( قال ) ( رجل قال لجاريته كل ولد تلدينه فهو حر فما ولدته في ملكه فهو حر ) لأن ملك الأم سبب لملك الولد فإن الجنين يتبع الأم في الملك وقيام سبب الملك عند التعليق كقيام الملك في صحة التعليق . ألا ترى أن في اليمين المضاف جعل التعليق بسبب الملك وهو الشراء كالتعليق بالملك ولو كان الملك موجودا في المحل الذي يلاقيه وقت التعليق كان التعليق صحيحا فكذلك إذا كان سبب الملك موجودا ولا يعتق ما لم تلد لأنه جعل شرط العتق الولادة .
وإن مات المولى وهي حبلى ثم ولدته لم تعتق لأنها صارت ملكا للوارث بالموت فإنما وجد الشرط بعد زوال ملك المعتق .
وكذلك لو باعها المولى وهي حبلى جاز بيعه لقيام ملكه وقدرته على تسليمها وإذا ولدت بعد ذلك لم تعتق لأن الشرط وجد في غير ملك الحالف .
وإن ضرب ضارب بطنها فالقته ميتا كان فيه ما في جنين الأمة لأنه ما دام في البطن فهو رقيق .
ولو كان قال كل ولد تحبلين به فهو حر كان فيه ما في جنين الحر لأن شرط العتق هنا وجود الحبل وقد علم أنه كان موجودا قبل الضرب فإنما وجدت جناية الضارب على جنين هو حر وإن ولدته بعد البيع لأقل من ستة أشهر فهو حر والبيع باطل لأنا تيقنا بوجود الولد قبل البيع وحريته فإنما باعها وفي بطنها ولد حر فيكون البيع باطلا .
ولو قال لها إن كان أول ولد تلدينه غلاما فهو حر وإن كانت جارية فأنت حرة فولدت غلامين وجاريتين فإن علم أن الغلام أول ما ولدت فهو حر والباقون أرقاء وإن علم أن الجارية أول ما ولدت فهي مملوكة والباقون مع الأم أحرار لأن بولادة الجارية الأولى عتقت الأمة وإنما عتقت بعد انفصال هذه الجارية عنها فكانت هي مملوكة والباقون أحرار لأنهم انفصلوا منها بعد حريتها والولد لا ينفصل من الحرة إلا حرا .
وإن لم يعلم أيهم أول يعتق من الأم نصفها لأنها تعتق في حال وترق في حال ويعتق ثلاثة أرباع كل واحد من الغلامين لأن أحدهما حر بيقين فإنها إن ولدت الغلام أولا فهذا الغلام حر وإن ولدت الجارية أولا فالغلامان يعتقان بعتق الأم فأحدهما حر بيقين والآخر يعتق في حال دون حال فيعتق نصفه ثم حرية ونصف بينهما نصفان إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فيعتق من كل واحد منهما ثلاثة أرباعه ويسعى في ربع قيمته ويعتق من كل واحدة من الجاريتين ربعها لأن إحداهما أمة بيقين والأخرى تعتق في حال دون حال فإنها إن ولدت الغلام أولا فالجاريتان مملوكتان وإن ولدت إحدى الجاريتين أولا فهذه مملوكة والأخرى حرة فإذا كانت إحداهما تعتق في حال دون حال يعتق نصفها وليس إحداهما بأولى من الأخرى فكان نصف الحرية بينهما لكل واحدة منهما ربع حرية وتسعى كل واحدة في ثلاثة أرباع القيمة .
وإن تصادق الأم والمولى على أن هذا الغلام أول عتق ما تصادقا عليه والباقون أرقاء لأن اليد لهما والقول قول ذي اليد فيمن لا يعبر عن نفسه في رقه وحريته فإن تصادقا على شيء وجب الأخذ بما تصادقا عليه وإن اختلفا فيه فالقول قول المولى مع يمينه لأن المعتق هو المولى فكان قوله في بيان من عتق مقبولا مع يمينه إن ادعت الأم خلاف ذلك لأنها تدعي عليه ما لو أقر به لزمه وإنما يستحلف على العلم بالله ما لم يعلم أنها ولدت الجارية أولا لأنه يستحلف على فعلها والاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم .
وإذا قال لها إن كان حملك غلاما فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فكان حملها غلاما وجارية لم يعتق أحد منهم لأن الحمل اسم لجميع ما في البطن قال تعالى : { أن يضعن حملهن } والعدة لا تنقضي إلا بوضع جميع ما في البطن فإنما جعل شرط عتقها كون جميع ما في البطن غلاما وشرط عتق الجارية كونها جميع ما في البطن ولم يوجد ذلك .
وكذلك قوله إن كان ما في بطنك لأن ما هو من ألفاظ العموم فهو يقتضي أن يكون جميع ما في بطنها بتلك الصفة .
ولو كان قال في الكلامين إن كان في بطنك عتقت الجارية والغلام لأنه جعل شرط عتقها وجود الغلام في بطنها وقد تبين أنه كان موجودا والتعليق بشرط موجود يكون تنجيزا فعلمنا أنها عتقت قبل انفصال الولدين عنها فيعتق الولدان جميعا .
وإذا قال إذا كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فولدتهما جميعا فإن علم أن الغلام أول عتقت هي مع ابنتها والغلام رقيق وإن علم أنها ولدت الجارية أولا عتقت الجارية والأم مع الغلام رقيقان وإن لم يعلم واتفق الأم والمولى على شيء فكذلك لأن اليد لهما وإن قالا لا ندري فالغلام رقيق والابنة حرة ويعتق نصف الأم لأنها إن ولدت الغلام أولا فهي حرة والغلام رقيق .
وإن ولدت الجارية أولا فالجارية حرة والغلام والأم رقيقان فالأم تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها والغلام عبد بيقين والجارية حرة بيقين إما أن تعتق بنفسها أو بعتق الأم .
ولو كان قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية فإن ولدت الغلام أولا فالغلام رقيق والأم والجارية حرتان وإن ولدت الجارية أولا فهم أرقاء فالأم تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها وكذلك الجارية والغلام رقيق بيقين .
وذكر في الكيسانيات عن محمد - C تعالى - في هذا الفصل أنه لا يحكم بعتق واحد منهم ولكن يحلف المولى بالله ما يعلم أنها ولدت الغلام أولا فإن نكل عن اليمين فنكوله كإقراره وإن حلف فهم أرقاء بخلاف الفصل الأول لأنا تيقنا بحرية بعضهم واعتبار الأحوال بعد التيقن بالحرية صحيح وهنا لم يتيقن بشيء من الحرية لجواز أنها ولدت الجارية أولا فلا معنى لاعتبار الأحوال ولكنها تدعي عليه شرط العتق وهو منكر فالقول قوله مع يمينه .
ولو قال ما في بطنك حر فولدت بعد ذلك لستة أشهر لا يعتق وإن ولدت لأقل من ستة أشهر عتق لأنه أوجب العتق لما هو موجود في بطنها وإذا ولدت لأقل من ستة أشهر فقد تيقنا أنه كان موجودا فأما إذا ولدت لستة أشهر فصاعدا لم نتيقن أنه كان موجودا والعلوق يضاف إلى أدنى مدة الحمل إلا في حالة الضرورة وإن ولدت واحدا لأقل منها بيوم والآخر لأكثر منها بيوم عتقا لأنا تيقنا بوجود الأول في بطنها وقت اليمين حين ولدته لأقل من ستة أشهر وهما توأم واحد خلقا من ماء واحد فالحكم بوجود أحدهما في البطن في وقت حكم بوجودهما .
وإذا أعتق أمته ولها زوج حر فولدت ولدا لستة أشهر فصاعدا بعد العتق فنفاه الزوج لاعن ولزم الولد أمه لأن الحل قائم بين الزوجين فإنما يستند العلوق إلى أقرب الأوقات وهو ستة أشهر وتبين أنها علقت به في حال هما أهل اللعان فيقطع النسب عنه باللعان ويكون ولاؤه لموالي الأم لأنه لا نسب له من جهة الأب وإن وضعته لأقل من ستة أشهر لزم أباه ولاعن .
أما اللعان فلأنه قذفها في الحال وهي محصنة وأما لزوم الولد أباه فلانا تيقنا أن العلوق كان قبل العتق وهي لم تكن من أهل اللعان فلزمه نسب الولد على وجه لا يملك نفيه فلا يتغير ذلك بالعتق بعده وولاء الولد لموالي الأم لأنه كان موجودا في البطن حين أعتق الأم فصار الولد مقصودا بالعتق وله ولاء نفسه .
ولو قال لأمته إن كنت حبلى فأنت حرة فإن ولدت لأقل من ستة أشهر فهي حرة وولدها لأنه تبين أنه كان منجزا عتقها بالتعليق بشرط موجود وإن ولدت لستة أشهر أو أكثر لم تعتق لأنا لم نتيقن بوجود الشرط لجواز أن يكون هذا الولد من علوق حادث وما لم نتيقن بوجود الشرط لا ينزل الجزاء .
ولو قال لها ما في بطنك حر فضرب رجل بطنها بعد هذا القول لأقل من ستة أشهر فألقت جنينا ميتا ففيه ما في جنين الحرة لأنا علمنا أنه كان موجودا في بطنها حين قال ذلك وأنه حكم بعتقه .
( فإن قيل ) : فلعله كان ميتا وإعتاق الميت باطل .
( قلنا ) : قد ظهر لموته سبب وهو الضرب فيحال بالحكم عليه ولما حكمنا بوجوب الضمان على الضارب فقد حكمنا بحياته إلى هذا الوقت فعلى الجاني ما في جنين الحرة ولو قال لها إن كان أول ما تلدينه غلاما ثم جارية فأنت حرة وإن كانت جارية ثم غلاما فالغلام حر فولدت غلامين وجاريتين لا يعلم أيهما أول عتق نصف الأم وربع الأولاد لأنها إن ولدت الغلام أولا ثم الجارية فالأم حرة وإن ولدت الجارية أولا ثم الغلام فالأم رقيقة فهي تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها وأحد الغلامين رقيق بيقين والآخر يعتق في حال دون حال فيعتق ربع كل واحد منهم ولا يقال من الجائز أنها ولدت الغلامين أولا ثم الجاريتين لأن هذا بمنزلة ولادة الغلام أولا ثم الجارية وإذا ولدت الجاريتين أولا ثم الغلامين فهذا بمنزلة ولادة الجارية أولا ثم الغلام لأن الشرط ولادة الغلام بعد ولادة الجارية وقد وجد سواء تخلل بينهما ولادة جارية أخرى أو لم يتخلل وإن ولدت غلاما وجارية في بطن لا يعلم أيهما أول عتق نصف الأم ونصف الغلام لأن الأم تعتق في حال دون حال وكذلك الغلام فيعتق نصف كل واحد منهما والابنة أمة لأنها إن ولدت الغلام أولا ثم الجارية فإنما عتقت الأم بعد انفصال الجارية فهي أمة .
وإن ولدت الجارية أولا فهي أمة فعرفنا أن رقها متعين .
وإن قال أول ولد تلدينه فأنت حرة فولدت ولدا ميتا عتقت لأن الميت ولد كالحي . ألا ترى أن الجارية تصير به أم ولد والمرأة تصير به نفساء فيتم شرط عتقها بولادته .
ولو كان قال هو حر لا ينحل يمينه بولادة الميت حتى إذا ولدت ولدا حيا بعد ذلك عتق الولد الحي في قول أبي حنيفة - C تعالى - ولم يعتق في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى .
وجه قولهما : أن انحلال شرط اليمين تحقق بولادة الولد الميت وليس من ضرورة انحلال اليمين نزول الجزاء . ألا ترى أنه لو قال أول عبد اشتريه فهو حر فاشترى عبدا لغيره انحلت اليمين حتى لو اشترى بعد ذلك عبدا لنفسه لم يعتق والدليل عليه أنه لو قال أول ولد تلدينه فهو حر وامرأته طالق فولدت ولدا ميتا وقع الطلاق ثم عندكم لو ولدت ولدا حيا بعد ذلك يعتق الحي وهذا لا وجه له لأن الشرط إن صار موجودا بولادة الميت انحلت اليمين وإن لم يصر موجودا فينبغي أن لا يقع الطلاق والدليل عليه أن هذا الحي ثاني ولد حتى لو قال ثاني ولد تلدينه فهو حر يعتق هذا ولا يكون الشخص الواحد أولا وثانيا .
وجه قول أبي حنيفة - C تعالى - : ما حكي عن أبي سعيد البردعي - C تعالى - أنه كان يقول الولد الميت ولد في حق الغير حتى أن العدة تنقضي به والجارية تصير أم ولد وليس بولد في حق نفسه حتى لا يسمى ولا يصلى عليه فإذا كان الجزاء عتق الأم أو طلاق المرأة كان الميت ولدا فيه .
وإذا كان الجزاء عتق الولد لم يكن الميت ولدا فيه ولكن هذا تشه ومع أنه تشه لا معنى له فإنه يقال ينبغي أن يجعل ولدا في حق المولى حتى ينحل يمينه به وينبغي أن يجعل ولدا في حق الولد الثاني حتى لا يعتق فالوجه الصحيح أن يقول جازى بكلامه ما لا يجازى به إلا الحي فتصير الحياة مدرجة في كلامه ويكون المضمر كالمصرح به فكأنه قال أول ولد تلدينه حيا فهو حر وإنما قلنا ذلك لأن كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن ولا يصح هذا الكلام إلا بإضمار الحياة في الولد لأن الإعتاق إحداث القوة وذلك يتحقق في الحي دون الميت فتبين بقوله فهو حر أن حياة الولد مضمر في كلامه .
ألا ترى أنه لو قال إذا ولدت ولدا ميتا فهو حر كان كلامه لغوا وبه فارق الطلاق وعتق الأم لأنه لا حاجة في تصحيح ذلك الكلام إلى إضمار الحياة في الولد . ألا ترى أنه لو صرح بموت الولد كان التعليق صحيحا ثم ما ثبت بطريق الاقتضاء يجعل ثابتا للحاجة والضرورة ففيما تتحقق فيه الحاجة يجعل مدرجا في كلامه وفيما لا تتحقق فيه الحاجة لا يجعل مدرجا ولا يبعد أن يكون الشرط واحدا ثم يحكم بوجوده في بعض الجزاء دون البعض كما لو قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك فقالت حضت تصدق في وقوع الطلاق عليها دون ضرتها .
ولما ثبت أن الحياة مدرجة في كلامه فالذي ولدته بعد الميت أول ولد حي وإن كان في الصورة ثاني ولد وليس هذا كقوله أول عبد اشتريه فهو حر لأن المشتري لغيره محل للعتق . ألا ترى أن العتق ينفذ فيه من مالكه ومن المشتري موقوفا على إجازة مالكه فلا حاجة إلى إضمار الشراء لنفسه لتصحيح الكلام وههنا الميت ليس بمحل للعتق أصلا فلهذا جعلنا الحياة مدرجة في كلامه .
وإن قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ولدا وشهدت امرأة على الولادة وكذبها المولى وقال هذا عبدي من غيرها لم يعتق بشهادة امرأة في قول أبي حنيفة - C تعالى - وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - يعتق وقد تقدم نظيره في الطلاق وقد بينا أن عند أبي حنيفة - C تعالى - بشهادة القابلة إنما يثبت ما هو من أحكام الولادة على الخصوص والعتق ليس من أحكام الولادة على الخصوص وعندهما لما قبلت شهادة القابلة في حق نسب الولد فكذلك تقبل فيما جعل بناء على الولادة .
ألا ترى أنه لو قال إن كان بها حبل فهو مني ثم جاءت امرأة تشهد على الولادة بعد هذا القول بيوم صارت أم ولد له وبالاستيلاد يثبت حق الحرية ولكن أبو حنيفة - C تعالى - يفرق فيقول الاستيلاد من أحكام نسب الولد فأما هذا العتق ليس من حكم الولادة وشهادة القابلة حجة ضرورية فلا تكون حجة إلا فيما هو في حكم الولادة .
وإن قال لها أنت حبلى فإذا ولدت فأنت حرة فشهدت امرأة على الولادة عتقت لا بشهادة القابلة عند أبي حنيفة - C تعالى - بل بمجرد قول الأمة لأنه لما أقر بأنها حبلى فقد جعل شرط وقوع العتق عليها ظهور ما هو موجود في بطنها وقد ظهر بقولها كما إذا قال لها إذا حضت فأنت حرة وقد تقدم نظير هذا في الطلاق .
وإذا قال لها إذا حبلت فأنت حرة ثم وطئها فينبغي له في الورع والتنزه أن يعتزلها حتى يعلم أحامل هي أم لا لأن سبب الحبل هو الوطء فبعدما وطئها يحتمل أنها قد حبلت وقد عتقت فلو وطئها كان حراما عليه والتحرز عن الحرام واجب فلهذا نأمره على طريق التنزه أن يعتزلها فإذا حاضت علمنا أنها ليست بحامل فيطأها مرة أخرى بعد ما تطهر وهكذا دأبه ودأبها .
وإن ولدت بعد هذه المقالة لأكثر من سنتين وقد وطئها قبل الولادة لأقل من ستة أشهر فعليه العقر لأنا تيقنا بوجود شرط العتق بعد اليمين وتيقنا بأنه وطئها بعد ما علقت فإنما وطئها وهي حرة بالشبهة فعليه العقر وإن ولدته لأقل من سنتين لم تعتق لأنا لم نتيقن بوجود الشرط وهو الحبل بعد اليمين لجواز أن يكون هذا الولد من علوق كان قبل اليمين .
( فإن قيل ) : فأين ذهب قولكم أن يستند العلوق إلى أقرب الأوقات .
( قلنا ) : نعم يستند العلوق إلى أقرب الأوقات إذا لم يكن فيه إثبات العتق بالشك لأن العتق بالشك لا ينزل وقد تقدم نظيره في الرجعة في الطلاق .
وإذا قال لأمتيه ما في بطن أحداكما حر فله أن يوقع على أيهما شاء لأن ما في البطن في حكم العتق كالمنفصل وقد بينا في المنفصل أنه لو أوجب العتق في غير المعين كان البيان إليه فكذلك فيما في البطن فإن ضرب إنسان بطن إحداهما فالقت جنينا ميتا وقع العتق على ما في بطن الأخرى لأن الذي انفصل ميتا خرج من أن يكون محلا للعتق ومزاحما للآخر فيما أوجب فيتعين العتق في الآخر ضرورة ولو ضرب بطن كل واحدة منهما رجل معا فالقتا جنينين ميتين لأقل من ستة أشهر منذ تكلم بالعتق كان على كل واحد منهما ما في جنين الأمة لأن كل واحدة من الجنينين كان مملوكا يقينا وبعد إيجاب العتق في المجهول بقيا كذلك وقد بينا في المنفصلين أنه لو قتل كل واحد منهما رجل كان على كل واحد من القاتلين قيمة مملوك فهذا مثله .
وإن قال ما في بطن هذه حر وما في بطن هذه حر أو سالم عتق ما في البطن الأولى والخيار بين سالم وما في بطن الثانية إليه لأنه أوجب العتق لما في بطن الأولى بعينها وخير نفسه بين عتق ما في بطن الثانية وسالم لأنه أدخل بينهما حرف أو ذلك للتخيير فكأنه قال ما في بطن هذه حر وأحد الآخرين فيعتق الأول بعينه والخيار إليه في الآخرين يوقع العتق على أيهما شاء .
وإذا قال لأمتيه ما في بطن إحداكما حر ثم خرجت إحداهما وجاءت أخرى فقال ما في بطن إحداكما حر ثم ولدن كلهن لأقل من ستة أشهر فالقول فيه قول المولى وأصل هذه المسألة في العبيد ذكرها في مواضع من الكتب .
والتخريج في الكل واحد فنقول : رجل له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال أحدكما حر ثم خرج أحدهما ودخل الثالث فقال أحدكما حر فالبيان إلى المولى لأن الإبهام كان منه ولأن حكم الكلامين يختلف ببيانه .
فإن قال : عنيت بالكلام الأول الثابت أو أعنيه الآن واختاره عتق الثابت بالكلام الأول وتبين أنه في الكلام الثاني جمع بين حر وعبد وقال أحدكما حر فلا يجب به شيء إذا لم ينو العبد .
وإن قال عنيت بالكلام الأول الخارج عتق الخارج بالكلام الأول وصح الكلام الثاني لأنه جمع فيه بين عبدين فقال أحدكما حر فالبيان إليه فإن بين أولا أنه عنى بالكلام الثاني الثابت تعين الخارج بالكلام الأول لأن الثابت خرج من مزاحمة الخارج في موجب الكلام الأول حين أنشأ عتقه بعده .
وإن قال عنيت بالكلام الثاني الداخل عتق الداخل ولا بد من أن يبين مراده بالكلام الأول .
وإن مات قبل أن يبين عتق من الخارج نصفه ومن الثابت ثلاثة أرباعه ومن الداخل نصفه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - وربعه في قول محمد - C تعالى - لأنه وجب بالكلام الأول حرية تتردد بين الخارج والثابت وقد فات البيان بموت المولى فيشيع فيهما فلهذا يعتق من الخارج نصفه ومن الثابت نصفه بالكلام الأول والكلام الثاني لا يجب به شيء إن كان المراد بالكلام الأول الثابت ويجب به حرية إن كان المراد بالكلام الأول الخارج فأوجبنا به نصف حرية باعتبار التردد ثم هذا النصف يتردد بين الثابت والداخل فيكون نصفه وهو الربع للثابت فاجتمع له ثلاثة أرباع حرية وحصل للداخل ربع حرية بالكلام الثاني فلهذا قال محمد - C تعالى - يعتق منه ربعه ولأنه شريك الثابت في الكلام الثاني فلا يصيب إلا قدر ما يصيب الثابت بهذا الكلام .
وشبه هذا بمن له ثلاث نسوة لم يدخل بشيء منهن قال لاثنتين منهن أحداكما طالق فخرجت إحداهما ودخلت الثالثة فقال إحداكما طالق ثم مات قبل أن يبين يسقط من مهر الخارجة ربعه ومن مهر الثانية ثلاثة أثمانه ومن مهر الداخلة ثمنه للطريق الذي قلنا .
وأبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله تعالى - قالا : الكلام الثاني صحيح على كل حال فإن كان مراده الثابت عتق به ما بقي وهو النصف وإن كان مراده الداخل عتق به كله فالداخل يعتق في حال ولا يعتق في حال فيعتق نصفه .
وبيان هذا الكلام : أما على أصل أبي حنيفة - C تعالى - فظاهر لأن الحرية الأولى لما شاعت فيهما كان الثابت معتق البعض ومعتق البعض عنده بمنزلة المكاتب أهل لإنشاء العتق فيه فيصح الكلام الثاني على كل حال وعلى قول أبي يوسف - C - العتق لا يتجزأ بعد وقوعه على محل بعينه بعد وقوعه ولم يكن واقعا على الثابت حين تكلم بالكلام الثاني فصح الكلام الثاني .
وأما مسألة الطلاق فقد قيل هو مذكور في الزيادات وهو قول محمد - C - فأما عندهما يسقط من مهر الداخلة ربعه وبعد التسليم الفرق واضح على أصل أبي حنيفة - C - لأن الطلاق عنده لا يتجزأ بخلاف العتق فالكلام الثاني ليس بصحيح على كل حال وإنما الإشكال على قول أبي يوسف - C - والفرق أنه يوجد شخص متردد الحال بين الرق والحرية ويكون محلا لإنشاء العتق وهو المكاتب والثابت بهذه الصفة حين تكلم بالكلام الثاني فأمكن تصحيح الكلام الثاني من هذا الوجه على كل حال .
فأما الطلاق لا يوجد شخص متردد الحال بين أن تكون مطلقة ومنكوحة ثم يصح وقوع الطلاق عليها فلا وجه لتصحيح الكلام الثاني من كل وجه .
( قلنا ) : إن كان صحيحا يسقط به نصف مهر وإن لم يصح لم يسقط به شيء فسقط به ربع مهر ثم يتردد هذا الربع بين الثابتة والداخلة فيصيب الداخلة نصف الربع وهو الثمن فلهذا سقط ثمن مهرها وإن كان المولى قال ذلك في مرضه ومات قبل البيان ولا مال له سواهم فإنهم يقتسمون الثلث على قدر حقهم فيضرب الخارج في الثلث بسهمين والثابت بثلاثة أسهم والداخل بسهمين في قولهما فيكون الثلث بينهم على سبعة والقسمة من أحد وعشرين كل رقبة سبعة فيستسعي الخارج في خمسة أسباعه وكذلك الداخل والمقيم في أربعة أسباعه .
وعلى قول محمد - C تعالى - الداخل إنما يضرب بسهم واحد فيكون الثلث بينهم على ستة والقسمة من ثمانية عشر يسعى الخارج في ثلثي قيمته والثابت في نصف قيمته والداخل في خمسة أسداس قيمته .
إذا عرفت هذا التخريج في العبيد فكذلك فيما في بطن الجواري لأن الجنين في حكم العتق كالمنفصل .
وإن قال لأمته قد أعتقت ما في بطنك على ألف درهم عليك فقبلت ثم وضعت غلاما لأقل من ستة أشهر فهو حر لأنا تيقنا أنه كان موجودا في البطن حين علق العتق بقبولها المال وقد وجد منها القبول والمال باطل لأنه لا يمكن إيجابه على الجنين لأن المولى شرطه على الأم دون الجنين ولأنه لا ولاية للأم على الجنين في إلزام المال إياه ولا يمكن إيجابه على الأم لأن الجنين في حكم العتق كشخص واحد على حدة واعتاق شخص ببدل على شخص آخر لا يجوز وهذا بخلاف الطلاق فإنه لو طلق امرأته بمال على أجنبي وقبل الأجنبي ذلك وجب المال عليه ولو أعتق عبده بمال على أجنبي وقبل الأجنبي ذلك لا يلزمه المال لأن المولى منتفع بالعتق من حيث تحصيل الثواب لنفسه في العقبى والولاء في الدنيا ومن انتفع بملك نفسه لا يستوجب بدله على غيره بالشرط كمن أكل طعام نفسه ببدل على غيره فأما الزوج غير منتفع بالطلاق ولكنه مبطل لملكه فإذا شرط بدلا على غيره والتزمه ذلك الغير كان صحيحا كالعفو عن القصاص والإبراء عن الدين ولو ولدت الأمة غلاما ثم كاتبت على نفسها وعليه ألف درهم أجزت ذلك والتزمه إن كبر أو عقل فرضي . وفرض الجواب على هذا الموضع إنما يستقيم على طريقة القياس .
فأما على طريقة الاستحسان على ما ذكره في الجامع وغيره من المواضع غير مستقيم بل الصحيح من الجواب ما ذكره في رواية أبي حفص - C تعالى - أن المكاتبة تجوز وتلزم الأم ولا يلزم الغلام من المال شيء ولكن يعتق بأدائها وهذا لأنه لا ولاية للأم على الولد في إلزام بدل الكتابة إياه فيكون هذا بمنزلة ما لو كاتب له عبدا حاضرا وعبدا له غائبا على ألف درهم في القياس يتوقف العقد في حق الغائب على إجازته لأنه ليس للحاضر عليه ولاية وفي الاستحسان ينفذ العقد وتكون الألف كلها على الحاضر بقبوله فكان المولى شرط البدل كله عليه وجعل عتق الآخر معلقا بأدائه وذلك صحيح بدون القبول من الآخر فكذلك في هذه المسألة .
( قال ) ( ورأيت في بعض النسخ زيادة ألف في وضع هذه المسألة قال فكاتبها على نفسها أو عليه على ألف درهم وهكذا عن أبي يوسف - C تعالى - في الأمالي في وضع هذه المسألة أنها كاتبت عليه فعلى هذا الجواب مستقيم ) لأن المقصود بالكتابة الولد دون الأم فإن لم تكن الأم داخلة في العقد يعتبر وجود القبول من الابن إذا كبر أو عقل ومقصوده الفرق بين حالة الاجتنان في البطن وما بعد الانفصال فإن في حالة الاجتنان في البطن لا يتوقف لأنه لا ولاية لأحد عليه في حالة الاجتنان وإنما يتوقف ماله مجيز حال وقوعه فأما بعد الانفصال قد تولى عليه في هذا العقد لما له فيه من المنفعة له فيتوقف على إجازته وإذا كبر أو عقل فرضي لزمه المال .
ولو قال لأمته ما في بطنك حر متى ما أدى إلي ألفا فوضعته لأقل من ستة أشهر فمتى ما أدى فهو حر لأن ما في البطن في تنجيز العتق كالمنفصل فكذلك في تعليق عتقه بأدائه المال بخلاف الكتابة لأن فيها إلزام المال إياه ولا ولاية لأحد عليه في ذلك وليس في التعليق إلزام المال إياه بل التعليق يتم بالمعلق وحده وكلامه قبل الانفصال وبعده سواء .
ولو قال بعد الانفصال متى أدى إلى هذا المولود ألفا فهو حر صح وعتق إذا أدى فكذلك إذا قال قبل الانفصال ولو قال لثلاث إماء له ما في بطن هذه حر وما في بطن هذه أو في بطن هذه عتق ما في بطن الأولى وهو مخير في الباقيتين لإدخاله حرف التخيير بين الثانية والثالثة .
ولو قال إن كان ما في بطن جاريتي غلام فاعتقوه وإن كانت جارية فاعتقوها ثم مات فكان في بطنها غلام وجارية فعلى الوصي أن يعتقهما من ثلثه وكان ينبغي على قياس ما سبق أن لا يعتق واحدا منهما لأنه شرط أن يكون جميع ما في بطنها غلاما أو جميع ما في بطنها جارية وقد تقدم نظيره في التخيير ولكنه في هذا الموضع اعتبر مقصود المولى وهو الوصية بإعتاق الغلام عنه وبإعتاق الجارية وكلامه هذا ليس بتعليق فكأنه قال : اعتقوا ما في بطنها غلاما كان أو جارية أو كلاهما فيجب على الوصي أو الورثة تنفيذ الوصية فيهما من ثلثه .
وإن قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وإن كانت جارية ثم غلاما فهما حران فولدت غلاما وجاريتين لا يعلم أيهما أول عتق نصف الأم لأنها تعتق في حال وهو أن تكون ولادة الغلام أولا ولا تعتق في حال وهو أن تكون ولادة الجارية أولا فيعتق نصفها ونصف الغلام أيضا لأنها إن ولدت الجارية ثم الغلام فالغلام حر وإن ولدت الغلام أولا فالغلام رقيق فيعتق نصفه قال ويعتق من كل واحدة من الجاريتين ربعها وتسعى في ثلاثة أرباع قيمتها .
( قال ) ( أبو عصمة - C - وهذا غلط بل الصحيح أنه يعتق من كل واحدة منهما ثلاثة أرباعها وتسعى في الربع ) لأن إحداهما حرة بيقين فإنها إن ولدت الغلام أولا عتقت الأم والجاريتان تعتقان بعتقها .
وإن ولدت الجارية أولا ثم الغلام عتقت إحدى الجاريتين فإحداهما حرة بيقين والأخرى تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها فيكون السالم لهما حرية ونصف بينهما لكل واحدة ثلاثة أرباع الحرية .
ومن أصحابنا - رحمهم الله تعالى - من تكلف لتصحيح جواب الكتاب فقال إحدى الجاريتين مقصودة بالعتق في حال فلا يعتبر مع هذا جانب التبعية بينهما وإذا سقط اعتبار جانب التبعية فإحداهما تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها ثم هذا النصف بينهما لاستواء حالهما فإنما يعتق من كل واحدة ربعها ولكن هذا يكون مخالفا في التخريج للمسائل المتقدمة . إذا فالأصح ما قاله أبو عصمة - Bه .
وإذا كانت الأمة بين رجلين فأعتق إحداهما ما في بطنها وهو غني ثم ولدت بعد ذلك بيوم غلاما ميتا فلا ضمان على المعتق لأن نفوذ عتقه لا يكون إلا باعتباره حياة الجنين ولم يعلم ذلك حقيقة ولا حكما حين انفصل ميتا والضمان بالشك لا يجب .
وإن كان رجل ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب ما في جنين الأمة نصف عشر قيمته إن كان غلاما وعشر قيمتها إن كانت جارية وهذا قول أبي حنيفة - C تعالى - أن العتق عنده يقتصر على نصيب المعتق من الجنين ويبقى الرق فيه باعتبار نصيب الشريك فلهذا يجب على الضارب ما في جنين الأمة ثم يكون على المعتق نصف ذلك لشريكه لأن جنايته إنما تثبت بما وجب من الضمان على الضارب فيتقدر حكم الضمان بقدر ذلك فلهذا كان على المعتق نصف ذلك لشريكه ثم يرجع به فيما أدى الضارب لأنه بدل نفسه فيكون تركة له وقد بينا أن المعتق إذا ضمن يرجع بما ضمن فيما تركه معتق البعض بعد موته ثم الباقي ميراث عنه للذي أعتقه إن لم يكن له وارث أقرب منه من أخ أو نحوه لأن الولاء في جميعه للمعتق حين ضمن نصيب شريكه .
وأما على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - يجب على الضارب ما يجب في جنين الحرة لأن العتق عندهما لا يتجزأ ويكون ذلك كله للمعتق ميراث بولائه ويكون على المعتق نصف قيمته لشريكه معتبرا بوقت الانفصال لأن ضمان العتق إنما يعتبر بوقت الإعتاق ولكن يتعذر الوقوف على ذلك لكونه مجتنا في البطن فيعتبر قيمته بأقرب أوقات الإمكان وذلك بعد الانفصال .
وإن لم يضرب بطنها أحد ولكن ولدت بعد العتق بيوم ولدا حيا ثم مات فعلى المعتق نصف قيمته معتبرا بوقت الانفصال لما بينا .
فإن لم تلد حتى أعتق الآخر الأم وهو موسر ثم ولدت فاختار شريكه أن يضمنه نصف قيمة الأم فله ذلك لأنه بعد اعتاق الجنين كان متمكنا من استدامة الملك في الأم وقد أفسد شريكه ذلك حين أعتقها فله أن يضمنه نصف قيمته ويرجع بذلك الضمان على الأمة وولاء الأمة للذي أعتقها وولاء الولد بينهما في قول أبي حنيفة - C تعالى - لأنهما أعتقاه .
وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - ولاء الولد كله لمعتق الولد .
وإن دبر أحدهما ما في البطن ثم أعتق الآخر الأم البتة وهو غني ثم ولدت بعده بيوم فإن الذي أعتق الأم يضمن نصف قيمة الأم ويرجع بذلك عليها ويكون ولاء الأم للذي أعتقها لما بينا وولاء الولد لهما جميعا في قول أبي حنيفة - C تعالى - لأن تدبير المدبر اقتصر على نصيبه فاستحق نصف ولاء الولد والنصف الآخر من الولد إنما عتق باعتاق الشريك الذي أعتق الأم فلهذا كان ولاء الولد بينهما .
وأما عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - التدبير لا يتجزأ فصار كله مدبرا للذي دبره واستحق ولاء جميعه ويكون هو ضامنا نصف قيمة الولد لشريكه موسرا كان أو معسرا ثم الشريك باعتاق الأم يصير ضامنا له نصف قيمتها وولاء الأم لمن أعتقها وولاء الولد للمدبر لأنه استحق ولاءه وإن عتق بعد ذلك تبعا للأم فلهذا كان له ولاء الولد والله أعلم بالصواب