( قال ) ( Bه وقد بينا أن للمكاتب أن يكاتب استحسانا فإن أدى الثاني قبل الأول كان ولاؤه لمولى الأول ) لأن الأول صار معتقا فيخلفه مولاه لأن الإعتاق يعقب الولاء وهو ليس بأهل للولاء لأنه رقيق بعد فيخلفه فيه أقرب الناس إليه وهو مولاه كالعبد المأذون إذا اشترى شيئا يملكه مولاه بهذا الطريق وهو أن الشراء موجب للملك فإذا لم يكن المشتري من أهل الملك خلفه في الملك أقرب الناس إليه وهو المولى فإن عتق الأول بعد ذلك لم يرجع إليه كما لا يرجع الملك في كسب العبد إليه بعد ما يعتقه مولاه وإن سبق الأول بالأداء ثم أدى الثاني فولاؤه للأول لأن الولاء يعقب العتق وإنما عتق الثاني بعد ما تم الملك للأول في رقبته وهو من أهل الولاء لحريته .
فإن قتل المولى مكاتب مكاتبه وقيمته ألف ومكاتبه خمسمائة وقد بقي على الأول من مكاتبته مائة فعلى المولى قيمته ألف درهم في ثلاث سنين يقتص من ذلك المائة التي بقيت من مكاتبة الأول إذا كانت قد حلت وحل ما على المولى من القيمة فيعتق المكاتب الأول وقد صار مستوفيا من الثاني لأنه من مكاتبته ثم يعطيه المولى أربعمائة تمام مكاتبة الثاني والخمسمائة الباقية ميراث للمولى فإن لم يكن للثاني وارث فهو لأقرب الناس من المولى من العصبة لأن عتقه يستند إلى حال حياته والأول في ذلك الوقت كان مكاتبا فيكون ولاء الثاني للمولى إلا أن المولى قاتل ولا ميراث للقاتل فكان ذلك لأقرب عصبة له .
وإن كانت مكاتبته ألفا ولم يحل على المكاتب الأول شيء من نجومه فإن المولى يؤدي جميع القيمة إلى المكاتب الأول في ثلاث سنين لأن الثاني مات عن وفاء فإن في قيمته وفاء بمكاتبته فيستوفي الأول مكاتبته من قيمته ويحكم بحريته .
ولو لم يقتله المولى ولكن قتله المكاتب الأول وقيمة القاتل أكثر فعليه قيمة المقتول يستوفي من ذلك كتابته وإن فضل من قيمته شيء أداه إلى المولى لأن ولاءه للمولى حين عتق قبل الأول فيكون ما فضل ميراثا مكاتب كاتب عبدا ثم مات الأول عن ابن حر ولم يترك إلا ما على الآخر ثم مات الآخر عن ابن ولد له في المكاتبة فعليه أن يسعى فيما على ابنه فيؤدي ذلك إلى المولى من مكاتبة الأول لأن عقد كتابة الأول باق ببقاء دينه على المكاتب الثاني فيؤدي منه مكاتبته وما فضل عنها فهو ميراث لابن الأول عن أبيه لأنه حكم بحريته قبل موته وولاء الابن الآخر لابن الأول لأن عتق كل واحد من المكاتبين يستند إلى آخر جزء من أجزاء حياته فإنما حكم بحرية الثاني بعد الحكم بحرية الأول فيكون ولاؤه وولاء ولده للمكاتب الأول يخلفه فيه ابنه .
مكاتب اشترى امرأته ولم تكن ولدت منه ثم كاتبها فذلك جائز وما ولدت بعد الكتابة فهو معها في الكتابة لأنه جزء منها وقد صارت هي أحق بنفسها وولدها بعقد الكتابة .
فإن مات المكاتب عن وفاء عتقت هي وأولادها لأن كتابة الأول لما أديت فقد حكم بعتقه وصارت المكاتبة أم ولد له فتعتق بالاستيلاد هي وأولادها وأخذ أولادها ما بقي من ميراثه بعد أداء كتابته لأنهم عتقوا في حال حياته حين تم ملكه فيهم وهم أولاده فإن لم يترك وفاء فالمرأة وولدها بالخيار إن شاؤوا سعوا فيما بقي على الأول ليعتقوا بعتق الأول وإن شاؤوا سعوا فيما بقي على الأم لأنهم يستفيدون العتق بأداء ذلك كما لو أدوا إلى المكاتب في حياته ويسعون في الأقل من ذلك لأن العبد إنما يتخير بين شيئين لرفق له في أحدهما والرفق في اختيار الأقل دون الأكثر .
وليس للمكاتب أن يكاتب ولده ولا والديه لأنهم دخلوا في كتابته تبعا والمكاتب لا يكاتب ولأنهم بمنزلة مملوكين للمولى حتى لا يبيعهم وكما لا يكاتب نفسه فكذلك لا يكاتبهم ولا يجوز له أن يكاتب من لا يجوز له بيعه إلا أم ولده لأن أم الولد وإن امتنع بيعها تبعا لولدها فلم تدخل في مكاتبته حتى لا تعتق بعتقه قبل موته ولأنها لم تصر مملوكة للمولى حتى لا ينفذ عتقه فيها .
والمكاتبة أحق بكسبها فإذا كاتبها يحصل له ما هو المقصود بعقد الكتابة لأنها تصير أحق بمكاسبها وإذا كاتب المكاتب امرأته ولم تلد منه ثم ولدت بعد الكتابة ثم ماتت المرأة ولم تترك وفاء فالابن بالخيار إن شاء سعى فيما بقي على أمه ليعتق بأدائه وإن شاء عجز نفسه فيكون بمنزلة أبيه لأنه تلقاه جهتا حرية أحدهما ببدل يؤديه والآخر بغير بدل عليه وهو التبعية لأبيه فيميل إلى أيهما شاء وإذا كاتب المكاتب عبدا له ولد عنده في مكاتبته ثم ادعاه يثبت النسب منه لأن أصل العلوق كان في حكم ملكه ثم الابن بالخيار بين المضي على الكتابة وبين العجز لما بينا .
( فإن قيل ) : لما كان لا يكاتبه ابتداء بعد ثبوت نسبه منه فينبغي أن لا تبقى مكاتبته أيضا .
( قلنا ) : مثله لا يمتنع ألا ترى أنه لا يتزوج المكاتب أمته ثم يشتري امرأته فيبقى النكاح وهذا لأنه يصدق في دعوى النسب لما فيه من المنفعة للولد ولا يصدق في إبطال ما ثبت له من الحق في كسبه بعقد الكتابة ولهذا يخير الولد .
وإذا كاتب المكاتب عبدا له على نفسه وماله أو على نفسه وابنه فهو جائز لأن المكاتب مالك لعقد الكتابة في مكاسبه بمنزلة الحر والكتابة من الحر صحيحة بهذه الصفة فكذلك من المكاتب .
وإذا مات المولى عن ابن وابنة وله مكاتب فاعتقه أحدهما فعتقه باطل لأن المكاتب لا يورث كما لا يملك بسائر أسباب الملك مع قيام الكتابة ولأن المولى استحق ولاءه بعقد الكتابة ففي جعل رقبته ميراثا إبطال هذا الاستحقاق على المولى فالمعتق منهما أضاف العتق إلى ما لا يملكه فلا ينفذ منه ولا يسقط به حصته من البدل أيضا لأنه أضاف التصرف إلى ما لا يملكه فلا يظهر حكمه فيما يملكه كأحد الشريكين في العبد إذا أعتق نصيب شريكه يكون لغوا منه ولا يفسد الرق في نصيبه .
وإذا أعتق المكاتب جميع الورثة في القياس لا ينفذ أيضا ولا يسقط حقهم في بدل الكتابة لإضافتهم التصرف إلى ما ليس بملك لهم وفي الاستحسان يعتق ويجعل هذا بمنزلة الإقرار منهم باستيفاء بدل الكتابة ومعنى هذا أن المكاتب إنما يعتق بعد موت المولى بإيفاء جميع بدل الكتابة فقولهم هو حر يكون إقرارا منهم بما تحصل به الحرية له وهو إيفاء بدل الكتابة بخلاف ما إذا قال ذلك بعضهم لأنه لا يعتق شيء منه بإيفاء نصيب أحدهم من بدل الكتابة فلا يتضمن كلامه الإقرار باستيفاء نصيبه توضيحه إن عتق جميع المكاتب مسقط لبدل الكتابة عنه فيمكن أعمال كلامهم بطريق المجاز وهو أن يكون إسقاطا منهم لبدل الكتابة .
ومتى تعذر العمل بحقيقة الكلام يعمل بمجازه إذا أمكن بخلاف ما إذا أعتق أحدهم لأن عتق البعض ليس بمسقط عنه شيئا من بدل الكتابة على ما بينا إذا أعتق نصفه بالتدبير بموت المولى لا يسقط عنه شيء من بدل الكتابة بخلاف ما إذا أعتقه كله فقد تعذر العمل بحقيقة كلامه ومجازه في ملكه فلهذا كان لغوا ثم ولاؤه للابن دون الابنة لما بينا أن المولى استحق ولاءه وإنما عتق على ملكه فيخلفه ابنه في ولائه لأنه عصبته .
