( قال ) Bه ( وإذا كاتب الرجل عبده على قيمته لم يجز ) لأن عقد الكتابة لا يصح إلا بتسمية البدل كعقد البيع والقيمة مجهول الجنس والقدر عند العقد فلم تصح تسميته وهو تفسير العقد الفاسد فإن موجب الكتابة الفاسدة القيمة بعد تمامها فإذا أدى إليه القيمة عتق لأن العقد انعقد مع الفساد فينعقد موجبا لحكمه . والأصل أن العقد الفاسد معتبر بالجائز في الحكم لأن صفة الفساد لا تمنع انعقاد أصل العقد بل تدل على انعقاده فإن قيام الوصف بالموصوف فإن الصفة تبع وبانعدام التبع لا ينعدم الأصل ثم العقود الشرعية لا تنعقد إلا مفيدة للحكم في الحال أو في الثاني ولا يمكن تعرف حكم العقد الفاسد من نفسه لأن الشرع لم يرد بالإذن فيه فلا بد من أن يتعرف حكمه من الجائز ولأن الحكم يضاف إلى أصل العقد لا إلى صفة الجواز والذي يتعلق بصفة الجواز لزوم العقد بنفسه وذلك لا يثبت مع الفساد فأما حكم العتق عند أداء البدل مضاف إلى أصل العقد وأصل العقد منعقد وقد وجد أداء البدل لأنا إن نظرنا إلى المسمى فهو القيمة وإن نظرنا إلى الواجب شرعا عند فساد العقد فهو القيمة فلهذا يعتق بأداء القيمة وإن كاتبه على ثوب لم يسم جنسه لم يجز لأن الثياب أجناس مختلفة وما هو مجهول الجنس لا يثبت دينا في الذمة في شيء من المعاوضات كما في النكاح .
وإن أدى إليه ثوبا لم يعتق لأنا لم نعلم بأداء المشروط حقيقة فاسم الثوب كما يتناول ما أدى يتناول غيره ولم يوجد أداء بدل الكتابة أيضا حكما لأن بدل الكتابة هو القيمة في العقد الفاسد وبأداء الثوب لا يصير مؤديا القيمة فلهذا لا يعتق .
( فإن قيل ) : المسمى ثوب وهذا الاسم حقيقة لما أدى فينبغي أن يعتق وإن لم يكن هذا هو البدل حكما كما لو كاتبه على خمر فأدى .
( قلنا ) : نعم المسمى ثوب ولكنا نقول : الثياب متفاوتة تفاوتا فاحشا فلا وجه لتعيين هذا الثوب مسمى لأنه لو تعين لم يكن للمولى أن يرجع عليه بشيء آخر فإنه مال متقوم وقد سلم له وفي هذا ضرر عليه فلدفع الضرر عنه لا يتعين هذا مسمى ولأن هذا بمنزلة الاسم المشترك وفي المشترك لا يتعين بمطلق الاسم ولا عموم للاسم المشترك فلهذا لا يعتق بأداء الثوب .
وكذلك لو كاتبه على خمر أو خنزير أو دار بغير عينها لأن الدار لا تثبت في الذمة في شيء من العقود ولأن اختلاف البلدان والمحال في الدار كاختلاف الأجناس في الثياب ولهذا لو وكله بشراء دار له لم يصح التوكيل .
وإن كاتب أمته على ألف درهم على أن يطأها ما دامت مكاتبة لم تجز الكتابة . وقد بينا هذه المسألة بما فيها من الاختلاف والطعن في كتاب العتاق فإن وطئها السيد ثم أدت الكتابة فعليه عقرها لما بينا أن العقد الفاسد معتبر بالجائز في الحكم وفي الكتابة الجائزة يلزمه العقر بالوطء ويتقرر عليه إذا أدت الكتابة فكذلك في الفاسد وهذا بخلاف البيع الفاسد فإن البائع إذا وطئ الجارية المبيعة قبل التسليم ثم سلمها إلى المشتري فأعتقها لم يكن على البائع عقر في الوطء . والفرق بينهما أن الملك للمشتري في البيع الفاسد يحصل عند القبض مقصورا عليه لأن السبب ضعيف فلا يفيد الحكم حتى يتقوى بالقبض فلا يتبين بقبض المشتري أن وطء البائع كان في غير ملكه بل كان وطؤه في ملكه فلا يلزمه العقر ولهذا لو وطئها غير البائع قبل التسليم بشبهة كان العقر للبائع ولو اكتسب كسبا كان ذلك للبائع بخلاف الكتابة فإنه إذا تمت بأداء البدل يثبت الاستحقاق لها من وقت العقد حتى لو وطئت بشبهة كان العقر لها ولو اكتسبت كانت الاكتسابات كلها لها فلهذا يجب العقر على المولى بوطئها .
وحقيقة المعنى في الفرق أن موجب الكتابة إثبات المالكية لها في اليد والمكاسب وذلك في حكم المسلم إليها بنفس العقد لما لها من اليد في نفسها إلا أن المولى كان متمكنا من الفسخ والاسترداد لفساد السبب فإذا زال ذلك بالعتق تقرر الاستحقاق لها بأصل العقد ووزانة المبيع بعد قبض المشتري فإنه يكون مملوكا له ويتمكن البائع من فسخ العقد لفساد السبب فإذا زال ذلك بالإعتاق تقرر الملك له من وقت القبض وإذا كاتب عبده مكاتبة فاسدة ثم مات المولى فأدى المكاتبة إلى الورثة عتق استحسانا .
وفي القياس لا يعتق لأن العقد الفاسد لكونه ضعيفا في نفسه لا يمنع ملك الوارث ومن ضرورة انتقاله إلى الوارث بطلان ذلك العقد ولو عتق بالأداء إنما يعتق من جهة الوارث والوارث لم يكاتبه ولكنه استحسن فقال ما هو المعقود عليه مسلم إلى العبد بنفس العقد فبموت المولى لا يبطل حقه وإن تمكن الوارث من إبطاله لفساد السبب كالمبيع في البيع الفاسد بعد التسليم فإن البائع إذا مات لا يملكه وارثه ولا يبطل ملك المشتري فيه وإن كان الوارث يتمكن من استرداده وتملكه لفساد السبب حتى لو أعتقه المشتري نفذ عليه عتقه فكذلك هنا بعد الموت يبقى العقد ما لم يفسخه الوارث وإذا بقي العقد كان أداء البدل إلى الوارث القائم مقام الموروث كأدائه إلى المورث في حياته فلهذا يعتق به .
وإن كاتب أمته مكاتبة فاسدة فولدت ولدا ثم أدت المكاتبة عتق ولدها معها اعتبارا للعقد الفاسد بالجائز في الحكم لما بينا أن الاستحقاق إذا تم لها بالأداء فإنه يحكم بثبوته من وقت العقد كما في استحقاق الكسب .
وإن ماتت قبل أن تؤدي فليس على ولدها أن يسعى في شيء لأنه إنما يلزمه السعاية فيما كان واجبا على أمه ومع فساد العقد لم يكن عليها شيء من المال فكذلك لا يكون على ولدها فإن استسعاه في مكاتبة الأم فأداه لم يعتق في القياس لأن العقد فاسد والاستحقاق به ضعيف والحق الضعيف في الأم لا يسري إلى الولد وفي الاستحسان يعتق هو وأمه مستندا إلى حال حياتها اعتبارا للعقد الفاسد بالجائز في الحكم ولأن الولد جزء منها وكان أداؤه في حياة الأم كأدائها فكذلك بعد موت الأم أداؤه كأدائها .
وإن كاتبها على ألف درهم على أن كل ولد تلده فهو للسيد أو على أن تخدمه بعد العتق فالكتابة فاسدة لأن هذا الشرط مخالف لموجب العقد وهو متمكن في صلب العقد فيفسد به العقد ولأنها بالكتابة تصير أحق بأولادها وإكسابها ولو شرط عليها مع الألف شيئا مجهولا من كسبها لم تصح الكتابة فكذلك إذا شرط مع الألف ما تلده لنفسه لأن ذلك مجهول ثم إن أدت مكاتبتها تعتق وفيه طعن بشر وقد بيناه في كتاب العتاق وإن كاتبها على ألف درهم إلى العطاء أو الدياس أو إلى الحصاد أو إلى نحو ذلك مما لا يعرف من الأجل جاز ذلك استحسانا .
وفي القياس لا يجوز لأن عقد الكتابة لا يصح إلا بتسمية البدل كالبيع وهذه الآجال المجهولة إذا شرطت في أصل البيع فسد بها العقد فكذلك الكتابة ولكنه استحسن فقال : الكتابة فيما يرجع إلى البدل بمنزلة العقود المبنية على التوسع في البدل كالنكاح والخلع ومثل هذه الجهالة في الأجل لا يمنع صحة التسمية في الصداق فكذلك في الكتابة وهذا لأن الجهالة المستدركة في الأجل نظير الجهالة المستدركة في البدل وهو جهالة الصفة بعد تسمية الجنس فكما لا يمنع ذلك صحة التسمية في الكتابة فكذلك هذا فإن تأخر العطاء فإنه يحل المال إذا جاء أجل العطاء في مثل ذلك الوقت الذي يخرج فيه لأن المقصود وقت العطاء لا عينه فإن الآجال تقدر بالأوقات ولها أن تعجل المال وتعتق لأن الأجل حقها فيسقط بإسقاطها ولها في هذا التعجيل منفعة أيضا وهو وصولها إلى شرف الحرية في الحال .
ولو كاتبها على ميتة فولدت ولدا ثم أعتق السيد الأم لم يعتق ولدها معها لأن أصل العقد لم يكن منعقدا فإن الكتابة لا تنعقد إلا بتسمية مال متقوم والميتة ليست بمال متقوم . ألا ترى أن البيع به لا ينعقد حتى لا يملك المشتري المبيع بالقبض فكذلك الكتابة وإذا لغي العقد يبقى إعتاق الأم بعد انفصال الولد عنها فلا يوجب ذلك عتق ولدها بخلاف ما إذا كاتبها على ألف درهم مكاتبة فاسدة فولدت ولدا ثم أعتق السيد الأم عتق ولدها معها لأن العقد هناك منعقد مع الفساد فثبت حكمه في الولد اعتبارا للفاسد بالجائز ثم عتق الأم بإعتاق السيد إياها بمنزلة عتقها بأداء البدل فيعتق ولدها معها .
وإن كاتبها على ألف درهم وهي قيمتها على أنها إذا أدت فعتقت فعليها ألف أخرى جاز على ما قال لأنه جعل بدل الكتابة عليها ألفي درهم إلا أنه علق عتقها بأداء الألف من الألفين وذلك صحيح فإذا أدت الألف عتقت وعليها الألف الأخرى كما كان الشرط بينهما إذ لا يبعد أن تكون مطالبة ببدل الكتابة بعد عتقها كما لو استحق البدل بعد ما أدت إلى المولى تبقى مطالبة ببدل الكتابة وقد عتقت بالأداء .
وإن كاتبها على حكمه أو حكمها لم تجز المكاتبة لأنه ما سمى في العقد مالا متقوما فحكمه قد يكون بغير المال كما يكون بالمال فإذا أدت قيمتها لم تعتق لأن أصل العقد لم يكن منعقدا باعتبار أنه لم يسم فيه مالا متقوما فهذا والكتابة على الميتة سواء .
وإن كاتبها على عبد بعينه لرجل لم يجز وكذلك ما عينه من مال غيره من مكيل أو موزون .
وروى الحسن عن أبي حنيفة - C تعالى - أنه يجوز حتى أنه إن ملك ذلك العين فأداه إلى المولى عتق أو عجز عن أدائه رد في الرق لأن المسمى مال متقوم وقدرته على التسليم بما يحدث له من ملك فيه موهوم فتصح التسمية كما في الصداق إذا سمى عبد غيره فتصح التسمية بهذا الطريق .
فأما في ظاهر الرواية يقول : بأن العتق في عقد المعاوضة يكون معقودا عليه وقدرة العاقد على تسليم المعقود عليه شرط لصحة العقد في العقود التي تحتمل الفسخ وملك الغير ليس بمقدور التسليم للعبد فلا تصح تسميته بخلاف النكاح فشرط صحة التسمية هناك أن يكون المسمى مالا متقوما لا أن يكون مقدور التسليم لأن القدرة على التسليم فيما هو المقصود بالنكاح ليس بشرط لصحة العقد ففيما ليس بمقصود أولى .
ثم روى أبو يوسف عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أنه إن ملك ذلك العين فأدى لم يعتق إلا أن يكون المولى قال له إذا أديت إلي فأنت حر فحينئذ يعتق بحكم التعليق .
وذكر في اختلاف زفر ويعقوب - رحمهما الله تعالى - أن قول زفر - C تعالى - كذلك وهو رواية الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف - C تعالى .
وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف - C تعالى - أنه قال يعتق بالأداء قال له المولى ذلك أو لم يقل لأن العقد منعقد مع الفساد لكون المسمى مالا متقوما وقد وجد الأداء فيعتق كما لو كاتبه على خمر فأدى ووجه قول أبي حنيفة - C تعالى - أن ملك الغير لم يصر بدلا في هذا العقد بتسميته لأنه غير مقدور التسليم له إذا لم يسم شيئا آخر معه فلم ينعقد العقد أصلا فإنما يكون العتق باعتبار التعليق بالشرط فإذا لم يصرح بالتعليق قلنا بأنه لا يعتق كما لو كاتبه على ثوب أو على ميتة .
وإن قال كاتبتك على هذه الألف درهم وهي لغيرها جازت المكاتبة لأن النقود لا تتعين في عقود المعاوضات فإنما ينعقد العقد بألف هي دين في ذمتها . ألا ترى أن تلك الألف لو كانت من كسبها لم تجبر على أدائها بعينها وإذا أدت غيرها عتقت وكذلك إن قالت كاتبني على ألف درهم على أن أعطيها من مال فلان فالعقد جائز وهذا الشرط لغو لأن الألف تجب في ذمتها فالتدبير في أداء ما في ذمتها إليها .
وإذا كاتبها واشترط فيها الخيار لنفسه أو لهما جاز ذلك لأن عقد الكتابة يتعلق به اللزوم ويحتمل الفسخ بعد انعقاده ويعتمد تمام الرضا فيكون كالبيع في حكم شرط الخيار لهما أو لأحدهما لأن اشتراط الخيار للفسخ بعد الانعقاد ينعدم به تمام الرضا باللزوم فإن ولدت ولدا ثم أسقط صاحب الخيار خياره فالولد مكاتب معها لأن لزوم العقد عند إسقاط الخيار يثبت من وقت العقد . ألا ترى أن في البيع تسلم الزوائد المنفصلة والمتصلة للمشتري إذا تم العقد بالإجازة فكذلك في الكتابة .
وإن مات المولى قبل إسقاط الخيار والخيار له أو ماتت الأمة والخيار لها فالخيار يسقط بموت من له كما في البيع ويسعى الولد فيما عليها لأنه مولود في كتابتها وإن أعتق المولى نصفها قبل أن يسقط خياره فهذا منه فسخ الكتابة كما لو أعتق جميعها .
وإذا انفسخت الكتابة فعليها السعاية في نصف قيمتها في قول أبي حنيفة وكذلك لو أعتق السيد ولدها كان هذا فسخا للكتابة لأن الولد جزء منها وهو داخل في كتابتها فإعتاقه الولد كإعتاق بعضها وإن كان الخيار لها فالولد يعتق بإعتاق المولى ولا يسقط عنها به شيء من البدل لأن الولد تبع لا يقابله شيء من البدل ولهذا لو مات لا يسقط عنها شيء من البدل وإن كاتبها على ألف درهم تؤديها إليه نجوما واشترط أنها إن عجزت عن نجم فعليها مائة درهم سوى النجم فالكتابة فاسدة لتعلق بعض البدل بشرط فيه خطر وقد تقدم نظير هذا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب