( قال ) Bه ( وإذا شهد الزوج وثلاثة نفر على المرأة بالزنا جازت شهادتهم وأمضي عليها الحد عندنا ) وقال الشافعي - C تعالى - لا تقبل شهادة الزوج على زوجته بالزنا لأنه خصم في ذلك فإنه يصير قاذفا لها مستوجبا للعان ولا شهادة للخصم ولأنه شاهد طعن لأن الزوج يغيظه زناها فيحمله ذلك على أن يشهد عليها لا بطريق الحسبة ولأنه يدعي عليها الجناية في أمانته فالفراش أمانة الزوج عندها ولا شهادة للمدعي ولكنا نقول لو شهد عليها بحق آخر قبلت الشهادة لظهور العدالة وانتفاء التهمة فكذلك بالزنا بل أولى لأن انتفاء التهمة هنا أظهر والظاهر أن الزوج يستر الزنا على امرأته لأن ذلك يشينه .
ومعنى الغيظ الذي قال يبطل بالأب : إذا شهد على ابنته بالزنا تقبل وإن كان يغيظه زناها ولا معنى لقوله أنه خصم لأن إخراجه الكلام مخرج الشهادة في الابتداء يمنع كونه خصما مستوجبا للعان كالأجنبي فإن قذف الأجنبي موجب للحد ثم إذا أخرج الكلام مخرج الشهادة في الابتداء لم يكن مستوجبا للحد وكان محتسبا في الشهادة بخلاف ما لو قذفها أولا لأنه صار مستوجبا للعان فإنما يقصد بالشهادة بعد ذلك إسقاط اللعان عن نفسه والحد الواجب بزناها يخلص حقا لله تعالى .
وإنما يكون الزوج مدعيا إذا قصد بشهادته إثبات حق لنفسه وليس في هذه الشهادة إثبات حق له ولو ردت شهادتهم بأن لم يعدلوا لم يجب اللعان على الزوج كما لا يجب الحد على الأجانب لتكامل عدد الشهود وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف - رحمهما الله تعالى - قال : لو قذفها الزوج ثم جاء بأربعة يشهدون عليها بالزنا فلم يعدلوا لاعنها الزوج لأنه قد استوجب اللعان بقذفه فلا يسقط عنه إلا بثبوت الزنا عليها والأصح أنه لا يلاعنها لأن القاذف لو كان أجنبيا فأقام أربعة من الشهداء بهذه الصفة لم يحد وكذلك لا يلاعنها الزوج .
ولو شهد مع الزوج ثلاثة من العميان بالزنا عليها يحد العميان ويلاعنها الزوج لأنه يتيقن بكذب العميان في الشهادة بالزنا فإن تحمل هذه الشهادة لا يكون إلا عن معاينة وليس للعميان تلك الآلة فلا تعتبر شهادتهم ويلزمهم الحد بالقذف ويلاعنها الزوج بقذفه أيضا بخلاف الفساق فإن لهم في الزنا شهادة لأنا لا نتيقن بكذبهم فيه .
( قال ) ( وإذا شهد للمرأة ابناها على زوجها أنه قذفها لم تجز شهادتهما ) لأنهما يشهدان لأمهما وكذلك لو شهد أب المرأة وابن لها وكذلك لو شهد لها رجل وامرأتان بالقذف لم يجز لأن هذا حد فلا تجوز شهادة النساء في الحدود هكذا نقل عن رسول الله - A - وأبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهم - وكذلك لا تجوز الشهادة على الشهادة في هذا لأن في كلا النوعين ضرب شبهة والحد لا يثبت مع الشبهة .
ولكن في هذا التعليل كلام فإن عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - اللعان شهادة فيه معنى اليمين . وعند محمد - C تعالى - يمين فيه معنى الحد .
وفائدة هذا الاختلاف فيما إذا عزل القاضي أو مات بعد اللعان قبل التفريق عندهما القاضي الثاني يستقبل اللعان لأنها شهادة لم يتصل بها الحكم .
وعند محمد - C تعالى - لا يستقبله لأنها يمين في معنى الحد واليمين والحد إذا أمضاهما القاضي لا يستقبلهما قاض آخر .
واستدل محمد - C تعالى - بقوله - A - ( لولا الأيمان التي سبقت لكان لي ولها شأن ) ولأن في كلمات اللعان قوله بالله وهذا يمين ويستوي في اللعان الرجال والنساء ولا مساواة بينهما في الشهادة .
وأبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله تعالى - استدلا بقوله تعالى { فشهادة أحدهم } ولأنه يختص بمجلس القضاء ولفظ الشهادة فيكون شهادة فيها معنى اليمين لقوله بالله ولهذا سماها رسول الله - A - يمينا وفي بعض الروايات ( لولا الشهادات التي سبقت ) . وفي الشهادة على الولادة يستوي فيه الرجال والنساء حتى تقبل شهادة امرأة واحدة . لأجل الحاجة فهنا كذلك ثم على قول محمد - C تعالى - هذا التعليل واضح لأن في اللعان معنى الحد فأما على قولهما معنى هذا التعليل أن قذف زوجته قد يكون موجبا للحد إذا تعذر اللعان بسبب من جهته فلهذا لا يثبت بالحجة التي فيها شبهة .
( قال ) ( وإن شهد أحدهما أنه قذفها بالزنا وشهد الآخر أنه قال لولدها هذا من الزنا لم يجز ) لأنهما اختلفا في المشهود به لفظا ومعنى فإن نسبة الولد إلى أنه مخلوق بالزنا غير قذفها بالزنا والموافقة بين الشاهدين لفظا في هذا الموضع معتبرة ولهذا لو شهد أحدهما أنه قذفها بالعربية والآخر أنه قذفها بالفارسية لا تقبل ولو شهد أحدهما أنه قال لها زنا بك فلان وشهد الآخر أنه قال لها زنا بك فلان لرجل آخر فعليه اللعان لأن فعلها بالزنا هو التمكين من فعل الزنا وذلك لا يختلف باختلاف الفاعل إذا كان فعل كل واحد من الفاعلين زنا فقد اتفق الشاهدان على أنه قذفها بالزنا لفظا ومعنى وإنما اختلفا فيما لا حاجة بهما إلى ذكره ولو كان قذفها برجل واحد وجاء ذلك الرجل يطلب حده جلد الحد ودرئ اللعان لأنه اجتمع عند الإمام حدان فإن قذفه في حق الرجل موجب للحد وفي حقها وجب اللعان ومتى اجتمع حدان وفي البداية بأحدهما إسقاط الآخر يبدأ بذلك .
( قال ) ( وإذا شهد الشاهدان على الزوج بالقذف حبسه حتى يسأل عن الشاهدين ولم يكفله ) لأنه لا كفالة في الحدود وهذا في معنى الحد فإن قالا نشهد أنه قذف امرأته وأمنا في كلمة واحدة لم تجز الشهادة لأنها بطلت في حق أمهما فإنهما يشهدان لها ومتى بطلت الشهادة في بعض الكلمة الواحدة بطل في كلها .
وإن شهد ابناه من غيرها على قذفه إياها وأمهما عنده لم تجز شهادتهم لما فيها من نفع أمهما فإنها لو قبلت فرق بينهما باللعان فيخلص الفراش لأمهما وهو كما لو شهدا عليه بطلاق ضرة أمهما قال إلا أن الأب إذا كان عبدا أو محدودا في قذف فتجوز شهادتهما عليه ولا يضرب الحد لأنهما يشهدان على أبيهما بالحد وليس فيه منفعة لأمهما .
( قال ) ( ولو شهد عليه شاهدان بقذف امرأته فعدلا ثم غابا أو ماتا قبل أن يقضي القاضي بشاهدتهما فإنه يحكم باللعان ) فإن الموت والغيبة لا تقدح في عدالتهما بخلاف ما لو عميا أو ارتدا أو فسقا وهكذا الجواب في كل حد ما خلا الرجم فإنه لا يقام بعد موت الشهود أو فسقهم لأن الشرط فيه أن يبدأ الشهود وذلك يفوت .
( قال ) ( ويقبل توكيل المرأة في إثبات القذف عند أبي حنيفة - C تعالى - كما يقبل توكيل المقذوف إذا كان أجنبيا في إثبات القذف فإذا جاء موضع الإقامة فلا بد من أن يحضر ) لأن اللعان لا تجري فيه النيابة فإن المقصود لا يحصل بالنائب .
( قال ) ( وإذا أقام الزوج القاذف شاهدين على إقرار المرأة بالزنا يسقط اللعان عن الزوج ) لأن الثابت بإقرارها وبالبينة كالثابت بالمعاينة ولا يلزمها حد الزنا كما لو أقرت مرة واحدة فإن الأقارير الأربعة في مجالس متفرقة لا بد منها لإقامة حد الزنا وتمتنع الإقامة بإنكارها بعد الأقارير الأربعة ولو شهد عليها رجل وامرأتان بذلك درأت اللعان أيضا استحسانا وفي القياس يلاعنها لأنه لا شهادة للنساء في باب الزنا فلا يكون لهن شهادة أيضا في إثبات الإقرار بالزنا ولكنه استحسن فقال المقصود هنا درء الحد لا إثباته ودرء الحد يثبت مع الشبهات فتقبل فيه شهادة الرجال مع النساء ولو عفت المرأة عن القذف كان لها أن تخاصم بعد ذلك وتطالب باللعان كما في الحدود في قذف الأجانب عندنا .
( قال ) ( وإن شهد للزوج ابناه منها أنها أقرت بالزنا لم تجز شهادتهما ) لأنهما يشهدان لأبيهما بإسقاط اللعان عنه وإن شهد شاهدان على رجل أنه قذفها وقذف امرأته بعد ذلك أو قبله في كلام متفرق جازت شهادتهما للمرأة لأنهما في حق أنفسهما مدعيان وفي حق المرأة شاهدان فإذا كان الكلام متفرقا فبطلان شهادتهما في أحد الكلامين لا يبطل شهادتهما في الكلام الآخر بخلاف ما إذا كان الكل في كلام واحد .
( قال ) ( وإذا صدقت المرأة زوجها عند الإمام فقالت صدق ولم تقل زنيت فأعادت ذلك أربع مرات في مجالس متفرقة لم يلزمها حد الزنا ) لأن قولها صدق كلام محتمل وما لم تفصح بالإقرار بالزنا لا يلزمها الحد ولكن يبطل اللعان ولا يحد من قذفها بعد هذا لأن الظاهر أنها صدقته في نسبتها إلى الزنا والظاهر يكفي لإسقاط إحصانها .
( قال ) ( وإذا شهد شاهدان بالقذف فقال الزوج يومئذ كانت أمة أو كافرة فالقول قوله في ذلك ) لأنه ينكر وجوب اللعان عليه وهي تدعي ولا يمين عليه لأن اللعان بمنزلة الحد ولا يمين في الحدود فإنه لو استحلف إنما يستحلف ليتوصل إلى اللعان بنكوله وذلك لا يجوز وإن كانت معروفة الأصل في الإسلام والحرية فعرف ذلك القاضي لم يلتفت إلى قول الزوج لأنه يعلم أنه كاذب فيما يدعي وإن أقاما البينة المرأة على حريتها وإسلامها والزوج على كفرها ورقها وقت القذف فالبينة بينة المرأة لأنها هي المدعية لأنها تثبت اللعان ببينتها والزوج ينفي ذلك فكانت بينتها أولى إلا أن يثبت شهود الزوج ردتها بعد الإسلام الذي شهد به شهودها فحينئذ بينته أولى لأن معنى الإثبات في بينته أظهر .
( قال ) ( وإن ادعى الزوج أنها زانية أو قد وطئت وطئا حراما فعليه اللعان ) لأن إحصانها معلوم للقاضي باعتبار الأصل والزوج يدعي ما يسقط إحصانها فلا يقبل قوله إلا ببينة كما لو علم القاضي حريتها وإسلامها فإن ادعى الزوج بينة على أنها كما قال أجل إلى قيام القاضي فإن أحضر بينته وإلا لاعن لأن سبب وجوب اللعان قد ظهر ولكن يمكن الزوج من إقامة البينة على الدفع بقدر ما لا بد له منه وذلك إلى قيام القاضي ولا يؤجله أكثر من ذلك لما فيه من الإضرار بها .
( قال ) ( وإن قال الزوج قذفتها وهي صغيرة وادعت أنه قذفها بعد ما أدركت فالقول قوله وإن أقاما البينة فالبينة بينة المرأة ) لأنها هي المدعية ولأنه لا تنافي بين البينتين فيجعل كأنه قذفها مرتين .
( قال ) ( وإذا ادعت على الزوج القذف ولم يكن لها بينة فلا يمين على الزوج ) لأنه حد ولا يمين في الحدود وكذلك إن ادعى الزوج أنها صدقته وأراد يمينها لم يكن عليها يمين لأن تصديقها إقرار منها بالزنا ولا يمين في الإقرار بالزنا .
( قال ) ( فإن ادعت قذفا متقادما وأقامت عليه شهودا جاز ) لأن موجب القذف لا يبطل بالتقادم كالحد في قذف الأجانب فإن أقام الزوج البينة أنه طلقها بعد ذلك طلاقا رجعيا فلا لعان بينهما ولا حد لأن ما يثبته الزوج بالبينة كالمعاين والفرقة بعد القذف مسقطة للعان فيتمكن الزوج من إثباته بالبينة كما لو أقام البينة على فرقة بردتها بعد القذف أو بسبب آخر وإذا أقامت المرأة البينة على إقرار الزوج بالولد وهو ينكر وقد نفاه لزمه الولد ولا يستطيع أن ينفيه بعد إقراره هكذا نقل عن عمر وعلي والشعبي - Bهم - قالوا : إذا أقر الرجل بولده فليس له أن ينفيه وما لم يقر به فله أن ينفيه وإذا نفاه قبل الإقرار لاعنها لأنه بعد ما أثبت ولادتها يكون هو بنفي الولد قاذفا لها بالزنا .
فإن قيل : لا كذلك فقد يكون ولدها من وطء بشبهة .
قلنا : الولد من وطء بشبهة يكون ثابت النسب من إنسان والذي لا يكون ثابت النسب من أحد لا يكون من زنا ولا نسب لهذا الولد منه فإذا نفاه فقد زعم أنه لا نسب لولدها هذا فيكون قاذفا لها بالزنا .
ثم كيفية اللعان بنفي الولد على ما روي عن أبي يوسف - C تعالى - أن يقول الزوج أشهد إني لمن الصادقين فيما رميتها به من نفي ولدها وهي تقول أشهد إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من نفي ولدي وروى هشام عن محمد - رحمهما الله تعالى - قال يقول الزوج : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ونفي ولدها وتقول المرأة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ونفي ولدي وليس هذا باختلاف في الحقيقة وإنما اختلف الجواب لاختلاف الأحوال فجواب محمد - C تعالى - فيما إذا قذفها بالزنا ونفي ولدها وجواب أبي يوسف - C تعالى - فيما إذا نفى ولدها فقط .
( قال ) ( وإذا فرق القاضي بينهما بعد اللعان يلزم الولد أمه ) وروى بشر عن أبي يوسف - رحمهما الله تعالى - أنه لا بد أن يقول القاضي فرقت بينكما وقطعت نسب هذا الولد منه حتى لو لم يقل ذلك لا ينتفي النسب عنه وهذا صحيح لأنه ليس من ضرورة التفريق باللعان نفي النسب كما بعد موت الولد يفرق القاضي بينهما باللعان ولا ينتفي نسبه عنه فلا بد من أن يصرح القاضي بنفي النسب لهذا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .
( قال ) رضي الله تعالى عنه هذا آخر شرح كتاب الطلاق بالمؤثرة من المعاني الدقاق أملاه المحصور عن الانطلاق المبتلي بوحشة الفراق مصليا على صاحب البراق وآله وصحبه أهل الخير والسباق صلاة تتضاعف وتدوم إلى يوم التلاق . كتبه العبد البريء من النفاق