا العقد كعقد الكتابة .
وأبو حنيفة - C تعالى - يقول : ولاء الموالاة إما أن يعتبر بالإسلام من حيث أنه يترتب عليه عادة أو بولاء العتاقة فإن اعتبر بالإسلام فالولد الصغير يتبع أمه في الإسلام فكذا في هذا الولاء وإن اعتبر بولاء العتاقة فالولد يتبع أمه فيه إذا لم يكن له ولاء من جانب أبيه وهذا لأنه يتمحض منفعة في حق هذا الولد لأنه ما دام حيا فمولاه يقوم بنصرته ويعقل جنايته وإذا بلغ قبل أن يعقل جنايته كان له أن يتحول عنه إن شاء فعرفنا أنه منفعة محضة في حقه فيصح من الأم كقبول الهبة والصدقة بخلاف عقد الكتابة فإن فيه إلزام الدين في ذمته ولا يتمحض منفعة في حقه .
وإذا أسلم حربي أو ذمي على يدي رجل ووالاه ثم أسلم ابنه على يدي آخر ووالاه كان كل واحد منهما مولى الذي والاه ولا يجر بعضهم ولاء بعض وليس هذا كالعتاق .
وأشار إلى الفرق ولا فرق في الحقيقة لأن كل واحد منهما مقصود في سبب الولاء وهو العقد ولو كان مقصودا في سبب ولاء العتق أيضا لم يجر أحدهما ولاء الآخر وإنما مراده من الفرق أن الولد الكبير لما أسلم على يدي الثاني لا يصير مولى لموالي أبيه لأن هناك سبب الولاء العقد لا الإسلام وهو أصل في العقد يتمكن من مباشرته بنفسه فلهذا لا يجعل فيه تبعا لأبيه .
حربي أسلم ووالى مسلما في دار الحرب أو في دار الإسلام فهو مولاه لأن سببه هو العقد الذي جرى بين المسلمين والعقد بين المسلمين صحيح سواء كان في دار الحرب أو كان أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام كعقد النكاح وهذا لأن المقصود التناصر والمسلم يقوم بنصرته حيث يكون أو يعتبر ولاء الموالاة بولاء العتق .
ولو أن مسلما في دار الإسلام أعتق عبدا مسلما له في دار الحرب كان مولى له فكذلك في الموالاة .
فإن سبي ابنه فأعتق لم يجر ولاء الأب لأن الوالد لا يتبع ولده في الولاء فإن الولاء كالنسب والوالد لا ينسب إلى ولده لأنه فرعه والأصل لا ينسب إلى الفرع فلهذا لا يجر الابن ولاء الأب .
وإن سبي أبوه فأعتق جر ولاءه لما بينا أن ولاء الموالاة لا يظهر في مقابلة ولاء العتق فكان الابن بعد عتق الأب بمنزلة من لا ولاء له فيجر الأب ولاءه بخلاف ما إذا أسلم الأب ووالى رجلا لأن ولاء الابن هنا مساو لولاء الأب فيظهر في مقابلته فيكون كل واحد مولى لمولاه .
ولو كان ابن ابنه لم يسب ولكنه أسلم على يدي رجل ووالاه ثم سبي الجد فأعتق لم يجر ولاء نافلته لما بينا أن الجد لا يجر الولاء إلا أن يجر ولاء ابنه فإن تحقق ذلك فحينئذ يجر ولاء ابنه وإنما يتصور جره ولاء ابنه فيما إذا سبي أبوه فاشتراه هذا الجد حتى عتق عليه فيصير ابنه مولى لمواليه وينجر إليه ولاء النافلة بهذه الواسطة .
فأما إذا أعتق الابن غيره فالجد لا يجر ولاءه لكونه مقصودا بالعتق ولا يجر ولاء ولده أيضا .
( قال ) ( وموالاة الصبي باطلة يعني إذا أسلم على يدي صبي ووالاه ) لأن بالعقد يلتزم نصرته في الحال والصبي ليس من أهل النصرة ولهذا لا يدخل في العاقلة وهو ليس من أهل الالتزام بخلاف ما إذا أسلم على يدي امرأة ووالاها لأن المرأة من أهل الالتزام بالعقد ومن أهل اكتساب سبب الولاء بالعتق فكذلك بالعقد .
وإن والى رجل عبدا لم نجزه إلا أن يكون بإذن المولى فحينئذ يكون مولى له لأنه عقد التزام النصرة والعبد لا يملكه بنفسه بدون إذن مولاه فإن كان بإذنه فحيئنذ يكون عقده كعقد مولاه فيكون الولاء للمولى كما إذا أعتق عبدا من كسبه بإذن مولاه وهذا لأن المقصود به النصرة والميراث بعد الموت ونصرة العبد لمولاه وهو ليس بأهل للملك بالإرث ولهذا يجعل المولى خلفا عنه فيما هو من حكم هذا العقد .
وإن والى صبيا بإذن أبيه أو وصيه يجوز لأن عبارة الصبي إذا كان يعقل معتبرة في العقود والتزامه بالعقد بإذن وليه صحيح . فيما لا يكون محض مضرة كالبيع والشراء ونحوه لأن الولي يملك عليه هذا العقد فإنه لو قبل الولاء لولده على إنسان كان صحيحا فكذلك يملكه الولد بإذن أبيه ثم يكون مولى للصبي لأنه أهل للولاء بنفسه إذا صح سببه .
ألا ترى أنه إذا ورث قريبه يعتق عليه ويكون مولى له فكذا حكم ولاء الموالاة بخلاف العبد .
ولو أسلم على يدي مكاتب ووالاه كان جائزا لأن المكاتب من أهل الالتزام بالعقد ومن أهل مباشرة سبب الولاء ألا ترى أنه يكاتب عبده فيكون صحيحا منه وإذا أدى مكاتبته فعتق قبل أدائه كان مولى لمولاه فكذا هنا يكون مولى لمولاه لأنه مع الرق ليس بأهل لموجب الولاء وهو الإرث فيخلفه مولاه فيه .
ولو والى ذمي مسلما أو ذميا جاز وهو مولاه وإن أسلم الأسفل لأن الذمي من أهل الالتزام بالعقد ومن أهل اكتساب سبب الولاء كالمسلم .
وإذا صح العقد فإسلام الأسفل لا يزيده إلا وكادة ويبقى مولى له بعد إسلامه حتى يتحول إلى غيره .
ولو أسلم رجل من نصارى العرب على يدي رجل من غير قبيلته ووالاه لم يكن مولاه ولكن ينسب إلى عشيرته وأصله هم يعقلون عنه ويرثونه وكذلك المرأة لما بينا أن النسب في حق العرب معتبر وإنه يضاهي ولاء العتق ومن كان عليه ولاء العتق لم يصح منه عقد الموالاة مع أحد فكذلك من كان له نسب من العرب لا يصح منه عقد الموالاة مع أحد وهذا بخلاف ولاء العتق فإن من ثبت عليه الرق من نصارى العرب إذا أعتق كان مولى لمعتقه لأن ولاء العتق قوي كالنسب في حق العرب أو أقوى منه فيظهر مع وجوده ويتقرر حكمه بتقرر سببه فأما ولاء الموالاة ضعيف لا يتقرر سببه مع وجود النسب في حق العربي والحكم ينبني على السبب .
( ذمي أسلم ولم يوال أحدا ثم أسلم آخر على يديه ووالاه فهو مولاه ) لأنه من أهل الالتزام بالعقد ومن أهل المقصود بالولاء وإن لم يكن لأحد عليه ولاء .
وإن أسلم ذمي على يد حربي فإنه لا يكون مولاه وإن أسلم الحربي بعد ذلك وهذا ظاهر لأنه لو أسلم على يدي مسلم لم يكن مولى له .
ولكن فائدة هذه المسألة بيان أن الحربي الذي يعرض الإسلام على غيره ويلقنه لا يصير مسلما بذلك ألا ترى أنه قال وإن أسلم الحربي بعد ذلك لم يكن مولاه وهذا لأن من يلقن غيره شيئا لا يكون مباشرا لذلك الشيء بنفسه كالذي يلقن غيره طلاق امرأته وعتق عبد .
( قال ) ( رجل والى رجلا فله أن يتحول عنه ما لم يعقل عنه ولكن إنما ينتقض العقد بحضرته ) لأن العقد تم بهما ومثل هذا العقد لا يفسخه أحدهما إلا بمحضر من صاحبه كعقد الشركة والمضاربة والوكالة وهذا لأن تمكن كل أحد منهما من الفسخ باعتبار أن العقد غير لازم بنفسه لا باعتبار أنه غير منعقد بنفسه ففي فسخ أحدهما إلزام الآخر حكم الفسخ في عقد كان منعقدا في حقه فلا يكون إلا بمحضر منه لما عليه من الضرر لو ثبت حكم الفسخ في حقه قبل علمه وهو نظير الخطاب بالشرعيات فإنه لا يظهر حكم الخطاب في حق المخاطب ما لم يعلم به لدفع الضرر عنه .
وكذلك لو أن الأعلى تبرأ من ولاء الأسفل صح ذلك إذا كان بمحضر منه لأن العقد غير لازم من الجانبين ولكل واحد منهما أن ينفرد بفسخه بغير رضاء صاحبه بعد أن يكون بمحضر منه وإن والى الأسفل رجلا آخر كان ذلك نقضا للعقد مع الأول وإن لم يكن بمحضر منه لأن انتقاض العقد في حق الأول هنا يثبت حكما لصحة العقد مع الثاني وفي العقد مع الثاني لا يشترط حضرة الأول فكذلك فيما يثبت حكما له بخلاف الفسخ مقصودا وهو نظير عزل الوكيل حال غيبته لا يصح مقصودا ويصح حكما لعتق العبد الذي وكله ببيعه .
( فإن قيل ) : فلماذا يجعل صحة العقد مع الثاني موجبا فسخ العقد الأول ولو والاهما جملة صح .
( قلنا ) : لأن الولاء كالنسب ما دام ثابتا من إنسان لا يتصور ثبوته من غيره فكذلك الولاء فعرفنا أن من ضرورة صحة العقد مع الثاني بطلان العقد الأول ثم ولاء الموالاة بعد صحته معتبر بولاء العتق حتى إذا أعتق الأسفل عبدا ووالاه رجل فولاء معتقه وولاؤه للأعلى الذي هو مولاه ولو مات الأعلى ثم مات الأسفل فإنما يرثه الذكور من أولاد الأعلى دون الإناث على نحو ما بيناه في ولاء العتق والله أعلم بالصواب