وإن وهب له أحدهما نصيبه من المال فذلك جائز لأن المال صار ميراثا لهما فإنما أضاف الواهب تصرفه إلى ملكه ولا يعتق شيء منه لأنه سقط عنه بعض البدل ولا موجب لذلك في العتق كما لو أوفى بعض البدل فإن عجز فرد في الرق فنصيب الواهب من الرقبة ملك له لأن الكتابة انفسخت بالعجز وصارت الرقبة ميراثا لهما وليس لهبة بدل الكتابة تأثير في انتقال ملكه عن الرقبة ولأنه تبين أن ميراثهم كان هو الرقبة دون المال فكان هبته لنصيبه من المال لغوا وهذا بخلاف ما إذا كاتب رجلان عبدا لهما ثم وهب أحدهما نصيبه من البدل فإن هناك يعتق نصيبه لأنه مالك لنصيبه حتى يملك إعتاقه فيجعل هبته لنصيبه من البدل كإعتاقه وهنا أحد الوارثين لا يملك إعتاقه فلهذا لا يعتق شيء منه بهبة نصيبه من المال منه .
وإن وهب منه جميع الورثة المال عتق استحسانا كما لو أعتقه جميع الورثة وهذا أظهر لأن ذمته برئت عن جميع المال حين وهبوه له وبراءة ذمة المكاتب توجب حريته وإذا أدى المكاتب مكاتبته إلى الورثة دون الوصي وعلى الميت دين يحيط بذلك أو لا يحيط لم يعتق لأنه لا حق للورثة في قبض بدل الكتابة منه ما دام على الميت دين فأداؤه إليهم في هذه الحالة كأدائه إليهم قبل موت المولى .
وإن أداها إلى الوصي عتق كان عليه دين أو لم يكن وصل ذلك إلى الغريم والوارث أو لم يصل لأن الوصي قائم مقام الموصي والأداء إليه كأداء إلى الموصي وكذلك إن كانت الورثة حين قبضوا منه دفعوه إلى الوصي فهو كدفع المكاتب بنفسه إلى الوصي وإذا أداها إلى بعض الورثة ولا دين على الميت لم يعتق إلا أن يوصل الوارث إلى الآخرين أنصباءهم إن كانوا كبارا أو إلى الوصي نصيب الصغير فحينئذ يعتق لأن حق القبض لكل واحد منهم في نصيبه ولا ولاية للقابض على الآخرين فلا يعتق بقبضه ما لم يوصل إليهم أنصباءهم ولهم الخيار إن شاؤوا اتبعوا المكاتب بحصصهم وإن شاؤوا اتبعوا الوارث القابض بمنزلة سائر الديون إذا قضاها الغريم بعض الورثة ولا يعتق المكاتب حتى يقع في يد كل إنسان نصيبه لأنه لا يستفيد البراءة إلا بذلك .
ولو أدى المكاتبة إلى الورثة وهم صغار فذلك باطل لأنه لا يستفيد البراءة بقبضهم فإن قبض الصبي دينه من غريمه باطل فما لم يصل إلى وصية لا يعتق .
وإن كان على الميت دين يحيط بالمكاتبة فأعطاها المكاتب إلى الغرماء فذلك جائز إذا أخذ كل ذي حق حقه منها لأنه أوصل الحق إلى مستحقه ألا ترى أنه لو لم يكن عليه دين فأعطاها الورثة وهم كبار فاقتسموها بينهم بالحصص كان ذلك جائزا فكذلك الغرماء .
وإذا أوصى بما على مكاتبه لرجل وهو يخرج من الثلث فأداها إلى الموصى له جاز لأنه تعين مستحقا لما عليه بإيجاب الموصى له وكذلك إذا أداها إلى الوصي لأنه قائم مقام الموصي فيما هو حقه وتنفيذ الوصية من حقه فكان للوصي أن يقبض لينفذ الوصية فيه فلهذا عتق المكاتب بالدفع إليه وصل إلى الموصى له أو لم يصل وإن أداها إلى الوارث لم يعتق حتى يصل إلى الموصى له لأنه لا حق للوارث في هذا المال وكذلك لو كان أوصى بثلث ماله لم يعتق المكاتب بالأداء إلى الوارث حتى يصل الثلث إلى الموصى له والله أعلم بالصواب