( قال ) ( وإذا سبي أحد الزوجين الحربيين وأخرج إلى دار الإسلام انقطعت العصمة بينهما بغير طلاق ) لأن ارتفاع النكاح كان حكما لتباين الدارين وهو مناف لعصمة النكاح والفرقة الواقعة بسبب المنافي للنكاح لا تكون طلاقا كالفرقة بالمحرمية ولأن هذا السبب يشترك فيه الزوجان وتقع الفرقة بنفسه فلا يكون طلاقا كالفرقة بسبب ملك أحد الزوجين صاحبه وفقهه أنه ليس إليها من الطلاق شيء فكل سبب يتم بها لا يكون طلاقا فإن طلقها بعد هذا لا يقع أيضا لأنها بانت لا إلى عدة فإنه إن سبي الزوج أولا فلا عدة على الحربية وإن سبيت المرأة فلا عدة على المسبية لأنها تحل للسابي بعد الاستبراء بالنص .
فإن سبي الآخر بعده لم يعد النكاح بينهما لارتفاعه بالسبب المنافي ولا يقع طلاقه أيضا لأنها ليست في عدته ولا يجب على الزوج شيء من المهر إن كان دخل بها أو لم يدخل بها سبيا أو سبي أحدهما لأنها إن سبيت فقد خرجت من أن تكون أهلا لمالكية المال وإن سبي الزوج فالدين على الحر لا يبقى بعد السبي كسائر الديون لأن الدين على المملوك لا يجب إلا شاغلا لمالية رقبته وحين وجب الدين عليه لم يكن مالا فلا تشتغل ماليته بعد ذلك بالدين فلهذا سقط .
وإن لم يسبيا ولكن أسلم أحدهما وخرج إلى دار الإسلام فقد وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق لتباين الدارين فإن طلقها بعد هذا لم يقع طلاقه عليها .
أما إذا كان الزوج هو الذي أسلم فلأنه لا عدة على الحربية .
وإن كانت المرأة هي التي أسلمت فعند أبي حنيفة - C تعالى - لا عدة على المهاجرة أيضا .
وعندهما وإن كان يلزمها العدة فهذه العدة لا توجب ملك اليد للحربي عليها فكان بمنزلة العدة من نكاح فاسد أو وطء بشبهة فلا يقع الطلاق عليها باعتبارها .
وإن أسلم الزوج بعدها وخرج لم يقع طلاقه عليها أيضا وقيل هذا على قول أبي يوسف - C تعالى - الأول وهو قول محمد - C تعالى .
فأما قول أبي يوسف - C تعالى - الآخر يقع طلاقه عليها وهو نظير ما لو اشترى امرأته بعد ما دخل بها ثم أعتقها وطلقها في العدة لا يقع طلاقه في قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد - C تعالى .
وفي قول أبي يوسف - Bه - الآخر يقع .
وكذلك إذا اشترت المرأة زوجها ثم أعتقته .
وعلى هذا لو ارتد الزوج ولحق بدار الحرب لا يقع طلاقه عليها فإن عاد مسلما ثم طلقها فهو على هذا الخلاف .
وجه قوله أبي يوسف - C تعالى - الأول : أنها صارت بحال لا يقع طلاقه حين لحق بدار الحرب أو بقي في دار الحرب أو ملكها بالشراء فدل ذلك على زوال ملك اليد الذي كانت به محلا للطلاق وبعد ما زال الملك لا يعود إلا بالتجديد .
وجه قوله الآخر : أن المانع من وقوع الطلاق تباين الدارين حقيقة وحكما أو عدم ظهور العدة في حقه حين اشتراها وقد زال ذلك حين أعتقها وحين خرج إلى دارنا مسلما وهي في عدته بعد فيقع عليها طلاقه كما لو أسلم أحد الزوجين في دار الإسلام وفرق بينهما بالإباء من الآخر ثم طلقها الزوج وهي في العدة فإنه يقع الطلاق ثم إن كان دخل بها فلها أن تؤاخذه بمهرها إذا خرج إلى دار الإسلام لأن المهر قد تقرر عليه بالدخول فيبقى بعد إسلامها .
وإن لم يدخل بها وكانت هي التي خرجت أولا مسلمة فلها على الزوج نصف المهر لأنه إنما يحال بالفرقة على جانب الزوج حين أصر على شركه في دار الحرب بعد إسلامها .
وإن كان الزوج هو الذي خرج أولا مسلما فلا مهر لها عليه لأن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول وإذا سبيا معا فهما على النكاح لعدم تباين الدارين وقد بيناه في كتاب النكاح .
( قال ) ( وإذا تزوج المسلم كتابية في دار الحرب فتمجست انتقض النكاح بينهما ) لأن تمجسها إذا كانت تحت مسلم بمنزلة ردتها وطلاقه يقع عليها ما دامت في العدة كما لو ارتدت المرأة في دار الإسلام وهذا لأنه لم تتباين بهما الدار وهو المنافي للعصمة والحرمة بسبب الردة على شرف الزوال بالإسلام فلا تمنع ثبوت الحرمة بالتطليقات الثلاث .
فإن خرج الزوج إلى دار الإسلام وبقيت في دار الحرب لم يقع طلاقه عليها لتباين الدارين حقيقة وحكما .
وإن خرج الزوجان إلى دارنا مستأمنين ثم أسلم أحدهما فهي امرأته حتى تحيض ثلاث حيض .
وقد بينا في كتاب النكاح اختلاف الروايات في عرض الإسلام على الآخر منهما .
فإذا حاضت ثلاث حيض وقعت الفرقة بغير طلاق بينهما وانقطعت العصمة فلا يقع عليها طلاقه لأن المصر منهما على شركه من أهل دار الحرب .
ألا ترى أنه يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب فهو بمنزلة ما لو كان في دار الحرب حقيقة في المنع من وقوع طلاقه عليها .
وكذلك إذا صار أحدهما ذميا وأبى الآخر فالحكم فيما وصفنا من الفرقة في دار الإسلام وفي دار الحرب سواء لأن الذمي صار من أهل دارنا والآخر من أهل دار الحرب وما سوى هذا من مسائل الباب قد بينا شرحها في كتاب النكاح والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب