( قال ) Bه ( ويجوز في كفارة الظهار عتق الرقبة العوراء عندنا ) ولا يجوز عند الشافعي - C تعالى - لأنها ناقصة بنقصان لا يرجى زواله فكانت كالعمياء وهو الأصل عنده أن كل عيب لا يرجى زواله يكون فاحشا يمنع جواز التكفير به وكل عيب يرجى زواله يكون يسيرا لا يمنع جواز التكفير به كالحمى والشجة ونحوها والأصل عندنا قوله تعالى { فتحرير رقبة } فهو دليل على أن الواجب رقبة مطلقة والتقييد بصفة السلامة يكون زيادة والزيادة على النص نسخ ولكن مطلق الرقبة يقتضي قيامها من كل وجه والقائم من وجه دون وجه لا يكون مطلقا والعمياء مستهلكة من وجه لفوات منفعة الحس وهو البصر فإن بقاء الآدمي بمنافعه معني ففوات منفعة الحس يكون استهلاكا من وجه وليس في العور فوات منفعة الحس وكذلك في قطع اليدين تفوت منفعة البطش وبقطع إحدى اليدين لا تفوت وكذلك أشل اليدين لا يجزي لفوات منفعة الحس ومقطوع الرجلين أو أشلهما لا يجزي لفوات منفعة المشي ومقطوع أحد الرجلين يجزي لأن منفعة المشي لا تفوت به وكذلك مقطوع اليد والرجل من خلاف لأنه يتمكن من المشي بالعصا ومنفعة البطش باقية أيضا فلم تكن مستهلكة والمجنون والمعتوه لا يجزي لفوت العقل به وهو منفعة مقصودة والذي يجن ويفيق يجزي لأن منفعة العقل غير فائتة بل هي قائمة تستتر تارة وتظهر أخرى والخرساء لا تجزي لأن منفعة الكلام مقصودة والآدمي إنما باين سائر الحيوانات بالبيان ففواتها يكون استهلاكا من وجه وتجزي الرقبة الصغيرة لأنها قائمة من كل وجه ولا يقال أنها فائتة المنافع من البطش والمشي والعقل والكلام لأنها عديمة المنافع إلى الإصابة عادة فلا يعد ذلك عيبا ولأن ما لا يخلو عنه أصل الفطرة السليمة لا يعد نقصانا فضلا عن الاستهلاك .
( قال ) ( وتجزي الرقبة الكافرة في كفارة الظهار واليمين والإفطار عندنا ) ولا تجزي عند الشافعي - Bه - إلا الرقبة المؤمنة لقوله تعالى { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } ( البقرة : 67 2 ) ولا خبث أشد من الكفر وفي حديث أبي هريرة - Bه - ( أن رجلا جاء إلى رسول الله - A - برقبة سوداء وقال علي عتق رقبة أفتجزيني هذه فامتحنها بالإيمان فوجدها مؤمنة فقال A : ( أعتقها فإنها مؤمنة ) فامتحانه إياها بالإيمان دليل على أن الواجب لا يتأدى إلا بالمؤمنة ولأن هذا تحرير في تكفير فلا يجزي فيه غير المؤمنة ككفارة القتل وهذا لأن الرقبة مطلقة هنا مقيدة بالإيمان في القتل والمطلق محمول على المقيد لأن القيد مسكوت عنه في المطلق وقياس المسكوت عنه على المنصوص صحيح ولأن التعليق بالشرط يقتضي نفي الحكم عند عدمه في عين ما تعلق بالشرط وكذلك في نظائره استدلالا به والكفارات جنس واحد فالتقييد بشرط الإيمان في بعضها يوجب نفي الجواز عند عدم الإيمان في جميعها كالتقييد بشرط العدالة في بعض الشهادات أوجب نفي الجواز عند عدمها في الكل وكذلك التقييد بالتبليغ إلى الكعبة في هدي جزاء الصيد أوجب ذلك في جميع الهدايا .
( وحجتنا ) في ذلك ظاهر الآية فالمنصوص اسم الرقبة وليس فيه ما ينبئ عن صفة الإيمان والكفر فالتقييد بصفة الإيمان يكون زيادة والزيادة على النص نسخ فلا يثبت بخبر الواحد ولا بالقياس ثم قياس المنصوص على المنصوص عندنا باطل لأنه اعتقاد النقص فيما تولى الله بيانه وذلك لا يجوز وكذلك شروط الكفارات لا تثبت بالقياس كأصلها ولا يجوز دعوى التخصيص هنا لأن التخصيص فيما له عموم والمطلق غير العام وامتناع جواز العمياء ونظائرها ليس بطريق التخصيص بل لكونها مستهلكة من وجه كما بينا مع أن التخصيص فيما له لفظ والصفة في الرقبة غير مذكورة ولا يقال بين صفة الكفر والإيمان تضاد فإذا جوزنا المؤمنة انتفى جواز الكافرة لأن جواز المؤمنة عندنا لأنها رقبة لا بصفة الإيمان ألا ترى أنا نجوز الصغيرة والكبيرة وبين الصفتين تضاد وكذلك نجوز الذكر والأنثى وبين الصفتين تضاد ولكن الجواز باسم الرقبة فكان الوصف فيه غير معتبر .
فأما حمل المطلق على المقيد فالعراقيون من مشايخنا - رحمهم الله - يجوزون ذلك في حادثة واحدة كما في قوله - A - ( في خمس من الإبل شاة ) مع قوله ( في خمس من الإبل السائمة شاة ) ولكن الأصح أنه لا يجوز حمل المطلق على المقيد عندنا في حادثة ولا في حادثتين حتى جوز أبو حنيفة - C تعالى - التيمم بجميع أجزاء الأرض لقوله A ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) ولم يحمل هذا المطلق على المقيد وهو قوله - A - ( التراب طهور المسلم ) وهذا لأن للمطلق حكما وهو الإطلاق وفي حمله على المقيد إبطال حكمه وإليه أشار ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - في قوله ابهموا ما أبهم الله وامتناع وجوب الزكاة في غير السائمة ليس لحمل المطلق على المقيد بل للنص الوارد بأن لا زكاة في العوامل واشتراط العدالة في الشهادات ليس لحمل المطلق على المقيد بل للنص الوارد بالتثبت في خبر الفاسق .
وكذلك وجوب التبليغ إلى الكعبة في جميع الهدايا للنص وهو قوله تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } ولو جاز ذلك إنما يجوز بعد ثبوت المساواة بين الحادثتين ولا مساواة بين كفارة القتل وبين سائر الكفارات فإن القتل من أعظم الكبائر وفيه تفويت رقبة مؤمنة مخاطبة بالإيمان بخلاف أسباب سائر الكفارات ففيها من التغليظ ما ليس في غيرها ولهذا لا يكون الإطعام بدلا عن الصيام في كفارة القتل بخلاف كفارة الظهار واشتراط صفة التتابع عندنا في الصوم في كفارة اليمين ليس بطريق حمل المطلق على المقيد بل بقراءة ابن مسعود - Bه - وهي مشهورة وهي لازمة عليهم فإنهم لا يشترطون صفة التتابع فيها لحمل المطلق على المقيد ولا معنى لقول من يقول : لذلك المطلق أصلان : أحدهما مقيد بالتفرق وهو صوم المتعة لأن ذلك غير مقيد بالتفرق ولكن لا يجوز قبل يوم النحر لأنه مضاف إلى وقت الرجوع بحرف إذا وهو قوله تعالى { وسبعة إذا رجعتم } فأما الحديث فقد ذكر في بعض الروايات : أن الرجل قال علي عتق رقبة مؤمنة أو عرف رسول الله - A - بطريق الوحي أن عليه رقبة مؤمنة فلهذا امتحنها بالإيمان مع أن في صحة ذلك الحديث كلاما فقد روي أن النبي - A - قال : ( أين الله فأشارت إلى السماء ) ولا نظن برسول الله - A - أنه يطلب من أحد أن يثبت لله تعالى جهة ولا مكانا ولا حجة لهم في الآية لأن الكفر خبث من حيث الاعتقاد والمصروف إلى الكفارة ليس هو الاعتقاد إنما المصروف إلى الكفارة المالية ومن حيث المالية هو عيب يسير على شرف الزوال .
( قال ) ( ويجزئ الأصم في جميع الكفارات استحسانا ) وفي القياس لا يجزيء وهو رواية في النوادر لأن منفعة السمع مقصودة وبالصمم يفوت ذلك وجه الاستحسان أن بالصمم لا تفوت منفعة السمع أصلا حتى أنه يسمع إذا صاح إنسان في أذنه وقبل الرواية التي قال لا يجوز محمول على صمم أصلي ولا بد وأن يكون معه الخرس فإنه لم يسمع الكلام ليتكلم وهذا لا يجزئ ومراده من الرواية التي قال يجزي إذا كان الصم عارضا فلا يكون معه الخرس ويسمع عند المبالغة في رفع الصوت .
( قال ) ( ويجزي الخصي ومقطوع الأذنين ومقطوع المذاكير عندنا ولا يجزيء عند زفر - C تعالى - ) لأنها مستهلكة من وجه بفوات منفعة مقصودة من الآدمي ولكنا نقول بعد قطع الأذنين الشاخصتين السمع باق وإنما يفوت ما هو زينة وجمال فلا تصير الرقبة به مستهلكة كفوات شعر الحاجبين واللحية وفي الخصي ومقطوع المذاكير إنما تفوت منفعة النسل وهو زائد على ما هو المطلوب من المماليك فأما إذا كان مقطوع اليد والرجل من جانب واحد لا يجزيء لأن منفعة المشي فائتة فإنه لا يتمكن من المشي بعصا وكذلك إن كان من كل يد ثلاثة أصابع مقطوعة لم يجز لفوات منفعة البطش وقطع أكثر الأصابع في هذا كقطع جميعها وإن كان المقطوع من كل يد اصبعا أو أصبعين سوى الإبهام يجزيء لأن منفعة البطش باقية وإن كان مقطوع الإبهام من كل يد فمنفعة البطش فائتة فلهذا لا يجزي وكذلك لا يجوز المفلوج اليابس الشق لفوات جنس المنفعة منه ولا يجوز عتق أم الولد في الكفارة لأن المنصوص عليه الرقبة وذلك اسم للذات حقيقة وللذات المرقوق عرفا وقد دل على الرق قوله تعالى { فتحرير رقبة } فيقتضي قيام الرق مطلقا وبالاستيلاد يتمكن النقصان في الرق حتى لا يعود إلى الحالة الأولى بحال ولأن قوله تعالى فتحرير رقبة يقتضي إنشاء العتق من كل وجه وإعتاق أم الولد تعجيل لما صار مستحقا لها مؤجلا فلا يكون إنشاء من كل وجه وولد أم الولد بمنزلة أمه والمدبر كذلك لأن بالتدبير صار مستحقا له ولهذا لا يحتمل التدبير الفسخ ويثبت به استحقاق الولاء .
( قال ) ( ولا يجزي اعتاق المكاتب إذا كان أدى شيئا من بدل الكتابة ) لأنه عتق بعوض والكفارة به لا تتأدى قال - A - ( بشر أمتي بالسناء والتمكين ما لم يبتغوا بعمل الآخرة الدنيا ) ودليل أن المقبوض عوض أنه لو وجده زيوفا رده واستبدل بالجياد ولأن الصحابة - رضوان الله عليهم - اختلفوا في رقه بعد أدائه بعض البدل فكان علي - Bه - يقول : يعتق بقدر ما أدى وابن مسعود - Bه - يقول : إذا أدى قيمة نفسه يعتق واختلاف الصحابة - Bهم - في رقه شبهة مانعة من جواز التكفير به وقد روى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أنه يجوز لأن رقه لم ينتقص بما أدى من البدل ولهذا احتمل عقد الكتابة الفسخ بعد استيفاء بعض البدل كما احتمل قبله .
فأما إذا اعتقه قبل أن يؤدي شيئا جاز عن الكفارة عندنا استحسانا .
وفي القياس لا يجوز وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله تعالى - لأن استحقاق العتق والولاء يثبت بعقد الكتابة فوق ما يثبت بالتدبير والاستيلاد ولهذا يصير أحق بمكاسبه ويعتبر الثلث والثلثان من مال الكتابة دون مالية الرقبة ويمتنع على المولى التصرفات فيه فإما أن يقول يتمكن بهذا السبب نقصان في رقه أو يكون كالزائل عن ملك المولى من وجه حتى لو أتلفه يضمن قيمته ولو وطئ مكاتبته يغرم العقر وثبوت حكم الزوال عن ملكه من وجه يكفي للمنع من التكفير ولأنه في حق المولى كفائت المنفعة لأنه صار أحق بمنافعه ومكاسبه أو لأن العتق لما صار مستحقا بالكتابة فإذا أوقعه وقع من الوجه المستحق ولهذا يسلم له الأولاد والإكساب والعتق عند الكتابة لا تتأدى به الكفارة مع أن هذا من المولى أعتاق صورة فأما في المعنى هو إبراء عن بدل الكتابة ولهذا يسقط مال الكتابة ويسلم له الأولاد والإكساب وهو كما لو أعتقه الوارث بعد موته لا يجزي عن كفارته بالإتفاق .
( وحجتنا ) في ذلك ظاهر الآية ففيها أمر بتحرير الرقبة والتحرير تصيير شخص مرقوق حرا وقد حصل والرقبة اسم لذات مرقوق عرفا والمكاتب كذلك قال A ( المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ) ولا يتمكن النقصان في رقه ولا يصير العتق مستحقا له بسبب الكتابة لأن حكم العتق في الكتابة متعلق بشرط الأداء ولو علق عتقه بشرط آخر لم يثبت به الاستحقاق فكذلك بهذا الشرط بل أولى لأن التعليق بسائر الشروط يمنع الفسخ وبهذا الشرط لا يمنع ولو تمكن نقصان في رقه لما تصور فسخه واعادته إلى الحالة الأولى لأن نقصان الرق بثبوت الحرية من وجه وكما أن ثبوت الحرية من جميع الوجوه لا يحتمل الفسخ فكذلك ثبوته من وجه ولأن الثابت بالكتابة انفكاك الحجر عنه في حق المكاتب وبذلك لا يتمكن النقصان في رقه كالإذن في التجارة إلا أن ذلك فك بغير عوض فلا يكون لازما في حق المولى وهذا فك بعوض فيكون لازما .
ولكن مع هذا المنافع والمكاسب غير الرقبة فبالتصرف فيها لازما كان أو غير لازم لا يتمكن النقصان في الرق والملك كالإعارة مع الإجارة وبسبب اللزوم يمتنع على المولى التصرف فيه ويلزمه ضمان العقر والأرش لأن ذلك في حكم المكاسب والمنافع والمكاسب صارت مستحقة له ولكن بهذا الاستحقاق لا تصير الرقبة في حكم المستهلك وإذا ثبت أن العتق لا يصير مستحقا بهذا السبب ظهر أن إعتاق المولى إياه يكون تحريرا مبتدأ من كل وجه فيصير به ممتثلا للأمر والدليل عليه أنه يسقط به بدل الكتابة ولو كان هذا إعتاقا بجهة الكتابة لتقرر به البدل فإن تسليم المعوض يوجب تقرير البدل ولا يجوز أن يكون إعتاقه إبراء لأنه يحتمل التعليق بالشرط وإذا أعتق نصفه يعتق ذلك القدر والإبراء عن نصف البدل لا يوجب عتق شيء منه فأما سلامة الإكساب والأولاد فلأنه عتق وهو مكاتب لا لأنه عتق بجهة الكتابة كما لو كاتب أم ولده ثم مات المولى عتقت بجهة الاستيلاد وسلم لها الأولاد والإكساب وهذا لأن العتق في حق المكاتب واحد والإعتاق من المولى تختلف جهاته ففيما يرجع إلى حق المكاتب جعل هذا ذلك العتق لكونه متحدا وفي حق المولى يجعل إعتاقا بجهة الكفارة لأنه قصد ذلك وهو كالمرأة إذا وهبت الصداق من الزوج ثم طلقها قبل الدخول لا يرجع عليها بشيء وتجعل هبتها في حق الزوج تحصيلا لمقصود الزوج عند الطلاق وفي حقها تجعل تمليكا بهبة مبتدأة .
( قال ) ( فإن أعتق عن ظهاره نصيبه من عبد بينه وبين غيره لم يجزه عن كفارته في قول أبي حنيفة - C تعالى - وإن ضمن نصيب شريكه فأعتق ما بقي منه ) لأن العتق عبده يتجزى فإنما عتق نصيبه في الابتداء ونصف الرقبة ليس برقبة ثم يتمكن النقصان في حق النصف الآخر لأنه يتعذر عليه استدامة الرق فيه وهذا النقصان في ملك الشريك غير مجز عن الكفارة وبالضمان إنما يملك ما بقي منه فإذا أعتقه كان هذا في المعنى إعتاق عبد إلا شيئا وعند الضمان إنما يستحق عليه السعاية فيما ضمن لشريكه فإعتاقه يكون إبراء عن تلك السعاية فلا تتأدى به الكفارة .
فأما على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - العتق لا يتجزى فإن أعتق نصيبه عتق كله إلا أن المعتق إن كان موسرا فهو ضامن لنصيب شريكه ولا سعاية على العبد فكان هذا إعتاقا بغير عوض فيجزي عن الكفارة وإن كان معسرا فعلى العبد السعاية في نصيب شريكه فيكون هذا عتقا بعوض فلا تتأدى به الكفارة فأما إذا كان العبد كله له فأعتق نصفه عن كفارته عندهما يعتق كله بغير سعاية ويجوز عن الكفارة وعند أبي حنيفة - C - يعتق نصفه ولا يجوز عن كفارته فإن أعتق النصف الباقي بعد ذلك بنية الكفارة في القياس لا يجزيه لما بينا أن بإعتاق النصف يتمكن النقصان في النصف الآخر كما في الفصل الأول وفي الاستحسان يجزي لأن هذا النقصان بسبب العتق عن الكفارة فلا يمنع الجواز .
ومعنى هذا أن الرقبة كلها مملوكة له هنا فالنقصان في النصف الآخر إنما يحصل في ملكه فيمكن تحريره عن الكفارة إذا أكمله ويجعل كأنه في المرة الأولى أعتق النصف وزيادة ثم أعتق ما بقي بخلاف المشترك وهذا نظير الاستحسان فيمن أضجع أضحيته ليذبحها فأصابت السكين عين الشاة لا يمنع جواز التضحية بها استحسانا لأن حصول هذا العيب بسبب فعل التضحية .
( قال ) ( ولا يجزيه العتق بما في البطن عن الكفارة وإن ولدته لأقل من ستة أشهر ) لأن الجنين بمنزلة جزء من الأم في بعض الأحكام فلا يكون رقبة مطلقة لأن الرقبة المطلقة ما يكون نفسا على حدة من كل وجه خصوصا في حكم العتق والجنين بمنزلة الجزء حتى يعتق بعتقها على وجه لا يجوز استثنائه كيدها ورجلها .
( قال ) ( وإن اشترى أباه ينوي به العتق عن ظهاره أجزأه استحسانا في قول علمائنا الثلاثة - Bهم - وفي القياس لا يجزيء وهو قول أبي حنيفة - C تعالى - الأول وزفر والشافعي - رحمهما الله تعالى - ) وجه القياس : أن الواجب عليه التحرير والشراء غير التحرير لأن الشراء استجلاب للملك والعتق إبطال له فكانت المغايرة بينهما على سبيل المضادة ولأن العتق بسبب القرابة صار مستحقا له عند دخوله في ملكه فلا تتأدى به الكفارة كما لو قال لعبد الغير إن اشتريتك فأنت حر ثم اشتراه ينوي به الكفارة وهذا لأن عند وجود الشرط إنما يعتق بالسبب الذي حصل الاستحقاق به وهو القرابة ولا يتصور اقتران نية الكفارة بذلك السبب والدليل على أن الاستحقاق بالقرابة أن أحد الشريكين في العبد إذا ادعى سببه يضمن لشريكه قيمة نصيبه كما لو أعتقه توضيحه : أن أم هذا الولد استحقت حق العتق عند دخولها في ملكه وذلك مانع إعتاقها عن الكفارة حتى لو قال لها : إذا اشتريتك فأنت حرة عن ظهاري لا يجزئه عن الظهار فالإبن الذي استحق حقيقة العتق عند دخوله في ملكه أو الأب أولى أن لا يجوز إعتاقه عن الكفارة وهذا لأن العتق مجازاة للأبوة ومجازاة الأبوة فرض فلا يتأدى به واجب آخر وصرف منفعة الكفارة إلى أبيه لا يجوز كالطعام والكسوة .
( وحجتنا ) في ذلك ظاهر الآية ففيها أمر بالتحرير وهو تصيير شخص مرقوق حرا كالتسويد تصيير المحل أسود وقد وجد ذلك وهذا لأن شراء القريب إعتاق قال - A - ( لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ) أي بالشراء كما يقال أطعمه فأشبعه وسماه بالشراء مجازيا وإنما يكون مجازيا بالإعتاق والدليل عليه أنه لو اشترى نصف قريبه يضمن لشريكه إن كان موسرا والضمان الذي يختلف باليسار والإعسار لا يكون إلا عن إعتاق وهذا لأنه بالشراء يصير متملكا والملك في القريب إكمال لعلة العتق فإذا صار مضافا إلى الشراء يكون به معتقا لأن السبب الموجب للحكم بواسطة كالموجب بغير واسطة في كون الحكم مضافا إليه والدليل على إثبات هذه القاعدة أن عتق القريب يثبت بالقرابة والملك جميعا قال - A - ( من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر ) وهذا لأن العتق صلة وللملك تأثير في استحقاق الصلة شرعا حتى تجب الزكاة باعتبار الملك صلة للفقراء كما أن للقرابة تأثيرا في استحقاق الصلة وكل واحد من الوصفين لكونه مؤثرا علة ومتى تعلق الحكم بعلة ذات وصفين فالحكم لآخرهما وجودا لأن تمام العلة به وآخر الوصفين هنا الملك فيكون به معتقا ولهذا لو ادعى أحد الشريكين نسب نصيبه يضمن لشريكه لأن آخر الوصفين وجود القرابة هنا فيصير به معتقا .
وهو كالشهادة على النسب بعد الموت يوجب ضمان الميراث عند الرجوع لأن آخر الوصفين ما أثبته الشهود ولا يدخل على هذا شهادة الشاهد الثاني فإنه لا يحال بالإتلاف عليها وإن تمت الحجة بها لأن الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء والقضاء يكون بهما معا وبهذا تبين فساد قولهم أن العتق مستحق بالقرابة لأن الاستحقاق لا يثبت قبل كمال العلة ولأنه لا يجبر على الشراء .
وهذا بخلاف المحلوف بعتقه لأن الملك هناك شرط لا أثر له في استحقاق ذلك العتق فيكون معتقا بيمينه ولم تقترن نية الكفارة بها حتى لو اقترنت جاز وقولهم : أن العتق بسبب القرابة فرض قلنا إنما يقع العتق بسبب القرابة ويكون مجازاة له إذا قصد ذلك فأما إذا قصد به الكفارة كان هذا في حقه إعتاقا عن الكفارة فهو بمنزلة من فرض عليه نفقة أخيه فصرف إليه زكاة ماله جاز ثم تسقط به النفقة حكما لحصول المقصود وهذا الفقه الذي أشرنا إليه في مسألة الكتابة أن في حق المعتق العتق واحد فيحصل مقصوده من أي وجه نواه المعتق ولكن في حق المعتق تكثر جهاته فيكون عما نوى ليصح قصده وليس هذا نظير أم الولد لأن استحقاق العتق لها بالاستيلاد كما قال - A - ( أعتقها ولدها ) فيكون الملك فيها شرطا للعتق لا إكمالا للعلة ولا معنى لقولهم أن هذا صرف منفعة الكفارة إلى أبيه لأنه لما جاز صرف هذه المنفعة إلى عبده جاز صرفها إلى أبيه بخلاف الإطعام والكسوة فصرفه إلى عبده لا يجوز فإلى أبيه أولى .
وكذلك إن وهب له أبوه أو تصدق به عليه أو أوصى له به وهو ينوي عن كفارته فهو على الخلاف الذي بينا لأن الملك بهذه الأسباب يحصل بصنعه وهو القبول فأما إذا ورث أباه ينوي به الكفارة لا يجزئه لأن الميراث يدخل في ملكه من غير صنعه وبدون الصنع لا يكون محررا والتكفير إنما يتأدى بالتحرير ولهذا لا يضمن لشريكه إذا ورث نصف قريبه وإذا قال فلان حر يوم اشتريه ثم اشتراه ونوى عن ظهاره لا يجزئه لأنه إنما يعتق عند الشراء بقوله حر ولم يقترن به نية الكفارة وإن كان عنى بقوله هو حر يوم اشتريه عن ظهاري أجزأه لاقتران نية الكفارة بالإعتاق .
( قال ) ( وإن قال إذا اشتريته فهو حر ثم قال إذا اشتريته فهو حر عن ظهاري فاشتراه لا يجزي عن الظهار ) لأن التعليق الأول قد صح على وجه لا يملك إبطاله ولا تغييره فإنما يحال بالعتق عند الشراء عليه لأنه ترجح يالسبق ولم تقترن به نية الكفارة .
( قال ) ( ولا يجزي أن يعتق عن ظهار واحد نصف رقبة ويصوم شهرا أو يطعم ثلاثين مسكينا ) لأن نصف الرقبة ليس برقبة وإكمال الأصل بالبدل غير ممكن فإنهما لا يجتمعان فكيف يتحقق إكمال أحدهما بالآخر .
( فإن قيل ) إن أعتق نصف رقبتين بأن كان بينه وبين شريكه عبدان .
( قلنا ) لا يجوز أيضا لأن نصف الرقبتين ليس برقبة والشركة في كل رقبة تمنع التكفير بها بخلاف الأضحية فإن رجلين لو ذبحا شاتين بينهما عن أضحيتهما جاز لأن الشركة لا تمنع التضحية كما في البدنة .
( قال ) ( ولو أعتق عبدا عن ظهارين فله أن يجعله عن أيهما شاء ويجامع تلك المرأة وكذلك الصوم والإطعام وفي القياس لا يجوز ) وهو قول زفر لانعدام نية التعيين ولأنه يصير معتقا عن كل ظهار نصف رقبة إذ ليس إحداهما بأولى من الأخرى فهو كما لو أعتق رقبة عن كفارة القتل والظهار ووجه الاستحسان أن نية التعيين في الجنس الواحد لغو غير مفيد فلا تعتبر بخلاف الجنسين .
ألا ترى أن من كان عليه قضاء أيام من رمضان فنوى صوم القضاء جاز وإن لم يعين صوم يوم الخميس أو الجمعة لأن الجنس واحد بخلاف ما لو كان عليه صوم القضاء والنذر فإنه لا بد فيه من التعيين لاختلاف الجنس .
( قال ) ( ولو أعتق رجل عنه بغير أمره لم يجزه عن ظهاره ) لأن المعتق عن المعتق ونيته من غيره لغو لأنه يعقب الولاء وليس لأحد أن يلزم غيره ولاء بغير أمره فإن كان بأمره فهو على وجهين إما أن يكون بجعل أو بغير جعل فإن كان بجعل بأن قال أعتق عبدك عن ظهاري على ألف درهم فأعتقه جاز عن ظهاره استحسانا عندنا وعند الشافعي - C تعالى - ووجب المال عليه وفي القياس وهو قول زفر - C تعالى - يعتق عن المعتق والولاء له ولا يجزئ عن ظهار الآمر ولا مال عليه لأنه التمس منه محالا وهو أن يعتق ملك نفسه من غيره ولا عتق فيما لا يملكه ابن آدم فكان أعتاق زيد ملكه عن عمرو محالا .
ولا يجوز إضمار التمليك هنا لأن الإضمار لتصحيح المصرح به لا لإبطاله وإذا أضمرنا التمليك صار معتقا عن الآمر ملكه لا ملك نفسه وهو خلاف ما صرح به ولكنا نقول معنى كلامه ملكني عبدك هذا بألف درهم ثم كن وكيلي في إعتاقه عن ظهاري لأنه التمس منه إعتاقه عن ظهاره ولا وجه لتصحيح التماسه إلا بهذا الإضمار وتصحيح كلام العاقل واجب بحسب الإمكان فإذا أمكن تصحيحه بهذا الطريق يصحح لمعنى وهو أن الملك في المحل شرط العتق وشرط الشيء تبعه فيصير كالمذكور بذكر أصله كمن نذر صلاة تلزمه الطهارة ومن نذر اعتكافا يلزمه الصوم ويصير ذلك كالمذكور .
وعلى هذا لو قال بعت منك هذا العبد بكذا فقال المشتري هو حر يعتق من جهته ويصير القبول والتمليك ثابتا بمقتضى كلامه ومعنى قوله عبدك يعني العبد الذي هو ملك لك للحال لا عند مصادفة العتق إياه فمقصوده من هذا تعريف العبد لا إضافته إليه والخلاف ثابت فيما لو قال أعتق هذا العبد عني وأما إذا كان بغير جعل بأن قال أعتق عبدك عن ظهاري بغير شيء فأعتقه المأمور على قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - الولاء للمأمور ولا يجزيء عن ظهار الآمر وهو القياس وعلى قول أبي يوسف والشافعي - رحمهما الله تعالى - الولاء للآمر ويجزيء عن ظهاره باعتبار إضمار التمليك كما في الأول وهذا لأن الملك سواء حصل له بعوض أو بغير عوض يجوز عن كفارته إذا أعتقه ولا يجوز أن يقال الملك بطريق الهبة لا يحصل إلا بالقبض لأن القبض في باب الهبة كالقبول في البيع فكما سقط اعتبار القبول هناك لكون البيع في ضمن العتق فكذلك يسقط اعتبار القبض هنا أو يجعل القبض مدرجا في كلامه حكما كما يندرج القبول في كلامه أو يجعل العبد قابضا نفسه من المولى له كما لو قال أطعم عن ظهاري ستين مسكينا يجوز بغير بدل على أن يقبض الفقير له ثم لنفسه والدليل عليه أنه لو قال أعتقه عني بألف ورطل من خمر فأعتقه جاز عن الآمر ويندرج البيع الفاسد هنا والملك بالبيع الفاسد لا يحصل إلا بالقبض كما في الهبة وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - يقولون مستوهب أمر بالعتق قبل القبض فلا يجزيء عنه كما لو استوهبه العبد نصا ثم قال قبل قبضه أعتقه وهذا لأن القبض في باب الهبة شرط لوقوع الملك على وجه لا يجوز إسقاطه بحال فلا يسقط بالاندراج في العتق لأن المسقط إنما يعمل في محله لا في غير محله بخلاف القبول في البيع فإنه يحتمل السقوط حتى لو قال بعت منك هذا الثوب بعشرة فاقطعه فقطعه صار متملكا وإن لم يقبل وهذا لأن الإيجاب مع القبول قد يحتمل السقوط في البيع وهو عند التعاطي فمجرد القبول أولى أن يحتمل السقوط وبه فارق البيع الفاسد لأن الفاسد في الحكم ملحق بالجائز والقبض هناك نظير القبول هنا في أنه يحتمل الإسقاط ولا يجوز أن يجعل القبض مدرجا في كلامه هنا لأن القبض فعل والقول لا يتضمن الفعل إنما يتضمن قولا مثله والقبول قول فيجوز أن يندرج في كلامه ولا يجوز أن يجعل العبد قابضا نفسه هنا لأن الإعتاق إبطال للملك والمالية والعبد إنما يقبض ما يسلم له دون ما لا يسلم له وبه فارق الطعام فإن المسكين يقبض عين الطعام فيمكن أن يجعل قابضا للآمر أولا ثم لنفسه ولكن العبد ينتفع بهذا الإعتاق فمن هذا الوجه يندرج فيه أدنى القبض ولكن أدنى القبض يكفي في البيع الفاسد ولا يكفي في الهبة كالقبض مع الشيوع فيما يحتمل القسمة ومع الاتصال في الثمار على رؤوس الأشجار يكفي لوقوع الملك في البيع الفاسد دون الهبة وبهذا يتضح الفرق بين هذه الفصول .
( قال ) ( ولو أعتق المظاهر عبده على جعل لم يجز قل الجعل أو كثر ) لأن التكفير بما يخلص لله تعالى وعمله في العتق بجعل لا يكون خالصا لله تعالى لأنه قصد به العوض ولهذا قال - A - فيما يؤثر عن ربه D يقول الله تعالى ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لي عملا وأشرك فيه غيري فهو كله لذلك الشريك وأنا منه بريء ) وإن وهب له الجعل بعد ذلك لم يجزه عن الكفارة لأن هذا إبراء عن الدين ولا مدخل للإبراء عن الدين في الكفارات والله أعلم بالصواب