أنه يقنت في الوتر في جميع السنة عندنا لما روينا .
وعند " الشافعي " رضى الله تعالى عنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان لما روي أن " عمر " رضى الله تعالى عنه لما أمر " أبي بن كعب " بالإمامة في ليالي رمضان أمره بالقنوت في النصف الأخير منه وتأويله عندنا أن المراد بالقنوت طول القراءة لا القنوت في الوتر .
قال : وإن ذكر الوتر في الفجر فسد فرضه إذا كان الوقت واسعا في قول " أبي حنيفة " C تعالى .
والثالث أنه يقنت قبل الركوع عندنا لما روينا من الآثار ولأن القنوت في معنى القراءة فإن قوله اللهم إنا نستعينك .
صفحة [ 165 ] مكتوب في مصحف " أبي " و " ابن مسعود " في سورتين فالقراءة قبل الركوع فكذلك القنوت .
وعند " الشافعي " C تعالى بعد الركوع ولا أثر له في قنوت الوتر في ذلك إنما الأثر في القنوت في صلاة الفجر فقاس به القنوت في الوتر .
قال : ولا قنوت في شيء من الصلوات سوى الوتر عندنا وقال " الشافعي " C تعالى يقنت في صلاة الفجر في الركعة الثانية بعد الركوع واستدل " بحديث " أنس " رضى الله تعالى عنه كان النبي A يقنت في صلاة الفجر إلى أن فارق الدنيا " وقد صح قنوته فيها فمن قال إنه انتسخ فعليه اثباته بالدليل وقد صح أن " عليا " رضى الله تعالى عنه في حروبه كان يقنت على من ناواه في صلاة الفجر .
ولنا " حديث " ابن مسعود " رضى الله تعالى عنه أن النبي A قنت في صلاة الفجر شهرا يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه " وهكذا " عن " أنس " رضى الله تعالى عنه قال قنت رسول الله A في صلاة الفجر شهرا أو قال أربعين يوما يدعو على رعل وذكوان ويقول في قنوته اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى " يوسف " " فلما نزل قوله تعالى : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم " آل عمران : 128 الآية ترك ذلك .
وقال " أبو عثمان النهدي " رضى الله تعالى عنه صليت خلف " أبي بكر " سنين وخلف " عمر " كذلك فلم أر واحدا منهما يقنت في صلاة الفجر . ورووا القنوت ورووا تركه كذلك ففعله المتأخر ينسخ فعله المتقدم وقد صح أنه كان يقنت في صلاة المغرب كما يقنت في صلاة الفجر ثم انتسخ أحدهما بالإتفاق فكذلك الآخر .
قال : وكان يقال مقدار القيام في القنوت إذا السماء انشقت وليس فيها دعاء مؤقت يريد به سوى قوله اللهم إنا نستعينك فالصحابة اتفقوا على هذا في القنوت والأولى أن يأتي بعده بما علم رسول الله A " الحسن بن علي " رضى الله تعالى عنهما في قنوته اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره والقراءة أهم من القنوت فإذا لم يؤقت في القراءة في شيء في الصلاة ففي دعاء القنوت أولى .
وقد روي عن " محمد " C تعالى التوقيت في الدعاء يذهب برقة القلب .
ومشايخنا قالوا : مراده في أدعية المناسك فأما في الصلاة إذا لم يؤقت فربما يجرى على لسانه ما يفسد صلاته .
قال : ويرفع يديه حين يفتتح القنوت للحديث المعروف لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن في افتتاح الصلاة وقنوت الوتر وفي العيدين وعند استلام الحجر وعلى " الصفا " و " المروة " و " بعرفات " وبجمع وعند المقامين وعند الجمرتين .
ثم يكفيهما قيل معناه : يرسلهما ليكون حال الدعاء مخالفا لحال القراءة .
صفحة [ 166 ] وقيل : يضع إحداهما على الأخرى لأن القنوت مشبه بالقراءة وهو الأصح فالوضع سنة القيام فكل قيام فيه ذكر فإنه يطول فالوضع فيه أولى .
وعن " محمد بن الحنفية " رضى الله تعالى عنه قال الدعاء أربعة : دعاء رغبة ودعاء رهبة ودعاء تضرع ودعاء خفية . ففي دعاء الرغبة يجعل بطون كفيه نحو السماء وفي دعاء الرهبة يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشيء وفي دعاء التضرع يعقد الخنصر والبنصر ويحلق بالإبهام والوسطى ويشير بالسبابة ودعاء الخفية ما يفعله المرء في نفسه وعلى هذا قال " أبو يوسف " C تعالى في الإملاء يستقبل بباطن كفيه القبلة عند افتتاح الصلاة واستلام الحجر وقنوت الوتر وتكبيرات العيد ويستقبل بباطن كفيه السماء عند رفع الأيدي على " الصفا " و " المروة " و " بعرفات " وبجمع وعند الجمرتين ولأنه يدعو في هذه المواقف بدعاء الرغبة . والإختيار الإخفاء في دعاء القنوت في حق الإمام والقوم " لقوله A خير الدعاء الخفي " .
وعن " أبي يوسف " C تعالى : أن الإمام يجهر والقوم يؤمنون على قياس الدعاء خارج الصلاة .
قال : وإذا أم الرجل نساء في مسجد جماعة ليس معهن رجل فلا بأس بذلك لما روى عن " عمر " رضى الله تعالى عنه أنه أمر " أبي بن كعب " أن يصلي بالرجال في ليالي رمضان و " سليمان بن أبي حثمة " بأن يصلى بالنساء ولأن المسجد ليس بموضع الخلوة فلا بأس للرجل أن يجمع معهن فيه فأما في غير المسجد من البيوت ونحوها فإنه يكره ذلك إلا أن يكون معهن ذو رحم محرم منهن " لقوله A ألا لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بسبيل فإن ثالثهما الشيطان " وبتفرد النساء يزداد معنى خوف الفتنة فلا تزول الكراهة إلا أن يكون معهن محرم " لحديث " أنس " رضى الله تعالى عنه أن النبي A صلى بهم في بيتهم قال فأقامني واليتيم من ورائه وأقام أمي " أم سليم " وراءنا " ولأن بوجود المحرم يزول معنى خوف الفتنة ويستوى إن كان المحرم لهن أو لبعضهن وتجوز الصلاة بكل حال لأن الكراهة لمعنى في غير الصلاة .
قال : رجل فاتته الصلاة بالجماعة في مسجد حيه فإن أتى مسجدا آخر يرجو إدراك الجماعة فيه فحسن وإن صلى في مسجد حيه فحسن لحديث " الحسن " قال كانوا إذا فاتتهم الجماعة فمنهم من يصلى في مسجد حيه ومنهم من يتبع الجماعة ومراده الصحابة ولأن في كل جانب مراعاة جهة وترك أخرى في أحد الجانبين مراعاة حرمة مسجده وترك الجماعة وفي الجانب الآخر مراعاة فضيلة الجماعة وترك حق مسجده فإذا تعذر الجمع بينهما مال إلى .
صفحة [ 167 ] أيهما شاء والأولى في زماننا إن لم يدخل مسجده بعد أن يتبع الجماعة فإن دخل مسجده صلى فيه .
قال : ولا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة إذا لم يخف فوات الوقت وكان " الكرخي " C تعالى يستدل بهذا اللفظ أن له أن يترك الأربع قبل الظهر إذا فاتته الجماعة لأنه قال لا بأس بأن يفعل فدل أن له أن يترك وهو الذي وقع عند العوام والمعنى فيه أن من فاتته الجماعة فهو كالمدد لهم فليعجل أداء الفريضة ليلحق بهم في أن لا يتطوع قبل المكتوبة إذا لم يخف فوات الوقت والأصح أنه لا ينبغي له أن يدعه لأن التطوع مشروع جبرا لنقصان الفرائض وحاجة من فاتته الجماعة إلى هذا أمس .
قال : وإذا أخذ المؤذن في الإقامة كرهت للرجل أن يتطوع لقوله A إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر فإني لم أكرههما وكذلك إذا انتهى إلى المسجد وقد افتتح القوم صلاة الفجر يأتي بركعتي الفجر إن رجا أن يدرك مع الإمام ركعة في الجماعة وهذا عندنا .
وقال " الشافعي " C تعالى يدخل مع الإمام على قياس سائر التطوعات .
ولنا ما روى عن " ابن مسعود " رضى الله تعالى عنه أنه دخل المسجد والإمام في صلاة الفجر فقام إلى سارية من سواري المسجد وصلى ركعتي الفجر ثم دخل مع الإمام وعن " أبي عثمان النهدي " قال : إني لأذكر أن أبا بكر كان يفتتح صلاة الفجر فيدخل الناس ويصلون ركعتي الفجر ثم يدخلون معه وهذا بناء على أن عندنا لا يقضى هاتين الركعتين بعد الفوات فيحرزهما إذا طمع في إدراك ركعة من الصلاة كإدراك جميع الصلاة " قال A من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك " .
وعند " الشافعي " C تعالى يقضيهما بعد الفراغ من الصلاة فيشتغل بإحراز فضيلة تكبيرة الافتتاح وإن خاف فوت الجماعة دخل مع القوم لأن أداء الصلاة بالجماعة من سنن الهدى قال " ابن مسعود " رضى الله تعالى عنه عليكم بالجماعات فإنها من سنن الهدى ولو صليتم في بيوتكم كما فعل هذا المتخلف لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبييكم لظللتم وقال " عمر " Bه لقد هممت أن آمر من يصلى بالناس ثم أنظر إلى من لم يشهد الجماعة فآمر فتياني أن يحرقوا بيوتهم فدل أن الجماعة أقوى السنن فيشتغل بإحراز فضيلتها ولم يذكر إذا كان يرجو إدراك التشهد وقيل : على قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله إدراك التشهد كإدراك ركعة كما في صلاة الجمعة فيبدأ بركعتي الفجر .
صفحة [ 168 ] وعند " محمد " C تعالى لا يعتبر إدراك التشهد كإدراك ركعة فيدخل مع الإمام .
قال : رجل سلم على تمام من صلاته في نفسه ثم اقتدى به رجل وكبر ثم ذكر الإمام أن عليه سجدة التلاوة أو أنه لم يقرأ التشهد في الرابعة فاقتداء الرجل به صحيح لأن سلام الإمام سهو وسلام السهو لا يخرجه من الصلاة فحصل الإقتداء في حال بقاء تحريمة الإمام فإن عاد الإمام إلى سجدة التلاوة أو قرأ قراءة التشهد تابعه الرجل ثم يقوم لإتمام صلاته بعد فراغ الإمام من التشهد أو من سجود السهو .
وإن لم يعد الإمام إليها لم تفسد صلاته لأن ما تذكر ليس من الأركان وكذلك لا تفسد صلاة المقتدى فيقوم لإتمام صلاته .
وإن ذكر الإمام أن عليه سجود السهو فعلى قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهم الله تعالى اقتداء الرجل به موقوف فإن عاد الإمام إلى سجود السهو صح الإقتداء وتابعه الرجل وإن لم يعد ة يصح اقتداؤه به .
وعند " محمد " و " زفر " رحمهم الله تعالى الإقتداء صحيح على كل حال .
وقال " بشر " : لا ييصح الإقتداء على كل حال لأن مذهبه أن سجود السهو ليس من الصلاة فإنه يؤدي بعد السلام .
وعندنا سجود السهو من الصلاة لأنه جبر لنقصانها .
ثم عند " محمد " و " زفر " رحمهما الله تعالى من سلم وعليه سجود السهو لا يصير خارجا من الصلاة لأنه قد بقى عليه واجب من واجبات الصلاة فهو كسجدة التلاوة وقراءة التشهد ولو خرج من الصلاة لم يعد فيها إلا بتحريمة جديدة فإذا لم يخرج صح اقتداء الرجل به على كل حال .
وعند " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله بالسلام يخرج من الصلاة لأن السلام محلل " قال A وتحليلها التسليم " وقد أتى به في موضعه مع العلم بحاله فيعمل عمله في التحليل إلا أنه إذا عاد يعود إلى حرمة الصلاة ضرورة ولا تتحقق تلك الضرورة قبل عوده فيخرج بالسلام من الصلاة عند " أبي حنيفة " C تعالى ثم يعود إليها بالعود إلى سجود السهو .
وعند " أبي يوسف " C تعالى يتوقف حكم خروجه من الصلاة فلهذا كان الإقتداء به موقوفا وينبنى على هذا الأصل أربع مسائل .
إحداها ما بينا .
والثانية إذا نوى المسافر الإقامة بعد ما سلم وعليه سجود السهو فعند " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى لا يتعين فرضه ويسقط عنه سجود السهو .
وعند " محمد " و " زفر " رحمهما الله تعالى يتعين فرضه فيقوم لإتمام صلاته .
والثالثة إذا ضحك قهقهة في هذه الحالة لم يلزمه الوضوء في قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى .
وقال " محمد " C تعالى يلزمه الوضوء لصلاة أخرى .
والرابعة إذا اقتدى به رجل بنية التطوع ثم تكلم قبل عود الإمام إلى سجود السهو فليس عليه قضاء شيء عند " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى وإن عاد الإمام إلى سجود .
صفحة [ 169 ] السهو بعد ذلك .
وعند " محمد " C تعالى عليه قضاء التطوع لأن أقتداءه به حصل في حال بقاء الحرمة فصار شارعا في التطوع ثم مفسدا فعليه القضاء والله سبحانه وتعالى أعلم