( قال ) Bه الأصل أن المتوفى عنها زوجها يلزمها الحداد في عدتها وفيه لغتان حداد وإحداد يقال : أحدت المرأة تحد وحدت تحد وكلاهما لغة صحيحة وهذا لما روي أن أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها - لما أتاها خبر موت أبي سفيان - رضي الله تعالى عنه - دعت بطيب بعد ثلاثة أيام فأمسته عارضيها وقالت ما بي حاجة إلى الطيب ولكني سمعت رسول الله - A - يقول : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا ) وقال A للمرأة التي استأذنته في الاكتحال ( قد كانت أحداكن في الجاهلية ) الحديث على ما روينا .
فأما المبتوتة وهي المختلعة والمطلقة ثلاثا أو تطليقة بائنة فعليها الحداد في عدتها عندنا .
وقال الشافعي - Bه - لا حداد عليها لأن هذه العدة واجبة لتعرف براءة الرحم فلا حداد عليها كالمعتدة عن وطء بشبهة أو نكاح فاسد وهذا لأن الحداد على المتوفى عنها زوجها لإظهار التأسف على موت الزوج الذي وفى لها حتى فرق الموت بينهما وذلك غير موجود في حق المطلقة لأن الزوج جفاها وآثر غيرها عليها فإنما تظهر السرور بالتخلص منه دون التأسف .
( ولنا ) في ذلك حديث أم سلمة - Bها - أن النبي - A - نهى المعتدة أن تختضب بالحناء فإن الحناء طيب وهذا عام في كل معتدة ولأنها معتدة من نكاح صحيح فهي كالمتوفى عنها زوجها وتأثيره أن الحداد إظهار التأسف على فوت نعمة النكاح والوطء الحلال بسببه وذلك موجود في المبتوتة كوجوده في المتوفى عنها زوجها وعين الزوج ما كان مقصودا لها حتى يكون التحزن بفواته بل كان مقصودها ما ذكرنا من النعمة وذلك يفوتها في الطلاق والوفاة بصفة واحدة بخلاف العدة من نكاح فاسد والوطء بشبهة لأنه ما فاتها نعمة بل تخلصت من الحرام بالتفريق بينهما وصفة الحداد أن لا تتطيب ولا تدهن ولا تلبس الحلي ولا الثوب المصبوغ بالعصفر أو الزعفران لأن المقصود من هذا كله التزين وهو ضد إظهار التحزن ولأنه من أسباب رغبة الرجال فيها وهي ممنوعة من الرجال ما دامت معتدة ولا ثوب عصب ولا خز لتتزين به .
قيل : هو البرد اليماني . والأصح أنه القصب .
وفي النوادر عن أبو يوسف - C تعالى - لا بأس بأن تلبس القصب والخز الأحمر وتأويل ذلك إذا لبست ذلك لا على قصد التزين به فأما على قصد التزين به فهو مكروه كما قال في الكتاب ولا تدهن رأسها لزينة فإن الدهن أصل الطيب ألا ترى أن الروائح تلقى فيه فيصير غالية .
وإن استعملت الدهن على وجه التداوي بأن أشتكت رأسها فصبت عليه الدهن جاز لأن العدة لا تمنع التداوي وإنما تمنع من التزين ولا تكتحل للزينة أيضا فإن أشتكت عينها فلا بأس بأن تكتحل بالكحل الأسود .
لما روي أن المتوفى عنها زوجها استأذنت رسول الله - A - في الاكتحال في الابتداء فأذن لها رسول الله - A - فلما بلغت الباب دعاها فقال : ( قد كانت إحداكن في الجاهلية ) الحديث وتأويله أنه وقع عنده A أنها لا تقصد الزينة بالاكتحال في الابتداء فأذن لها ثم علم أن قصدها الزينة فمنعها وإن لم يكن لها إلا ثوب مصبوغ فلا بأس بأن تلبسه من غير أن تريد الزينة بذلك لأنها لا تجد بدا من ستر عورتها وإذا لم تجد سوى هذا الثوب فمقصودها الستر لا الزينة والأعمال بالنيات .
وأما المطلقة طلاقا رجعيا فلا بأس بأن تتطيب وتتزين بما أحبت من الثياب لأن نعمة النكاح والحل ما فاتت بعد لأن الزوج مندوب إلى أن يراجعها والتزين مما يبعثه على مراجعتها فتكون مندوبة إليه أيضا .
فأما الكتابية تحت مسلم إذا فارقها أو توفي عنها فليس عليها أن تتقي في عدتها شيئا من الطيب والزينة لأن الحداد في العدة لحق الشرع وهي لا تخاطب بالشرائع وفي الكتاب قال : لأن الذي فيها من الشرك والذي تترك من فرائض الله تعالى أعظم من هذا .
( قال ) ( وتتقي المملوكة المسلمة في عدتها ما تتقي منه الحرة إلا الخروج ) لأنها مخاطبة بحق الشرع كالحرة وإنما لا تمنع من الخروج لحق مولاها في خدمته ولا حق للمولى في تطيبها وتزينها في العدة لأنها محرمة عليه ما لم تنقض عدتها .
( قال ) ( وليس على الصبية أن تتقي شيئا من ذلك عندنا ) وقال الشافعي - Bه هي كالبالغة وعلى الولي أن يمنعها من التطيب والتزين كما يمنعها من شرب الخمر وحرمتها لحق الشرع وكما يجب عليها أصل العدة لحق الشرع لأنا نعلم يقينا فراغ رحمها من ماء الزوج فكذلك الحداد في العدة يجب عليها إذا توفي عنها زوجها .
ولكنا نقول : هي لا تخاطب بحق الشرع بما هو أعظم من الحداد من الصوم والصلاة والحداد في معنى شكر النعمة لأنه اظهار التحزن على فوت نعمة الزوجية وليس عليها ذلك شرعا بخلاف أصل العدة .
فقد قال بعض مشايخنا : هي لا تخاطب بالاعتداد ولكن الولي يخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة العدة مع أن العدة مجرد مضي المدة فثبوتها في حقها لا يؤدي إلى توجه خطاب الشرع عليها بخلاف الحداد فيها .
( قال ) ( ليس على أم الولد في عدتها اتقاء شيء من ذلك ) لأن عدتها من السيد إنما تجب عند العتق وفيه تخلصها من الرق ووصولها إلى نعمة الحرية فلا يفوتها بها شيء من النعمة لتأسف على ذلك وما كان من حال الوطء بينها وبين المولى فقد كان بسبب هو عقوبة في حقها وهو الرق فلا يعد نعمة وكرامة ولهذا لا يثبت به الإحصان فعدتها بمنزلة العدة من نكاح فاسد وقد بينا فيما سبق أنهما لا يمنعان من الخروج في عدتهما فكذلك لا يمنعان من التزين ألا ترى أن امرأة رجل لو تزوجت ثم دخل بها الزوج ثم فرق بينهما ثم ردت إلى الزوج الأول كان لها أن تتزين وتتشوف إلى زوجها الأول وعليها عدة الآخر ثلاث حيض .
( قال ) ( رجل اشترى امرأته وهي أمة قد ولدت منه فسد النكاح وقد كانت حلالا له بالملك فلا بأس بأن تتزين له وتتطيب ) لأنها غير معتدة في حقه لأن العدة أثر النكاح وكما أن الملك ينافي أصل النكاح ينافي أثره ولأنه يحل له وطؤها بسبب الملك فلا بأس بأن تتطيب له وتتزين ليزداد رغبة فيها ولو أراد أن يزوجها رجلا لم يجز حتى تحيض حيضتين لأنها معتدة في حق غيره فإن الفرقة وقعت بينها وبين زوجها بعد الدخول بسبب الملك وذلك لا ينفك عن عدة فجعلناها في حق غيره كالمعتدة وإن لم يكن في حقه فإن أعتقها فعليها ثلاث حيض لأنها صارت أم ولد له حين اشتراها بعد ما ولدت منه بالنكاح .
وعلى أم الولد ثلاث حيض بعد العتق ثم تتقي الطيب والزينة في الحيضتين الأوليين اللتين كانتا عليها من قبل النكاح استحسانا وفي القياس ليس عليها ذلك لأن الحداد لا يلزمها عند وقوع الفرقة فكيف يلزمها بعد ذلك وبالعتق إنما يفوتها الحل الذي كان قائما قبله وقد بينا أن ذلك ليس بنعمة .
وجه الاستحسان أن العدة وجبت عليها بالفرقة ولكن لم يظهر ذلك لحق المولى لكونها حلالا له بالملك وقد زال ذلك بالعتق فظهرت تلك العدة في حق المولى والعدة بعد الفرقة من نكاح صحيح يجب فيها الحداد وإنما كانت تتطيب تقديما لحق المولى على حق الشرع حين كانت حلالا له وقد زال ذلك بالعتق فأما الحيضة الثالثة فلا حداد عليها لأن ذلك لم يلزمها بسبب النكاح بل بسبب العتق لكونها أم ولد ولا حداد على أم الولد في عدتها من سيدها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب