( قال ) ( Bه وإذا قتل عبد المكاتب رجلا خطأ قيل للمكاتب أدفعه أو افده بالدية ) لأنه أحق بكسبه مستبد بالتصرف فيه كالحر . ألا ترى أنه ملك بيعه فكذلك يخاطب بدفعه بالجناية بخلاف نفسه وولده الذين لا يستطيع بيعهم فإنهم داخلون في كتابته فلا يمكنه دفعهم بالجناية كما لا يمكنه بيعهم ولأن من دخل في كتابته فهو ملك لمولاه كنفسه وإذا قتل عبده رجلا عمدا فله أن يصالح عنه لأنه مستبد بالتصرف فيه فله أن يصالح عن جنايته على مال يؤديه لتسلم له نفسه كما للحر ذلك في ملكه ثم يؤخذ به وإن عجز لأنه مال التزمه بتصرف مملوك به بسبب عقد الكتابة فيؤخذ له بعد العجز بمنزلة ما يلتزمه بالشراء .
وإن جنت أمته جناية خطأ فباعها أو وطئها فولدت منه وهو يعلم بالجناية فهذا منه اختيار وعليه الأرش لأنه منع الدفع بالبيع والاستيلاد ومن خوطب بالدفع أو الفداء إذا امتنع من الدفع بعد العلم كان مختارا للفداء بعد العلم كالحر وإن قتله عبد له عمدا فالعبد في قتل مولاه عمدا كأجنبي آخر في وجوب القصاص عليه كالحر إذا قتله عبده فالمكاتب مثله .
ثم المكاتب إذا قتل عمدا فهو على ثلاثة أوجه : .
إن لم يترك وفاء فالقصاص واجب للمولى لأنه عبده حين مات عاجزا فله أن يتسوفي القصاص من قاتله وإن ترك وفاء وله وارث سوى المولى فلا قصاص على القاتل لاشتباه من يستوفيه فإن على قول علي وعبدالله بن مسعود - Bهما - يموت حرا فيكون استيفاء القصاص لوارثه .
وعلى قول زيد - Bه - يموت عبدا فيكون حق استيفاء القصاص للمولى .
واختلاف الصحابة - Bهم - يمكن شبهة معتبرة ومع انعدام المستوفى لا يجب القصاص لأن الوجوب في القصاص غير مقصود بنفسه بل المقصود الاستيفاء لأن الزجر يحصل به .
وكذلك لو اجتمعا لم يكن لهما استيفاء القصاص لأن بأصل الفعل لم يجب القصاص لاشتباه المستوفي فلا يجب بعد ذلك بتراضيهما .
وإن قتل ولا وارث له سوى المولى فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - يجب القصاص لمولاه وعند محمد - C تعالى - لا يجب لأن سبب ثبوت حق الاستيفاء له مشتبه فإن الكتابة إن انفسخت كما قال زيد - Bه - فإنما يستوفيه بالملك وإن بقيت كما قاله علي وعبدالله - Bهما - فإنما يستوفيه بالإرث بالولاء واشتباه السبب معتبر فيما يندرئ بالشبهات كاشتباه المستوفى .
ألا ترى أن أمة إنسان إذا كانت في يد غيره فقال ذو اليد زوجتنيها بكذا وقال المولى بل بعتها منك بكذا لم يحل له أن يطأها لاختلافهما في سبب ثبوت حل الوطء له وإن اتفقا على أن الوطء له حلال ولكن من قبل أن حل الوطء لا يثبت مع الشبهات فاشتباه السبب يكون مانعا من ثبوته وهما يقولان : تيقنا بثبوت حق استيفاء القصاص للمولى فيجب القصاص ويتمكن من استيفائه كما لو قتل عاجزا وهذا لأن الأسباب غير مطلوبة لأعيانها بل لأحكامها .
