( قال ) رضي الله تعالى عنه ( رجل كاتب أمة له حاملا فما في بطنها داخل في كتابتها ذكر أو لم يذكر كما يدخل في بيعها ) لأنه جزء منها ولأنها لو حبلت بعد الكتابة وولدت كان الولد داخلا في كتابتها فإذا كان موجودا عند العقد أولى فإن استثنى ما في بطنها لم تجز الكتابة كما لو باعها واستثنى ما في بطنها وهذا لأنه بالاستثناء يشترط ما في بطنها لنفسه وهو شرط فاسد متمكن في صلب العقد فتبطل به الكتابة كما لو استثنى وطأها أو خدمتها لنفسه وإن كاتب ما في بطنها دونها لم يجز كما لو باع ما في البطن وهذا لأن ما في البطن بمنزلة جزء منها فلا يحتمل الكتابة مقصودا ولأن الكتابة لا تتم إلا بالقبول والقبول من الجنين لا يتحقق وليس لأحد عليه ولاية القبول الأم وغيرها فيه سواء لأن القابل لا يمكن أن يجعل نائبا فإن نيابة الغير شرعا فيما يكون متصورا من المنوب عنه وإن كاتبها وهي حامل فولدت ثم ماتت سعى الولد في مكاتبتها على نجومها لأنه جزء منها انفصل بعد ثبوت حكم الكتابة فيها والنجوم تبقى ببقاء مثل هذا الجزء وإن كان عليها دين سعى فيه أيضا لأن هذا الجزء قائم مقامها وهي في حياتها كانت تسعى في الدين والكتابة جميعا فإن أدى الولد المكاتبة قبل الدين عتق وأخذه الغرماء بالدين حتى يسعى لهم فيه استحسانا .
وفي القياس لا يعتق لأن كسب الولد فيما يرجع إلى حاجتها ككسبها وإنما يبدأ من كسبها بالدين قبل الكتابة لأن الدين أقوى من الكتابة . ألا ترى أنه لا يسقط عنها بالعجز ولكنه استحسن فقال الولد قائم مقامها وهي في حياتها لو أدت الكتابة قبل الدين عتقت وكان للغرماء أن يطالبوها بالدين فكذلك الولد إذا أدى وهذا لأن ذمة الولد خلف عن ذمتها ولهذا بقيت النجوم ببقاء الولد فهما دينان في ذمته .
فإذا قضي أحدهما من كسبه صح قضاؤه ولا سبيل للغرماء على ما أخذه المولى لأن حقهم في ذمته فيطالبونه بأن يسعى لهم كما لو كانت هي التي أدت الكتابة في حياتها .
وإن عجز عن المكاتبة رده القاضي رقيقا وبيع في الدين للغرماء كما لو عجزت هي في حياتها وهذا لأن الدين ثابت في ذمته والدين في ذمة الرقيق يثبت متعلقا بمالية الرقبة فيباع فيه .
وإن كان المولى قد قبض منه شيئا من المال فهو سالم له كما لو كان أخذ منها في حياتها وهذا لأنه بمنزلة غريم من الغرماء وللمكاتب أن يقضي بعض غرمائه ويسلم المقبوض للقابض عتق المكاتب أو عجز لأنه في قضاء الدين بكسبه كالحر .
وإذا قتل الولد خطأ أخذت الدية من عاقلة القاتل فيبدأ منها بقضاء الدين لأن بدل نفس الولد بمنزلة كسبه وذلك في حاجتها بمنزلة مالها فيبدأ منه بقضاء الدين ثم بالكتابة لأن الذمة لما خرجت تعلقت الحقوق بالمال فيبدأ بالأقوى والدين أقوى من الكتابة ثم تقضى الكتابة بعد ذلك والباقي يكون لورثة الابن دون ورثة الأم لأنه يحكم بعتقها وعتق الولد بأداء المكاتبة ولا حق لها فيما كان فاضلا عن حاجتها من بدل نفس الولد وكسبه .
ألا ترى أن الولد لو كان حيا كان الفضل سالما له فكذا يسلم لورثته بعد موته ويستوي إن كاتبها وهي حامل أو ولدت في كتابتها .
وإن ماتت الأم وتركت مالا وفاء بالدين الذي عليها فقبض المولى ذلك من الكتابة تعتق الأم والولد إذا كان الولد هو الذي أدى إليه لأنه خلف عنها فأداؤه كأدائها إلا أن الغرماء أحق بذلك المال يأخذونه من المولى لأن حقهم تعلق بمالها بعد الموت كما يتعلق حق غرماء الحر بماله بعد موته وحقهم أقوى من حق المولى وليس للأبن ولاية إبطال حقهم فلهذا أخذوا المال منه ثم يرجع هو على الابن ببدل الكتابة ولكن لا يبطل العتق كما لو استحق المقبوض من البدل وهذا بخلاف ما إذا لم تترك مالا وأدى الولد الكتابة من كسبه لأن هناك حق الغرماء في ذمته كحق المولى وهو مكاتب قائم مقام الأم فيملك تخصيص بعض الغرماء بقضاء الدين من كسبه .
وإن كان المولى هو الذي قبض مالها من غير أداء الولد إليه لم يعتق لأن هذا مال الغرماء فالمولى غاصب في أخذه لا مستوف لبدل الكتابة بخلاف ما إذا أدى الولد لأنه يكون مؤديا بدل الكتابة بمال هو حق غيره . ألا ترى أنه لو كان في يدها مال مغصوب لإنسان فغصب المولى ذلك منها لم تعتق ولو أدت إليه بجهة الكتابة عتقت فكذلك بعد موتها وإن كان القاضي دفعه إليه وهو لا يعلم أن عليها دينا فهو بمنزلة الباب الأول تعتق هي وولدها لأن أداء القاضي كأداء الولد أو أقوى منه لأن القاضي له ولاية قضاء دين الميت من ماله كما يكون لمن يخلفه ذلك .
وإن أعتق المولى ولدها في حياتها عتق ولم يرفع عنها شيء من الكتابة لأنه تبع محض لا يقابله شيء من البدل إذا لم يكن من أهل القبول وقت عقد الكتابة فهو كالولد المولود في الكتابة وإن ماتت ولم تترك مالا فأعتق المولى الولد جاز العتق لأنه قائم مقامها ولو أعتقها المولى جاز العتق .
وإن كان عليها دين وبقي حق الغرماء في ذمتها فكذلك إذا أعتق ولدها وهذا لأن حق غرمائها لا يتعلق بذمة الولد ما بقيت الكتابة إنما يتعلق بالكسب وبالعتق لا يفوت شيء من محل حقهم فلا يمنع نفوذ العتق من المولى ولا يفوت الغرماء شيء من محل حقهم ولا يضمن للغرماء شيئا ولكن الولد يسعى لهم في الدين كما كان يفعله قبل العتق .
رجل كاتب أمته وهي حبلى أو حبلت من بعد ثم أعتق نصفها قبل أن تلد عتق من الولد مثل ذلك لأن الجنين تبع لها وثبوت الحكم في التبع بثبوته في الأصل فلهذا يعتق منه بقدر ما عتق منها وهي بالخيار إن شاءت سعت في نصف المكاتبة وإن شاءت سعت في نصف القيمة في قول أبي حنيفة - C تعالى - لأن العتق عنده يتجزى وقد تلقاها جهتا حرية الكتابة والسعاية فتختار أيتهما شاءت .
فإن ماتت بعد ما ولدت يسعى الولد فيما على أمه لأنها بمنزلة المكاتبة سواء اختارت السعاية في نصف المكاتبة أو نصف القيمة والولد مولود في كتابتها فيسعى فيما عليها ولا يسعى في شيء من قيمة نفسه لأن ثبوت العتق في نصفه بطريق التبعية للأم فلا ينقلب مقصودا فيما كان فيه تبعا .
وإن كان عليها دين يسعى الولد في جميع الدين أيضا لأنه قائم مقامها فيما كان عليها من الدين والكتابة وهذا لأنه لا يعتق إلا بعتقها فكان هذا والولد المولود في الكتابة سواء .
وإن أعتقه المولى لم يبطل عنه الدين لأن الدين قد ثبت في ذمته على أن يؤدي من سعايته باعتبار خلافته عنها فلا يبطل بإعتاق المولى إياه كما لا يبطل بإعتاق المولى إياها .
وإن كان هذا الولد جارية فعلقت من المولى ثم مات المولى عتقت بجهة الاستيلاد لأنها كانت كالمكاتبة للمولى وسعت في الدين الذي على أمها كما لو كان المولى أعتقها في حياته ولم تسع في المكاتبة لأن سعايتها في المكاتبة كان لتحصيل العتق لنفسها وقد عتقت ولأن المولى بإعتاقه إياها بعد موت الأم يصير مبرئا لها عن بدل الكتابة .
ألا ترى أنه لو أعتق أمها في حياتها كان مبرئا لها عن بدل الكتابة فكذلك الولد ويستوي إن أعتقها قصدا أو بالاستيلاد .
وإذا كاتب الرجل أمة فولدت ولدا فجنى على الولد جناية أو اكتسب مالا فجميع ذلك للأم لأنه تابع لها في الكتابة فكسبه وأرش طرفه لها وليس للولد أن يمنع شيئا منها .
وإن كان كبيرا فإن عتقا ثم ماتت الأم فذلك ميراث عنها سواء كانت أخذت منه أو لم تأخذ بخلاف ما يكتسبه الولد بعد موتها وهذا لأن في حال بقاء الأصل لا عبرة للتبع فكان كسب الولد ككسبها .
ولو اكتسبت ثم عتقت وماتت كان كسبها ميراثا عنها سواء كان في يدها أو في يد غيرها فكذلك كسب ولدها فأما بعد الموت فات ما هو الأصل ولكن بقي الولد خلفا عنها فيما كان من حاجتها وحاجتها إلى أداء البدل لتعتق به فلهذا كان ما وراء ذلك من كسب الولد له .
وإن مات الولد بعد العتق من تلك الجراحة كان جميع قيمته للأم لأن الجاني صار قاتلا له فإن بالعتق لا تنقطع السراية هنا حين لم يتبدل المستحق .
وإذا صار قاتلا له وهو مكاتب وقت جنايته فيكون الواجب عليه القيمة ويكون ذلك سالما للأم .
وإن مات الولد عن مال وورثة أحرار ثم ماتت الأم قبل أن تأخذه ولم تترك شيئا فذلك المال مالها لأن سبب الاستحقاق تم لها في حياتها فلا يبطل حقها بموتها ولكن القيمة مالها ويأخذ المولى منه المكاتبة والباقي ميراث عنها .
ويجوز لولد المكاتبة أن يبيع ويشتري لأنه بمنزلة أمه مكاتب فيملك التصرف .
وإن كان كسبه لها بحكم التبعية في الكتابة فإن لحقه دين ثم ماتت الأم سعى في جميع ذلك كما كان يسعى في حياتها فإن اكتسب مالا قضى منه الدين الذي عليه وعلى أمه وسعى في الكتابة لأنه مع لحوق الدين إياه هو قائم مقام الأم بعد موتها فيسعى في جميع ما عليها .
وإن مات بدئ بدينه لأن دينه في ذمته أقوى من حيث أنه أسبق تعلقا وأنه أصيل فيه لمباشرة سببه فيبدأ من كسبه بدينه ثم بدين أمه . ألا ترى أن المكاتبة لو أذنت لعبدها في التجارة فلحقه دين ثم ماتت كان غرماء العبد أحق بمالية الرقبة من غرمائها فكذلك الولد وهذا لأن كسبه لها بعد ما يفرغ من حاجته فإن حاجة المكتسب في كسبه مقدم على حاجة غيره .
مكاتبة ولدت بنتا فكبرت وارتدت ولحقت بالدار ثم أسرت لم تكن فيئا لأنها مكاتبة تبع لأمها والمكاتبة لا تملك بالأسر فتحبس حتى تتوب أو تموت كما لو كانت الأم هي التي فعلت ذلك .
وبهذا ونحوه يتبين فساد قول من يقول من أصحابنا أن أحدا لا يتكاتب على أحد فإن الابنة لو لم تصر مكاتبة حقيقة لصارت فيئا بالأسر .
فإن ماتت المكاتبة عن غير وفاء فإن القاضي يخرج الابنة من الحبس حتى تسعى فيما على أمها لأن حبسها لحق الشرع وحق الأمة والمولى فيها وفي سعايتها مقدم على حق الشرع .
ألا ترى أن الأمة إذا ارتدت لم تحبس ولكنها تدفع إلى المولى يستخدمها ويحبسها فكذلك الابنة هنا تخرج لتسعى فيما على أمها .
مكاتبة ولدت ولدا ثم قتلها الولد فقتلها بمنزلة موتها وليس عليه من جنايته شيء لأنه جزء منها فكأنها جنت على نفسها ولأنه لو جنى على غيرها كان موجب جنايته في كسبه وكسبه لها فلو وجب لها بجنايته شيء إنما يجب فيما هو من حقها فلا يكون مفيدا .
وإن جنت الأم جناية على إنسان ثم ماتت قبل أن يقضي عليها بشيء سعى الولد في الجناية والكتابة لأنه قائم مقامها وهي في حياتها كانت تسعى فيها فإن عجز نظر فإن كان القاضي قضى لولي الجناية بالقيمة فهو بمنزلة الدين على الولد يباع فيه .
وإن كان القاضي لم يقض لولي الجناية بشيء بطلت الجناية بعجزه كما لو عجزت في حال حياتها قبل قضاء القاضي ثم ماتت وهذا لأن حق ولي الجناية في رقبتها وإنما يصير دينا في ذمتها بقضاء القاضي فإذا ماتت قبل القضاء بطل حقه لفوات محله فكذلك هنا والله أعلم بالصواب