( قال ) - Bه - قد بينا في كتاب العتاق الاختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه - رحمهم الله - فيما إذا اختلف المولى مع المكاتب في مقدار البدل أو جنسه في حكم التحالف ثم فرع على قول أبي حنيفة - C تعالى - : .
( قال ) ( إذا قال المكاتب كاتبتني على ألف درهم وقال المولى على ألفين فجعل القاضي القول قول المكاتب مع يمينه ولزمه ألف درهم ) كما هو قول المكاتب ثم أقام السيد البينة على أنه كاتبه على ألفين فبينته مقبولة لما فيها من إثبات زيادة المال وهو حقه ثم إن كان المكاتب لم يؤد شيئا بعد لم يعتق إلا بأداء الألفين لأن الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصمين وإن كان أدى ألفا وأمضى القاضي عتقه ثم أقام المولى البينة ففي القياس هذا والأول سواء لأنه تبين بالحجة أن بدل الكتابة ألفان وأن القاضي مخطئ في إمضاء عتقه بعد أداء الألف ولكنه استحسن فقال هو حر وعليه ألف درهم لأن القاضي قضى بعتقه بدليل شرعي والعتق بعد وقوعه لا يحتمل النقض ثم بينة المولى بعد ذلك مقبولة على إثبات الزيادة له في ذمته غير مقبولة على نفي العتق المقضي به إذ ليس من ضرورة وجوب المال على المكاتب بطلان العتق كما لو استحق البدل من المولى لأنا قد بينا اختلاف الصحابة - Bهم - في وقت عتق المكاتب : .
فمنهم من يقول : يعتق بنفس العقد .
ومنهم من يقول : يعتق بأداء قدر قيمته وقضاء القاضي بعتقه صادف موضع الاجتهاد فكان نافذا فإن أدى المكاتب ألف درهم ولم يخاصمه إلى القاضي حتى أقام المولى البينة على الألفين لم يعتق حتى يؤدي الألف الباقية لأنه تبين أن بدل الكتابة ألفان فلا يعتق بأداء بعض المال ولما لم يخاصمه إلى القاضي لا يمكن إثبات العتق له محالا به على قضاء القاضي في المجتهدات لأن القاضي لم يقض بشيء فلهذا لا يعتق حتى يؤدي جميع المال .
وإذا اختلفا فقال المولى : كاتبتك على ألفين وقال العبد : كاتبتني على ألف إذا أديت فأنا حر فأقاما البينة فإنه يقضى عليه بألفين فيؤخذ ببينة المولى على المال وببينة العبد على العتق فإذا أدى ألفا عتق وعليه ألف أخرى لأن العبد قد أقام البينة على عتقه بعد أداء الألف حين شهد شهوده أنه قال إذا أدى ألفا فهو حر بمنزلة رجل أعتق عبده على ألف .
وقد بينا معنى هذه المسألة في كتاب العتاق إلا أن هناك أبهم الجواب وهنا فسر وفرق .
بينما إذا شهد شهود العبد أنه قال : إذا أديت إلي فأنت حر وبين ما إذا لم يشهدوا بذلك ولكن شهدوا أنه كاتبه على ألف ونجمها عليه نجوما فإنه لا يعتق هنا حتى يؤدي ألفا أخرى وهذا الفرق صحيح لأن في الفصل الأول عتقه عند أداء الألف بحكم الشرط مصرح به في شهادته ولا يوجد ذلك في الفصل الثاني فإنه يعتق بحكم العقد وقد ثبت ببينة المولى أن البدل بحكم العقد ألفان فلا يعتق إلا بأداء الألفين . ألا ترى أنه لو كاتبه على ألف ثم جدد الكتابة على ألفين أو زاده في المكاتبة ألفا أخرى فإنه لا يعتق إلا بأداء الألفين فكذلك عند إقامة البينة لأنا نجعل كأن الأمرين كانا .
وإن اختلفا فقال العبد كاتبتني على نفسي ومالي على ألف درهم وقال المولى بل كاتبتك على نفسك دون مالك فالقول قول المولى والبينة بينة العبد لأن العبد في هذا الفصل يدعي زيادة في حقه والمولى ينكر تلك الزيادة فالقول قوله مع يمينه لإنكاره والبينة بينة العبد لما فيها من إثبات الزيادة .
وكذلك لو قال المولى : كاتبتك على نفسك خاصة وقال العبد : بل على نفسي وولدي فإن قال المولى كان هذا المال في يدك حين كاتبتك فهو مالي وقال العبد أصبته بعد ذلك فالقول قول العبد والبينة بينة المولى لأن المال في يد العبد فهو مستحق بحكم يده والمولى يحتاج إلى إثبات الاستحقاق عليه بالبينة ولأن الكسب حادث فيحال بحدوثه على أقرب الأوقات وهو ما بعد الكتابة ويحتاج المولى إلى إثبات التاريخ السابق بالبينة .
وإن ادعى أحدهما فسادا في المكاتبة وأنكر الآخر فالقول قول المنكر لأن اتفاقهما على العقد يكون إتفاقا منهما على ما يصح به العقد فإن مطلق فعل المسلم محمول على الصحة فلا يقبل قول من يدعي الفساد إلا بحجة ولأن المفسد شرط زائد على ما به تتم المكاتبة فلا يثبت بمجرد الدعوى قبل إقامة الحجة ولهذا لو أقاما البينة كانت البينة بينة من يدعى الفساد لأنه يثبت زيادة شرط ببينته .
وإن قال المولى كاتبتك على ألف إلى سنة وقال العبد إلى سنتين فالقول قول المولى والبينة بينة العبد لأن الأجل حق العبد فهو يدعي زيادة في حقه وهو منكر .
ألا ترى أن المولى لو أنكر أصل الأجل كان القول قوله والبينة بينة العبد فكذلك إذا أنكر زيادة في الأجل .
وإن ادعى أنه كاتبه نجوما على ألف كل شهر مائة وقال المولى نجومك مائتان كل شهر فالقول قول المولى والبينة بينة العبد لأن الاختلاف بينهما في الحقيقة في فصل الأجل العبد يدعى أن الأجل عشرة أشهر والمولى يدعى أن الأجل خمسة أشهر .
ولو قال العبد : كاتبتني على مائة دينار وأقام البينة . وقال المولى : على ألف درهم وأقام البينة فالبينة بينة المولى لأن حق المكاتب ثابت باتفاقهما وإنما قامت البينتان فيما هو حق المولى وبينته على إثبات حق نفسه أولى بالقبول من بينة غيره على حقه .
ولو قال المولى لمكاتبته ولدت هذا الولد قبل أن أكاتبك فهو عبدي وقالت بل ولدته في مكاتبتي فالقول قول من في يده الولد منهما لأنه مستحق له باعتبار يده والآخر يريد استحقاقه عليه فلا يستحقه إلا بإقامة البينة .
( فإن قيل ) : إذا كان في يد السيد فلماذا يجعل القول قوله وولادتها الولد حادث ويحال بالحادث على أقرب الأوقات .
( قلنا ) : نعم ولكن هذا نوع ظاهر والظاهر يصلح حجة لدفع الاستحقاق ولكن لا يثبت به الاستحقاق . والمكاتب يحتاج إلى استحقاق اليد على المولى في الولد والظاهر لهذا لا يكفي فإن أقاما البينة فالبينة بينة المكاتب أما إذا كان الولد في يد المولى فلأنه يثبت الاستحقاق ببينتها والمولى ينفي ذلك الاستحقاق .
وأما إذا كان في يد المكاتبة فإنها ببينتها تثبت حكم الكتابة في الولد وحريته عند أدائها والمولى ينفي ذلك ببينته فكان المثبت من البينتين أولى كما لو أعتق جاريته ثم اختلفا في ولدها هذا الاختلاف وأقاما البينة فالبينة بينة الجارية لما فيها من إثبات العتق للولد .
وإذا ماتت المكاتبة ثم اختلف ولدها والمولى في المكاتبة فهو كاختلاف المولى والأم في قول أبي حنيفة - C تعالى - الآخر لأن الولد قام مقام الأم فاختلافه مع المولى في مقدار البدل بمنزلة اختلاف الأم .
ولهذا لو ادعى الولد أنه أدى البدل أو أن الأم أدت البدل لم يصدق إلا بحجة كما لو ادعت الأم ذلك في حياتها وكذلك إذا كان الاختلاف بين المكاتبة وابن المولى بعد موت المولى .
ولو كاتب الذمي عبدا له مسلما ثم اختلفا في مقدار البدل وأقام المولى بينة من النصارى لم تقبل لأن الخصم مسلم وشهادة الكافر ليست بحجة على المسلم .
( حربي دخل دار الإسلام بأمان فاشترى عبدا ذميا وكاتبه ثم اختلفا في المكاتبة فأقام المولى البينة من أهل الحرب ممن دخل معه بأمان لم تقبل شهادتهم على العبد الذمي ) لأنه من أهل دارنا وشهادة أهل الحرب على من هو من أهل دارنا لا تكون حجة كشهادة الكفار على المسلمين والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب وإليه المرجع والمآب