( قال ) ( وإذا شهد الشاهدان أن أحد الشريكين أعتق العبد ولا يدرون أيهما هو وجحد الموليان لم تجز شهادتهما ) لأنهما لم يبينا المعتق منهما والحجة هي البينة فما لا تكون مبينة لا تكون حجة ولأن الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء ولا يتمكن القاضي من الإيجاب على المجهول فإن شهد أحد الشريكين على صاحبه بالعتق لم تجز شهادته لأنه في الحقيقة يدعي إما الضمان على شريكه أو السعاية على العبد في نصيبه ولكن الرق يفسد بإقراره لأنه متمكن من إفساد الرق بإعتاقه فإذا أقر بفساد الرق بإعتاق الشريك يعتبر إقراره في ذلك ثم يسعى العبد في قيمته بينهما في قول أبي حنيفة - C تعالى - موسرين كانا أو معسرين أو كان أحدهما موسرا والآخر معسرا لأن يسار المعتق عنده لا يمنع وجوب السعاية فالشاهد منهما يقول شريك معتق ولي حق استسعاء العبد مع يساره والمشهود عليه يقول الشاهد كاذب ولا ضمان لي عليه ولكن لي حق استسعاء العبد لاحتباس نصيبي عنده وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - إن كان المشهود عليه معسرا فكذلك الجواب وإن كان موسرا يسعى للمشهود عليه في نصف قيمته ولا يسعى للشاهد في شيء لأن المشهود عليه يدعى السعاية مع يسار الشاهد فإنه يزعم أنه كاذب وليس بمعتق فلا يضمن شيئا مع يساره فإن الشاهد تبرأ من السعاية عند يسار المشهود عليه لأنه يقول هو معتق ضامن لنصيبي ويدعي السعاية عند عسرة المشهود عليه فيسعى له في هذه الحالة ولو شهد أحد الشريكين مع آخر على شريكه باستيفاء السعاية لم تجز شهادته عند أبي حنيفة - C تعالى - لأنه شهد لعبده فإنه بمنزلة المكاتب لهما ما دام يسعى والمكاتب عبد لمولاه ولأنه متهم فلعله قصد استخلاص كسبه لنفسه بشهادته على صاحبه بالاستيفاء .
وكذلك لو شهد عليه بغصب أو جراحة أو شيء يجب به عليه مال فشهادته مردودة لأنه شاهد لعبده عبد بين ثلاثة شهد اثنان منهم على صاحبهما أنه أعتقه فحكم على العبد أن يسعى لهم في قيمته فأدى إلى واحد منهم شيئا كان ذلك بينهم أثلاثا لأن السعاية وجبت لهم عليه بسبب واحد فيكون المستوفى مشتركا بينهم ولأنه بمنزلة العبد لهم فلا يكون لأحدهم حق الاختصاص بشيء من كسبه فإن شهد اثنان منهم على الآخر أنه استوفى منه حصته لم تجز شهادتهما من قبل أنهما يجران إلى أنفسهما منفعة حتى يأخذا منه ثلثي ما استوفاه وكذلك إن شهدا أنه استوفى المال كله بوكالة منهما لم تجز شهادتهما عليه لما قلنا ويبرأ العبد من حصتهما لإقرارهما فيه بقبض مبرئ فإن قبض وكيلهما في براءة المديون كقبضهما ويستوفي المشهود عليه حصته من العبد ولا يشاركه في ذلك الشاهدان لأنهما أسقطا حقهما بالشهادة السابقة ولأنهما يزعمان أنه ظالم في هذا الاستيفاء لا حق له فيه ولا لهما وإن شهدا بدين لهذا العبد على أجنبي لم تقبل لأنه بمنزلة عبدهما ما دام يسعى .
وإذا شهد شاهدان على أحد الشريكين أن شريكه الغائب أعتق حصته من هذا العبد فعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - تقبل هذه الشهادة ويقضي بعتقه لأن العتق عندهما لا يتجزأ فينتصب الحاضر خصما عن الغائب وهما في الحقيقة يشهدان على الحاضر بعتق نصيبه .
وعند أبي حنيفة - C تعالى - لا تقبل هذه الشهادة لأن العتق عنده يتجزأ فإنما يشهدان بعتق نصيب الغائب خاصة وليس عنه خصم حاضر والقضاء على الغائب بالشهادة لا يجوز ولكن يحال بينه وبين هذا الحاضر أن يسترقه ويوقف حتى يقدم الغائب استحسانا .
وفي القياس لا يحال لأن هذه الحيلولة تنبني على ثبوت العتق في نصيب الغائب ولا يثبت ذلك بالشهادة بدون القضاء ولكن في الاستحسان قال هما يشهدان على الغائب بالعتق وعلى الحاضر بقصر يده عنه لأن معتق البعض بمنزلة المكاتب لا يد عليه لمولاه والحاضر خصم في إثبات قصر يده عنده فتقبل هذه الشهادة في هذا الحكم إذ ليس من ضرورة القضاء بها القضاء على الغائب بالعتق فهو نظير من وكل بعتق عبده فأقام العبد البينة على الوكيل أن مولاه أعتقه لا يحكم بعتقه ولكن يحكم بقصر يد الوكيل عنه حتى يحضر المولى فتعاد عليه البينة فكذلك هنا إذا حضر الغائب فلا بد من إعادة البينة عليه للحكم بعتقه لأن الأولى قامت على غير خصم فإن كانا غائبين فقامت البينة على أحدهما بعينه أنه أعتق العبد لم تقبل هذه الشهادة إلا بخصومة تقع من قبل قذف أو جناية أو وجه من الوجوه فحينئذ تقبل البينة إذا قامت على أن الموليين أعتقاه أو أن أحدهما أعتقه واستوفى الآخر السعاية منه لأن الخصم الحاضر لا يتمكن من إثبات ما يدعيه على العبد إلا بإثبات حريته والعبد لا يتمكن من دفعه إلا بإنكار حريته فينتصب خصما على الغائبين في ذلك .
وإذا شهد شاهد على أحد الشريكين أنه أعتقه وشهد آخر على الشريك الآخر أنه أعتقه لم يحكم بشهادتهما أما على مذهب أبي حنيفة - C تعالى - لا يشكل لأن المشهود به مختلف والمشهود عليه كذلك .
وأما عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - فلأن أحدهما شهد بعتق يبرأ فيه من نصيب زيد إلى نصيب عمرو والآخر شهد بعتق يبرأ فيه من نصيب عمرو إلى نصيب زيد ولم يتفق الشاهدان على واحد من الأمرين فلا يحكم بشهادتهما وإن كان العبد لمسلم ونصراني شهد نصرانيان عليهما بالعتق جازت شهادتهما على النصراني لأن شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة وشهادتهم على المسلمين مردودة فأنما يثبت العتق في نصيب النصراني خاصة فهذا وما لو شهدا عليه أنه أعتق نصيبه سواء حتى يخير المسلم بين الإعتاق والتضمين والاستسعاء فإن شهدا على المسلم منهما بأنه أعتق نصيبه فالشهادة باطلة والعبد مملوك لهما على حاله بخلاف ما إذا شهد النصراني على شريكه بالعتق فإن ذلك إقرار منه في نصيبه بفساد الرق والإقرار يلزم بنفسه قبل القضاء وهذه شهادة لا توجب شيئا إلا بالقضاء وليس للقاضي أن يقضي على المسلم بشهادة النصراني .
ولو شهد نصرانيان على شهادة مسلمين أن النصراني أعتقه فهذا باطل لأنهما يثبتان شهادة المسلمين عند القاضي وكما لا يثبت قضاء القاضي على المسلمين بشهادة النصراني وإن كان الخصم نصرانيا فكذلك لا تثبت شهادة المسلمين بشهادة النصراني وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر ادعى أحدهم أنه أعتق نصيبه على ألف وشهد له شريكاه على العبد فالشهادة جائزة لأن نصيبه من العبد قد عتق بإقراره وإنما بقي دعواه المال عليه فالآخران يشهدان بالمال على أحدهما ولا تهمة في هذه الشهادة .
ولو شهد ابنا أحد الشركاء أن أباهما قد أعتق العبد بغير جعل جازت شهادتهما لأنهما يشهدان على أبيهما وشهادة ابن العبد بالعتق تقبل إن كان العبد ينكر ذلك والمولى يدعيه وإن كان العبد يدعي ذلك لا تقبل لأنهما يشهدان لأبيهما وكذلك إن شهدا بوجود شرط العتق بعد ظهور التعليق فإنما يشهدان لأبيهما فلا تقبل شهادتهما .
ولو ادعى المولى أنه أعتقه بألف درهم وقال العبد أعتقني بغير شيء فشهد ابنا المولى للعبد بما ادعى وأقام الأب شاهدين على أنه أعتقه بألف درهم فإنه يؤخذ له بالألف لأنه يثبت المال ببينة والعبد ينفي المال بما يقيم من البينة وعند التعارض يرجح بين البينتين .
وإذا كانت بين رجلين فشهد ابنا أحدهما على الشريك أنه أعتقهما فشهادتهما باطلة لأنهما شهدا لأمة أبيهما ولأنهما يشهدان لأبيهما بثبوت حق التضمين له قبل الشريك إن كان موسرا ولو شهدا على أبيهما أنه أعتقها جاز ذلك لأنه لا تهمة في شهادتهما على أبيهما فإن كان الأب موسرا ثم ماتت الخادم وتركت مالا وقد ولدت بعد العتق ولدا فأراد الشريك أن يستسعي الولد فليس له ذلك كما في حياة الأم لم يكن له سبيل على استسعاء الولد فكذلك بعد موتها إذا خلفت مالا ولكنه يضمن الشريك كما كان يضمنه في حياتها ثم يرجع الشريك بما يضمن في تركتها كما كان يرجع عليها لو كانت حية وما بقي فهو ميراث للابن لأن بأداء ما عليها من السعاية يحكم بعتقها وعتق ولدها مستندا إلى حال حياتها على ما نبينه في المكاتبة .
وإن لم تدع مالا رجع بذلك على الابن لأن الابن مولود في الكتابة والمولود في الكتابة يسعى فيما على أمه بعد موتها لأنه جزء من أجزائها فبقاؤه كبقائها ولأنه محتاج إلى تحصيل العتق لنفسه ولا يتوصل إلى ذلك إلا بأداء ما على أمه .
وإن لم تمت فاختار الشريك أن يستسعيها فهي بمنزلة المكاتبة في تلك السعاية والحاصل أن بعد موتها ليس للشريك أن يستسعيها باعتبار بقاء الولد وفي حال حياتها له أن يستسعيها لأن حق الاستسعاء باعتبار احتباس نصيب الشريك عندها وذلك لا يتحقق بعد موتها ولا حق للشريك في ولدها فلهذا لا يستسعيها باعتبار بقاء الولد ولا باعتبار بقاء المال ولكنه يضمن الشريك وأما في حال حياتها فقد تقرر احتباس نصيب الشريك عندها فكان له أن يستسعيها وهي بمنزلة المكاتبة ما دامت تسعى حتى ليس لها أن تتزوج بدون إذن مولاها وإن ولدت فولدها بمنزلتها .
وإن اشترت أباها أو أمها أو ولدها فليس لها أن تبيعهم ولو اشترت أخاها أو ذا رحم محرم منها فلها أن تبيعهم في قول أبي حنيفة - C تعالى - استحسانا وليس لها ذلك في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - وهو القياس أصل المسألة في المكاتب وجه قولهما أن الحر لو اشترى أخاه يصير في مثل حاله فكذلك المكاتب إذا اشترى أخاه يصير في مثل حاله .
ألا ترى أن في الآباء والأولاد لا يفصل بين المكاتب وبين الحر حتى يصير في مثل حاله في الوجهين فكذلك في كل ذي رحم محرم لأن القرابة المتأبدة بالمحرمية بمنزلة الولاد في استحقاق الحرية كما في استحقاق العتق بها وهذا لأن ما للمكاتب من الحق في كسبه يحتمل الكتابة حتى لو كاتب عبده صح كما أن ما للحر من الملك يحتمل العتق فإذا سوى هناك بين الأخوة والآباء في إثبات ما يحتمله ملك الحر فكذلك يسوي بينهما هنا في إثبات ما يحتمله كسب المكاتب وجه الاستحسان لأبي حنيفة أن من تكاتب عليه يكون تبعا له أن الكتابة لا تكون إلا ببدل وليس عليه شيء من البدل فعرفنا أنه تبع ومعنى الأصالة والتبعية يتحقق فيما بين الآباء والأولاد لأجل الجزئية فيستقيم أن يتكاتب عليه بسبب الجزئية .