ألا ترى أن من قال لغيره لي عليك ألف درهم غصبا وقال الآخر بل قرضا وجب المال ولا ينظر لاختلافهما في السبب لما اتفقا على وجوب المال فكذا هنا لا يعتبر الاشتباه في السبب بعد ما تعين المولى مستوفيا بأي السببين كان بخلاف ما إذا ترك وارثا لأن المولى هناك لم يتعين مستوفيا مع اشتباه المستوفى لتعذر الاستيفاء وبخلاف مسألة الوطء لأنا لم نتيقن هناك بثبوت الحل له لجواز أن يكون كل واحد منهما كاذبا فيما يدعي من السبب ولأن السبب هناك حكمي ولا يثبت واحد من السببين بقول أحد الخصمين مع تكذيب صاحبه وبدون ثبوت سبب الحل لا يثبت الحل وهنا السبب الموجب للقود وهو العمد المحض متيقن به وثبوت حق استيفاء المولى متيقن به أيضا إما باعتبار الملك أو الولاء فلهذا يمكن من الاستيفاء .
وإذا استهلك عبد المكاتب مالا فهو دين في عتقه يباع فيه لظهور سببه في حق المكاتب وإن جنى عبده ثم عتق المكاتب فهو على خياره لأنه إنما كان مخيرا بين الدفع والفداء باعتبار ملكه وقد تقرر ملكه بالعتق وإن عجز فالخيار إلى المولى لأن الملك بعجزه تقرر للمولى فيتخير بين الدفع والفداء كما يخير الوارث بعد موت المورث في جناية عبد الحر .
وإن كان العبد وامرأته مكاتبين مكاتبة واحدة فولدت ولدا فقتله المولى وقيمته أكثر من الكتابة فقيمته على مولاه في ثلاث سنين لأن ولدهما مملوك للمولى فلا يجب عليه القصاص بقتله ولكنه داخل في الكتابة فعلى المولى قيمته بقتله كما يلزمه الدية لو قتل المكاتب فالمال بنفس القتل يجب مؤجلا في ثلاث سنين وإن كانت الكتابة قد حلت قاصهم بها لأن القيمة واجبة للأم فإن الولد داخل في كتابتها حتى يكون كسبه لها . فكذلك بدل نفسه .
وقد بينا أن الولد جزء من أجزاء الأم يتبعها في الرق والحرية فكذلك في الكتابة وقد كان للمولى أن يطالب الأم بجميع الكتابة ومتى التقى الدينان تقاصا إذا استويا لأنه لا فائدة في الاستيفاء ثم على المولى أداء فضل القيمة إلى الأم لأن المقاصة إنما وقعت بقدر بدل الكتابة ورجعت الأم على الأب بما أدت عنه من ذلك لأنها صارت قاضية بدل الكتابة بالمقاصة فكأنها أدت بنفسها فترجع على الأب بحصته .
وإن كانت المكاتبة لم تحل أدى المولى القيمة إلى الأم لأن المقاصة لا تقع بين الحال والمؤجل فيستوفي منه ما حل وهو القيمة لتستعين به في مكاتبتها إذا حلت .
وإن كان الابن مكاتبا معها فقتله المولى ثم حلت القيمة أقتص منها بقدر الكتابة إن كانت المكاتبة حلت أو لم تحل لأن الولد المقتول هنا مقصود بالكتابة وقد كان مطالبا بجميع البدل عند حله والأجل لا يبقى في حقه بعد موته إذا ترك وفاء فإذا حلت القيمة قد تحقق الوفاء فصار قصاصا ببدل الكتابة حلت أو لم تحل ويؤدي المولى إلى الورثة فضل القيمة والأب والأم حصتهما من المكاتبة لأن الابن لو أدى جميع البدل في حياته رجع عليها بحصتها منها فكذلك إذا صار مؤديا ببدل نفسه بعد موته ثم يقسم ذلك كله بين ورثة الابن على فرائض الله تعالى ويرث أبواه معهم لأن عتقه استند إلى حال حياته وكذلك عتقهما لاتحاد العقد في حقهم .
( فإن قيل ) : فلماذا لا يجب على المولى الدية .
( قلنا ) : لما بينا أن استناد الحرية إلى حال الحياة لأجل الضرورة وليس من ضرورته وجوب الدية فكم من قتيل حر لا تجب ديته ولأن الاستناد فيما هو من حكم عقد الكتابة ووجوب الدية ليس من حكم عقد الكتابة في شيء ولأن المولى إنما يضمن جنايته ولا يستند العتق إلى وقت جنايته إنما يستند إلى آخر جزء من أجزاء حياته بعد الجناية .
ولو أعتق المولى أم ولد لمكاتبه لم يجز عتقه بخلاف ما إذا أعتق ولدها لأن الولد داخل في كتابته حتى يعتق بعتقه فيكون مملوكا للمولى فأما أم الولد غير داخلة في كتابته حتى لا تعتق بعتقه فلا تكون مملوكة للمولى . توضيحه أن في إعتاق الولد تحصيل مقصود المكاتب فأما في إعتاق أم الولد تفويت مقصود المكاتب لأن المكاتب لو عتق كانت أم ولد له يطأها ويستمتع بها وفي العتق تفويت هذا المقصود عليه فلا يملكه المولى ولو ملك المكاتب أب مولاه أو ابنه لم يعتق لأن المولى لو أعتق رقيق المكاتب لا ينفذ عتقه فعرفنا أنه لا يملكهم فلا يعتقون عليه ولا يمتنع بيعهم أيضا بخلاف ما إذا ملك أب نفسه أو ابن نفسه وكان ينبغي أن يمتنع بيعهم لأن للمولى في كسب المكاتب حق الملك كما للمكاتب ولكن قال البيع من التصرف وفي حكم التصرف المولى من كسب المكاتب أجنبي والمكاتب بمنزلة الحر توضيحه أن عتق أب المكاتب وابنه من مقصود المكاتب وكسبه محل لما هو من مقاصده فكان في إدخالهم في كتابته ليعتقوا بعتقه معنى تحصيل مقصوده وعتق أب المولى وابن المولى ليس بمقصود للمكاتب فلم يكن في إدخالهم في كتابته تحصيل مقصوده فلهذا لا يتكاتبون عليه .
وإذا جنى المكاتب جناية خطأ فإنه يسعى في الأقل من قيمته ومن أرش الجناية لأن دفعه متعذر بسبب الكتابة وهو أحق بكسبه وموجب الجناية عند تعذر الدفع على من يكون الكسب له فالواجب هو الأقل من القيمة ومن أرش الجناية . ألا ترى أن في جناية المدبر وأم الولد يجب على المولى الأقل من قيمتها ومن أرش الجناية لأنه أحق بكسبهما فإن جنى جناية أخرى بعد ما حكم عليه بالأقل في الجناية الأولى يلزمه بالجناية الثانية أيضا الأقل من قيمته ومن أرش الجناية لأن موجب الجناية صار دينا في ذمته فتتعلق الجناية الثانية برقبته ويلزمه الأقل كالجناية الأولى .
وإن كانت الجناية الثانية قبل أن يحكم عليه بموجب الجناية الأولى فليس عليه إلا قيمة واحدة عندنا .
وقال زفر - C تعالى - عليه لولي كل جناية قيمة على حدة لأن من أصله أن جنايته لا تتعلق برقبته بل موجبة القيمة ابتداء لأن الدفع متعذر فكان القضاء وغير القضاء فيه سواء يجب عليه قيمة باعتبار كل جناية لكونه أحق بكسبه عند كل جناية .
وعندنا تتعلق جناية المكاتب برقبته لأن الدفع موهوم فإنه إن عجز انفسخت الكتابة ودفع بالجناية فإنما يتحول إلى القيمة بقضاء القاضي فإذا اجتمعت الجنايات في رقبته قبل قضاء القاضي لم يلزمه إلا قيمة واحدة لأنه لو أمكن دفعه لم يكن حقهم إلا في رقبة واحدة بخلاف ما إذا قضى القاضي بالأولى لأنه تحول إلى القيمة دينا في ذمته بقضاء القاضي ثم تعلقت الجناية الثانية برقبته حتى يدفع بها إذا عجز فلهذا يقضي له بقيمة أخرى . ولو قتل رجلا عمدا هو أو ابن له في ملكه ثم صالح في ذمته على مال جاز الصلح لأن من دخل في كتابته تبع له وله أن يصالح عن جناية نفسه فكذلك عن جناية من دخل في كتابته لأنه أحق بكسبه .
فإن عجز فرد في الرق فإن كان أعطى المال لم يكن له حق الاسترداد وإن لم يكن أدى المال لم يؤخذ بالمال حتى يعتق في قول أبي حنيفة - C .
وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - يؤخذ بالمال في الحال فيباع فيه .
وأصل المسألة في المكاتب إذا أقر بجناية الخطأ فقضى عليه بالقيمة ثم عجز لم يؤخذ به إلا بعد العتق في قول أبي حنيفة لأن وجوب هذا المال بقوله وإقرار فيما ليس من التجارة يكون ملزما إياه بعد العتق لا بعد العجز قبل العتق لأن بعد العجز الحق في ماليته لمولاه وإقراره ليس بصحيح في حق المولى كما لو أقر بالجناية بعد العجز فكذلك في الصلح لأن دم العمد ليس بمال فهو بهذا الصلح يلتزم مالا لا بإزاء مال فهو وما يقر به سواء .
وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - كل واحد من المالين ثابت في ذمته وهو مطالب بهما في حال قيام الكتابة فيبقى في ذمته بعد العجز فيباع فيه كسائر الديون وتمام بيان هذه المسائل في الديات .
وإذا حفر المكاتب بئرا في الطريق فوقع فيها إنسان فعليه أن يسعى في قيمته يوم حفر لأنه جان بطريق التسبب بالحفر في الطريق فيجعل كجنايته مباشرة .
وإذا وقع فيها آخر بعد ما قضى للأول شركه في تلك القيمة لأن الموجود من المكاتب جناية واحدة وهو الحفر فلا يلزمه به أكثر من قيمة واحدة ولكن الثاني يشارك الأول في تلك القيمة بخلاف جنايته بالمباشرة فإن الثانية غير الأولى .
ولو سقط حائط له مائل قد شهد فيه على إنسان فقتله فعليه أن يسعى في قيمته لأنه متمكن من هدم الحائط المائل فإذا تركه بعد ما أشهد عليه جعل كالدافع له على من سقط الحائط عليه فلزمه قيمته .
وإن وجد في داره قتيل أخذ بقيمته يوم وجد القتيل فيها لأن التدبير في داره إليه فيكون كالحر في ذلك .
ولو وجد القتيل في دار الحر جعل كالقاتل له في وجوب البدل فكذلك المكاتب إلا أن تكون قيمة المكاتب أكثر من الدية فينقص حينئذ عشرة دراهم من الدية لأن وجوب القيمة عليه إذا كانت الجناية منه معتبر بوجوب القيمة إذا كانت الجناية عليه والجناية على المكاتب لا توجب من قيمته إلا عن ألف إلا عشرة دراهم لأنه عبد ما بقي عليه درهم فكذلك القيمة الواجبة بالجناية منه .
فإن جنى جناية ثم عجز فإن كان قد قضى عليه بالسعاية فهو دين عليه يباع بها لأن سببه ظاهر في حق المولى وقد صار دينا في ذمته بالقضاء .
وإن لم يقض بها عليه خير المولى بين الدفع والفداء إلا على قول زفر - C - فإنه يقول : الواجب قيمته يباع فيه بناء على أصله الذي قلنا أن موجب جنايته القيمة ابتداء .
وقد ذكر في كتاب الجنايات أن أبا يوسف - C - كان يقول بهذا مرة ثم رجع عنه فقال يخير المولى كما هو مذهبهما لأن موجب جنايته في رقبته لتوهم إمكان الدفع بعد العجز وإنما يتحول إلى الذمة بقضاء القاضي .
فإذا عجز قبل القضاء بقيت الجناية في رقبته فكأنه جنى ابتداء بعد العجز فيخاطب المولى بالدفع أو الفداء وإن جنى عليه فالواجب أرش المماليك لأنه عبد وذلك للمكاتب بمنزلة كسبه لأنه صار أحق بنفسه .
وإن قتل رجلا عمدا فعليه القود لقوله - A - ( العمد قود ) والرقيق في حكم القود والحر سواء وإن قتل ابن المكاتب أو عبده فلا قود على القاتل أما الابن فلأنه من وجه مملوك للمولى حتى لو أعتقه ينفذ عتقه ومن وجه هو مملوك للمكاتب حتى يكون أحق بكسبه فاشتبه من يجب القصاص له وذلك مانع من وجوب القصاص وأما عبده فلأن للمولى فيه حق الملك ألا ترى أن بعجزه يتم فيه ملك المولى ومن وجه هو ملك المكاتب حتى يتم ملكه فيه إذا أعتق فيشتبه من له القصاص .
ولأن المكاتب إنما صار أحق بكسبه ليؤدي بدل الكتابة والقصاص ليس من ذلك في شيء والمولى ممنوع من كسبه فلا يمكن إيجاب القصاص له أيضا ومع الاشتباه لم يجب القصاص وإن اجتمعا على ذلك لم يقتص أيضا لأنه لم يجب بأصل الفعل فلا يجب باتفاقهما بعد ذلك ولكن على القاتل القيمة لما تعذر إيجاب القصاص وهو المكاتب بمنزلة سائر أكسابه .
وإن عفوا فعفوهما باطل أما المولى فلأنه لم يجب له شيء وأما المكاتب فلأن العفو تبرع منه فلا يصح كالإبراء عن الديون وإن قتل المولى مكاتبه خطأ أو عمدا وقد ترك وفاء فعليه قيمته تقضى به كتابته .
وكذلك لو قتل ابنه لأن المكاتب كان أحق بكسبه وبنفسه فلما جعل المولى كالأجنبي فيما يجب بإتلاف كسبه فكذلك فيما يجب بإتلاف نفسه وإن أقر المكاتب بجناية خطأ أو عمدا لا قصاص فيه فإقراره جائز ما دام مكاتبا لأن موجب جنايته في كسبه وإقراره في كسبه صحيح .
وإن عجز ورد في الرق بطلت عنه قضى به عليه أو لم يقض وهذا قول أبي حنيفة - C تعالى .
وذكر في كتاب الجنايات أن أبا يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - قالا : يؤخذ بما قضى عليه منها خاصة وما أداه قبل العجز لم يسترده عندهم جميعا وقد بينا هذا ولا يلزم المكاتب مهر من نكاح بغير إذن مولاه حتى يعتق ويلزمه ذلك في الشراء عند الاستحقاق يعني إذا اشترى جارية فوطئها ثم استحقت يغرم عقرها في الحال لأن سقوط الحد هناك كان بسبب الشراء وهو عقد تجارة فما يجب باعتباره من الضمان يكون ضمان التجارة فيؤاخذ به في الحال وفي النكاح سقوط الحد عنه ووجوب المهر كان بسبب النكاح وهو ليس بتجارة فما يجب بسببه لا يكون من جنس ضمان التجارة فلا يؤاخذ به حتى يعتق . توضيح الفرق أنه صار منفك الحجر عنه في الشراء .
ففي الضمان الواجب بسببه يلتحق بالحر ولم يصر منفك الحجر عنه من نكاح نفسه ففيما يجب بسببه هو كالعبد المحجور ولا يتزوج المكاتب بغير إذن مولاه لأن انفكاك الحجر عنه في عقود الاكتساب وليس في التزوج اكتساب المال بل فيه التزام المهر والنفقة ولأن حكم المالكية إنما يثبت له يدا ليتمكن من أداء بدل الكتابة فكل عقد لا يوصله إلى ذلك لا يثبت له حكم المالكية في ذلك بل يكون هو كالعبد لا يتزوج إلا بإذن مولاه وكذلك لا يزوج عبده لأنه تعييب للعبد وليس باكتساب للمال وكذلك لا يزوج ابنه لأن الرق الباقي فيه مخرج له من أهلية الولاية بالقرابة وسبب الملك في ابنه أبعد عنه من عبده لما بينا أن من دخل في كتابته فهو مملوك لمولاه ولهذا لا يزوج ابنته أيضا لأنها لما دخلت في كتابته صارت مملوكة لمولاه بمنزلة نفسه ولا يزوجها بدون إذن مولاها وله أن يزوج أمته لأن تزويج الأمة اكتساب في حقه فإنه يكتسب به المهر ويسقط عن نفسه نفقتها وهو منفك الحجر عنه في عقود الاكتساب .
( فإن قيل ) هذا موجود في حق ابنته قلنا نعم ولكن ابنته مملوكة للمولى وأمته ليست بمملوكة للمولى حتى ينفذ عتق المولى في ابنته دون أمته ولو عجز وقد حاضت ابنته حيضة لا يجب على المولى فيها استبراء جديد ويلزمه ذلك في أمته ومكاتبته كأنه تزوجها برضاها بدون إذن المولى لأن بكتابتها ثبت لها الحق في نفسها دون إذن المولى وإنما يعتبر رضاها في تزويجها ولا يعتبر رضا المولى .
ولا تتزوج المكاتبة بغير إذن مولاها وكان ينبغي أن يملك ذلك لأنه اكتساب للمهر في حقها ولكن رقبتها باقية على ملك المولى فيمنع ذلك ثبوت ولاية الاستبداد لها بالتزوج لأن فيه تعييب رقبتها فإن النكاح عيب فيها وربما تعجز فيبقى هذا العيب في ملك المولى توضيحه أن النكاح غير مشروع في الأصل لاكتساب المال بل للتحصين والنفقة وانفكاك الحجر بسبب الكتابة في عقود اكتساب المال .
فإذا كان مقصودها من تزويج نفسها شيئا آخر سوى المال لم يكن هذا العقد مما يتناوله الفك الثابت بالكتابة فإن تزوجت بغير إذن مولاها فلم يفرق بينهما حتى عتقت جاز النكاح ولا خيار لها لأن المانع حق المولى وقد سقط بالعتق ونفوذ العقد كان بعد العتق وفي مثله لا يثبت الخيار لها .
وإذا وقع المكاتب على بكر فافتضها كان عليه الحد لوجود الزنا المحض منه وهو مخاطب فإن دخل في ذلك وجه شبهة ولم تطاوعه المرأة كان عليه المهر لأن هذا الفعل لا ينفك عن عقوبة أو غرامة إذا حصل في غير الملك وقد سقطت العقوبة فوجب المهر إلا أنها إذا طاوعته فقد رضيت بتأخير حقها فيتأخر إلى ما بعد العتق وإذا لم تطاوعه فلم ترض بتأخير حقها فيلزمه ذلك في الحال كما لو جنى عليها كان مؤاخذا بالأرش في الحال .
فإن قال تزوجتها فصدقته فإنما عليه المهر إذا عتق لوجود الرضا منها بتأخير حقها وإن قال اشتريتها أو وهبت لي أخذ بالمهر في المكاتبة لما بينا أن في الشراء الواجب من جنس ضمان التجارة وكذلك في الهبة لأنه إنما سقط الحد عنه بسبب موجب للمال فهو نظير الشراء وهذا لأن بعد الملك لا حق لأحد سواه فلا يعتبر فعل الغير في الرضا بالتأخير بخلاف التزويج فإنه لا يسقط به حقها من نفسها فيعتبر رضاها وتمكينها من تأخير حقها ولا يجوز هبة المكاتب ولا صدقته .
وقال ابن أبي ليلى يتوقف عتقه وهبته وصدقته على سقوط حق المولى بعتق المكاتب فإذا عتق نفذ ذلك كله لأنه أحق بكسبه في الحال ولكن فيه حق المولى على أن يصير مملوكا إذا عجز فيمتنع نفوذ هذه التصرفات منه في الحال لمراعاة حق المولى فإذا سقط حق المولى بالعتق فقد زال المانع فينفذ تصرفه كالوارث إذا أعتق عبدا من التركة المستغرقة بالدين ثم سقط الدين .
ولكنا نقول هو ليس بأهل للتبرعات لكونه عبدا ولأن صحة التبرعات باعتبار حقيقة الملك وهو ليس من أهله ولا يتوقف التصرف إذا صدر من غير أهل فهو كالصبي إذا أعتق أو وهب ثم بلغ لم ينفذ ذلك منه ولأن بالعتق يتم ملكه في الكسب مقصورا على الحال فلا ينفذ التبرع السابق عليه منه . ألا ترى أن المولى لو كان هو الذي أعتق عبده أو وهب كسبه ثم عجز المكاتب حتى ملك المولى لم ينفذ ذلك التصرف منه فهذا مثله ولا يجوز وصية المكاتب وإن ترك وفاء لأنه تبرع بعد الموت فيكون كتبرعه في حياته .
( فإن قيل ) : أليس أنه إذا أديت كتابته يحكم بموته حرا ولو عتق في حال حياته وجب تنفيذ وصيته بمال مرسل بعد موته من ثلثه فكذلك إذا أديت كتابته .
( قلنا ) : قد بينا أن استناد حريته في حكم الكتابة للضرورة ووصيته ليست من ذلك في شيء ولأن حريته إنما تستند إلى آخر جزء من أجزاء حياته وتلك الحالة للطافتها لا تتسع للوصية ولا يجوز إقراضه ولا كفالته لأنه تبرع إلا أن كفالته ككفالة العبد المحجور عليه تظهر في حقه بعد العتق واستقراضه جائز لأنه تبرع عليه وهو من أهله بمنزلة قبول الهبة والصدقة ويجوز بيعه وشراؤه بالمحاباة لأنه من التجارة وقد يفعله التاجر لإظهار المسامحة حتى يميل الناس إليه أو يحابي في تصرف ليتوصل به إلى تصرف آخر هو أنفع له وكذلك إن حط شيئا بعد البيع بعيب ادعى عليه أو زاد في ثمنه شيئا اشتراه فهذا من صنع التجارة والمكاتب فيما هو من التجارة بمنزلة الحر .
وإن أعار دابة أو أهدى هدية أو دعا إلى طعام فلا بأس بذلك وهذا استحسان . فأما في القياس هذا كله تبرع والمكاتب ليس من أهل التبرع ولكنه استحسن فقال هذا من صنع التجارة فإنه لا يجد بدا من إيجاد الدعوة للمجاهرين أو الإهداء إليهم أو إعارة مسكن أو غير ذلك منهم إذا أتوه من بلدة أخرى وإذا لم يفعل ذلك تفرقوا عنه فلكونه من توابع التجارة .
قلنا يملكه استحسانا وليس له أن يكسو الثوب لأن ذلك تمليك لعين الثوب بطريق التبرع والتاجر لا يحتاج إلى ذلك عادة وكذلك لا يعطي درهما فصاعدا لأنه تبرع بتمليك العين بخلاف المنفعة فالتجار يتوسعون في المنافع ما لا يتوسعون في الأعيان ففي هذا إشارة إلى أن له أن يعطي دون الدرهم لأنه قد يحتاج إلى ذلك عادة فإن مجاهره إذا شرب الماء من سقاء على باب حانوته لا يجد بدا من إعطاء فلس لأجله وما دون الدرهم قليل يتوسع فيه الناس فلهذا يملكه استحسانا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب