( قال ) Bه ( روي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال إذا كانت الحرة تحت مملوك فولدت عتق الولد بعتقها فإذا أعتق أبوهم جر الولاء وبه نأخذ ) لأن الولد جزء من أجزائها وهي حرة بجميع أجزائها فينفصل الولد منها حرا ثم الولاء كالنسب والولد ينسب إلى أبيه بالنسب فكذلك في الولاء يكون منسوبا إلى من ينسب إليه أبوه والأب بعد العتق ينسب بالولاء إلى معتقه فكذلك ولده .
واستدل على إثبات جر الولاء بحديث الزبير أيضا فإنه أبصر بخيبر فتية لعسا أعجبه ظرفهم وأمهم مولاة لرافع بن خديج وأبوهم عبد لبعض الحرقة من جهينة أو لبعض أشجع فاشترى الزبير أباهم فأعتقه ثم قال انتسبوا إلي وقال رافع بل هم موالي فاختصما إلى عثمان - Bه - فقضى بالولاء للزبير .
وفي هذا دليل أن الولد منسوب إلى موالي أمه ما لم يظهر له ولاء من جانب أبيه فإذا ظهر بالعتق جر الأب ولاء الولد إلى مواليه وهذا لأن في النسب الولد منسوب إلى أمه إذا لم يكن له نسب من أبيه للضرورة كالولد من الزنا وولد الملاعنة بعد ما انقطع نسبه من أبيه ثم إذا ظهر له نسب من جانب الأب بأن أكذب الملاعن نفسه صار الولد منسوبا إليه وكذلك في الولاء وقوله فتية لعسا بيان لملاحتهم فهو حمرة تضرب إلى السواد قال الشاعر : .
لمياء في شفتيها حوة لعس ... وفي اللثات وفي أنيابها شنب .
وقوله أعجبني ظرفهم : أي ملاحتهم . وقيل : كياستهم فمن كان بهذا اللون فهو كيس عادة ثم ذكر الشعبي قال : إذا أعتق الجد جر الولاء وهكذا يروي الحسن عن أبي حنيفة - C تعالى - وفي ظاهر الرواية الجد لا يجر الولاء بخلاف الأب وقد بينا في صدقة الفطر فإن هذه أربع مسائل جر الولاء وصدقة الفطر وصيرورته مسلما بإسلام جده ودخول الجد في الوصية للقرابة بخلاف الأب في الفصول الأربعة روايتان بينا وجه الروايتين هناك واستبعد محمد - C تعالى - قول من يقول النافلة بإسلام الجد يصير مسلما فقال : .
لو كان كذلك لكان بنو آدم مسلمين بإسلام آدم - صلوات الله عليه - ولا يسبى صغير أبدا وهذا باطل .
وكذلك في جر الولاء بعتق الجد لو أعتق الأب فلا بد من القول بأن الأب جر ولاء الولد إلى مواليه والجد أب وبعد ما ثبت جر الولاء بالأبوة لا يتحقق نقله إلى غيره .
( قال ) ( وإذا أسلم رجل على يد رجل ووالاه ثم أسر أبوه فأعتق فإن الابن يكون مولى لموالي الأب ) لأن ولاء الموالاة ضعيف والضعيف لا يظهر في مقابلة القوي فكأنه لا ولاء على الولد لأحد وهذا بخلاف ما لو كان الابن معتق إنسان فأعتق أباه إنسان آخر فإنه لا ينجر ولاء الابن إليه لأن الولاء الثابت على الابن مثل الولاء الذي ظهر للأب وهو في هذا مقصود فبعد ما صار مقصودا في حكم لا يمكن جعله تبعا في عين ذلك .
( قال ) ( وإذا تزوج العبد حرة فولدت له أولادا فأولادها موال لموالي الأم معتقة كانت أو موالية ) فمتى أعتق أبوهم جر ولاءهم إلى مولاه أما إذا كانت موالية فلأن الولد لو كان مقصودا بولاء الموالاة كان يسقط اعتباره بظهور ولاء العتق للأب فكيف إذا كان تبعا .
وأما كانت معتقة فلأن الولد هنا تبع في الولاء وإنما كان تبعا للأم لضرورة عدم الولاء للأب والثابت بالضرورة لا يبقى بعد ارتفاع الضرورة .
وإذا كانت الأم معتقة إنسان والأب حر مسلم نبطي لم يعتقه أحد فالولد مولى لموالي الأم في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وكذلك إن كان الأب والى رجلا .
وعند أبي يوسف - C تعالى - في الفصلين لا يكون الولد مولى لموالي الأم ولكنه منسوب إلى قوم أبيه قال وكيف ينسب إلى قوم أمه وأبوه حر له عشيرة وموال بخلاف ما إذا كان الأب عبدا وتقرير هذا من وجهين : .
أحدهما : أن العبد رقيق بجميع أجزائه وماؤه جزء منه فإنما تثبت الحرية لمائة لاتصاله برحمها فلهذا كان الولد مولى لمواليها حتى يعتق الأب وهذا المعنى معدوم إذا كان الأب حرا . ألا ترى أنه لو كان حرا عربيا كان الولد منسوبا إلى قوم أبيه ولا يكون مولى لموالي أمه فكذلك إذا كان أعجميا لأن العرب والعجم في حرية الأصل سواء .
والثاني : أن الرق تلف حكما فإذا كان الأب عبدا كان حال هذا الولد في الحكم كحال من لا أب له فيكون منسوبا إلى مولى الأم وهذا المعنى معدوم إذا كان الأب حرا لأن الحرية حياة باعتبار صفة المالكية والعرب والعجم فيه سواء .
وجه قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - : أن ولاء العتاقة ولاء نعمة وهو قوي معتبر في الأحكام والحرية والنسب في حق العجم ضعيف .
ألا ترى أن حريتهم تحتمل الإبطال بالاسترقاق بخلاف حرية العرب ولأن العجم ضيعوا أنسابهم ألا ترى أن تفاخرهم ليس بالنسب ولكن تفاخرهم كان قبل الإسلام بعمارة الدنيا وبعد الإسلام بالدين وإليه أشار سلمان - رضي الله تعالى عنه - حين قيل سلمان ابن من قال سلمان ابن الإسلام .
فإذا ثبت هذا الضعف في جانب الأب كان هذا وما لو كان الأب عبدا سواء وكذلك إن كان الأب مولى الموالاة لأن ولاء الموالاة ضعيف لا يظهر في مقابلة ولاء العتاقة فوجوده كعدمه .
فأما إذا كان الأب عربيا فله نسب معتبر . ألا ترى أن الكفاءة بالنسب تعتبر في حق العرب ولا تعتبر في حق العجم والأصل في النسبة النسب فإذا كان في جانب الأب نسب معتبر أو ولاء قوي كان الولد منسوبا إليه وإذا عدم ذلك كان الولد مولى لموالي الأم .
واستدل أبو يوسف - C تعالى - بعربية تزوجها رجل من الموالي فولدت له ابنا فإن الولد ينسب إلى قوم أبيه دون قوم أمه فكذلك إذا كانت معتقة لأن كونها عربية وكونها معتقة سواء كما سوينا بينهما في جانب الأب .
ولكن أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - فرقا بينهما وقالا : في الفرق أن العربية لم تجر عليها نعمة عتاق . ومعنى هذا أن الأم إذا كانت معتقة فالولد ينسب إلى قومها بالولاء والنسبة بالولاء أقوى لأنه معتبر شرعا وإذا كانت عربية فلو انتسب الولد إلى قومها إنما ينسب بالنسب والانتساب بالنسبة إلى الأم ضعيف جدا وكذلك بواسطة الأم إلى أبيها حتى لا تستحق العصوبة بمثل هذا النسب فلهذا رجحنا جانب الأب لأن النسبة إليه بالنسب وإذا كان نسبه ضعيفا لا يستحق به العصوبة .
( قال ) ( وإذا أعتق الرجل أمة وولدها أو كانت حبلى حين أعتقها أو أعتقت وولدت بعد العتق لأقل من ستة أشهر وقد أعتق الأب رجل آخر كان الولد مولى الذي أعتقه مع أمه دون من أعتق أباه أما إذا كان الولد منفصلا عنها فهو مملوك لمالك الأم ) فتناوله العتق مقصودا والولد إذا صار مقصودا بولاء العتق لا يكون تبعا للأب وكذلك إن كانت حبلى به لأن الجنين بإعتاقها يعتق مقصودا فإن الجنين في حكم العتق كشخص على حدة حتى يفرد بالعتق فهو والمنفصل سواء .
وكذلك لو ولدت لأقل من ستة أشهر بيوم من حين أعتقت لأنا تيقنا أنه كان موجودا في البطن حين أعتقت .
وكذلك لو ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر بيوم لأن التوأم خلقا من ماء واحد فمن ضرورة التيقن بوجود أحدهما حين أعتقت التيقن بوجود الآخر فأما إذا ولدت لأكثر من ستة أشهر فلم يتيقن بوجود هذا الولد حين أعتقت فكان مولى لموالي الأم تبعا وهذا لأن الحل إذا كان قائما بين الزوجين فإنما يسند العلوق إلى أقرب الأوقات إذ لا ضرورة في الإسناد إلى ما وراءه إلا إذا كانت معتدة من موت أو طلاق فحينئذ إذا جاءت به لتمام سنتين منذ يوم مات أو طلق فالولد مولى لموالي الأم لأن الحل ليس بقائم في المعتدة من طلاق بائن أو موت فيسند العلوق إلى أبعد الأوقات لضرورة الحاجة إلى إثبات النسب .
وإذا حكمنا بذلك ظهر أن الولد كان موجودا في البطن حين أعتقت وكذلك إذا كانت معتدة من طلاق رجعي لأنا لا نثبت الرجعة بالشك ومن ضرورة إثبات النسب إلى سنتين من غير أن يجعل مراجعا الحكم بأن العلوق قبل الطلاق وإن جاءت به لأكثر من سنتين كان الولد مولى لموالي الأب فصار مراجعا لتيقننا أن العلوق حصل بعد الطلاق .
وإن كانت أقرت بانقضاء العدة فإن جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر بعد ذلك ولتمام سنتين منذ طلق فالولد مولى لموالي الأم لأنا علمنا مجازفتها في الإقرار بانقضاء العدة حين أقرت وهي حامل فيسند العلوق إلى أبعد الأوقات ولا يصير مراجعا إلا أن تكون جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلق فحينئذ يصير مراجعا لأن إقرارها بانقضاء العدة صار لغوا حين تيقنا أنها كانت حاملا يومئذ فكان ولاء الولد لموالي الأب لأنا لم نتيقن بكونه موجودا في البطن حين أعتقت ولا يصير مقصودا بالولاء إلا بذلك .
( قال ) ( أمة معتقة ولدت من عبد فالولد مولى لموالي أمه فإن أعتق الولد وأمه فموالاته موالاة لموالي الأم ) بمنزلة موالاة الأم لو كانت هي التي أعتقها وكذلك إن أسلم على يد الولد رجل ووالاه فهو مولى لموالي الأم أيضا يعقلون عنه ويرثونه لأن ولدها كنفسها .
ولو أسلم على يدها ووالاها كان مولى لمواليها فهذا مثله فإن أعتق الأب بعد ذلك جر ولاؤها ولاء كلهم حتى يكون مولى لموالي الأب لأن ولاء الأم انجر إلى قوم الأب فكذلك ما ينبني عليه من ولاء معتقه ومولاه وهذا لأن نسبة معتقه ومولاه إلى قوم الأم كان بواسطة وقد انقطعت هذه الواسطة حين صار هو منسوبا إلى قوم الأب .
ويستوي إن كان ولد المعتقة حيا أو ميتا له ولد أو ليس له ولد لأنه تبع في حكم الولاء لمعتق أمه وبقاء الأصل يغني عن اعتبار بقاء التبع لأن ثبوت الحكم في التبع بثبوته في الأصل ولا يرجع عاقلة الأم على عاقلة الأب بما غرموا من أرش جنايته لأنهم غرموا ذلك حين كان مولى لهم حقيقة فإن حكم جر الولاء في الولد ثبت مقصورا على الحال لأن سببه وهو عتق الأب مقصور غير مستند إلى وقت سابق .
وكذلك حكمه بخلاف الملاعن إذا أكذب نفسه وقد عقل جناية الولد قوم أمه فإنهم يرجعون على عاقلة الأب بذلك لأن النسب يثبت من وقت العلوق فتبين بإكذابه نفسه أنه كان ثابت النسب منه من حين علق وقوم الأم كانوا مجبرين على أداء الأرش فلا يكونون متبرعين في ذلك .
ولو لم يعتق الأب فأراد المولى الذي أسلم على يدي أبيه أن يتحول بولائه إلى مالك أبيه وقد عقل عنه موالي الأم لم يكن له ذلك لأن عقده مع الابن تأكد بحصول المقصود به فلا يحتمل الفسخ وفي التحول إلى غيره فسخ الأول بخلاف ما إذا أعتق الأب فإنه ليس في تحول ولائه إلى موالي الأب فسخ ذلك العقد الذي جرى بينه وبين الابن بل فيه تأكيد ذلك ولأن هذا التحول يثبت حكما لضرورة اتباع التبع الأصل والأول يكون عن قصد منه وقد يثبت الشيء حكما في موضع لا يجوز إثباته قصدا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب