( قال ) ( وإذا مات المكاتب عن وفاء وعليه دين وله وصايا من تدبير وغيره وترك ولدا حرا وولدا ولد في المكاتبة من أمته بدئ من تركته بديون الأجانب ) لأن دين الأجنبي أقوى من دين المولى حتى يبقى دين الأجنبي عليه بعد العجز دون دين المولى ثم بدين المولى إن كان ثم بالمكاتبة لأن دين المولى أقوى من بدل الكتابة إذ ليس لبدل الكتابة حكم الدين ما لم يقبض ولأنه يملك أن يعجز نفسه عن المكاتبة فيسقطها عن نفسه ولا يملك أن يعجز نفسه عن سائر الديون سوى المكاتبة ثم بالمكاتبة بعد ذلك فإن أديت حكم بحريته والباقي ميراث بين أولاده وبطلت وصاياه لأنه تبرع وقد بينا أن استناد العتق إنما يظهر في حكم الكتابة دون وصاياه ووصايا المكاتب في الحاصل على ثلاثة أوجه : .
( أحدها ) : أن يوصي بشيء من أعيان كسبه فهذه الوصية باطلة سواء أدى الكتابة في حال حياته أو مات قبل الأداء لأن في الوصية بالعين يراعى قيام ملك الموصي وقت الإيصاء وملكه وقت الإيصاء لا يحتمل الوصية .
( والثاني ) : أن يقول إذا عتقت فثلث مالي وصية لك فإن أدى بدل الكتابة وعتق ثم مات جازت الوصية لأن المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز وإن لم يؤد حتى مات فهذه الوصية باطلة .
( والثالث ) : أن يقول ثلث مالي وصية لفلان ثم يؤدي بدل الكتابة ثم يموت فهذه الوصية باطلة عند أبي حنيفة - C تعالى - صحيحة عندهما وهو نظير ما تقدم في العتاق إذا قال كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر ثم عتق فملك مملوكا فإن مات المكاتب وترك ألفا وعليه للمولى ألف درهم دين وبدل الكتابة بدئ ببدل الكتابة استحسانا وفي القياس يبدأ بالدين لأن الدين أقوى من بدل الكتابة وللاستحسان وجهان : .
( أحدهما ) : أن المولى لو قبض هذا المال بجهة الكتابة يسلم له من تلك الجهة ولو قبضه من جهة الدين لا يسلم له من تلك الجهة لأنه تبين أنه مات عاجزا والمولى لا يستوجب على عبده دينا .
( والثاني ) : أنه إذا قبض بجهة الكتابة سلم المال له ووصل المكاتب إلى شرف الحرية وإذا قبض بجهة الدين لا يسلم له إلا ذلك المال أيضا ولا تحصل الحرية للعبد فكان قبضه من جهة يحصل بها للعبد الحرية أولى وإن لم يترك مالا إلا دينا على إنسان فاستسعى الولد المولود في الكتابة ولا دين على المكاتبة سواها فعجز عنه وقد أيس من الدين أن يخرج فإنه يرد في الرق لأن الدين المأيوس تاو فلا يثبت باعتبار القدرة على الأداء وبدونه قد تحقق عجز الولد ولو تحقق عجز الأم في حياتها لكانت ترد في الرق ولا معتبر بالدين المأيوس عن خروجه فكذلك إذا تحقق عجز الولد فإذا خرج الدين بعد ذلك كان للمولى لأنه كسب أمته .
وإذا ماتت المكاتبة عن وفاء وولد قد كوتب عليه مكاتبة واحدة وهو صغير أو كبير أو عن ولد مولود في مكاتبتها ورثه بعد قضاء مكاتبتها لأن عتق الولد لا يستند إلى ما يستند إليه عتق الأب إما لأنه مكاتب معه مضموم إليه في العقد أو لأنه تبع له .
وإن كان الولد مفردا بكتابته فأداها بعد موت الأب قبل قضاء مكاتبة الأب أو بعده لم يرثه لأنه مقصود بالكتابة فإنما يعتق من وقت أداء البدل مقصورا عليه لأن الاستناد للضرورة ولا ضرورة في حقه هنا فإذا لم يستند عتقه كان هو عبدا عند موت أبيه فلهذا لا يرثه .
وإن مات المولى عن مكاتبه وله ورثة ذكور وإناث ثم مات المكاتب عن وفاء فإنه يؤدي كتابته فيكون ذلك بين جميع ورثة المولى لأنه ماله فيكون ميراثا لهم عنه كسائر أمواله وما فضل عنها فللذكور منهم دون الإناث إن لم يكن للمكاتب وارث سوى ورثة المولى لأن بأداء مكاتبته بعد موته يحكم بحريته وكان ولاؤه للمولى لأنه مستحق ولاءه بكتابته في حياته فإنما يخلفه في الميراث بالولاء الذكور من عصبته دون الإناث وكذلك إن لم يمت المكاتب حتى أدى المكاتبة إليهم أو وهبوها له أو أعتقوه ثم مات فميراثه للذكور من ورثة المولى لأن بهذه الأسباب عتق على ملكه فإنه عتق وهو مكاتب والمكاتب لا يورث فلهذا كان ولاؤه للمولى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب