( قال ) Bه ( وإذا كاتب الرجل نصف عبده جاز ذلك وصار كله مكاتبا بذلك في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - ) لأن الكتابة عندهما لا تتجزأ كالعتق وعند أبي حنيفة - C تعالى - يقتصر على القدر الذي كاتب منه فإن أدى المكاتبة عتق منه ذلك القدر ويسعى فيما بقي من قيمته على قدر ما يطيق بمنزلة رجل أعتق بعض عبده . ومعنى هذا أنه ليس للمولى أن يطالبه بالسعاية في الحال ولكن يجعله منجما عليه بحسب ما يعلم أنه يطيق أداءه لأنه معسر فيستحق النظرة إلى الميسرة بالنص ولأن مقصوده تكميل العتق دون التضييق عليه وإن اكتسب العبد مالا قبل الأداء إليه فنصفه له ونصفه للمولى لأن نصفه مملوك للمولى غير مكاتب والكسب يملك بملك الأصل وما اكتسب بعد الأداء ليس للمولى منه شيء لأن النصف منه عتق بالأداء والنصف الآخر يستسعى كالمكاتب فيكون هو أحق بجميع كسبه بعد الأداء .
وإذا كاتب نصفه ثم أراد أن يحول بينه وبين الكسب لم يكن له ذلك لأن مقصود المولى بالكتابة تمكينه من التقلب والتكسب ليؤدي به البدل . وقد ثبت هذا الحق للمكاتب بكتابة النصف لازما فكما لا يكون له أن يفسخ الكتابة لا يكون له أن يحول بينه وبين الكسب .
وإذا أراد أن يخرج من المصر فله أن يمنعه في القياس لأن نصفه مملوك له وللمولى أن يمنع ملكه من السفر ولا يتأتى السفر في قدر ما صار مكاتبا منه وحده فكان للمولى أن يمنعه دفعا للضرر عن ملكه كمن استأجر دابة ليركبها هو ليس له أن يركب غيره أو استأجر ثوبا ليلبسه هو ليس له أن يلبس غيره لأن الركوب واللبس يتفاوت فيه الناس فيصير المستأجر ممنوعا من التصرف فيما يملكه من المنفعة على وجه يلحق الضرر بصاحب الثوب .
ولكنه في الاستحسان لا يمنع من ذلك لأن المولى أثبت له حق التقلب والتكسب وربما لا يحصل له هذا المقصود في المصر والخروج من المصر للطلب طريق ظاهر بين الناس فيصير مثبتا له ذلك الحق حين كاتب نصفه فلا يمنعه بعد ذلك منه وهذا أولى الوجهين بالأخذ به لأن المقصود من هذا العقد الإرفاق به .
وكذلك لو أراد أن يستخدمه أو يستسعيه يوما ويخلي عنه يوما للكسب فله ذلك في القياس لأن خدمته ومنفعته ككسبه فكما أن للمولى أن يأخذ نصف كسبه فكذلك له أن يجعل نصف خدمته لنفسه بالتهايؤ بينه وبين نفسه .
وفي الاستحسان لا يعرض له في شيء حتى يؤدي أو يعجز لأنه أثبت له حق التقلب والتكسب وذلك بمنافعه يكون فمن ضرورة ثبوت هذا الحق له لازما أن يكون أحق بمنافعه وهذا أولى الوجهين بالأخذ به لأنه إرفاق به وليس فيه ضرر على مولاه فإنه إذا اكتسب بمنافعه كان للمولى أن يأخذ نصفه فيكون هذا تحويلا لحقه من المنفعة إلى الكسب ولا ضرر فيه .
ولو جعلنا المكاتب أحق بكسبه كان فيه إبطال حق المولى عن نصف الكسب فلهذا لا يعتبر الإرفاق في ذلك وإذا كاتب نصف جاريته فولدت ولدا كان ولدها بمنزلتها ونصف كسبه للمولى لأن نصف الولد مملوك كنصف الأم ونصف كسبه للأم لأنه داخل في كتابتها فتأخذ حصة ذلك من كسبه فإن أدت عتق نصفها ونصف الولد معها ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته لأن كل واحد منهما معتق البعض وقد احتبس ما بقي من ملك المولى فيه عنده وكل واحد منهما مقصود في هذه السعاية فإذا اكتسب الولد بعد ذلك فذلك الكسب له دون أمه ومولاه لأنه صار كالمكاتب بما لزمه من السعاية في نصف قيمته مقصودا .
وإن ماتت الأم قبل أن تؤدي شيئا من كتابتها يسعى الولد في المكاتبة لأن نصفه تبع للأم في الكتابة فيقوم مقامها بعد موتها في السعاية وفي المكاتبة فإذا أداها عتق نصفها كما لو أدت في حال حياتها ويسعى بعد ذلك في نصف قيمته ولا يسعى في نصف قيمة أمه لأن في السعاية في نصف القيمة كل واحد منهما مقصود فلا يجب عليه ما كان واجبا عليها من السعاية لأن ذلك في حكم التبعية ولا تبعية هنا في حق ذلك النصف .
وهو بمنزلة رجل أعتق نصف جاريته ونصف ولدها ثم ماتت الأم فلا سعاية على الولد من قبل الأم ولو كان أعتق نصف أمته وهي حبلى فولدت بعد ذلك أو حبلت بعد العتق فهذا الولد يسعى فيما على أمه إذا ماتت لأن جميع الولد تبع لها .
ألا ترى أنه ليس عليه شيء من السعاية مقصودا فيسعى فيما عليها بعد موتها .
وإذا كاتب نصف أمته فولدت ولدا ثم ماتت الأم وتركت مالا وعليها دين قضي الدين من جميع تركتها أولا لأن نصفها مكاتب ونصفها مأذون ودين المأذون في كسبه مقدم على حق المولى ويكون للمولى نصف ما بقي بعد الدين لأن نصفه ملكه وكسب ذلك النصف له بعد الفراغ من الدين ونصف المكتسب لها فيؤدي من ذلك كتابتها فإن بقي شيء أخذ المولى نصف قيمتها لأنه كان يستسعيها في نصف القيمة بعد أداء الكتابة لو كانت حية فيأخذ ذلك من تركتها بعد موتها والباقي ميراث لورثتها لأنا حكمنا بموتها حرة ولا يرث هذا الولد منها شيئا لأن استناد العتق في الولد إلى حال حياتها كان في النصف الذي هو تبع لها وفي النصف الباقي الولد مقصود فإن عليه أن يسعى في نصف قيمته ولا يعتق إلا بعد أداء سعايته فكان بمنزلة المملوك عند موت أمه فإن لم تدع الأم شيئا سعى الولد في الدين كله لأن في حكم الدين الولد قائم مقام الأم كولد المأذونة وولد المكاتبة يسعى في الكتابة أيضا لهذا المعنى ثم يسعى في نصف قيمة نفسه لأنه معتق النصف بعد أداء الكتابة ولا يسعى في نصف قيمة الأم لما بينا أنه ليس بتبع لها في هذا النصف .
فإن أدى الكتابة قبل أن يؤدي دين الغرماء عتق نصفه ونصف أمه كما لو أدت في حياتها ولم يرجع الغرماء على المولى بما أخذ لكنهم يتبعون الولد بالدين لأنه قائم مقامها فأخذه بدل الكتابة منه كأخذه منها .
وإذا أخذ منها كان المأخوذ سالما والغرماء يتبعونها بديونهم فكذلك الولد وما اكتسب الولد قبل أن يؤدي الكتابة فنصفه للمولى بعد الدين لأن الولد بمنزلتها .
وقد بينا أنه يبدأ بالدين من كسبها ثم يسلم للمولى نصف ما بقي باعتبار ملكه في نصفها فكذلك الولد .
( رجل كاتب نصف أمته فاستدانت دينا سعت في جميع الدين ) لأن كتابة النصف من المولى يتضمن الإذن للنصف الآخر في التجارة على ما بينا أنه تمليك لها من التقلب والتكسب ومن ضرورته الإذن في التجارة فإن عجزت كان جميع الدين في جميع رقبتها تباع في ذلك لأن جميع الدين ظهر وجوبه في حق المولى باعتبار الإذن فتباع فيه بعد العجز وكذلك إن كانت لشريكين وكاتبها أحدهما بإذن شريكه فاستدانت دينا ثم عجزت فالدين في جميع رقبتها تباع فيه لأن رضا الشريك بالكتابة يتضمن الإذن لها في التجارة في نصيب نفسه ضرورة .
( عبد بين رجلين أذن له أحدهما في التجارة فاستدان دينا فهو في نصيب الآذن خاصة ) لأن الآذن رضي بتعلق الدين بمالية رقبته وذلك منه صحيح في نصيبه دون نصيب شريكه وكذلك إن كاتب أحدهما بغير إذن شريكه لأن الشريك لم يرض بتعلق الدين بنصيبه ولا بثبوت حكم الآذن في نصيبه بخلاف ما إذا كانت الكتابة بإذنه فإن اشترى الذي أذن له في التجارة نصيب شريكه بعد ما لحقه الدين فالدين في النصف الأول خاصة كما لو كان قبل شرائه وكذلك ما استدان بعد هذا بغير علم مولاه لأن حكم الآذن لم يثبت في المشتري بنفس شرائه وهذا النصف كان محجورا قبل الشراء وتأثير الشراء في رفع الأذن الثابت لا في إثباته .
وإن علم أنه يشتري ويبيع فلم ينهه فالقياس كذلك لأن شراءه وبيعه صحيح باعتبار الآذن في نصفه وتأثير سكوت المولى في إثبات الرضا بتصرفه لينفذ ذلك دفعا للضرر والغرور عمن عامله وذلك حاصل بدون ثبوت الأذن في النصف الباقي فلا يجعل سكوته إذنا وفي الاستحسان يلزمه جميع ذلك في جميع الرقبة اعتبارا للبعض بالكل فإنه لو كان الكل محجورا فرآه المولى يبيع ويشتري فلم ينهه صار الكل مأذونا فكذلك إذا كان النصف محجورا لأن سكوته عن النهي بعد العلم بتصرفه بمنزلة التصريح بالأذن وإذا كاتب نصف عبده لم يكن له أن يبيع الباقي لأنه ثبت للعبد حق التكسب والتقلب لازما وفي بيع الباقي إبطال هذا الحق عليه فإن باعه من العبد عتق النصف الذي باعه لأن بيع النصف من نفسه إعتاق وكتابة البعض لا تمنع إعتاق ما بقي منه لأن في الإعتاق تقرير حقه لا إبطاله وله الخيار إن شاء عجز وسعى في نصف قيمته وإن شاء مضى على الكتابة فإن مضى على الكتابة وأدى بعضها ثم عجز حسب له ما أدى من نصف القيمة وسعى فيما بقي منه لأن بعتق النصف صار هو أحق بجميع كسبه وللمولى عليه إما الكتابة وإما نصف القيمة فما سبق فيه يكون محسوبا مما له عليه وكذلك بدل الكتابة في حال قيام العقد أو نصف القيمة بعد العجز عنه وما كان كسبه قبل أن يشتري نفسه فله نصفه وللمولى نصفه لأن نصفه كان مملوكا للمولى حين اكتسب هذا المال فإن كان أدى إلى المولى شيئا قبل أن يشتري نفسه فقال المولى اطرح نصف ذلك المؤدى لأن لي نصف الكسب فله ذلك إن كان أداه من شيء اكتسبه وإن كان أداه من دين استدانه فلا شيء للمولى من ذلك لما قلنا أنه في النصف الآخر مأذون له ولا يسلم كسبه للمولى إلا بعد الفراغ من دينه .
ولو كاتب نصف عبده ثم اشترى السيد من المكاتب شيئا جاز الشراء في نصفه لأن النصف منه مكاتب والنصف مأذون وشراء المولى من مكاتبه مفيد وشراؤه من المأذون إذا لم يكن عليه دين غير مفيد . فلهذا كان نصف المشتري للسيد بنصف الثمن والنصف الآخر للسيد بقديم ملكه .
وإن اشترى المكاتب من مولاه عبدا ففي الاستحسان جاز شراؤه في الكل كما لو اشتراه من غيره لأن النصف منه مكاتب والنصف مأذون وفي القياس لا يجوز شراؤه إلا في النصف لأن النصف منه مكاتب والنصف مملوك للمولى وشراء المملوك من مولاه لا يجوز إذا لم يكن عليه دين لأنه غير مفيد ويجوز إذا كان عليه دين لأنه مفيد فكذلك هنا وبالقياس نأخذ لأنه أقوى الوجهين فالعقود الشرعية غير مطلوبة بعينها بل لفائدتها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب