( قال ) ( Bه رجل قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا عندنا ) وهو قول عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم .
وقال الحسن البصري تقع واحدة بقوله طالق فتبين لا إلى عدة وقوله ثلاثا يصادفها وهي أجنبية فلا يقع بها شيء كما لو قال لها أنت طالق وطالق وطالق .
ولكنا نقول الطلاق متى قرن بالعدد فالوقوع بذكر العدد لأن الموقع هو العدد فإذا صرح بذكر العدد كان هو العامل دون ذكر الوصف ولهذا لو ماتت المرأة بعد قوله طالق قبل قوله ثلاثا لا يقع شيء وهذا لأن الكل كلمة واحدة في الحكم فإن إيقاع الثلاث لا يتأتى بعبارة أوجز من هذا والكلمة الواحدة لا يفصل بعضها من بعض بخلاف قوله أنت طالق وطالق وطالق لأنها كلمات متفرقة .
فأما إذا قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق بانت بالأولى وكانت الثنتان فيما لا يملك وهو قول علي وابن مسعود وزيد وإبراهيم - Bهم .
وقال ابن أبي ليلى - C تعالى - إذا كان في مجلس واحد يقع ثلاث تطليقات لأن المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة ويجعلها ككلام واحد .
ولكنا نقول كل كلمة إيقاع على حدة فلا تعمل إلا في محل قابل له فإذا بانت لا إلى عدة لم تبق محلا للوقوع عليها ثم عند أبي يوسف - C تعالى - تبين بالأولى قبل أن يفرغ من الكلام الثاني وعند محمد - C تعالى - بعد فراغه من الكلام الثاني لجواز أن يلحق بآخر كلامه شرطا أو استثناء ولكن هذا إنما يتحقق عند ذكر حرف العطف وهو الواو فأما بدونه لا يتحقق الخلاف لأنه لا يلتحق به الشرط والاستثناء .
( قال ) ( ولو قال لها رأسك طالق كانت طالقا ) لا بإضافة الطلاق إلى الرأس بعينه فإنه لو قال الرأس منك طالق أو وضع يده على رأسها وقال هذا العضو منك طالق لا يقع شيء ولكن باعتبار أن الرأس يعبر به عن جميع البدن يقال هؤلاء رؤوس القوم ومع الإضافة إلى الشخص أيضا يعبر به عن جميع البدن يقول الرجل أمري حسن ما دام رأسك أي ما دام باقيا وكذلك الوجه يعبر به عن جميع البدن يقول الرجل لغيره يا وجه العرب وكذلك الجسد والبدن والرقبة والعنق يعبر بها عن جميع البدن قال الله تعالى { فتحرير رقبة } ( المجادلة : 3 المائدة : 89 النساء : 92 ) وقال الله تعالى { فظلت أعناقهم لها خاضعين } ( الشعراء : 4 ) وكذلك الفرج قال A ( لعن الله الفروج على السروج ) وكذلك الروح يعبر بها عن جميع البدن وهو مذكور في كتاب الكفالة فصار هو بهذا اللفظ مضيفا الطلاق إلى جميعها فكأنه قال أنت طالق .
وأما إذا قال يدك طالق أو رجلك طالق أو أصبعك طالق لا يقع شيء عندنا .
وقال زفر والشافعي - رحمهما الله تعالى - تطلق لأنه أضاف الطلاق إلى جزء مستمع به منها بعقد النكاح فيقع الطلاق كالوجه والرأس وهذا لأن مبنى الطلاق على الغلبة والسراية فإذا أوقعه على جزء منها يسري إلى جميعها كالجزء الشائع وبه فارق النكاح فإنه غير مبني على السراية ولهذا لا تصح إضافته عندي إلى جزء شائع وهذا لأن الحل والحرمة إذا اجتمعا في المحل يترجح جانب الحرمة في الابتداء والانتهاء .
والدليل عليه : أنه لو قال لها أنت طالق شهرا يقع مؤبدا .
ولو قال تزوجتك شهرا لم يصح النكاح فيجعل ذكر جزء منها كذكر جزء من الزمان في الفصلين .
وحجتنا في ذلك أن الإصبع ليس بمحل لإضافة النكاح إليه فكذلك الطلاق لمعنى وهو أنه تبع في حكم النكاح والطلاق ولهذا صح النكاح والطلاق وإن لم يكن لها أصبع ويبقى بعد فوات الإصبع وهذا لأن النكاح والطلاق يرد عليها فتكون الأطراف فيه تبعا كما في ملك الرقبة شراء وملك القصاص .
وإذا ثبت أنه تبع فبذكر الأصل يصير التبع مذكورا فأما بذكر التبع لا يصير الأصل مذكورا وإذا كان تبعا لا يكون محلا لإضافة التصرف إليه مقصودا والسراية إنما تتحقق بعد صحة الإضافة إلى محله وقد ذكرنا في الوجه والرأس . أن الوقوع ليس بطريق السراية بل باعتبار أن ما ذكر عبارة عن جميع البدن حتى لو كان عرفا ظاهر القوم أنهم يذكرون اليد عبارة عن جميع البدن نقول : يقع الطلاق في حقهم ولا يمكن تصحيح الكلام هنا بطريق الإضمار وهو أن يقدم الإيقاع على البدن لتصحيح كلامه لأنه لو كان هذا كلاما مستقيما لصح إضافة النكاح إلى اليد بهذا الطريق وهذا لأن المقتضى تبع للمقتضي وجعل الأصل تبعا للأصبع متعذر فلهذا لا يصح بطريق الاقتضاء وهذا بخلاف ما لو أضاف إلى جزء شائع كالنصف والثلث والربع لأن الجزء الشائع ليس بتبع وهو محل لإضافة سائر التصرفات إليه فإذا صحت الإضافة إلى محلها ثبت الحكم في الكل بطريق السراية أو بطريق أنها لا تحتمل التجزي في حكم الطلاق وذكر جزء ما لا يتجزى كذكر الكل .
ولهذا صحت إضافة النكاح إلى جزء شائع عندنا وهذا بخلاف ما لو قال أنت طالق شهرا لأن الإضافة صحت إلى محلها والطلاق بعد الوقوع لا يحتمل الرفع فلا ينعدم بذكر التوقيت فيما وراء المدة بخلاف النكاح فإنه يحتمل الرفع فبالتوقيت ينعدم فيما وراء الوقت ولا يمكن تصحيحه موقتا .
وقع في بعض النسخ لو قال بضعك طالق يقع وهذا تصحيف إنما هو بعضك طالق أو نصفك طالق فأما البضع لا يعبر به عن جميع البدن ولم يذكر ما لو قال ظهرك طالق أو بطنك طالق .
وقد قال بعض مشايخنا : أنه يقع الطلاق لأن الظهر والبطن في معنى الأصل إذ لا يتصور النكاح بدونهما .
والأصح أنه لا يقع على ما ذكر بعد هذا في باب الظهار أنه إذا قال ظهرك أو بطنك علي كظهر أمي لا يكون مظاهرا لأن الظهر والبطن لا يعبر بهما عن جميع البدن .
( قال ) ( ولو قال لامرأته ولأجنبية إحداكما طالق فإن قال عنيت امرأتي وقع الطلاق عليها وإلا لم يقع ) لأن اللفظ المذكور يصلح عبارة عن امرأته وعن المرأة الأخرى فكان هذا كناية من حيث المحل وكما أن ألفاظ الكناية لا تعمل إلا بالنية فكذلك الكناية من حيث المحل لا يتعين فيه امرأته إلا بالنية ويحلف بالله ما عنى امرأته كما بينا في الكنايات .
( قال ) ( ولو قال لأربع نسوة بينكن تطليقة تطلق كل واحدة واحدة ) لأنه أوقع على كل واحدة منهن ربع تطليقة وربع التطليقة كما لها فإن التطليقة الواحدة لا يتجزأ وقوعها ولو قال بينكن تطليقتان فكذلك الجواب لأن كل واحدة منهن يصيبها نصف تطليقة إلا أن يقول عنيت أن كل تطليقة بينهن فحينئذ يقع على كل واحدة منهن تطليقتان لأنه صار موقعا على كل واحدة ربع تطليقة وربع تطليقة أخرى ولكن ما لم ينو لا يحمل على هذا لأن الجنس واحد والقسمة في الجنس الواحد بين الأشخاص تكون جملة واحدة .
ولكن إذا عنى قسمة كل تطليقة فقد شدد الأمر على نفسه واللفظ محتمل لذلك .
وكذلك لو قال بينكن ثلاث تطليقات أو أربع تطليقات تطلق كل واحدة منهن واحدة إلا أن يقول عنيت أن كل تطليقة بينهن فحينئذ تطلق كل واحدة ثلاثا .
ولو قال بينكن خمس تطليقات تطلق كل واحدة منهن ثنتين لأن كل واحدة منهن يصيبها تطليقة وربع .
وكذلك إن قال ست أو سبع أو ثمان وإن قال بينكن تسع تطليقات تطلق كل واحدة ثلاثا لأن كل واحدة منهن يصيبها بالقسمة تطليقتان وربع تطليقة .
وكذلك لو قال أشركتكن في ثلاث تطليقات فلفظ الإشراك ولفظ البين سواء بخلاف ما لو طلق امرأتين له ثم قال لثالثة أشركتك فيما أوقعت عليهما يقع عليها تطليقتان لأنه صار مشركا لها في كل تطليقة .
( قال ) ( رجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا واحدة فهي طالق ثنتين ) لأن الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثنى قال الله تعالى { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } ( العنكبوت : 14 ) معناه تسعمائة وخمسين عاما وما وراء المستثنى هنا ثنتان .
ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين فهي واحدة إلا على قول الفراء - C تعالى - فإنه يقول استثناء الأكثر لا يصح لأنه لم تتكلم به العرب .
ولكنا نقول : طريق الاستثناء ما قلنا وهو أن يكون عبارة عما وراء المستثنى فشرط صحته أن يبقي وراء المستثني شيء حتى يجعل كلامه عبارة عنه وفي هذا لا فرق بين الأقل والأكثر .
وعلى قول بعض أهل النحو - رحمهم الله تعالى - الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لكان الكلام متناولا له فيكون بمنزلة دليل الخصوص في العموم وفي ذلك لا فرق بين الأقل والأكثر وبأن لم تتكلم به العرب لا يمنع صحته إذا كان موافقا لمذهبهم كاستثناء الكسور .
ولم يذكر في الكتاب ما إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا نصف تطليقة كم يقع ؟ .
وقيل : على قول أبي يوسف - C تعالى - تطلق اثنتين لأن التطليقة كما لا تتجزأ في الإيقاع لا تتجزأ في الاستثناء فكأنه قال إلا واحدة .
وعند محمد - C تعالى - تطلق ثلاثا لأن في الإيقاع إنما لا يتجزأ لمعنى في الموقع وذلك لا يوجد في الاستثناء فيتجزأ فيه وإذا كان المستثنى نصف تطليقة صار كلامه عبارة عن تطليقتين ونصف فيكون ثلاثا .
( قال ) ( وإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا تطلق ثلاثا ) لأنه استثنى جميع ما تكلم به وهذا الاستثناء باطل فإنه إن جعل عبارة عما وراء المستثنى لا يبقى بعد استثناء الكل شيء ليكون كلامه عبارة عنه وإن جعل بمنزلة دليل الخصوص فذلك لا يعم الكل لأنه حينئذ يكون نسخا لا تخصيصا وظن بعض أصحابنا ومشايخنا رحمهم الله تعالى أن استثناء الكل رجوع والرجوع عن الكل باطل وهذا وهم فقد بطل استثناء الكل في الوصية أيضا وهو يحتمل الرجوع فدل أن الطريق ما قلنا .
( قال ) ( وإن قال لها وقد دخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق إلا واحدة تطلق ثلاثا ) من قبل أنه فرق الكلام فيكون هو مستثنيا جميع ما تكلم به في آخر كلماته وهو باطل وكذلك لو ذكره مع حرف العطف .
ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وواحدة وواحدة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - تطلق ثلاثا لأنه عطف بعض الكلمات على البعض والعطف للاشتراك وعند ذلك صار مستثنيا للكل فكأنه قال إلا ثلاثا وهو الظاهر من قول أبي يوسف - C تعالى .
وقد روي عنه أنه يقع واحدة وهو قول زفر - C تعالى - لأنه لو قال إلا واحدة وواحدة صار مستثنيا للاثنتين فكان صحيحا فإنما بطل استثناء الثالثة فقط .
( قال ) ( ولو قال أنت طالق تطليقة إلا نصفها فهي طالق واحدة ) لأن ما بقي منها تطليقة تامة وهو إشارة إلى مذهب محمد - C تعالى - في أن التطليقة تتجزى في الاستثناء وعلى قول من يقول لا تتجزى هذا استثناء لجميع ما تكلم به وهذا لا يصح وذكر في النوادر إذا قال أنت طالق ثنتين وثنتين الاثنتين أن الاستثناء صحيح عندنا وتطلق ثنتين .
وعند زفر - C تعالى - تطلق ثلاثا لأنه استثنى أحد الكلامين وهو باطل .
ولكنا نقول : لتصحيح هذا الاستثناء وجه وهو أن يجعل مستثنيا من كل كلام تطليقة وكلام العاقل يجب تصحيحه ما أمكن .
وفي نوادر هشام لو قال ثنتين وثنتين إلا ثلاثا تطلق ثلاثا عند محمد - C تعالى - لأنه استثنى أحد الكلامين وبعض الآخر وذلك باطل ولا وجه لتصحيح بعض الاستثناء فيه دون البعض .
وفيه إشكال على أصل محمد - C تعالى - لأنه يمكن أن يجعل مستثنيا من كل كلام تطليقة ونصفا فالتطليقة عنده تتجزى في الاستثناء فينبغي أن يقع ثنتان بهذا الطريق .
( قال ) ( وإذا طلقها تطليقة رجعية فطلاقه يقع عليها ما دامت في العدة ) وكذلك الظهار والإيلاء وإن قذفها لاعنها وإن مات أحدهما توارثا لبقاء ملك النكاح بعد الطلاق الرجعي وإن كان الطلاق بائنا لم يقع عليها ظهار ولا إيلاء لأن الظهار منكر من القول وزور لما فيه من تشبيه المحللة بالمحرمة وهذا تشبيه المحرمة بالمحللة والمولى مضار متعنت من حيث أنه يمنع حقها في الجماع وبعد البينونة لا حق لها في الجماع وكذلك لو قذفها لم يلاعنها وكان عليه الحد لأن اللعان مشروع لقطع النكاح وقد انقطع النكاح بالبينونة .
( قال ) ( رجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار ثم طلقها ثلاثا ثم عادت إليه بعد زوج آخر فدخلت الدار لم تطلق عندنا وقال زفر - C تعالى - تطلق ثلاثا ) لأن التعليق في الملك قد صح والشرط وجد في الملك فينزل الجزاء كما لو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ثم دخل الدار وهذا لأن المعلق بالشرط ليس بطلاق على ما نبينه إن شاء الله تعالى والذي أوقعه طلاق فكان غير المعلق بالشرط والمعلق بالشرط غير واصل إلى المحل فلا يعتبر لبقائه متعلقا قيام المحل وإنما يشترط كون المحل محلا عند وجود الشرط لأنه عند ذلك يصل إليه وهو موجود .
والدليل عليه : أنه لو قال لها إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثا ثم عادت إليه بعد زوج آخر يكون مظاهرا منها إذا دخلت الدار .
ولو طلقها اثنتين في مسألة اليمين بالطلاق ثم عادت إليه بعد إصابة زوج آخر فدخلت الدار تطلق ثلاثا فإذا كان وقوع بعض الطلقات لا يمنع بقاء التعليق في الثلاث فكذلك في وقوع الكل .
وحجتنا ما علل به في الكتاب فقال : من قبل أنه لما طلقها ثلاثا فقد ذهب تطليقات ذلك الملك كله ومعنى هذا أن انعقاد هذه اليمين باعتبار التطليقات المملوكة فإن اليمين بالطلاق لا ينعقد إلا في الملك أو مضافا إلى الملك ولم توجد الإضافة هنا فكان انعقادها باعتبار التطليقات المملوكة وهي محصورة بالثلاث وقد أوقع ذلك كله والكل من كل شيء لا يتصور تعدده فعرفنا أنه لم يبق شيء من الجزاء المعلق بالشرط طلاقا كان أو غيره وكما لا ينعقد اليمين بدون الجزاء لا يبقى بدون الجزاء .
ألا ترى أنه لو قال لها أنت طالق كل يوم ثلاثا فوقع عليها ثلاث تطليقات ثم تزوجها بعد زوج آخر لم يقع شيء .
وكذلك لو قال لها أنت طالق تسعا كل سنة ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج لم يقع في السنة الثانية شيء .
ولكن زفر - C تعالى - يخالف في جميع هذا ويقول ما يملك على امرأته من التطليقات غير محصور بعدد وإنما لا يقع إلا الثلاث لأن المحل لا يسع إلا ذلك حتى أن باعتبار تجدد العقد يقع عليها أكثر من ثلاث .
ولو قال لها أنت طالق ألفا يقع عليها ثلاث .
ولو كان المملوك هو الثلاث لم يقع شيء عند أبي حنيفة - C تعالى - كما لو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شيء .
والمعتمد أن نقول : بوقوع الثلاث عليها خرجت من أن تكون محلا للطلاق لأن الطلاق مشروع لرفع الحل وقد ارتفع الحل بالتطليقات الثلاث وفوت محل الجزاء يبطل اليمين كفوت محل الشرط بأن قال إن دخلت هذه الدار ثم جعل الدار حماما أو بستانا لا يبقى اليمين فهذا مثله بخلاف ما بعد بيع العبد لأنه بصفة الرق كان محلا للعتق وبالبيع لم تفت تلك الصفة حتى لو فات العتق لم يبق اليمين .
وبخلاف ما لو طلقها اثنتين لأن المحل باق بعد الثنتين فإن المحلية باعتبار صفة الحل وهي قائمة بعد الثنتين فيبقى اليمين ثم قد استفاد من جنس ما كان انعقدت عليه اليمين فيسري إليه حكم اليمين كما لو هلك مال المضاربة لا درهما منه يبقى عقد المضاربة على الكل حتى لو تصرف وربح يحصل جميع رأس المال بخلاف ما لو هلك الكل وهذا بخلاف اليمين في الظهار فإن المحلية هناك لا تنعدم بالتطليقات الثلاث لأن الحرمة بالظهار غير الحرمة بالطلاق فإن تلك حرمة إلى وجود التكفير وهذه حرمة إلى وجود ما يرفعها وهو الزوج إلا أنها لو دخلت الدار بعد التطليقات الثلاث إنما لا يصير مظاهرا لأنه لا حل بينهما في الحال والظهار تشبيه المحللة بالمحرمة وذلك لا يوجد إلا إذا دخلت الدار بعد التزوج بها .
وما قال أن المحل لا يعتبر في المعلق بالشرط ضعيف لأنه إيجاب وإن لم يكن واصلا إلى المحل ولا يكون كلامه إيجابا إلا باعتبار المحل فلا بد لبقائه معلقا بالشرط من بقاء المحل ولم يبق بعد التطليقات الثلاث .
وعلى هذا لو قال أنت طالق كلما حضت فبانت بثلاث ثم عادت إليه بعد زوج آخر لم يقع عليها إن حاضت شيء إلا على قول زفر - C تعالى .
وكذلك إن آلى منها فبانت بالإيلاء ثم تزوجها فبانت أيضا حتى بانت بثلاث ثم تزوجها بعد زوج لم يقع عليها بهذا الإيلاء طلاق إلا على قول زفر - C تعالى - ولكن إن قربها كفر عن يمينه لأن اليمين باقية فإن انعقادها وبقاءها لا يختص بمحل الحل فإذا قربها تحقق حنثه في اليمين فتلزمه الكفارة .
( قال ) ( وإن طلق امرأته واحدة أو اثنتين ثم تزوجها بعد زوج قد دخل بها فهي عنده على ثلاث تطليقات مستقبلات في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى ) وهو قول ابن عباس وابن عمر وإبراهيم وأصحاب عبدالله بن مسعود - Bهم .
وعند محمد وزفر والشافعي - رحمهم الله تعالى - هي عنده بما بقي من طلاقها وهو قول عمر وعلي وأبي بن كعب وعمران ابن الحصين وأبي هريرة - Bهم .
فأخذ الشبان من الفقهاء بقول المشايخ من الصحابة - رضوان الله عليهم - والمشايخ من الفقهاء بقول الشبان من الصحابة - رضوان الله عليهم .
وحجة محمد - C تعالى - في ذلك : أن الزوج الثاني غاية للحرمة الحاصلة بالثلاث قال الله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } ( البقرة : 230 ) وكلمة حتى للغاية حقيقة وبالتطليقة والتطليقتين لم يثبت شيء من تلك الحرمة لأنها متعلقة بوقوع الثلاث وببعض أركان العلة لا يثبت شيء من الحكم فلا يكون الزوج الثاني غاية لأن غاية الحرمة قبل وجودها لا يتحقق .
كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فوالله لا أكلم فلانا حتى أستشير فلانا ثم استشاره قبل مجيء رأس الشهر لا يعتبر هذا لأن الاستشارة غاية للحرمة الثابتة باليمين فلا تعتبر قبل اليمين وإذا لم تعتبر كان وجودها كعدمها .
ولو تزوجها قبل التزوج أو قبل إصابة الزوج الثاني كانت عنده بما بقي من التطليقات فكذلك هنا .
وأبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله تعالى - قالا : إصابة الزوج الثاني بنكاح صحيح يلحق المطلقة بالأجنبية في الحكم المختص بالطلاق كما بعد التطليقات الثلاث .
وبيان هذا : أن بالتطليقات الثلاث تصير محرمة ومطلقة ثم إصابة الزوج الثاني يرتفع الوصفان جميعا وتلتحق بالأجنبية التي لم يتزوجها قط فبالتطليقة الواحدة تصير موصوفة بأنها مطلقة فيرتفع ذلك بإصابة الزوج الثاني .
ثم الدليل على أن الزوج الثاني رافع للحرمة لا منه أن المنهي يكون متقررا في نفسه ولا حرمة بعد إصابة الزوج الثاني فدل أنه رافع للحرمة ولأنه موجب للحمل فإن صاحب الشرع سماه محللا فقال A ( لعن الله المحلل والمحلل له ) وإنما كان محللا لكونه موجبا للحل ومن ضرورته أنه يكون رافعا للحرمة وبهذا تبين أن جعله غاية مجاز وهو نظير قوله تعالى { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } ( النساء : 43 ) والإغتسال موجب للطهارة رافع للحدث لا أن يكون غاية للجنابة .
والدليل عليه : أن أحكام الطلاق تثبت متأبدة لا إلى غاية ولكن ترتفع بوجود ما يرفعها كحكم زوال الملك لا يثبت مؤقتا ولكن يرتفع بوجود ما يرفعه وهو النكاح .
وإذا ثبت أن الزوج الثاني موجب للحل فإنما يوجب حلالا يرتفع إلا بثلاث تطليقات وذلك غير موجود بعد التطليقة والتطليقتين فيثبت به ولما كان رافعا للحرمة إذا اعترض بعد ثبوت الحرمة فلأن يرفعها وهو بعرض الثبوت أولى ولأن يمنع ثبوتها إذا اقترن بأركانها أولى .
ومحمد - C تعالى - يقول ثبوت الحرمة بسبب إيقاع الطلاق وذلك لا يرتفع بالزوج الثاني حتى لا تعود منكوحة له وبقاء الحكم ببقاء سببه فعرفنا أنه ليس برافع للحرمة ولا هو موجب للحل لأن تأثير النكاح الثاني في حرمتها على غيره فكيف يكون موجبا للحل لغيره وسماه محللا لأنه شرط للحل لا لأنه موجب للحل .
ألا ترى أنه سماه ملعونا باشتراط ما لا يحل له شرعا فعرفنا أنه غير موجب للحل ولكن الحرمة تحتمل التوقيت كحرمة المعتدة وحرمة الاصطياد على المحرم فجعلنا الزوج الثاني غاية للحرمة عملا بحقيقة كلمة حتى المذكورة في الكتاب والسنة حيث قال A حتى تذوقي من عسيلته ومسألة يختلف فيها كبار الصحابة - رضوان الله عليهم - أجمعين لغور فقهها يصعب الخروج منها .
( قال ) ( ولو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها واحدة أو اثنتين وعادت إليه بعد زوج آخر فدخلت الدار عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - تطلق بالدخول ثلاثا ) لأنها عادت إليه بثلاث تطليقات .
وعند محمد وزفر - رحمهما الله تعالى - يقع عليها ما بقي لأن عندهما إنما عادت إليه بما بقي من الطلقات .
( قال ) ( ولو قال لامرأة كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثا فهو كما قال يقع عليها ثلاث كلما تزوج بها ) لأن كلمة كلما تقتضي نزول الجزاء بتكرار الشرط وانعقاد هذه اليمين باعتبار التطليقات التي يملكها عليها بالتزوج وتلك غير محصورة بعدد فلهذا بقيت اليمين بعد وقوع ثلاث تطليقات بخلاف قوله لامرأته كلما دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فإن انعقاد تلك اليمين باعتبار التطليقات المملوكة عليها لأنه لم توجد الإضافة إلى الملك فلا تبقى اليمين بعد وقوع التطليقات المملوكة عليها .
وهذه المسألة نبني على أصلنا أن ما يحتمل التعليق بالشرط كالطلاق والعتاق والظهار يجوز إضافته إلى الملك عم أو خص وهو قول عمر - Bه - روي عنه ذلك في الظهار .
وعند الشافعي - C تعالى - لا يصح ذلك وهو قول ابن عباس - Bهما - فإنه سئل عمن يقول لامرأة إن تزوجتك فأنت طالق فتلي عليه قوله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } ( الأحزاب : 49 ) وقال شرع الله تعالى الطلاق بعد النكاح فلا طلاق قبله وعلى قول ابن أبي ليلى - C تعالى - إن خص امرأة أو قبيلة انعقدت اليمين وإن عم فقال كل امرأة لا تنعقد وهو قول ابن مسعود - Bه - لما فيه من سد باب نعمة النكاح على نفسه فالشافعي - C تعالى - استدل بقوله - A ( لا طلاق قبل النكاح ) وروي أن عبدالله بن عمرو بن العاص - Bهما - خطب امرأة فأبى أولياؤها أن يزوجوها منه فقال : إن نكحتها فهي طالق ثلاثا فسئل رسول الله - A - عن ذلك فقال صلوات الله عليه وسلامه : ( لا طلاق قبل النكاح ) .
والمعنى فيه : أنه غير مالك لتنجيز الطلاق فلا يملك تعليقه بالشرط كما لو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم تزوجها فدخلت لم تطلق وهذا لأن تأثير الشرط في تأخير الوقوع إلى وجوده ومنع ما لولاه لكان طلاقا وهذا الكلام لولا الشرط لكان لغوا . لا طلاقا ولأن الطلاق يستدعي أهلية في الموقع وملكا في المحل . ثم قبل الأهلية لا يصح التعليق مضافا إلى حالة الأهلية كالصبي يقول لامرأته إذا بلغت فأنت طالق فكذلك قبل ملك المحل لا يصح مضافا وبهذا تبين أنه تصرف يختص بالملك فإيجابه قبل الملك يكون لغوا كما لو باع الطير في الهواء ثم أخذه قبل قبول المشتري .
وحجتنا في ذلك : أن التعليق بالشرط يمين فلا تتوقف صحته على ملك المحل كاليمين بالله تعالى وهذا لأن اليمين تصرف من الحالف في ذمة نفسه لأنه يوجب على نفسه البر والمحلوف به ليس بطلاق لأنه لا يكون طلاقا إلا بالوصول إلى المرأة وما دامت يمينا لا يكون واصلا إليها وإنما الوصول بعد ارتفاع اليمين بوجود الشرط فعرفنا أن المحلوف به ليس بطلاق وقيام الملك في المحل لأجل الطلاق ولكن المحلوف به ما سيصير طلاقا عند وجود الشرط بوصوله إليها ونظيره من المسائل الرمي عينه ليس بقتل والترس لا يكون مانعا عما هو قتل ولا مؤخرا له بل يكون مانعا عما سيصير قتلا إذا وصل إلى المحل ولما كان التعليق مانعا من الوصول إلى المحل والتصرف لا يكون إلا بركنه ومحله فكما أنه بدون ركنه لا يكون طلاقا فكذلك بدون محله لا يكون طلاقا .
وبه فارق ما لو قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق فإن المحلوف به هناك غير موجود وهو ما يصير طلاقا عند وجود الشرط لأن دخول الدار ليس بسبب لملك الطلاق ولا هو مالك لطلاقها في الحال حتى يستدل به على بقاء الملك عند وجود الشرط أما هنا نتيقن بوجود المحلوف به موجودا بطريق الظاهر بأن قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق انعقدت اليمين وإن كان من الجائز أن يكون دخولها بعد زوال الملك فإذا كان المحلوف به متيقن الوجود عند وجود الشرط أولى أن ينعقد اليمين وبأن كان لا يملك التنجيز لا يدل على أنه لا يملك التعليق كمن يقول لجاريته إذا ولدت ولدا فهو حر صح وإن كان لا يملك تنجيز العتق في الولد المعدوم .
وإذا قال لامرأته الحائض إذا طهرت فأنت طالق كان هذا طلاقا للسنة وإن كان لا يملك تنجيزه في الحال وهذا بخلاف التصرف لأنه لا بد منه في تصرف اليمين كما لا بد منه في تصرف الطلاق فأما الملك في المحل معتبر بالطلاق دون اليمين وهذا بخلاف البيع فإن الإيجاب أحد شطري البيع وتصرف البيع قبل الملك لغو فأما الإيجاب هنا تصرف آخر سوى الطلاق وهي اليمين .
وتأويل الحديث ما روي عن مكحول والزهري وسالم والشعبي - رضي الله تعالى عنهم - أنهم قالوا كانوا يطلقون في الجاهلية قبل التزوج تنجيزا ويعدون ذلك طلاقا فنفى رسول الله - A - ذلك بقوله لا طلاق قبل النكاح .
وحديث عبدالله بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - غير مشهور وإن ثبت فمعنى قوله إن نكحتها أي وطئتها لأن النكاح حقيقة للوطء وبهذا لا يحصل إضافة الطلاق إلى الملك عندنا .
إذا عرفنا هذا فنقول : إذا قال لامرأته إذا تزوجتك أو إذا ما تزوجتك أو إن تزوجتك أو متى ما تزوجتك فهذا كله للمرة الواحدة لأنه ليس في لفظه ما يدل على التكرار فإن كلمة إن للشرط وإذا ومتى للوقت بخلاف ما لو قال : كلما تزوجتك لأن كلمة كلما تقتضي التكرار فلا يرتفع اليمين بالتزوج مرة ولكن كلما تزوجها يصير عند التزوج كالمنجز للطلاق وكذلك لو قال كلما دخلت الدار فهذا على كل مرة حتى تطلق ثلاثا بخلاف إن وإذا ومتى فإن ذلك على المرة الواحدة .
( قال ) ( ولو قال لامرأة لا يملكها أنت طالق يوم أكلمك أو يوم تدخلين الدار أو يوم أطؤك فهذا باطل ) بخلاف ما لو قال يوم أتزوجك فإنه بهذا اللفظ يصير مضيفا الطلاق إلى التزوج وهو سبب لملك الطلاق فيصير المحلوف به موجودا بخلاف ما سبق فإن دخول الدار ليس بسبب لملك الطلاق فإن تزوج بها ثم فعل ذلك لم يقع عليها شيء عندنا وقال ابن أبي ليلى يقع لأن المعتبر لوقوع الطلاق وقت وجود الشرط فإن طلقها حينئذ يصل إلى المحل والملك موجود عند وجود الشرط فيقع الطلاق .
ولكنا نقول : هذا بعد انعقاد اليمين ولا ينعقد اليمين بدون المحلوف به .
فإذا لم يكن هو مالكا للطلاق في الحال ولا في الوقت المضاف إليه لا ينعقد اليمين فبدون ذلك وإن صار مالكا للطلاق في الوقت المضاف إليه لا يقع شيء لأن اليمين ما كانت منعقدة وكذلك لو قال لها أنت طالق غدا ثم تزوجها اليوم لم يقع عليها شيء إذا جاء غد .
وإذا قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق . أنت طالق وقال عنيت الأولى صدق فيما بينه وبين الله تعالى وأما في القضاء فهما تطليقتان لأن كل واحد من الكلامين إيقاع من حيث الظاهر فإن صيغة الكلام الثاني كصيغة الكلام الأول والقاضي مأمور باتباع الظاهر وما قاله من قصد تكرار الكلام الأول محتمل لأن الكلام الواحد يكرر للتأكيد والله تعالى مطلع على ضميره .
وكذلك قوله قد طلقتك قد طلقتك أو أنت طالق قد طلقتك أو أنت طالق أنت طالق أو طالق وأنت طالق فأما إذا قال لها أنت طالق فقال له إنسان ماذا قلت فقال قد طلقتها .
أو قال قلت هي طالق فهي طالق واحدة لأن كلامه الثاني جواب لسؤال السائل والسائل إنما يسأله عن الكلام الأول لا عن إيقاع آخر فيكون جوابه بيانا لذلك الكلام .
( قال ) ( وإذا قال لها إذا طلقتك فأنت طالق ثم طلقها واحدة وقد دخل بها فهي طالق اثنتين في القضاء إحداهما بالإيقاع والأخرى بوجود الشرط ) لأن قوله إذا طلقتك شرط وقوله فأنت طالق جزاء له وأما فيما بينه وبين الله تعالى .
فإن كان نوى بقوله إذا طلقتك فأنت طالق تلك التطليقة فهي واحدة لأن ما نواه محتمل على أن يكون قوله فأنت طالق بيانا لحكم الإيقاع لا جزاء لشرطه والله تعالى مطلع على ضميره .
وكذلك إذا قال متى ما طلقتك أو إن طلقتك فأنت طالق ولو قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم طلقها واحدة تطلق ثلاثا لأن بوقوع الواحدة يوجد الشرط فوقع عليها تطليقه اليمين ثم بوقوع هذه التطليقة وجد الشرط مرة أخرى واليمين معقودة بكلمة كلما فتقع عليها الثالثة .
وهذا بخلاف ما لو قال كلما طلقتك فأنت طالق ثم طلقها واحدة تقع عليها أخرى فقط لأن وقوع الثانية عليها ليس بإيقاع مستقبل منه بعد يمينه فلا يصلح شرطا للحنث فلهذا لا يقع عليها إلا واحدة فأما في الأول الشرط الوقوع لا الإيقاع والوقوع يحصل بالثانية بعد اليمين .
وعلى هذا لو قال كلما قلت أنت طالق فأنت طالق أو كلما تكلمت بطلاق يقع عليك فأنت طالق وطلقها واحدة فهي طالق أخرى باليمين ولا يقع بالثانية طلاق لما بينا أن ما جعله شرطا لا يصير موجودا بعد اليمين بما وقع باليمين .
والأصل فيما نذكره بعد هذا أن اليمين إنما يعرف بالجزاء حتى لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق كان يمينا بالطلاق .
ولو قال فعبدي حر كان يمينا بالعتق والشرط واحد وهو دخول الدار ثم اختلفت اليمين باختلاف الجزاء وأصل آخر أن الشرط يعتبر وجوده بعد اليمين وأما ما سبق اليمين لا يكون شرطا لأنه يقصد باليمين منع نفسه عن إيجاد الشرط وإنما يمكنه أن يمنع نفسه عن شيء في المستقبل لا فيما مضى فعرفنا أن الماضي لم يكن مقصودا له واليمين يتقيد بمقصود الحالف .
إذا عرفنا هذا فنقول رجل له امرأتان عمرة وزينب فقال لزينب أنت طالق إذا طلقت عمرة أو كلما طلقت عمرة ثم قال لعمرة أنت طالق إذا طلقت زينب ثم قال لزينب أنت طالق فإنه يقع على زينب بالإيقاع تطليقة ويقع على عمرة أيضا تطليقة لأن كلامه الأول كان يمينا بطلاق زينب وكلامه الثاني كان يمينا بطلاق عمرة فإن الجزاء فيه طلاق عمرة والشرط طلاق زينب وقد وجد الشرط بإيقاعه على زينب فلهذا يقع على عمرة تطليقة باليمين ويعود إلى زينب لأن عمرة طلقت بيمين بعد يمينه بطلاق زينب فيكون وقوع الطلاق عليها شرطا للحنث في اليمين بطلاق زينب فلهذا يقع عليها تطليقة أخرى .
هكذا في نسخ أبي سليمان - رضي الله تعالى عنه - وهو الصحيح .
وفي نسخ أبي حفص - رضي الله تعالى عنه - قال : ولا يعود على زينب وهو غلط .
ثم قال ( ولو لم يطلق زينب ولكنه طلق عمرة وقعت عليها تطليقة بالإيقاع وعلى زينب تطليقة باليمين ثم وقعت أخرى على عمرة باليمين ) هكذا ذكر في نسخ أبي حفص - رضي الله تعالى عنه - وهو غلط والصحيح ما ذكره في نسخ أبي سليمان - رضي الله تعالى عنه - أنه لا يقع على عمرة باليمين لأن زينب إنما طلقت باليمين السابقة على اليمين بطلاق عمرة فلا يكون ذلك شرطا للحنث في اليمين بطلاق عمرة .
قال : ألا ترى أنه لو قال لزينب إذا طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت عمرة الدار تطلق بالدخول وتطلق زينب أيضا لأن عمرة إنما طلقت بكلام بعد اليمين بطلاق زينب ولو كان قال لعمرة أولا إن دخلت الدار فأنت طالق ثم قال لزينب إن طلقت عمرة فأنت طالق ثم دخلت عمرة الدار طلقت ولم يقع الطلاق على زينب لأن عمرة إنما طلقت بيمين قبل اليمين بطلاق زينب فلا يصلح أن يكون ذلك شرطا للحنث في اليمين بطلاق زينب وبهذا الاستشهاد يتبين أن الصواب ما ذكره في نسخ أبي سليمان وأن جوابه في نسخ أبي حفص وقع على القلب .
( قال ) ( وإذا حلف بطلاق عمرة لا يحلف بطلاق زينب ثم حلف بطلاق زينب لا يحلف بطلاق عمرة كانت عمرة طالقا ) لأنه بالكلام الأول حلف بطلاق عمرة وشرط حنثه الحلف بطلاق زينب وبالكلام الثاني صار حالفا بطلاق زينب لأن الجزاء فيه طلاق زينب فوجد فيه شرط الحنث في اليمين الأولى ألا ترى أنه لو قال لزينب بعد الكلام الأول إن دخلت الدار فأنت طالق كانت عمرة طالقا لأنه قد حلف بطلاق زينب فإن الشرط والجزاء يمين عند أهل الفقه وقد وجد فصار به حانثا في اليمين الأولى .
( قال ) ( ولو قال لزينب أنت طالق إن شئت لم تطلق عمرة ) لأن هذا ليس بيمين بل هو تفويض المشيئة إليها بمنزلة قوله اختاري أو أمرك بيدك وذلك لا يكون حلفا بالطلاق ألا ترى أن رسول الله - A - خير نساءه مع نهيه عن الحلف بالطلاق والدليل على أنه بمنزلة التخيير أنه يبطل بقيامها عن المجلس قبل المشيئة والشرط المطلق لا يتوقت بالمجلس وحقيقة المعنى فيه أن الشرط منفي فإن الحالف يقصد منع الشرط بيمينه .
وفي قوله أنت طالق إن شئت لا يقصد منعها عن المشيئة فعرفنا أنه ليس بيمين وكذلك لو قال لزينب أنت طالق إذا حضت حيضة فهذا ليس بيمين عندنا ولا يحنث به في اليمين بطلاق عمرة لأن هذا تفسير لطلاق السنة فإن بهذا اللفظ لا يقع الطلاق عليها ما لم تطهر لأن الحيضة اسم للحيضة الكاملة وطلاق السنة يتأخر إلى حالة الطهر فكأنه قال لها أنت طالق للسنة .
وعن زفر - C تعالى - أن هذا يمين لوجود الشرط والجزاء وليس بتفسير لطلاق السنة ألا ترى أنه لو جامعها في هذه الحيضة ثم طهرت طلقت ولو قال لها أنت طالق للسنة ثم جامعها في الحيض فطهرت لم تطلق وكذلك لو قال لها إذا حضت حيضتين أو إذا حضت ثلاث حيض لم يكن شيء من ذلك حلفا بطلاقها بخلاف ما لو قال لها إذا حضت فهذا حلف بطلاقها حتى تطلق عمرة لأن بهذا اللفظ يقع الطلاق في الحيض قبل الطهر فلا يكون تفسيرا لطلاق السنة .
فإن قيل : هذا تفسير لطلاق البدعة ولو قال أنت طالق للبدعة لم يكن حالفا بطلاقها .
( قلنا ) : ليس كذلك فطلاق البدعة لا يختص بالحيض وهذا الطلاق لا يقع إلا في حالة الحيض فعرفنا أنه شرط وجزاء .
( قال ) ( وإذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنة ولا نية له فكلما حاضت وطهرت طلقت واحدة حتى تستكمل الثلاث ) لأن قوله للسنة أي لوقت السنة فإن اللام للوقت قال الله تعالى { أقم الصلاة لدلوك الشمس } ( الإسراء : 78 ) وكل طهر محل لوقوع تطليقة واحدة للسنة فلهذا طلقت في كل طهر واحدة ولا يحتسب بالحيضة الأولى من عدتها لأنها سبقت وقوع الطلاق عليها .
وإن نوى أن تطلق ثلاثا في الحال فهو كما نوى عندنا .
وعند زفر - C تعالى - لا تعمل نيته لأن وقوع الثلاث جملة خلاف السنة ووقوع الطلاق في الحيض أو في طهر قد جامعها فيه خلاف السنة والنية إنما تعمل إذا كانت من محتملات اللفظ لا فيما كان من ضده ولأن معنى قوله أنت طالق للسنة إذا حضت وطهرت فكأنه صرح بذلك ونوى الوقوع في الحال فلا تعمل نيته ولكنا نقول المنوي من محتملات لفظه على معنى أن وقوع الثلاث جملة من مذهب أهل السنة .
ووقوع الطلاق في الحيض كذلك إذ كون الطلاق ثلاثا عرف بالسنة فقد كانوا في الجاهلية يطلقون أكثر من ذلك فعرفنا أن المنوي من محتملات لفظه وفيه تغليظ عليه فتعمل نيته ولو قال : أنت طالق للسنة ولم يسم ثلاثا ولم يكن له نية فهي طالق واحدة إذا طهرت من الحيضة لما بينا أن اللام للوقت .
وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث كلما طهرت من حيضة طلقت واحدة لأن أوقات السنة غير محصورة فهو إنما نوى التعميم في أوقات السنة حتى يقع في كل طهر تطليقة واحدة وقد بينا أن نية التعميم صحيحة في كلامه فلهذا طلقت في كل طهر واحدة وإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر طلقت ساعة تكلم به واحدة وبعد شهر أخرى وبعد شهر أخرى لأن الثلاث للسنة هكذا تقع عليها والشهر في حقها كالحيض في حق ذات القروء وإن نوى أن يقعن جميعا في ذلك المجلس فهو كما نوى لما بينا .
( قال ) ( رجل قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق كلما حضت حيضتين فهو كما قال إذا حاضت حيضتين طلقت لوجود الشرط ثم إذا حاضت أخراوين طلقت أخرى ) لوجود الشرط لأن اليمين معقودة بكلمة كلما ويحتسب بهاتين الحيضتين من عدتها فإذا حاضت أخرى انقضت عدتها .
( قال ) ( وإن قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق وقال لها أيضا كلما حضت فأنت طالق فرأت الدم فهي طالق واحدة باليمين الثانية ) لأن الشرط فيها وجود الحيض لا الخروج منه فإذا طهرت من الحيض فهي طالق أخرى باليمين الأولى لأن الشرط فيها الحيضة الكاملة وقد وجدت بعدها ولا يحتسب بهذه الحيضة من عدتها لأن وقوع الطلاق كان بعد مضي جزء منها وإذا حاضت الثانية فهي طالق أخرى باليمين الثانية لأنها عقدت بكلمة كلما وكلمة كلما توجب تكرار الشرط وقد وجد الشرط فيها مرة أخرى .
( قال ) ( ولو قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق وقال أيضا إذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة وطهرت فهي طالق واحدة باليمين الأولى ) لأن شرط الحنث فيها حيضة واحدة وقد وجدت فإذا حاضت حيضة أخرى طلقت أخرى لوجود الشرط في اليمين الثانية وهو مضي الحيضتين بعدها فإن الحيضة الأولى كمال الشرط في اليمين الأولى ونصف الشرط في اليمين الثانية والشيء الواحد يصلح شرطا للحنث في أيمان كثيرة ويحتسب بالحيضة الثانية من عدتها لأنها حاضتها بعد وقوع الطلاق عليها ولو كان قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق فإذا حاضت حيضة واحدة طلقت واحدة ثم لا تطلق أخرى ما لم تحض حيضتين سواها لأنه جعل الشرط في اليمين للثانية حيضتين سوى الحيضة الأولى فإن كلمة ثم للتعقيب مع التراخي وعلى هذا لو قال إذا دخلت الدار دخلة فأنت طالق ثم إذا دخلتها دخلتين فأنت طالق بخلاف ما لو قال إذا دخلت فأنت طالق وإذا دخلت فأنت طالق فدخلت دخلة واحدة وقعت عليها تطليقتان لأن الشرط في اليمين الدخول مطلقا وقد وجد ذلك بدخلة واحدة وفي الأول الشرط دخلتان بعد الدخلة الأولى في اليمين الثانية .
ولو قال إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضتين تطلق اثنتين إحداهما حين حاضت الأولى لوجود الشرط في اليمين الأولى والثانية حين حاضت الأخرى لتمام الشرط بها في اليمين الثانية .
( قال ) ولو قال كلما حضت حيضة فأنت طالق فحاضت أربع حيض طلقت ثلاثا كل حيضة واحدة لتكرر الشرط في اليمين المعقودة بكلمة كلما وانقضت العدة بالحيضة الرابعة لأن الحيضة الأولى لا تكون محسوبة من عدتها فإنها سبقت وقوع الطلاق عليها .
( قال ) وإذا قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق فإنما يقع عليها بعد ما ينقطع عنها الدم وتغتسل لأن الشرط مضي حيضة كاملة ولا يتيقن به إلا بعد الحكم بطهرها فإن كانت أيامها عشرة فبنفس الانقطاع يتيقن بطهرها وإن كانت أيامها دون العشرة فإنما يحكم بطهرها إذا اغتسلت أو ذهب وقت صلاة بعد انقطاع الدم فلهذا توقف الوقوع عليه .
ولو قال إذا حضت حيضة فأنت طالق فقالت قد حضت حيضة لم تصدق في القياس إذا كذبها الزوج لأنها تدعي وجود شرط الطلاق ومجرد قولها في ذلك ليس بحجة في حق الزوج كما لو كان الشرط دخولها الدار وهذا لأن دعواها شرط الطلاق كدعواها نفس الطلاق وفي الاستحسان القول قولها لأن حيضها لا يعلمه غيرها فلا بد من قبول قولها فيه كما لو قال لها إن كنت تحبينني أو تبغضينني وجب قبول قولها في ذلك ما دامت في المجلس وكذلك لو قال لها إن شئت إلا أن هناك تقدر على الإختيار في المجلس فبالتأخير عنه تصير مفرطة وهنا لا تقدر على الإخبار بالحيض ما لم تر الدم فوجب قبول قولها متى أخبرت به .
( قال ) ويدخل في هذا الاستحسان بعض القياس معناه أن الزوج لما علق وقوع الطلاق بالحيض صار ذلك من أحكام الحيض بجعله .
وقولها حجة تامة في أحكام الحيض كحرمة وطئها إذا أخبرت برؤية الدم وحل الوطء إذا أخبرت بانقطاع الدم وكذلك في حكم انقضاء العدة بالحيض يقبل قولها لأن الشرع سلطها على الإخبار فكذلك الزوج بتعليق الطلاق به يصير مسلطا لها على الإخبار .
وإذا قال إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك فقالت حضت فقياس الاستحسان الأول أن يقع الطلاق على فلانة كما يقع عليها لأن قولها حجة تامة فيما لا يعلمه غيرها فيكون ثبوت هذا الشرط بقولها كثبوت شرط آخر بالبينة أو بتصديق الزوج ولكنا ندع القياس فيه ونقول لا يقع على الأخرى شيء حتى يعلم أنها قد حاضت لأن في ذلك حق الضرة وهي ما سلطتها ولا رضيت بخبرها في حق نفسها ثم قبول قولها فيما لا يعلمه غيرها لأجل الضرورة وذلك في حق نفسها خاصة كما في حل الوطء وانقضاء العدة والحكم يثبت بحسب الحاجة .
ألا ترى أن الملك للمستحق إذا ثبت بإقرار المشتري ولم يرجع على البائع بالثمن وأن شهادة امرأتين ورجل بالسرقة حجة في حق المال دون القطع فهذا مثله ولو قال لها إذا ولدت غلاما فأنت طالق واحدة وإذا ولدت جارية فأنت طالق ثنتين فولدت غلاما وجارية فإن علم أنها ولدت الجارية أولا طلقت اثنتين بولادتها الجارية ثم انقطعت عدتها بولادة الغلام وإن علم أنها ولدت الغلام أولا طلقت واحدة بولادتها الغلام وانقضت عدتها بولادة الجارية فإن لم يعلم أيهما أولا لم يقع في القضاء إلا تطليقة واحدة لأن التيقن فيها وفي الثانية شك والطلاق بالشك لا يقع وفيما بينه وبين الله تعالى ينبغي أن يأخذ بتطليقتين حتى إذا كان طلقها قبل هذا واحدة فلا ينبغي أن يتزوجها حتى تنكح زوجا غيره لاحتمال أنها مطلقة ثلاثا .
ولأن يترك امرأة يحل له وطؤها خير من أن يطأ امرأة محرمة عليه وإن ولدت غلاما وجاريتين في بطن واحد فإن علم أنها ولدت الجاريتين أولا فهي طالق ثنتين بولادة الأولى منهما وقد انقضت عدتها بولادة الغلام وإن ولدت الغلام أولا طلقت واحدة بولادة الغلام وتطليقتين بولادة الجارية الأولى وقد انقضت عدتها بولادة الأخرى وإن ولدت إحدى الجاريتين أولا ثم الغلام ثم الجارية طلقت تطليقتين بولادة الجارية الأولى والثالثة بولادة الغلام وانقضت عدتها بولادة الأخرى .
وإن لم يعلم كيف كانت الولادة فنقول في وجه هي طالق اثنتين وفي وجهين هي طالق ثلاثا ففي القضاء لا تطلق إلا ثنتين لأن اليقين فيها وفي التنزه ينبغي أن يأخذ بثلاث تطليقات احتياطا وقد انقضت عدتها بيقين بولادة الآخر منهم .
وإذا قال لها كلما ولدت ولدا فأنت طالق وقال إذا ولدت غلاما فأنت طالق فولدت جارية فهي طالق واحدة لأن الجارية ولد فيقع بها تطليقة بحكم الكلام الأول فإن ولدت بعدها غلاما في ذلك البطن انقضت عدتها بولادة الغلام لأنها معتدة وضعت جميع ما في بطنها ولا يقع عليها بولادة الغلام شيء لأن أوان الوقوع بعد وجود الشرط وهي ليست في عدته بعد ولادة الغلام فهو بمنزلة ما لو قال لها إذا انقضت عدتك فأنت طالق وإن ولدت الغلام أولا وقع به تطليقتان أحدهما بالغلام الأول لأن الغلام ولد والثانية بالكلام الثاني لأنه غلام وكذلك لو قال لها إذا ولدت غلاما فأنت طالق ثم قال إذا ولدت ولدا فأنت طالق فولدت غلاما طلقت اثنتين لأنه ولد وغلام وكذلك لو قال إذا كلمت فلانا فأنت طالق ثم قال إذا كلمت إنسانا فأنت طالق فكلمت فلانا تطلق اثنتين لأنه إنسان وفلان .
وكذلك إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ثم قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج فلانة فتطلق اثنتين لأنها فلانة وامرأة والشيء الواحد يصلح شرطا للحنث في أيمان كثيرة .
ولو قال لامرأته كلما ولدت غلاما فأنت طالق فولدت غلاما وجارية في بطن واحد فإن علم أنها ولدت الغلام أولا وقع عليها تطليقة بولادة الغلام وانقضت عدتها بولادة الجارية وإن علم أنها ولدت الجارية أولا وقعت عليها تطليقة بولادة الغلام وعليها العدة بثلاث حيض وله أن يراجعها في العدة إذا علم أن الغلام ولد آخر وإذا لم يعلم أيهما أول فعليهما الأخذ بالاحتياط في كل حكم فيلزمها العدة بثلاث حيض لجواز أن تكون ولدت الجارية أولا وليس للزوج أن يراجعها في هذه العدة لجواز أن تكون ولدت الغلام أولا ولو مات أحدهما لم يتوارثا لجواز أن تكون ولدت الغلام أولا ثم انقضت عدتها بولادة الجارية والميراث لا يثبت بالشك .
( قال ) وإن قال إذا ولدت ولدا فأنت طالق فأسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعض الخلق طلقت لأن مثل هذا السقط ولد .
ألا ترى أن العدة تنقضي به وتصير الجارية أم ولد له ولو لم يستبن شيء من خلقه لم يقع به طلاق لأنه ليس بولد في حكم العدة وثبوت أمية الولد فكذلك في حكم الطلاق .
( قال ) ولو قال لها إذا ولدت فأنت طالق وقالت قد ولدت وكذبها الزوج لم يقع الطلاق بقولها بخلاف الحيض لأن الولادة مما يقف عليها غيرها فإن قول القابلة يقبل في الولد فلا يحكم بوقوع الطلاق ما لم تشهد القابلة به والحيض لا يقف عليه غيرها فإن شهدت القابلة بالولادة ثبت نسب الولد بشهادتها ولا يقع الطلاق عند أبي حنيفة - C تعالى - ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - يقع الطلاق عليها بشهادة القابلة لأن شرط وقوع الطلاق عليها ولادتها وقد صار محكوما به بشهادة القابلة بدليل ثبوت نسب الولد وشهادة القابلة في حال قيام الفراش حجة تامة في حق النسب وغيره .
ألا ترى أنه لو قال لجاريته إن كان بها حبل فهي مني فشهدت القابلة على ولادتها صارت هي أم ولد له وكذلك إن ولدت امرأته ولدا ثم قال الزوج هو ليس مني ولا أدري ولدته أم لا فشهدت القابلة حكم باللعان بينهما ولو كان الزوج عبدا أو حرا محدودا في قذف وجب عليه الحد فإذا جعلت شهادة القابلة حجة في حكم اللعان والحد فلأن تجعل حجة في حكم الطلاق أولى .
وأبو حنيفة - C تعالى - يقول : شرط الطلاق إذا كان لا يثبت إلا بالشهادة فلا بد فيه من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كسائر الشروط وهذا لأن شرط القرار كنفس الطلاق وتأثيره أن شهادة المرأة الواحدة ليست بحجة أصلية وإنما يكتفى بها فيما لا يطلع عليه الرجال لأجل الضرورة والثابت بالضرورة لا يعدو مواضعها والضرورة في نفس الولادة وما هو من الأحكام المختصة بالولادة لأن ثبوت الحكم بثبوت نسبه والولادة لا يطلع عليها الرجال والحكم المختص بالولادة أمية الولد للأم واللعان عند نفي الولد فأما وقوع الطلاق والعتاق ليس من الحكم المختص بالولادة ولا أثر للولادة فيه بل إنما يقع بإيقاعه عند وجود الشرط ونسب الولد من الأحكام المختصة بالولادة مع أن النسب عند أبي حنيفة - C تعالى - لا يثبت بشهادة القابلة وإنما يثبت بعين الولد فأن ثبوت النسب بالفراش القائم وبأن يجعل شهادة القابلة حجة في ثبوت النسب فذلك لا يدل على أنها تكون حجة في وقوع الطلاق كما بينا في قوله إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك ولو كان الزوج أقر بأنها حبلى ثم قال لها إذا ولدت فأنت طالق فقالت قد ولدت عند أبي حنيفة - C تعالى - يقع الطلاق بمجرد قولها وعندهما لا يقع إلا أن تشهد القابلة لأن شرط الطلاق ولادتها وذلك ما يقف عليه غيرها فلا يقبل فيه مجرد قولها كما في الفصل الأول .
ألا ترى أن نسب الولادة لا يثبت إلا بشهادة القابلة وإن أقر الزوج بالحبل فكذلك الطلاق .
وأبو حنيفة - C تعالى - يقول : علق الطلاق ببروز موجود في باطنها فيقع الطلاق لمجرد خبرها كما لو قال : إذا حضت فأنت طالق وهذا لأن وجود الحبل بها يثبت بإقرار الزوج فلما جاءت الآن وهي فارغة وتقول قد ولدت فالظاهر يشهد لها أو يتيقن بولادتها وهذا بخلاف النسب لأن بقولها يثبت مجرد الولادة وليس من ضرورته تعيين هذا الولد لجواز أن تكون ولدت غير هذا من والد ميت ثم تريد حمل نسب هذا الولد عليه فلهذا لا يقبل قولها في تعيين الولد إلا بشهادة الوالد فأما وقوع الطلاق يتعلق بنفس الولادة أي ولد كان من حي أو ميت وبعد إقرار الزوج بالحبل يتيقن بالولادة إذا جاءت وهي فارغة .
( قال ) وإذا قال الرجل لامرأته إذا ولدت ولدين فأنت طالق فولدت ثلاثة أولاد في بطن واحد ثم ولدت بعد ذلك لستة أشهر ولدا آخر فقد وقعت عليها تطليقة بولادة الولدين الأولين لتمام الشرط بهما وقضت عدتها بالولد الثالث لأنها معتدة وضعت جميع ما في بطنها فإن الولد الرابع من حبل حادث بيقين لأن التوأم لا يكون بينهما مدة حبل تام ولهذا لا يثبت نسب الولد الرابع من الزوج لأنها علقت به بعد انقضاء عدتها .
( قال ) ولو قال أول ولد تلدينه غلاما فأنت طالق فولدت غلاما وجارية في بطن واحد لا يعلم أيهما أول لم يقع عليها شيء في الحكم لجواز أن تكون ولدت الجارية أولا ثم الغلام وفي النزهة قد وقعت عليها تطليقة لجواز أن تكون ولدت الغلام أولا فوقع عليها تطليقة ثم انقضت عدتها بولادة الجارية في هذا الوجه غير أنها لا تحل للأزواج حتى يوقع عليها طلاقا مستقبلا وتعتد بعدة مستقبلة لأنها في الحكم امرأته فإن الطلاق بالشك لا يقع في الحكم فلهذا يحتاج في حلها للأزواج إلى إيقاع مستقبل وعدة مستقبلة .
( قال ) وإذا قال لها كلما ولدت ولدين فأنت طالق فولدتهما في بطن واحد أو في بطنين فهو سواء ويقع عليها الطلاق بالولد الآخر لأن تمام الشرط به ولا فرق في الشرط بين أن يوجدا معا أو متفرقا ولو ولدت الثاني وهي ليست في نكاحه ولا في عدته لم يقع عليها شيء عندنا .
وعلى قول ابن أبي ليلى - C تعالى - يقع لأن المعتبر عنده أن الطلاق يقع عند وجود الشرط بالتعليق السابق وقد صح في ملكه .
ألا ترى أن الصحيح إذا قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم جن ثم دخل الدار تطلق باعتبار وقت التعليق لا وقت وجود الشرط ولكنا نقول أوان وقوع الطلاق عليها عند وجود الشرط وعند ذلك ليست بمحل لوقوع طلاقه عليها لأنها ليست في نكاحه ولا في عدته وبدون المحل لا يثبت الحكم بخلاف جنون الزوج فإنه لا يعدم المحلية إنما يعدم الأهلية للإيقاع والإيقاع بكلام الزوج وذلك عند التعليق لا عند وجود الشرط فلهذا لا يعتبر قيام الأهلية عند وجود الشرط .
ولو أبانها فولدت الأول في غير نكاحه وعدته ثم تزوجها فولدت عندنا يقع الطلاق عليها وعند زفر - C تعالى - لا يقع لأن ولادة الولد الأول شرط للطلاق لولادة الولد الثاني فكما لا يعتبر قيام الملك للوقوع عند ولادة الولد الثاني وكذلك عند ولادة الولد الأول .
وعلماؤنا - رحمهم الله تعالى - يقولون : المحل إنما يعتبر عند التعليق لصحة التعليق بوجود المحلوف به وعند تمام الشرط لنزول الجزاء فأما في حال ولادة الولد الأول ليس بحال التعليق ولا حال نزول الجزاء إنما هو حال بقاء اليمين وملك المحل ليس بشرط لبقاء اليمين كما لو قال لعبده : إن دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ودخل الدار عتق وهذا لأن بوجود بعض الشرط لا ينزل شيء من الجزاء ألا ترى أنه لو قال لامرأته في رجب ولم يدخل بها إذا جاء يوم الأضحى فأنت طالق ثم أبانها ثم تزوجها يوم عرفة فجاء يوم الأضحى طلقت وما لم يمض الشهر لا يتحقق وجود الشرط بمجيء يوم الأضحى ثم لا يعتبر قيام المحل في تلك الشهور وعلى هذا الخلاف لو قال إذا حضت حيضتين فحاضت الأولى في غير ملك والثانية في ملك وكذلك إن تزوجها قبل أن تطهر من الحيضة الثانية بساعة أو بعد ما انقطع عنها الدم قبل أن تطهر من الحيضة الثانية بساعة أو بعد ما انقطع عنها الدم قبل أن تغتسل وإيامها دون العشرة فإذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة طلقت لأن الشرط قد تم وهي في نكاحه .
وكذلك لو قال إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق فأكلت عامة الرغيف في غير ملكه ثم تزوجها فأكلت ما بقي منه طلقت لأن الشرط شرط في ملكه والحنث به يحصل وقد قال في الأصل إذا قال كلما حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت الأخيرة منهما في غير ملكه ثم تزوجها فحاضت الثانية في ملكه لم يقع عليها شيء .
قال الحاكم : وهذا الجواب غير سديد في قوله كلما حضت وإنما يصح إذا كان السؤال بقوله إذا حضت لأن كلمة كلما تقتضي التكرار .
( قال ) الشيخ الإمام والأصح عندي أن في المسألة روايتين في رواية هذا الكتاب لا تطلق وفي رواية الجامع تطلق وأصل الاختلاف في كيفية التكرار بكلمة كلما في هذه الرواية يتكرر انعقاد اليمين فكلما وجد الشرط مرة ارتفعت اليمين الأولى وانعقدت يمين أخرى فإذا لم يكن عند تمام الشرط في نكاحه ولا في عدته لا تنعقد اليمين الأخرى لأن ملك المحل شرط عند انعقاد اليمين فلهذا لا يقع عليها شيء وإن حاضت حيضتين في ملكه وعلى رواية الجامع إنما يتكرر بكلمة كلما نزول الجزاء بتكرر الشرط ولا يتكرر انعقاد اليمين فكلما وجد الشرط في ملكه طلقت والأصح رواية الجامع وقد بينا تمام هذا الكلام فيما أمليناه من شرح الجامع .
( قال ) وإن قال إذا حضت فأنت طالق فولدت لم تطلق لأن شرط الطلاق حيضها والنفاس ليس بحيض ألا ترى انه لا يحتسب به من أقراء العدة .
وإن قال إذا حبلت فأنت طالق ثلاثا فوطئها مرة فالأفضل له أن لا يقربها ثانية حتى يستبرئها بحيضة لجواز أن تكون قد حبلت فطلقت ثلاثا وإذا حاضت وطهرت عرفنا أنها لم تحبل فإن تبين فراغ رحمها يحصل بحيضة واحدة بدليل الاستبراء فله أن يطأها مرة أخرى وهذا حاله وحالها ما دامت عنده وهو جواب النزهة فأما في الحكم لا يمنع من وطئها ما لم يظهر بها حبل لأن قيام النكاح فيما بينهما يقين وفي وقوع الطلاق شك وإذا ولدت بعد هذا القول لأقل من ستة أشهر لم تطلق لأنا تيقنا أن هذا الحبل كان قبل اليمين وشرط الحنث حبل حادث بعد اليمين .
وإن جاءت به لأكثر من سنتين وقع الطلاق وانقضت العدة بالولد لأنا تيقنا أن هذا الولد من حبل حادث بعد اليمين وإنما وقع الطلاق عند وجود الشرط وهو ما إذا لو حبلت فتنقضي عدتها بالولد وجاءت به لستة أشهر أو اكثر ولكن لأقل من سنتين لم تطلق أيضا لجواز أن يكون هذا الولد من حبل قبل اليمين فإن الولد يبقى في البطن إلى سنتين وما لم يتيقن بوجود الشرط بعد اليمين لا ينزل الجزاء والحل وإن كان قائما بينهما يسند العلوق إلى أبعد الأوقات تحرزا عن إيقاع الطلاق بالشك .
( قال ) وإذا قال لها إذا وضعت ما في بطنك فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد وقع الطلاق بآخرهما وعليها العدة لأن حرف ما يوجب التعميم فشرط وقوع الطلاق أن تضع جميع ما في بطنها وذلك لا يحصل إلا بالولد الثاني وعلى هذا .
لو قال إن كان حملك هذا جارية فأنت طالق واحدة وإن كان غلاما فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية لم يقع عليها شيء لأن الحمل اسم لجميع ما في بطنها قال الله تعالى : { أجلهن أن يضعن حملهن } ولا تنقضي عدتها إلا بوضع جميع ما في بطنها فالشرط أن يكون جميع حملها غلاما أو جارية ولم يوجد ذلك حين ولدت غلاما وجارية في بطن واحد .
ألا ترى أنه لو كان قال إن كان مافي هذا الجوالق حنطة فامرأته طالق وإن كان ما فيه شعيرا فعبده حر فإذا فيه شعير وحنطة لم يلزمه طلاق ولا عتق ونظير هذه المسألة امتحن أبو حنيفة - C تعالى - فطنة الحسن بن زياد - Bه - ما تقول في عنز ولدت ولدين لا ذكرين ولا أنثيين ولا أسودين ولا أبيضين كيف يكون هذا فتأمل ساعة ثم قال : أحدهما ذكر والآخر أنثى وأحدهما أسود والآخر أبيض فتعجب من فطنته .
وإن قال لها كلما حبلت فأنت طالق فولدت بعد هذا القول من حبل حادث فقد وقعت عليها تطليقة كلما حبلت لوجود الشرط وانقضت عدتها بالولادة .
ولو كان جامعها بعد الحبل قبل أن تلد منه كان ذلك منه رجعة لأن الواقع بهذا اللفظ كان رجعيا والوطء في العدة من طلاق رجعي يكون رجعة فإن حبلت مرة أخرى طلقت لأنه عقد بيمينه بكلمة كلما وكذلك في الحكم الثالث .
وإن قال أنت طالق ما لم تلدي فهي طالق حين سكت لأنه جعلها طالقا في وقت لا تلد فيه بعد اليمين وكما سكت فقد وجد ذلك الوقت وكذلك في قوله ما لم تحبلي وفي قوله ما لم تحيضي إلا أن يكون ذلك منها مع سكوته فحينئذ لا يقع وهذا لأن وقوع الطلاق بحيض بزمان وهو ما بعد كلامه وقد جعلها طالقا إلى غاية وهو أن تحيض أو تحبل أو تلد فإذا وجدت الغاية متصلا بسكوته فقد انعدم الزمان الذي أوقع فيه الطلاق لأن الشيء لا يكون غاية لنفسه فلا تطلق فإذا لم يوجد ذلك مع سكوته فقد وجد الزمان الذي أوقع فيه الطلاق فتطلق .
ولو قال أنت طالق ما لم تحبلي وهي حبلى أو ما لم تحيضي وهي حائض فهي طالق كما سكت لأن صيغة كلامه لحبل وحيض حادث يقال حبلت المرأة وحاضت عند ابتداء ذلك ولم يوجد ذلك متصلا بسكوته فلهذا تطلق فإن كان يعني ما فيه من الحبل والحيض دين فما بينه وبين الله تعالى لأن استدامة الحيض بخروج الدم منها ساعة فساعة ولا يبرز منها حادث من وجه فيجوز أن يطلق عليه اسم ابتداء الحيض مجازا ولكنه خلاف الظاهر فلا يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى واما في الحبل فلا يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لأنه لا يتجدد الحبل في مدته ساعة فساعة فلا يكون لاستدامة اسم الابتداء لا حقيقة ولا مجازا ألا ترى أنه يقال حاضت عشرة أيام ولا يقال حبلت تسعة أشهر إنما يقال حبلت ووضعت لتسعة أشهر .
وإن قال لامرأته قد طلقتك قبل أن أتزوجك فهذا باطل لأن ماثبت بإقراره كالثابت بالمعاينة ولأنه أضاف الطلاق إلى وقت لم يكن مالكا للإيقاع عليها في ذلك الوقت فكان نافيا للوقوع عليها لا مثبتا كما لو قال أنت طالق قبل أن تولدي أو تخلقي أو قبل أن أولد أو أن أخلق وكذلك لو قال قد طلقتك أمس وإنما تزوجها اليوم لأنه أضاف الطلاق إلى وقت لم يكن مالكا للإيقاع في ذلك الوقت وإن كان تزوجها قبل أمس طلقت للحال لأنه أضاف إلى وقت كان مالكا للإيقاع في ذلك الوقت فكان كلامه معتبرا في الإيقاع ثم أنه وصفها بالطلاق في الحال مستندا إلى أمس وهو يملك الإيقاع عليها في الحال ولكن لا يملك الإسناد فلهذا تطلق في الحال .
( قال ) ولو قال قد طلقتك وأنا صغير أو قال وأنا نائم لم يقع بهذا شيء لأنه أضاف إلى حالة معهودة تنافي صحة الإيقاع فكان منكرا للإيقاع لا مقرا به .
ولو قال وأنا مجنون فإن عرف بالجنون قبل هذا لم تطلق لأنه أضاف إلى حالة معهودة تنافي صحة الإيقاع وإن لم يعرف بالجنون طلقت لأنه أقر بطلاقها وأضافه إلى حالة لم تعرف تلك الحالة منه فلا يعتبر قوله في الإضافة فلهذا تطلق في الحال وإن قال قلت لك أنت طالق إن كلمت فلانا وقالت هي طلقتني فالقول قول الزوج لأن تعليق الطلاق بالشرط يمين واليمين غير الطلاق .
ألا ترى أنه لا يقع الطلاق بها ما لم يجد الحنث فهي تدعي عليه إيقاع الطلاق والزوج منكر لذلك فالقول قوله وإن قال أنت طالق ثلاثا إن لم أطلقك لم تطلق حتى يموت أحدهما قبل أن يطلقها لأن كلمة إن للشرط فقد جعل عدم إيقاع الطلاق عليها شرطا ولا يتيقن وجود هذا الشرط ما بقيا حيين فهو كقوله إن لم آت البصرة فأنت طالق ثم إن مات الزوج وقع عليها قبل موته بقليل وليس لذلك القليل حد معروف ولكن قبيل موته يتحقق عجزه عن إيقاع الطلاق عليها فيتحقق شرط الحنث فإن كان لم يدخل بها فلا ميراث لها وإن كان قد دخل بها فلها الميراث بحكم القرار حين وقع الثلاث بإيقاعه قبيل موته بلا فصل وإن ماتت المرأة وقع الطلاق أيضا قبل موتها .
وفي النوادر لا يقع لأنه قادر على أنه يطلقها ما لم تمت وإنما عجز بموتها فلو وقع الطلاق لوقع بعد الموت وهو نظير قوله إن لم آت البصرة وجه ظاهر الرواية أن الإيقاع من حكمة الوقوع بعد الموت وهو قد تحقق العجز عن إيقاعه قبيل موتها لأنه يعقبه الوقوع كما لو قال لها أنت طالق مع موتك فيقع الطلاق قبيل موتها بلا فصل ولا ميراث للزوج لأن الفرقة وقعت بينهما قبل موتها بإيقاع الطلاق عليها .
وإن قال أنت طالق متى لم أطلقك طلقت كما سكت لأن كلمة متى تستعمل للوقت فقد أضاف الطلاق إلى وقت بعد يمينه لا يطلقها فيه وقد وجد ذلك الوقت كما سكت وكذلك إن قال متى ما لم أطلقك فأما إذا قال إذا لم أطلقك أو إذا ما لم أطلقك فإن قال عنيت بإذاء الشرط فهو بمنزلة أن لا يقع الطلاق حتى يموت أحدهما وإن قال عنيت به متى وقع الطلاق كما سكت لأن إذا تستعمل لكل واحدة منهما وإن لم تكن له نية .
فعلى قول أبي حنيفة - C تعالى - لا تطلق حتى يموت أحدهما وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - كما سكت يقع وأصل الخلاف بين أهل اللغة والنحو فالكوفيون منهم يقولون إذا قد تستعمل للوقت وقد تستعمل للشرط على السواء فيجازى به مرة ولا يجازى به أخرى .
وإذا كان بمعنى الشرط سقط فيه معنى الوقت أصلا كحرف إن وهو مذهب أبي حنيفة - C تعالى - والبصريون - رحمهم الله تعالى يقولون إذا للوقت ولكن قد تستعمل للشرط مجازا ولا يسقط به معنى الوقت إذا أريد به الشرط بمنزلة متى وهو مذهب أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - فهما يقولان إذا تستعمل فيما هو كائن لا محالة وليس فيه معنى الخطر .
قال الله تعالى : { إذا الشمس كورت . وإذا السماء انفطرت } ويقال الرطب إذا اشتد الحر والبرد إذا جاء الشتاء والشرط ما هو على خطر الوجود فعرفنا انه للوقت حقيقة فعند عدم النية يحمل اللفظ على حقيقته ألا ترى أنه لو قال لامرأته إذا شئت فأنت طالق لم يخرج ألأمر من يدها بقيامها عن المجلس بمنزلة قوله متى شئت بخلاف قوله إن شئت وأبو حنيفة - C تعالى يقول إذا قد تكون للشرط حقيقة يقول الرجل إذا زرتني زرتك وإذا أكرمتني أكرمتك دل عليه قول القائل شعر .
استغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك حصاصة فتحمل .
معناه وإن تصبك فعند عدم النية هنا أن حمل على معنى الشرط لم يقع الطلاق حتى يموت أحدهما وإن جعل بمعنى متى طلقت في الحال وقد عرفنا أن الطلاق غير واقع فلا نوقعه بالشك ولهذا قلنا في مسألة المشيئة لا يخرج الأمر من يدها بقيامها عن المجلس لأنا إن جعلنا إذا بمعنى الشرط خرج الأمر من يدها وإن جعلناها بمعنى متى لم يخرج الأمر من يدها وقد عرفنا كون الأمر في يدها بيقين فلا نخرجه من يدها بالشك .
وفي الكتاب قال ألا ترى أنه لو قال إذا سكت عن طلاقك فأنت طالق تطلق كما سكت وهذا لا حجة فيه لأنه لو قال إن سكت وإن قال كلما لم أطلقك فأنت طالق وقد دخل بها ثم سكت فهي طالق ثلاثا يتبع بعضها بعضا لأنه أضاف الطلاق إلى وقت لا يطلقها فيه بكلمة كلما وعقيب سكوته يوجد ثلاثة أوقات بهذه الصفة بعضها على أثر البعض فتطلق ثلاثا بطريق الإتباع ولا يقعن معا حتى إذا لم يكن دخل بها لا يقع إلا واحدة .
وإن قال متى ما لم أطلقك واحدة فأنت طالق ثلاثا ثم قال موصلا بكلامه أنت طالق واحدة فقد بر في يمينه استحسانا ولا يقع عليها إلا واحدة وفي القياس تطلق ثلاثا وهو قول زفر - C تعالى - لأنه آلى أن يفرغ من قوله أنت طالق واحدة يوجد وقت موصوف بأنه لم يطلقها فيه وإن لطف وذلك يكفي شرطا للحنث ولكن استحسن فقال : البر مراد الحالف ولا يتأتى له البر إلا بعد أن يجعل هذا القدر مستثنى وما لا يستطاع الامتناع عنه يجعل عفوا .
وأصل المسألة فيما إذا قال : إن ركبت هذه الدابة وهو راكبها فأخذ في النزول في الحال ولو سكت ساعة ثم قال : أنت طالق واحدة فقد طلقت ثلاثا قبل قوله واحدة وهذا لأن السكوت فيما بين الكلامين يستطاع الامتناع عنه وعلى هذا لو قال ما لم أقم من مقعدي هذا فأنت طالق إن قام كما سكت لم تطلق استحسانا وإن سكت هنيهة طلقت ولو قال أنت طالق حين لم أطلقك ولا نية له فهي طالق كما سكت لأن حرف لم عبارة عن الماضي وقد مضى حين لم يطلقها فيه فكان الوقت المضاف إليه الطلاق موجودا كما سكت وكذلك لو قال زمان لم أطلقك أو يوم لم أطلقك أو حيث لم أطلقك لأن حرف حيث عبارة عن المكان وكم من مكان لم يطلقها فيه ولو قال حين لا أطلقك لا تطلق في الحال لأن حرف لا للاستقبال وإن نوى بحين وقتا يسيرا أو طويلا تعمل نيته وإن لم يكن له نية فهو على ستة أشهر فما لم تمض ستة أشهر بعد يمينه لا تطلق لأن حين تستعمل بمعنى ساعة قال الله تعالى : { حين تمسون وحين تصبحون } أي وقت الصباح والمساء وتستعمل بمعنى قيام الساعة قال الله تعالى : { تمتعوا حتى حين } وتستعمل بمعنى أربعين سنة قال الله تعالى : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } وتستعمل بمعنى ستة أشهر قال الله تعالى : { تؤتي أكلها كل حين } فإذا نوى شيئا كان المنوي من محتملات لفظه وإن لم ينو شيئا كان على ستة أشهر هكذا .
قال ابن عباس - Bهما - حين سئل عمن حلف لا يكلم فلانا حينا قال هو على ستة أشهر فإن النخلة يدرك ثمرها في ستة أشهر وقال الله تعالى : { تؤتي أكلها كل حين } ولأنه متى أراد به ساعة لا يستعمل فيه لفظ الحين عادة ومتى أراد به أربعين سنة أو قيام الساعة استعمل فيه لفظ الأبد فتعيين ستة أشهر مرادا به وكذلك لو قال زمان لا أطلقك فإن لفظة حين وزمان يستعملان استعمالا واحدا يقول الرجل لغيره لم ألقك منذ حين ولم ألقك منذ زمن ولو قال يوم لا أطلقك فإذا مضى بعد يمينه يوم لم يطلقها فيه طلقت حتى إذا قال هذا قبل طلوع الفجر فكما غربت الشمس تطلق لأن اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس حتى يقدر الصوم بالامساك فيه .
( قال ) وإذا قال يوم أدخل دار فلان فامرأته طالق ولا نية له فدخلها ليلا أو نهارا طلقت لأن اليوم يستعمل بمعنى الوقت قال الله تعالى : { ومن يولهم يومئذ دبره } ومن فر من الزحف ليلا أو نهارا يلحقه هذا الوعيد والرجل يقول انتظر يوم فلان أي وقت إقباله أو إدباره فإذا قرن بما لا يختص بأحد الوقتين ولا يكون ممتدا كان بمعنى الوقت كالطلاق وإذا قرن بما يختص بأحد الوقتين كالصوم كان بمعنى بياض النهار وكذلك إذا قرن بما يكون ممتدا كقوله لامرأته أمرك بيدك يوم يقدم فلان على ما نبينه إن شاء الله تعالى .
وإذا قال في الطلاق نويت النهار دون الليل فهو مصدق في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه وهي حقيقة مستعملة فيجب تصديقه في ذلك وإن قال ليلة أدخلها فأنت طالق فدخل نهارا لم تطلق لأن الليل اسم خاص لسواد الليل وهو ضد النهار ولا يصح أن ينوى بالشيء ضده وإن قال أنت طالق إلى حين أو زمان أو إلى قريب فإن نوى فيه شيئا فهو على ما نوى من الأجل لأن الدنيا كلها قريب فالمنوي من محتملات لفظه وإن لم يكن له نية ففي الحين والزمان هي إلى ستة أشهر وفي القريب إلى مضي ما دون الشهر حتى إذا مضى من وقت يمينه شهر إلا يوم طلقت لأن القريب عاجل والشهر فما فوقه آجل وما دون الشهر عاجل حتى إذا حلف ليقضين حقه عاجلا فقضاه فيما دون الشهر بر في يمينه والعاجل ما يكون قريبا .
ولو قال أنت طالق إلى شهر فإن نوى وقوع الطلاق عليها في الحال طلقت ولغي قوله إلى شهر لأن الواقع من الطلاق لا يحتمل الأجل وإن لم ينو ذلك لم تطلق إلا بعد مضي شهر عندنا .
وقال زفر - C تعالى - تطلق في الحال وهو رواية عن أبي يوسف - C تعالى - لأن قوله إلى شهر لبيان الأجل والأجل في الشيء لا ينفي ثبوت أصله بل لا يكون إلا بعد أصله كالأجل في الدين لا يكون إلا بعد وجوب الدين فكذلك ذكر الأجل هنا فيما أوقعه لا ينفي الوقوع في الحال ولكن يلغوا الأجل لأن الواقع من الطلاق لا يحتمل ذلك وأصحابنا - رحمهم الله تعالى - يقولون الواقع لا يحتمل الأجل ولكن الإيقاع يحتمل ذلك لأن عمله في التأخير والإيقاع يحتمل التأخير ولو جعلنا حرف إلى داخلا على أصل الإيقاع كان عاملا في تأخير الوقوع ولو جعلناه داخلا على الحكم كان لغوا وكلام العاقل محمول على الصحة مهما أمكن تصحيحه لا يجوز إلغاؤه فجعلناه داخلا على أصل الإيقاع وقلنا بتأخير الوقوع إلى ما بعد الشهر كأنه قال أنت طالق بعد مضي شهر وإن قال أنت طالق غدا تطلق كما طلع الفجر من الغد لوجود الوقت المضاف إليه الطلاق وإن قال عنيت به آخر النهار لم يدين به في القضاء ويدين فيما بينه ولبن الله تعالى لأنه نوى التخصيص في لفظ العلوم فإنه وصفها بالطلاق في جميع الغد وإنما يكون ذلك إذا وقعت في أول جزء منه فإذا نوى الوقوع في آخر جزء من الغد فنيته التخصيص في العموم صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال لا آكل الطعام ونوى طعاما دون طعام وإن قال أنت طالق في غد طلقت كما طلع الفجر أيضا فإن قال عنيت به آخر النهار صدق في القضاء عند أبي حنيفة - C تعالى - ولم يصدق عندهما ذكر الخلاف في الجامع الصغير فهما سويا بين قوله غد وبين قوله في غد لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد فإذا عنى جزءا خاصا منه كان هذا كنية التخصيص في لفظ العموم .
وأبو حنيفة - C تعالى - يفرق بينهما فيقول حرف في للظرف والظرف قد يشغل جميع المظروف وقد يشغل جزءا منه لأنه إذا قيل في الجوالق حنطة لا يفهم منه أن يكون مملوءا من الحنطة فإذا ذكر بين الوصف والوقت حرف الظرف كان كلامه محتملا بين أن يكون موصوفة بالطلاق في جميع الغد أو في جزء منه والنية في الكلام المحتمل صحيحة في القضاء والوقت إنما يكون ظرفا للطلاق على أن يكون واقعا فيه لا أن يكون شاغلا له والوقوع يكون في جزء من الوقت فكان هذا أقرب إلى حقيقة معنى الظرف وإذا قال غدا فلم يدخل بين الوصف والوقت حرف الظرف فكان حقيقته الوصف لها بالطلاق في جميع الغد فلهذا لا تعمل نيته في التخصيص في القضاء ولو قال أنت طالق في رمضان ولا نية له فهي طالق حين تغيب الشمس من آخر يوم من شعبان لأنه كما رأى الهلال فقد وجد جزء من رمضان وذلك يكفي للوقوع وإن قال نويت آخر رمضان فهو على الخلاف الذي بينا وإن قال أنت طالق اليوم غدا فهي طالق اليوم لأنه ذكر وقتين غير معطوف أحدهما على الآخر وفي مثله الوقوع في أول الوقتين ذكرا وهو اليوم ولو قال غدا اليوم طلقت غدا وهذا لأن قوله أنت طالق اليوم تنجيز وقوله غدا إضافة إلى وقت منتظر والمنجز لا يحتمل الإضافة فكان قوله : غدا لغوا وإذا قال أولا غدا كان هذا إضافة الطلاق إلى وقت منتظر فلو نجز بذكره اليوم لم يبق مضافا وقوله اليوم ليس بناسخ لحكم أول كلامه فكان لغوا وإن قال اليوم وغدا طلقت للحال واحدة لا تطلق غيرها لأن العطف للاشتراك فقد وصفها بالطلاق في الوقتين وهي بالتطليقة الواحدة تتصف بالطلاق في الوقتين جميعا وإن قال غدا واليوم تطلق واحدة اليوم عندنا والأخرى غدا لأنه عطف الجملة الناقصة على الجملة الكاملة فالخبر المذكور في الجملة الكاملة يصير معادا في الجملة الناقصةفإن العطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر فكأنه قال وأنت طالق اليوم .
وعن زفر - C تعالى - أنها لا تطلق إلا واحدة لأن صيغة كلامه وصف وهي بالتطليقة الواحدة تتصف .
بأنها طالق في الوقتين جميعا وإن قال أنت طالق الساعة غدا طلقت للحال وكان قوله غدا حشوا لما قلنا فإن قال عنيت تلك الساعة من الغد لم يصدق في القضاء لأن ظاهر كلامه تنجيز وهو يريد بنيته صرف الكلام عن ظاهره فلا يدين في القضاء وهو يدين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال كلامه المنوي .
وإن كان خلاف الظاهر والله تعالى مطلع على ضميره وإن قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد فهي طالق حين يطلع الفجر لأن قوله إذا جاء غد تعليق الشرط وبذكر الشرط موصولا بكلامه يخرج كلامه من أن يكون تنجيزا كما لو قال أنت طالق اليوم إذا كلمت فلانا أو إن كلمت فلانا لم تطلق قبل الكلام ويتبين بذكر الشرط أن قوله اليوم لبيان وقت التعليق لا لبيان وقت الوقوع لخلاف قوله اليوم غدا فإن هذا ليس بذكر الشرط فبقي قوله اليوم بيانا لوقت الوقوع وإن قال أنت طالق رمضان وشوال كانت طالقا أول ليلة من رمضان لأنه أضاف الطلاق إلى وقتين فيقع عند أول الوقتين ذكرا وإن قال أنت طالق في رمضان فهو على أول رمضان يجيء وهو الظاهر المعلوم بالعادة من كلامه كما لو ذكر الأجل في اليمين إلى رمضان أو أجر داره إلى رمضان فإن قال عنيت الثاني لم يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر ولأنه في معنى تخصيص العموم لأن موجب كلامه أن تكون موصوفة بالطلاق في كل رمضان يجيء بعد يمينه فإذا عين البعض دون البعض كان هذا تخصيصا لعموم وتخصيص العموم بالنية صحيح فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء .
وكذلك قوله أنت طالق يوم السبت فهو على أول سبت فإن قال عنيت الثاني لم يصدق في القضاء وإن قال طالق بمكة أو في مكة طلقت في الحال لأنه وصفها بالطلاق في مكان موجود والطلاق لا يختص بمكان دنو مكان ولكن إذا وقع عليها في مكان تتصف به في الأمكنة كلها فإن قال عنيت به إذا أتيت مكة لم يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه ذكر المكان وعبر به عن الفعل الموجود فيه وذلك نوع من المجاز مخالف للحقيقة والظاهر فلا يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وكذلك قوله أنت طالق في ثوب كذا وعليها غيره طلقت لأن وصفه إياها بالطلاق لا يختص بثوب دون ثوب فإن قال عنيت به إذا لبست ذلك الثوب دين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه جعل ذكر الثوب كناية عن فعل اللبس فيه وهو نوع من المجاز وكذلك قوله في الدار أو في البيت أو في الظل أو في الشمس وإن قال في ذهابك إلى مكة أو في دخول الدار أو في لبسك ثوب كذا لم تطلق حتى تفعل ذلك لأن حرف في للظرف والفعل لا يصلح ظرفا للطلاق على أن يكون شاغلا له فيحمل على معنى الشرط لأن المظروف يسبق الظرف كما أن الشرط يسبق الجزاء ويجعل حرف في بمعنى مع قال الله تعالى : { فادخلي في عبادي } أي مع عبادي ويقال دخل الأمير البلدة في جنده أي معهم ولو قال أنت طالق مع دخولك الدار لم تطلق حتى تدخل فهذا مثله بخلاف قوله في الدار لأنه لو قال مع الدار طلقت لأنه قرن الطلاق بما هو موجود وإن قال أنت طالق وأنت تصلين طلقت للحال لأن قوله وأنت تصلين ابتداء فإن قال عنيت إذا صليت لم يصدق في القضاء لأن الشرط لا يعطف على الجزاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأن هذا اللفظ يذكر بمعنى الحال تقول دخلت الدار على فلان وهو يفعل كذا أي في تلك الحالة فيكون معنى هذا أنت طالق في حال اشتغالك بالصلاة فيدين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال لفظه ما نوى وكذلك لو قال أنت طالق مصلية في القضاء تطلق في الحال وإن قال عنيت إذا صليت دين فيما بينه وبين الله تعالى لمعنى الحال وأهل النحو يقولون إن قال مصلية بالرفع لا يدين فيما بينه وبين الله تعالى وإن قال مصلية بالنصب حينئذ يدين في القضاء أيضا وهو نصب على الحال وهذا ظاهر عند أهل النحو وهو نصب على الحال وعند الفقهاء يدين فيما بينه وبين الله تعالى وإن قال أنت طالق في مرضك أو في وجعك لم تطلق حتى يكون منها ذلك الفعل إما لأن حرف في معني مع أو لأن المرض والوجع لما لم يصلح ظرفا حمل على معنى الشرط مجازا لتصحيح كلام العاقل وإن قال أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر فقدم فلان قبل تمام الشهر لم تطلق لأنه أضاف الطلاق إلى وقت منتظر وهو أول شهر يتصل بآخره قدوم فلان فيراعى وجود هذا الوقت بعد اليمين ولم يوجد .
وكذلك لو قال أنت طالق قبل موت فلان بشهر فمات فلان قبل تمام الشهر لم تطلق بخلاف ما لو قال لها في النصف من شعبان أنت طالق قبل رمضان بشهر تطلق في الحال لأنه أضاف الطلاق إلى وقت قد تيقن مضيه فيكون ذلك تنجيزا منه كقوله أنت طالق أمس .
فأما إذا قدم فلان أو مات لتمام الشهر فعلى قول زفر - C تعالى - في الفصلين جميعا يقع الطلاق من أول الشهر حتى تعتبر العدة من ذلك الوقت ولو كان وطئها في الشهر صار مراجعا في الطلاق الرجعي وفي البائن يلزمه مهر بالوطء .
وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - يقع الطلاق مقصورا على حالة القدوم والموت حتى تعتبر العدة في الحال ولا يصير مراجعا بالوطء في الشهر ولا يلزمه به مهر .
وقال أبو حنيفة - C تعالى - في القدوم الجواب كما قالا وفي الموت الجواب كما قال زفر - C تعالى - وجه قول زفر - C تعالى - أن وقوع الطلاق بإيقاعه إنما يقع في الوقت الذي أوقعه وإنما أوقعه في أول شهر يتصل بآخره قدوم فلان أو موته فيقع في ذلك الوقت وقد وجد ذلك الوقت بعد اليمين ولكن لم يكن معلوما لنا ما لم يوجد القدوم والموت فإذا صار معلوما لناتبين أنه كان واقعا كما لو قال لها إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم لا يحكم بوقوع الطلاق حتى يستمر بها ثلاثة أيام ثم يتبين أنه كان واقعا عند رؤية الدم وكذلك إذا قال إن كان في بطنك غلام فأنت طالق لا يحكم بالوقوع حتى تلد فإذا ولدت غلاما تبين أن الطلاق كان واقعا والدليل عليه أنه لو أوقع عند مضي شهر بعد القدوم أو الموت لا يقع إلا في ذلك الوقت فكذلك إذا أوقع قبله بشهر ولو قال لأجنبية أنت طالق قبل أن أتزوجك بشهر ثم تزوجها بعد شهر لم تطلق ولو انتصب التزوج شرطا وكان أوان الوقوع بعده لطلقت .
وأبو يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى - قالا وقوع الطلاق توقف بكلامه على وجود القدوم والموت وإنما يتوقف على وجود الشرط فعرفنا أنه شرط معني والجزاء يتأخر عن الشرط ثم هذا في القدوم واضح لأنه على خطر الوجود وفي الشرط معني الخطر والموت وإن كان كائنا لا محالة ولكن مضى الشهر بعد كلامه قبل الموت لم يكن كائنا عند يمينه لا محالة ولهذا قال لو مات قبل تمام الشهر لم تطلق ولأن الموت قد يتقدم وقد يتأخر فكل شهر يمضي بعد يمينه لا يعلم أنه الوقت المضاف إليه الطلاق ما لم يتصل الموت بآخره لجواز أن يتأخر عنه كما في القدوم لا يعلم ذلك لجواز أن لا يقدم أصلا فكان هذا في معنى الشرط أيضا بخلاف قوله أنت طالق قبل أن أتزوجك بشهر فإن الإضافة هنا لغو أصلا لأنه غير مالك للطلاق في الوقت الذي أضاف إليه واعتبار معنى الشرط بعد صحة الإضافة .
وفي مسألة الحيض الشرط يوجد برؤية قطرة من الدم ولكن لا يحكم بالطلاق لجواز أن ينقطع قبل تمام الثلاث فلم يكن وقوع الطلاق هناك موقوفا على وجود أمر منتظر كذلك في مسألة الحبل كلامه تنجيز للطلاق لأن التعليق بما هو موجود يكون تنجيزا فلم يكن الوقوع موقوفا على أمر منتظر ولكنا لا نحكم به قبل الولادة لعدم علمنا به فلم يكن في معنى الشرط والفرق لأبي حنيفة - C تعالى - ما أشار إليه في الكتاب فقال : إن موت فلان حق كائن وقدومه لا يدرى أيكون أو لا يكون وتقريره من وجهين .
( يتبع . . . )