فأما معنى الأصالة والتبعية لا يتحقق بين الأخوة وسائر القرابات فلا يتكاتب أحدهما على الآخر والثاني أن المكاتب كسائر الأباء والأولاد يثبت باعتبار الكسب على أن يوفى بعد ظهور الملك فإن الابن إذا كان مكتسبا يقضى عليه بنفقة أبيه على أن يملك بالاكتساب فيؤدي فكذلك هنا ثبت حق الآباء والأولاد في الكسب على أنه متى ثبت الملك بالعتق عتق عليه فيمتنع بيعهم لهذا ولا يثبت حق الأخوة في الكسب على أن يوفي من الملك إذا ظهر فكذلك لا يثبت حق الأخوة في كسب المكاتب ولا يمتنع عليه بيعهم ولا يدخل على هذا الكلام أنه لا يقضي على المكاتب بالنفقة لآبائه وأولاده الأحرار لأن الاستحقاق بالكسب على أن يقضي من الملك وهنا لو قضى عليه بالنفقة لزمه ذلك قبل تمام الملك له بالعتق وذلك لا يجوز لأن ما له من الحق قبل العتق لا يحتمل الصلة التامة توضيحه أن الأقارب يكثرون فلو تعذر عليه بيعهم إذا دخلوا في ملكه أدى إلى تفويت المقصود بالكتابة وهو تحصيل المال ليؤدي فيعتق ولا يوجد مثل ذلك في الآباء فلهذا استحسن أبو حنيفة - C تعالى .
وإن اشترت زوجها لم يفسد النكاح ولها أن تبيعه كالمكاتب لأنه إنما يثبت لها حق الملك في رقبة الزوج وحق الملك لا يرفع النكاح لأنه أضعف منه . والضعيف لا يرفع القوي إذا طرأ عليه وإن كان عبد على هذه الصفة فاشترى امرأته كان له أن يبيعها إن لم تكن ولدت منه وإن كانت ولدت منه فاشترى ولدها معها فهي بمنزلته لأن حق الأم تبع لحق الولد وثبوت التبع بثبوت المتبوع وقد امتنع عليه بيع الولد فيمتنع عليه بيع الأم أيضا .
وإن كفل عن المستسعي رجل بسعايته لمولاه فهو باطل لأن السعاية كبدل الكتابة والكفالة ببدل الكتابة باطلة لأنه عبده فلا يتقرر عليه دينه فهذا مثله .
وإن مات ولم يترك مالا حاضرا وترك دينا على الناس فلم يختصموا في أمره حتى خرج الدين فهو بمنزلة المال الحاضر يؤدي منه سعايته ويكون ما بقي ميراثا والولد الحر والمولود في السعاية والمشتري في ذلك سواء لأن الكل يعتقون بعتقه ثم يجر ولاء ولده الحر لأن الأب في الولاء أصل كما في النسب وإنما كان ولاؤه لموالي الأم لعدم الولاء في جانب الأب فإذا ظهر الولاء في جانبه انجر إليه ولاء أولاده وسنقرر هذا في موضعه وإن لم يخرج الدين حتى جني ولده الحر كانت الجناية على عاقلة أمه لأنه مولى لموالي الأم ما لم يظهر له ولاء في جانب الأب فإن اختصم موالي الأم وموالي الأب في ولايته قبل خروج الدين فقضي به لموالي الأم ثم خرج الدين بعد ذلك كان الدين لموالي الأب كله لا يكون للابن فيه شيء في القياس ولكنا ندع العتاقين ونجعل السعاية للمولى وما بقي ميراثا للابن وجه القياس أن القاضي لما حكم بولائه لموالي الأم فقد حكم برق الأب إلى هذا الوقت وهو ميت والرقيق لا يرثه الحر توضيحه أنه قطعه عن جانب الأب حين قضى بولائه لموالي الأم وقضى بجنايته عليهم ووجه الاستحسان أن حكم الكتابة فيه لكونه معتق البعض وذلك لا يحتمل الفسخ فيبقى بعد قضاء القاضي حكم الكتابة فيه على حاله .
فإذا خرج ماله يؤدي كتابته ويحكم بحريته مستندا إلى حال حياته لأنه لا يمكن الحكم بحريته مقصورا على الحال فتبين أنه مات حرا والحر يرثه ابنه الحر والقاضي ما قضى بقطع نسبه عن أبيه ولو كان العبد في سعاية وله ولد من أمة له ثم مات العبد كان للابن أن يسعى فيما على أبيه بمنزلة المولود في الكتابة ولو كان عبد وأمة زوجين لرجل وأعتق نصف كل واحد منهما وقضى عليهما بالسعاية في نصف قيمتهما ثم ولدت ولدا فقتل الولد وترك مالا فديته وماله لأمه لأن الولد جزء من أمه يتبعها في الملك والرق ولم يعتق فكان تابعا لأمه داخلا في سعايتها فلهذا كان بدل نفسه وماله لها .
ولو جنى الولد جناية سعي في الأقل من قيمته ومن الجناية لأنه بمنزلة المكاتب وهذا هو الحكم في جناية المكاتب ولو مات أبواه سعى فيما بقي على أمه دون أبيه لأنه يتبعها في حكم الكتابة دون الأب فيقوم مقامها في السعاية فيما عليها .
ولو ماتت أمه عن مال أدى منها سعايتها وما بقي فهو ميراث للابن لأنه يعتق بعتقها ولا ميراث للزوج منها لأن الزوج مكاتب ما لم يؤد السعاية وإن مات الزوج عن مال يؤدي ما عليه من سعايته وما بقي ميراث لمعتقه لا يرث ابنه ولا امرأته من ذلك شيئا لأنهما بمنزلة المكاتبين ما لم تؤد الأم سعايتها وهذا وما لو كوتب الزوجان كل واحد منهما بعقد على حدة سواء في جميع ما ذكرنا . وذكر في الأصل عن ابراهيم أن معتق النصف إذا جنى فنصف جنايته على العاقلة والنصف عليه .
وإذا جني عليه فأرش نصف الجناية عليه أرش العبيد وأرش النصف الآخر أرش الأحرار وكأنه اعتبر البعض بالكل ولسنا نأخذ بهذا بل هو بمنزلة العبد في الجناية والجناية عليه لأن بين الحرية والرق في محل واحد منافاة وقد قررناه فيما سبق .
وإذا شهد الشاهدان على أحد الشريكين أنه أقر بعتق المملوك وهو موسر جاز ذلك وثبوت إقراره بالبينة كثبوته بسماع القاضي منه ويضمن لشريكه إن كان موسرا نصف قيمته ويرجع به على الغلام والولاء له وإن كان جاحدا للعتق لأن القاضي حكم عليه بخلاف زعمه وبقضاء القاضي سقط اعتبار زعمه بخلافه .
ألا ترى أن العبد لو كان كله له فشهدا عليه بعتقه كان الولاء له وإن كان منكرا وإن شهدا أنه أقر أنه حر الأصل عتق ولا ولاء له لأن الثابت من إقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة وإنما يقضي القاضي على المقر بما يقر به ويجعله في حقه كأنه حق وحرية الأصل لا تعقب الولاء وإن شهدوا على إقراره أن الذي باعه كان أعتقه عتق كما لو سمع القاضي إقراره بذلك وهذا لأنه أقر بنفوذ العتق فيه ممن كان مالكا له وولاؤه موقوف لأن كل واحد منهما ينفيه عن نفسه فإن البائع يقول أنا ما أعتقته وإنما عتق بإقرار المشتري فله ولاؤه والمشتري يقول بل أعتقه البائع فالولاء له فلهذا توقف ولاؤه على أن يرجع أحدهما إلى تصديق صاحبه فيكون الولاء له لأن الولاء لا يحتمل النقض بعد ثبوته فلا يبطل بالتكذيب أصلا ولكن يبقى موقوفا فإذا صدقه ثبت منه وإن شهدا على إقراره أن البائع كان دبره أو كاتب أمه أو أن البائع كان استولدها قبل البيع فإنه يخرج كل واحد منهما من ملكه لإقراره أنه لم يملكهما بالشراء وأنهما باقيان على ملك البائع ولا يرجع على البائع بالثمن لأن إقراره ليس بحجة على البائع في إبطال البيع وقد استحق البائع الثمن به ولا يعتقان حتى يموت البائع فإذا مات عتقا لأن المشتري أقر بتعلق عتقهما بموت البائع والبائع كان مقرا بأن إقرار المشتري فيهما نافذ لأن يملكهما فعند موت البائع يحصل التصادق منهما على الحرية إذا كان المدبر يخرج من ثلث مال البائع فلهذا يحكم بعتقهما والجناية عليهما كالجناية على مملوكين قبل موت البائع لأنهما لا يعتقان إلا بموته . وتوقف جنايتهما في قول أبي حنيفة .
وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - عليهم السعاية في الأقل من قيمتهما وأرش جنايتهما .
والقياس ما قاله أبو حنيفة - C تعالى - لأن المشتري إن كان صادقا فموجب جنايتهما على البائع ابتداء لأن موجب جناية المدبر وأم الولد القيمة على المولى ابتداء وإن كان كاذبا فجنايتهما تتعلق برقبتهما ويخاطب المشتري بذلك ومع جهالة المستحق عليه لا يتمكن القاضي من القضاء بشيء فلهذا تتوقف جنايتهما ولكنهما استحسنا فقالا هما بمنزلة المكاتبين في الحال حتى يكتسبا وينفقا على أنفسهما من كسبهما ولا سبيل لأحد على أخذ الكسب منهما وإنما كان موجب جناية المكاتب على نفسه لكونه أحق بكسبه فإذا وجد ذلك المعنى هنا قلنا عليهما السعاية في الأقل من قيمتهما ومن أرش الجناية .
وكذلك أمة بين رجلين أقر أحدهما أنها ولدت من الآخر وأنكر الآخر ذلك فهي موقوفة تخدم المنكر يوما ويرفع عنها يوم ولا سبيل للمقر عليها في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - الآخر .
وفي قول أبي يوسف - C تعالى - الأول وهو قول محمد - C تعالى - تسعى في نصف قيمتها للمنكر لأن اقرار أحدهما على شريكه بأمية الولد كشهادته عليه بعتق نصيبه وقد بينا أن هناك يسعى للمنكر في نصيبه فكذلك هنا .
ولكن أبو حنيفة - C تعالى - يقول : هنا تعذر استدامة الملك لأن ما أقر به لو كان حقا كان استدامة الملك فيها ممتنعا فلهذا تخرج إلى الحرية بالسعاية وهنا ما أقر به من أمية الولد لو كان حقا لم يكن استدامة الملك فيها ممتنعا فلا معنى لإيجاب السعاية عليها للمنكر ولكن في زعم المنكر أنها مشتركة بينهما كما كانت وأن شريكه كاذب فكان له أن يستخدمها يوما من كل يومين كما قبل هذا الأوان وليس للمقر أن يستخدمها في اليوم الآخر لأنه يزعم أنها صارت أم ولد لشريكه وإن حقه في الضمان قبل شريكه ولا حق له في الاستخدام فلهذا لم يكن للمقر عليها سبيل وجنايتها والجناية عليها تكون موقوفة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - وفي قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد - C تعالى - هي بمنزلة المكاتبة تسعى في الجناية عليها بأخذ الأرش فتستعين بها هكذا ذكر في الكتاب وهو ظاهر لأن عندهما لما قضى عليها بالسعاية في نصيب الجاحد كانت كالمكاتب وعند أبي حنيفة - C تعالى - لما كانت موقوفة الحال لا يقضى فيها بشيء فكذلك حكم جنايتها والجناية عليها وقيل الصحيح أن عند أبي حنيفة نصف جنايتها على الجاحد لأن نصفها مملوك له مطلقا حتى يستخدمها بقدره والنصف الآخر يتوقف وعلى قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد جنايتها عليها تسعى في الأقل من قيمتها ومن أرش الجناية لأنها أحق بكسبها . ألا ترى أنها تنفق على نفسها من كسبها ولو جعلناها موقوفة فمن ينفق عليها وإذا لم يكن بد من أن تجعل أحق بكسبها كان موجب جنايتها في كسبها كالمكاتبة والله تعالى أعلم بالصواب