لأن الصلاة من أقوى الأركان بعد الإيمان بالله تعالى قال الله تعالى : " فإن تابوا وأقاموا الصلاة " التوبة : 5 و " قال E الصلاة عماد الدين " فمن أراد نصب خيمة بدأ بنصب العماد والصلاة من أعلى معالم الدين ما خلت عنها شريعة المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقد سمعت شيخنا الإمام الأستاذ شمس الأئمة " الحلواني " C تعالى يقول في تأويل قوله تعالى : " وأقم الصلاة لذكري " طه : 14 أي لأني ذكرتها في كل كتاب منزل على لسان كل نبي مرسل وفي قوله D : " ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين " المدثر : 42 ما يدل على وكادتها فحين وقعت بها البداية دل على أنها في القوة بأعلى النهاية وفي اسم الصلاة ما يدل على أنها ثانية الإيمان فالمصلي في اللغة هو التالي للسابق في الخيل قال القائل : .
فولا بد لي من أكون مصليا .
إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق .
وفي رواية . أما كنت ترضى أن أكون مصليا .
والصلاة في اللغة عبارة عن الدعاء والثناء قال الله تعالى : " وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم " التوبة : 103 أي دعاءك وقال القائل : .
وقابلها الريح في دنها .
وصلى على دنها وارتسم .
أي دعا وأثنى على دنها .
وفي الشريعة عبارة عن أركان مخصوصة كان فيها الدعاء أو لم يكن .
صفحة [ 5 ] فالاسم شرعي ليس فيه معنى اللغة فالدلائل من الكتاب والسنة على فرضيتها مشهورة يكثر تعدادها .
ثم بدأ بتعليم الوضوء فقال إذا أراد الرجل الصلاة فليتوضأ وهذه لأن الوضوء مفتاح الصلاة " قال A مفتاح الصلاة الطهور " ومن أراد دخول بيت مغلق بدأ بطلب المفتاح وإنما فعل " محمد " C ذلك اقتداء بكتاب الله تعالى فإنه إمام المتقين قال الله تعالى : " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم " المائدة : 6 فاقتدى بالكتاب في البداية بالوضوء لهذا وفي ترك الاستثناء ها هنا وذكره في الحج كما قال الله تعالى : " لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين " الفتح : 227 وفي إضمار الحدث فإنه مضمر في الكتاب ومعنى قوله : إذا قمتم إلى الصلاة من منامكم أو وأنتم محدثون هذا هو المذهب عن جمهور الفقهاء رحمهم الله فأما على قول أصحاب الظواهر فلا إضمار في الآية والوضوء فرض سببه القيام إلى الصلاة فكل من قام إليها فعليه أن يتوضأ وهذا فاسد لما " روي أنه النبي A كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح أو يوم الخندق صلى الخمس بوضوء واحد فقال له " عمر " Bه رأيتك اليوم تفعل شيئا لم تكن تفعله من قبل فقال عمدا فعلت يا " عمر " كي لا تحرجوا " فقياس مذهبهم يوجب أن من جلس فتوضأ ثم قام إلى الصلاة يلزمه وضوء آخر فلا يزال كذلك مشغولا بالوضوء لا يتفرغ للصلاة وفساد هذا لا يخفى على أحد .
قال وكيفية الوضوء أن يبدأ فيغسل يديه ثلاثا لما " روي عن النبي E أنه قال : إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده " ولأنه إنما يطهر أعضاءه بيديه فلا بد من أن يطهرهما أولا بالغسل حتى يحصل بهما التطهير . ثم الوضوء على الوجه الذي ذكره " محمد " C عليه في الكتاب رواه " حمران " عن " أبان " عن " عثمان " Bه أنه توضأ " بالمقاعد " ثم قال : من سره أن ينظر إلى وضوء رسول الله A فهذا وضوءه وذكر أهل الحديث أنه مسح برأسه وأذنيه ثلاثا .
قال " أبو داود " في سننه : والصحيح من حديث " عثمان " رضي الله تعالى عنه أنه مسح برأسه وأذنيه مرة واحدة وعلم " أبو بكر الصديق " Bه الناس الوضوء على منبر رسول الله A بهذه الصفة ورواه " عبد خير " عن " علي " Bه أنه توضأ في رحبة " الكوفة " بعد صلاة الفجر بهذه الصفة ثم قال : من سره أن ينظر إلى وضوء .
صفحة [ 6 ] رسول الله A فلينظر إلى وضوئي هذا واختلفت الروايات في حديثه في المسح بالرأس فروي ثلاثا وروي مرة فبهذه الآثار أخذ علماؤنا رحمهم الله وقالوا الأفضل أن يتمضمض ثلاثا ثم يستنشق ثلاثا وقال " الشافعي " Bه الأفضل أن يتمضمض ويستنشق بكف ماء واحد لما " روي عن النبي E أنه كان يتمضمض ويستنشق بكف واحد " وله تأويلان عندنا : .
أحدهما : أنه لم يستعن في المضمضة والاستنشاق باليدين كما فعل في غسل الوجه .
والثاني : أنه فعلهما باليد اليمنى فيكون ردا على قول من يقول يستعمل في الاستنشاق اليد اليسرى لأن الأنف موضع الأذى كموضع الاستنجاء .
قال ثم يغسل وجهه ثلاثا وحد الوجه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن إلى الأذنين لأن الوجه اسم لما يواجه الناظر إليه غير أن إدخال الماء في العينين ليس بشرط لأن العين شحم لا يقبل الماء وفيه حرج أيضا فمن تكلف له من الصحابة رضوان الله عليهم كف بصره في آخر عمره " كابن عمر " و " ابن عباس " Bهم والرجل الأمرد والملتحي والمرأة في ذلك سواء إلا في رواية عن " أبي يوسف " C قال في حق الملتحي لا يلزمه إيصال الماء إلى البياض الذي بين العذار وبين شحمة الأذن هذه العبارة أصح فإن الشيخ " الإمام " C جعل العذار اسما لذلك البياض وليس كذلك بل العذر اسم لموضع نبات الشعر وهو غير البياض الذي بين الأذن ومنبت الشعر قال : لأن البشرة التي نبت عليها الشعر لا يجب إيصال الماء إليها فما هو أبعد أولى لكن الصحيح من المذهب أنه يجب إمرار الماء على ذلك الموضع لأن الموضع الذي نبت عليه الشعر قد استتر بالشعر فانتقل الفرض منه إلى ظاهر الشعر فأما العذر الذي لم ينبت عليه الشعر فالأمرد والملتحي فيه سواء ويجب إيصال الماء إليه بصفة الغسل وإنه لا يحصل إلا بتسييل الماء عليه .
وقد روي عن " أبي يوسف " C أن في المغسولات إذا بله بالماء سقط به الفرض وهذا فاسد لأنه حد المسح فأما الغسل فهو تسييل الماء على العين وإزالة الدرن عن العين قال القائل : .
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها .
وإذ هي تذري دمعها بالأنامل .
ثم يغسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا وإنما لم يقل يديه لأنه في الابتداء قد غسل يديه ثلاثا وإنما بقي غسل الذراعين إلى المرفقين والمرفق يدخل في فرض الغسل عندنا وكذلك الكعبان .
وقال " زفر " C لا يدخل لأنه غاية في كتاب الله تعالى والغاية حد فلا يدخل تحت .
صفحة [ 7 ] المحدود اعتبارا بالممسوحات واستدلالا بقوله تعالى : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " البقرة : 187 والذي " يروى أن النبي A غسل المرافق " فمحمول على إكمال السنة دون إقامة الفرض .
ولنا : أن من الغايات ما يدخل ويكون حرف إلى فيه بمعنى ما قال الله تعالى : " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " النساء : 2 أي مع أموالكم فكان هذا مجملا في كتاب الله بينه رسول الله A بفعله فإنه توضأ وأدار الماء على مرافقه ولم ينقل عنه ترك غسل المرافق في شيء من الوضوء فلو كان ذلك جائزا لفعله مرة تعليما للجواز .
ثم إن الأصل أن ذكر الغاية متى كان لمد الحكم إلى موضع الغاية لم يدخل فيه الغاية كما في الصوم فإنه لو قال : ثم أتموا الصيام اقتضى صوم ساعة ومتى كان ذكر الغاية لإخراج ما وراء الغاية يبقى موضع الغاية داخلا وههنا ذكر الغاية بإخراج ما وراء الغاية فإنه لو قال : وأيديكم اقتضى غسل اليدين إلى الآباط كما فهمت الصحابة رضوان الله عليهم ذلك في آية التيمم في الابتداء فذكر الغاية لإخراج ما وراء الغاية فيبقى المرفق داخلا ثم يمسح برأسه وأذنيه مرة واحدة وتمام السنة في أن يستوعب جميع الرأس بالمسح كما رواه " " عبدالله بن زيد " . أن النبي A مسح رأسه بيديه كلتيهما أقبل بهما وأدبر " والبداية على ما ذكره " هشام " عن " محمد " من الهامة إلى الجبين ثم منه إلى القفا .
والذي عليه عامة العلماء رحمهم الله البداية من مقدم الرأس كما في المغسولات البداية من أول العضو .
والمسنون في المسح مرة واحدة بماء واحد عندنا وفي المجرد عن " أبي حنيفة " C ثلاث مرات بماء واحد وقال " الشافعي " رضي الله تعالى عنه السنة أن يمسح ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا وهو رواية " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله ذكره في شرح المجرد " لابن شجاع " C ووجهه " الحديث المشهور أن النبي A توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي " فينصرف هذا اللفظ إلى الممسوح والمغسول جميعا ولأنه ركن هو أصل في الطهارة بالماء فيكون التكرار فيه مسنونا كالمغسولات بخلاف المسح بالخف فإنه ليس بأصل وبخلاف التيمم فإنه ليس بطهارة بالماء ويلحقه الحرج في تكرار استعمال التراب من حيث تلويث الوجه وذلك الحرج معدوم في الطهارة بالماء .
ولنا " حديث " البراء بن عازب " رضي الله تعالى عنه فإنه قال لأصحابه في مرضه : إني مفارقكم عن قريب أفلا أعلمكم وضوء رسول الله A فقالوا : نعم فتوضأ ومسح برأسه وأذنيه مرة واحدة " .
صفحة [ 8 ] وإنما كان ينقل في مثل هذه الحالة ما واظب عليه رسول الله A ثم هذا ممسوح في الطهارة فلا يكون التكرار فيه مسنونا كالمسح بالخف والتيمم وتأثيره أن الاستيعاب في الممسوح بالماء ليس بفرض حتى يجوز الاكتفاء بمسح بعض الرأس وبالمرة الواحدة مع الاستيعاب يحصل إقامة السنة والفريضة فلا حاجة إلى التكرار بخلاف المغسولات فإن الاستيعاب فيها فرض فلا بد من التكرار ليحصل به إقامة السنة ومعنى الحرج متحقق ها هنا ففي تكرار بل الرأس بالماء إفساد العمامة ولهذا اكتفى في الرأس بالمسح عن الغسل .
ووجه رواية المجرد : " حديث " الربيع بنت معوذ بن عفراء " أن النبي A توضأ ومسح برأسه وأذنيه ثلاث مرات بماء واحد " والكلام في مسح الأذنين مع الرأس يأتي بيانه في موضعه من الكتاب