( قال ) ( Bه غلام صغير لا ينطق في يد رجل فقال هذا عبدي فهو كما قال إذا لم يعرف خلافه ) لأنه لا يد له في نفسه ولا قول فيتقرر قول ذي اليد عليه وما في يده مملوك له باعتبار الظاهر فإذا ادعى ما يشهد له الظاهر به كان القول فيه قوله كما لو كان في يده دابة أو ثوب فقال هذا لي .
( قال ) ( وإن أدرك الصغير فقال أنا حر الأصل فعليه البينة ) لأنه يدعي إبطال ملك ثبت عليه لذي اليد بدليل شرعي فلا يقبل ذلك منه إلا بحجة .
( قال ) ( وإن كان حين ادعاه الذي في يده يعبر عن نفسه فقال أنا حر فالقول قوله ) لأنه في يد نفسه وله قول معتبر شرعا فلا تتقرر عليه يد ذي اليد مع ذلك بل يد نفسه تكون دافعة ليد ذي اليد لأنها أقرب إليه فكان القول قوله في حريته لتمسكه بما هو الأصل .
وكذلك لو قال الغلام أنا لقيط لأن اللقيط حر باعتبار الأصل والدار فهو كقوله أنا حر فإن أقام الذي في يده البينة أنه عبده وأقام الغلام البينة أنه حر أخذت بينة الغلام لأنه يثبت حرية الأصل ببينته وبينة الملك لا تعارض بينة الحرية من وجهين : .
( أحدهما ) : أن الحرية لا تحتمل النقض والفسخ والملك يحتمل الإبطال .
( والثاني ) : أن الإثبات في بينة الحرية أكثر لأنه يتعلق بالحرية أحكام متعدية إلى الناس كافة ولأن في بينته ما يدفع بينة ذي اليد وليس في بينة ذي اليد ما يدفع بينته فإن الحرية تتحقق بعد الملك وإن قال الذي في يده هذا عبدي وقال الغلام أنا عبد فلان فهو عبد الذي في يديه لأنه لما أقر بالرق على نفسه لم يبق له يد ولا قول معتبر في نفسه بل تتقرر يد ذي اليد عليه فالقول قوله أنه ملكه بخلاف الأول فإن هناك هو ينكر رقه أصلا وقوله في دفع الرق عن نفسه مقبول وفي تعيين مالكه غير مقبول لأنه يحول به ملكا ثابتا لذي اليد إلى غيره وكذلك لو كان في يدي رجلين يدعي كل واحد منهما أنه له فقال هو أنا عبد أحدهما لأنه لما أقر بالرق على نفسه تقررت يدهما عليه وإن كان لا ينطق فأقام أحدهما البينة على أنه عبده وأقام الآخر البينة أنه ابنه من أم ولده قضى به للذي ادعاه لأن في بينته زيادة إثبات النسب والحرية للولد فتترجح بذلك فإن أقام كل واحد منهما البينة أنه عبده وولد عبده ووقتت إحدى البينتين وقتا قبل وقت الأخرى قضى به للأول إذا كان بذلك الميلاد معناه إذا كان سن الغلام موافقا للوقت الأول فقد ظهر علامة الصدق في شهادة شهوده وعلامة الكذب في شهادة شهود الآخر وإن علم أنه على غير ذلك الميلاد قضي به للآخر لأن علامة الكذب ظهرت في شهادة أسبق التاريخين وذلك مانع من العمل بها فإن كان يشك فيه قضي به بينهما لاستواء الحجتين فإن كان كل واحد منهما أثبت الملك لنفسه من حين ولد لأن الملك لا يسبق الولادة ولا يعتبر سبق التاريخ مع ذلك ولكن لما كان كل واحد من الأمرين محتملا قضي به بينهما وقيل هذا قولهما فأما عند أبي حنيفة - C تعالى - ينبغي أن يقضي به لصاحب الوقت الأول لأنهما استويا في معنى الاحتمال وصاحب أسبق التاريخين أثبت الملك لنفسه في وقت لا ينازعه فيه أحد فيجب القضاء بالملك له ثم لا يستحق عليه بعد ذلك إلا بسبب من جهته وإن لم توقت واحدة منهما وقتا غير أن إحدى البينتين شهدت أن هذا المولى أعتق أمه قبل أن تلده أو دبرها أو أعتق الغلام وأمه حامل به أو دبره قضي به لصاحب العتق لأنه في بينته زيادة إثبات الحرية للغلام إما مقصودا أو تبعا لأمه ولأن العتق قبض من المعتق فبإثباته العتق أو التدبير يثبت أن اليد له وبينة ذي اليد تترجح في إثبات الملك من وقت الولادة .
ألا ترى أنه لو كان في يد غيرهما فأقام كل واحد منهما البينة أنه عبده غير أن إحدى البينتين شهدوا أنه دبره أو أعتقه البتة يقضي به له لأنه بالتدبير والعتق يستحق الولاء والولاء كالنسب ولو كان في إحدى البينتين زيادة إثبات النسب ترجحت بذلك فكذلك الولاء .
( قال ) ( صبي في يدي رجلين ادعى أحدهما أنه ابنه والآخر أنه عبده فهو حر وابن الذي ادعاه ) لأنه يقر له بالنسب والحرية وإقراره فيما في يده صحيح وثبوت النسب والحرية في البعض ينفي الرق فيما بقي منه وإن كان في أيديهما يتجاذبانه فمات من عملهما بعد هذه المقالة فالدية على عاقلتهما لأنهما قتلاه خطأ بعدما حكم بحريته ونسبه لمدعي البنوة ويكون ذلك لأقرب الناس منه بعد الذي ادعى أنه ابنه لأنه قاتل فيكون محروما عن الميراث وإذا صار محروما كان كالميت .
وإذا ادعى كل واحد منهما أنه عبده ولد عنده من هذه الأمة لأمة واحدة والأمة في يد أحدهما وهي مقرة بالملك له فالأمة لمن هي في يده والولد بينهما لأن الاستحقاق باعتبار اليد وقد اختص أحدهما باليد في الأمة واستويا في اليد في الولد .
( فإن قيل ) : لما ثبت الملك في الأمة لأحدهما والولد يتبع الأم في الملك فينبغي أن يقضى بالولد له .
( قلنا ) : ثبوت الملك له في الأمة باعتبار يده واليد حجة دافعة للاستحقاق لا موجبة له فلا يستحق به ما في يد الآخر من الولد وعلى هذا لو كان الصبي في يد أحدهما والأم في يد الآخر فلكل واحد منهما ما في يده على ما بينا قال أرأيت لو كانت جدته في يد الآخر أكان يدفع إلى الصبي من كانت جدته في يده هذا بعيد .
( قال ) ( وإذا كان الصبي في يد رجل فأعتقه ثم جاء آخر يدعي أنه عبده ويقيم البينة على ذلك فإنه يقضي به ) لأن اليد لا تعارض البينة بل تبين بهذه البينة أن ذا اليد أعتق ملك غيره إلا أن يقيم المعتق البينة أنه كان له ولد عنده أو أعتقه فحينئذ تترجح بينته لما قلنا .
( قال ) ( وإذا كان العبد في يد رجل فدبره أو أعتقه ثم أقام الآخر البينة أنه له وأقام ذو اليد البينة أنه له أعتقه أو دبره فهو أولى ) لأنه يثبت زيادة العتق واستحقاق الولاء ولأن حجة ذي اليد في الحقيقة للعبد فإنه يثبت به حريته وولاءه والولاء كالنسب فكأنه هو الذي يقيم البينة على ذلك .
( قال ) ( وإذا كان الصبي في يد رجل فباعه من رجل ثم ادعى أنه كان دبره أو أعتقه قبل البيع لم يصدق على ذلك ) لأنه متناقض في دعواه ولأنه يسعى في نقض ما قد تم به وهو البيع .
كذلك لو ادعى أنه ابنه ولم يكن العلوق به في ملكه لأن هذا دعوة التحرير ودعوة التحرير لا تصح كالإعتاق من غير المالك إلا أن يكون العلوق به في ملكه فيصدق على النسب حينئذ فيفسخ البيع فيه لأن حق استحقاق النسب يثبت له بالعلوق في ملكه ولم يبطل ذلك بالبيع لأن البيع دونه في احتمال النقض وهذه زفرية موضعها كتاب البيوع والدعوى .
وإن لم يكن شيء من ذلك ولكن الصبي أدرك فأقام البينة أنه حر عتق ولا شيء عليه لأنه أثبت حريته بالحجة وإنما يرجع المشتري بالثمن على البائع فإن كان كبيرا مقرا بالملك وأمر المشتري أن يشتريه وأخبره أنه عبد للبائع فاشتراه ثم أقام البينة أنه حر عتق لأنا قد بينا أن التناقض لا يمنعه من إثبات حرية الأصل بالبينة كما لا يمنعه من إثبات النسب لأن حرية الأصل لا ناقض لها فإن لم يقدر المشتري على الذي باعه كان له أن يرجع على العبد بالثمن الذي أداه إلى البائع لأنه مغرور من جهته حين أقر بالملك وأمره أن يشتريه وصحة البيع كان بقوله فإنه لو قال أنا حر ما كان يشتريه أحد ولا يصح البيع فيه والغرور متى تمكن في عقد المعاوضة فهو مثبت حق الرجوع للمغرور على الغار وصار كأنه التزم للمشتري سلامة نفسه أو رد الثمن عليه إلا أن البائع إذا كان حاضرا فرجوعه على البائع لأنه هو الذي قبض الثمن حقيقة والمشتري سلمه إليه مختارا فإذا تعذر الرجوع عليه بعينه كان له أن يرجع على العبد ليندفع الضرر عنه ثم يرجع العبد بذلك على البائع لأنه يقوم مقام المشتري في الرجوع عليه حين ضمن له بالثمن وإن كان المشتري أقر بحريته عتق باقراره وولاؤه موقوف ولا يرجع بالثمن على البائع ولا على العبد لأن إقراره ليس بحجة عليهما والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب