( قال ) ( وليس للمكاتب أن يشارك حرا شركة مفاوضة ) لأنها تنبني على المساواة في التصرف ولا مساواة بين الحر والمكاتب في التصرفات ولأن شركة المفاوضة تتضمن الكفالة العامة فإن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه بما يلزمه والمكاتب ليس من أهل الكفالة وهذا على أصل أبي حنيفة - C تعالى - أظهر فإن عنده كفالة أحد المتفاوضين تلزم شريكه فلو صححنا المفاوضة بينهما لكان إذا كفل الحر بمال يلزم ذلك المكاتب ولا يجوز أن يلزم المال على المكاتب بعقد الكفالة ويجوز له أن يشارك الحر شركة عنان لأنها تتضمن توكيل كل واحد منهما صاحبه بالشراء والبيع والمكاتب في ذلك كالحر فإن عجز المكاتب بعد ذلك انقطعت الشركة بينهما لأنه لما رد في الرق صار عبدا محجورا عليه لا يملك مباشرة التصرف لنفسه فكذلك لا يملك شريكه أن يشتري له بحكم الوكالة فلهذا تبطل الشركة .
( قال ) ( وله الشفعة فيما اشتراه المولى وللمولى فيما اشتراه المكاتب ) لأنه بعد الكتابة التحق بسائر الأجانب في حقه في حكم البيع والشراء . ألا ترى أن كل واحد منهما يشتري من صاحبه فيجوز فكذلك في حكم الأخذ بالشفعة لأن الأخذ بالشفعة شراء .
( قال ) ( ولو أعتق المكاتب بعد شركة العنان بقيت الشركة على حالها ) لأن ملكه تأكد بالعتق وكذلك قدرته على التصرف فيبقى شريكه على وكالته .
( قال ) ( وإن شارك الغير شركة مفاوضة بغير إذن سيده أو بإذنه ثم عتق لم تصح تلك الشركة ) لأن المكاتب ليس من أهل المفاوضة والعقد إذا بطل لانعدام الأهلية لا يصح بحدوث الأهلية بعد ذلك .
( قال ) ( وإن اشترى المكاتب دارا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فعجز ورد في الرق انقطع خياره ) لأنه مجرد رأي كان ثابتا له بين الفسخ والإمضاء فلا يبقى بعد العجز له لما صار محجورا عليه عن التصرف كما لو مات ولا يخلفه المولى في ذلك لأن رأي الإنسان لا يحتمل النقل إلى غيره ولأن الدار بعجزه خرجت من حكم ملكه وصارت مملوكة للمولى وذلك مسقط لخيار المشتري فإن كان البائع بالخيار فهو على خياره بعد عجز المكاتب كما بعد موته وإن كان الخيار للمكاتب المشتري فبيعت دار إلى جنبها فله أن يأخذ تلك الدار بالشفعة لأنه صار أحق بما اشترى حتى يملك التصرف فيه فتجب الشفعة له باعتباره وأخذه بالشفعة يكون إسقاطا منه لخياره لأنه تقرر به ملكه في المشتري حين حصل ثمرة ذلك الملك لنفسه وإن لم يأخذها بالشفعة حتى رد المشتري على البائع فلا شفعة في الدار الأخرى لواحد منهما أما المكاتب فلأنه زال جواره برد المشتري وأما البائع فلأنه لم يكن جارا حين بيعت هذه الدار .
( قال ) ( ولا يقطع المكاتب في سرقته من مولاه ) لأنه مملوك له يدخل بيته من غير حشمة ولا استئذان فلا يتم إحراز المال عنه والقطع لا يجب إلا بسرقة مال محرز قد تم إحرازه وكذلك إن سرق من ابن مولاه أو من امرأة مولاه أو من ذي رحم محرم من مولاه لأن المولى لو سرق من أحد من هؤلاء أو سرق أحد من هؤلاء من المولى لم يقطع باعتبار أن بعضهم يدخل دار بعض من غير استئذان ولا حشمة وكذلك المكاتب لأنه ملكه يدخل عادة في كل بيت يدخل فيه مالكه من غير استئذان فيصير ذلك شبهة في درء العقوبة عنه وكذلك لو سرق واحد من هؤلاء من المكاتب لأنه لو سرق واحد من هؤلاء من المولى لم يقطع فكذلك من المكاتب لأن المكاتب ملك المولى وله في كسبه حق الملك .
( قال ) ( فإن سرق المكاتب من أجنبي ثم رد في الرق فاشتراه ذلك الرجل لم يقطع ) لأن القطع عقوبة تندرئ بالشبهات وفي مثله المعترض بعد الوجوب قبل الاستيفاء كالمقترن بالسبب . ألا ترى أن السارق لو ملك المسروق بعد وجوب القطع عليه يسقط عنه القطع وإن ملكه بسبب حادث فكذلك المسروق منه إذا ملك السارق بعد وجوب القطع .
( قال ) ( وإن سرق المكاتب من رجل ولذلك الرجل عليه دين فإنه يقطع ) لأنه لا شبهة بينهما بسبب وجوب الدين للمسروق منه على السارق فإن عجز المكاتب فطلب المسروق منه دينه فقضى القاضي أن يباع له في دينه وقد أبى المولى أن يفديه فإنه يقطع في القياس لأن المسروق منه لم يصر مالكا وإن قضى القاضي بأن يباع في دينه ولم يذكر الاستحسان . وقيل في الاستحسان ينبغي أن لا يقطع لأن مالية العبد صارت له بقضاء القاضي فإنه إذا بيع في الدين يصرف ثمنه إليه فيجعل هذا بمنزلة ما لو صار الملك له في رقبته في إيراث الشبهة ولكنه استحسان ضعيف فلهذا لم يذكره وكذلك العبد المأذون في جميع ما ذكرنا .
( قال ) ( وإن سرق المكاتب من مكاتب آخر لمولاه لم يقطع كما لو سرق من مولاه ) لأن كسب ذلك المكاتب من وجه لمولاه أو يجعل سرقة المكاتب كسرقة مولاه ولو سرق المولى من ذلك المكاتب لا يقطع فكذلك مكاتبه وكذلك إن سرق من عبد كان بين مولاه وبين آخر وقد أعتق المولى نصيبه منه لأن هذا كالمكاتب لمولاه من وجه . ألا ترى أن الشريك إذا اختار ضمان المولى رجع المولى به عليه فيكون بمنزلة المكاتب له .
( قال ) ( وإذا سرق المكاتب من مضارب مولاه من مال المضاربة لا يقطع ) لأنه مال المولى لو سرقه منه لا يقطع فكذا من مضاربه وكذلك لو سرق المكاتب من مال رجل لمولاه عليه مثل ذلك دين لأن فعله في السرقة كفعل المولى ولو سرق المولى هذا المال لم يقطع وكيف يقطع وإنما أخذه بحق لأن صاحب الحق إذا ظفر بجنس حقه له أن يأخذه فأما إذا كانت السرقة عروضا قطعا جميعا لأن دين المولى ثابت في ذمة المديون وذلك لا يوجب له حقا ولا شبهة فيما ليس من جنس حقه في مال المديون فلهذا يقطع المولى والمكاتب بسرقته والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب وإليه المرجع والمآب .
( قال ) شمس الأئمة الزاهد انتهى شرح كتاب المكاتب بإملاء المحصور المعاتب والمحبوس المعاقب وهو منذ حولين على الصبر مواظب وللنجاة بلطيف صنع الله مراقب والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم