اعلم بأن الزوج مأمور بالعدل في القسمة فيما بين النساء وذلك ثابت بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } إلى قوله : { ذلك أدنى أن لا تعولوا } معناه إن لا تجوروا وذكر الشافعي C تعالى في أحكام القرآن أن معناه أن لا تكثر عيالكم وهذا مخالف لقول السلف فالمنقول عنهم أن لا تميلوا ومع ذلك فهو خطأ من حيث اللغة فإنه لو كان المراد كثرة العيال لكان يقول أن لا تعيلوا يقال عال إذا مال وأعال إذا صار معيلا ومن حيث المعنى كذلك أيضا غلطا فإنه أمر بالإكتفاء بالواحدة واتخاذ ما بينا من ملك اليمين عند هذا الجور .
ومعنى كثرة العيال ووجوب النفقة يحصل في ملك اليمين كما يحصل في ملك النكاح وإنما ينعدم في ملك اليمين استحقاق التسوية في القسمة وأما السنة فما روى عن عائشة - Bها - أن النبي - A - كان يعدل في الفسمة بين نسائه وكان يقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك يعني من زيادة المحبة لبعضهن وفي حديث أبي هريرة - Bه - أن النبي - A - قال من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما في القسم جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل .
ولأن النساء رعاياه ألا ترى أنه يحفظهن وينفق عليهن وكل راع مأمور بالعدل في رعيته وإليه أشار النبي - A - في قوله كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته إذا عرفنا هذا فنقول إذا كان للرجل الحر أو المملوك امرأتان حرتان فإنه يكون عند كل واحدة منهما يوما وليلة وإن شاء أن يجعل لكل واحدة منهما ثلاثة أيام فعل لأن المستحق عليه التسوية فأما في مقدار الدور فالاختيار إليه وهذه التسوية في البيتوتة عندها للصحبة والمؤانسة لا في المجامعة لأن ذلك ينبني على النشاط ولا يقدر على اعتبار المساواة فيه فهو نظير المحبة في القلب .
وروي عن الأشعث بن الحكم - Bه - أن رسول الله - A - قال : لأم سلمة - Bها - حين دخل بها أن شئت سبعت لك وسبعت لهن زاد في بعض الروايات أن شئت ثلثت لك وثلثت لهن وفي رواية وإن شئت ثلثت لك ثم درت . وبهذا الحديث أخذ علماؤنا فقالوا الجديدة والقديمة في حكم القسم سواء بكرا كانت الجديدة أو ثيبا .
وقال الشافعي - C تعالى - إن كانت بكرا يفضلها بسبع ليال وإن كانت ثيبا فثلاث ليال ثم التسوية بعد ذلك لحديث أبي هريرة - Bه - أن النبي - A - قال تفضل البكر بسبع والثيب بثلاث ولأن القديمة قد ألفت صحبته وأنست به والجديدة ما ألفت ذلك بل فيها نوع نفرة ووحشة فينبغي أن يزيل ذلك عنها ببعض الصحبة لتستوي بالقديمة في الألف ثم المساواة بعد ذلك فإذا كانت بكرا ففيها زيادة نفرة عن الرجال فيفضلها بسبع ليال وإذا كانت ثيبا فهي قد صحبت الرجال وإنما لم تصحبه خاصة فيكفيها ثلاث ليال لتأنس بصحبته وحجتنا في ذلك أن سبب وجوب التسوية اجتماعها في نكاحه وقد تحقق ذلك بنفس العقد ولو وجب تفضيل إحداهما كانت القديمة أولى بذلك لأن الوحشة في جانبها أكثر حيث أدخل غيرها عليها فإن ذلك يغيظها عادة ولأن للقديمة زيادة حرمة بسبب الخدمة كما يقال لكل جديد لذة ولكل قديم حرمة .
وأما الحديث فالمراد التفضيل بالبداية دون الزيادة كما ذكر في حديث أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - إن شئت سبعت لك وسبعت لهن وقوله إن شئت ثلثت لك ثم درت أي أخبرت بمثل ذلك على كل واحدة منهن ونحن نقول به أن للزوج أن يبدأ بالجديدة لما له في ذلك من اللذة ولكن بعد أن يسوي بينهما .
( قال ) والمسلمة والكافرة والمراهقة والمجنونة والبالغة في استحقاق سواء للمساواة بينهن في سبب هذا الحق وهو الحل الثابت بالنكاح فلا ينبغي أن يقيم عند إحداهن أكثر مما يقيم عند الأخرى إلا أن تأذن له فيه لما روى أن رسول الله - A - استأذن نساءه في مرضه أن يكون في بيت عائشة - رضي الله تعالى عنها - فأذن له في ذلك فكان في بيتها حتى قبض - A - ففي هذا دليل على أن الصحيح والمريض في القسم سواء لأن النبي A في أول مرضه كان يكون عند كل واحدة منهن ثم لما شق ذلك عليه استأذنهن في أن يكون عند عائشة - رضي الله تعالى عنها - فدل ذلك على أن الصحيح والمريض سواء وأن عند الأذن له أن يقيم عند إحداهن .
فأما الأمة والمكاتبة والمدبرة وأم الولد تكون زوجة الرجل فيتزوج عليها حرة فللحرة يومان وللأمة يوم واحد لحديث علي - رضي الله تعالى عنه - على ما روينا قال وللحرة الثلثان من القسم وللأمة الثلث ولأن حل الأمة على النصف من حل الحرة واستحقاق القسم باعتبار ذلك والرق في المكاتبة والمدبرة وأم الولد قائم .
( قال ) وإن سافر الرجل مع إحدى امرأتيه لحج أو غيره فلما قدم طالبته الثانية أن يقيم عندها مثل المدة التي كان فيها مع الأخرى في السفر لم يكن لها ذلك ولم يحتسب عليها بأيام سفره مع التي كانت معه ولكنه يستقبل العدل بينهن .
والكلام هنا في فصلين أحدهما أن له أن يسافر بأيتهما شاء من غير إقراع بينهما عندنا وعند الشافعي C تعالى ليس له ذلك إلا أن يقرع بينهما لحديث عائشة - Bها - أن النبي - A - كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه قالت عائشة Bها وأصابتني القرعة في السفرة التي أصابني فيها ما أصابني وحجتنا في ذلك أنه لا حق للمرأة في القسم عند سفر الزوج ألا ترى أن له أن يسافر ولا يستصحب واحدة منهن فليس عليه التسوية بينهن في حالة السفر وإنما كان يفعل ذلك رسول الله - A - تطييبا لقلوبهن ونفيا لتهمة الميل عن نفسه وبه نقول أن ذلك مستحب للزوج ثم إذا سافر ببعضهن ليس للباقين بعد الرجوع الاحتساب عليه بتلك المدة عندنا وقال الشافعي - C تعالى - إن سافر ببعضهن بغير اقتراع فذلك محسوب عليه في حق الأخرى بنا على أصله أن الإقراع مستحق عليه فإذا لم يفعل ذلك كانت مدة سفره نوبة التي كانت معه فينبغي أن يكون عند الآخرى مثل ذلك ليتحقق العدل ولكنا نقول وجوب التسوية في وقت استحقاق القسم عليه وقد بينا أنه لا حق للمرأة في القسم في حال سفر الزوج فلا يلزمه مراعاة التسوية باعتبار تلك المدة كما إذا سافر بها بالقرعة ألا ترى أنه في حالة الحضر لا فرق بين أن تكون البداية باقراع أو بغير إقراع فكذلك في السفر .
( قال ) ولو أقام عند إحداهما شهرا ثم خاصمته الأخرى في ذلك قضى عليه أن يستقبل العدل بينهما وما مضى فهو هدر غير أنه هو فيه آثم لأن القسمة تكون بعد الطلب من كل واحدة منهما فما مضى قبل الظلب ليس من القسمة في شيء والواجب عليه العدل في القسمة ألا ترى أن ما مضى قبل نكاح أحداهما لا يعتبر في حق التي جدد نكاحها فكذلك ما مضى قبل طلبها .
( قال ) فإن عاد إلى الجور بعد ما نهاه القاضي أوجعه عقوبة وأمره بالعدل لأنه أساء الأدب فيما صنع وارتكب ما هو حرام عليه وهو الجور فيعذر في ذلك ويؤمر بالعدل .
( قال ) ولو كان عند الرجل امرأة فدخلت في سنها أي كبرت فأراد أن يستبدل بها شابة فطلبت أن يمسكها ويتزوج بالأخرى ويقيم عند التي تزوج أياما ويقيم عندها يوما فتزوج على هذا الشرط كان جائزا لا بأس به لقوله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما الآية قال علي Bه إنما نزلت هذه الآية في هذا وبلغنا عن رسول الله - A - أنه قال لسودة بنت زمعة Bها حين طعنت في السن اعتدي فسألته لوجه الله تعالى أن يراجعها ويجعل يوم نوبتها لعائشة Bها لكي تحشر يوم القيامة مع أزواجه - A - ورضي عنهن ففعل .
( قال ) ولا بأس بأن يقيم الرجل عند إحدى امرأتيه أكثر مما يقيم عند الأخرى إذا أذنت له لما روينا من الحديث في مقامه - A - في بيت عائشة - Bها - بأذنهن - Bهن - ولقول ابن عباس - Bه - في قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } الآية قال هذا في الحب فأما في القسم فينبغي أن يعدل ولا يفضل أحداهما إلا بإذن الأخرى وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا } مثل قول علي رضي الله تعالى عنه وكان المعنى فيه أن التي رضيت أسقطت حق نفسها وهي من أهل أن تسقط حقها إلا أن هذا الرضا ليس يلزمها شيئا حتى إذا أرادت أن ترجع وتطالب بالعدل في القسم فلها ذلك .
( قال ) وإذا أقام عند امرأته الأمة يوما ثم أعتقت لم يقم عند الحرة الأخرى إلا يوما واحدا لأن المعتقة استوت بالحرة في السبب فعليه مراعاة التسوية بينهما في القسم وتجعل حريتها عند انتهاء النوبة إليها بمنزلة حريتها عند ابتداء النوبة ولو أقام عند الحرة يوما ثم أعتقت تحول عنها إلى المعتقة لأنها قد استوت بها فليس له أن يفضل الحرة بشيء بعد ما استوت المعتقة بها .
( قال ) وإذا كان للرجل امرأة واحدة فكان يقوم الليل ويصوم النهار فاستعدت عليه امرأته فإنه يؤمر بأن يبت معها ويفطر لها وبلغنا عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال لكعب بن سور اقض بينهما فقال أراها إحدى نسائه الأربع لهن ثلاث أيام ولياليها ولها يوم وليلة وقصة هذا الحديث أن امرأة جاءت إلى عمر - رضي الله تعالى عنه - وقالت إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل فقال نعم الرجل زوجك فأعادت كلامها مرارا في كل ذلك يجيبها عمر - Bه - بهذا فقال كعب بن سور يا أمير المؤمنين أنها تشكو من زوجها في أنه هجر من صحبتها فتعجب عمر - رضي الله تعالى عنه - من فطنته وقال اقض بينهما فقضى كعب رضي الله تعالى عنه بما ذكر فولاه عمر - رضي الله تعالى عنه - قضاء البصرة ثم ظاهر الرواية لا يتعين حقها في يوم وليلة من كل أربع ليال ولكن يؤمر الزوج بأن يراعي قلبها ويبيت معها أحيانا .
وروى الحسن عن أبي حنيفة - C تعالى - قال : إذا كان للرجل امرأة واحدة فاشتغل عنها بالصيام والقيام أو بصحبة الإماء فخاصمته في ذلك قضى القاضي لها بليلة من كل أربع ليال لحديث كعب بن سور ولأن للزوج أن يسقط حقها عن ثلاث ليال بأن يتزوج ثلاثا سواها وليس له أن يسقط حقها أكثر من ذلك وجه ظاهر الرواية أن القسمة والعدل إنما يكون عند المزاحمة ولا مزاحمة هنا حين لم يكن في نكاحه إلا واحدة أرأيت لو كان تحته أربع نسوة أكان يستحق عليه يوم وليلة من أربعة لكل واحدة منهن فلا يشتغل بالصيام والقيام أبدا حتى لا يصوم لا رمضان ولا غيره وهذا ليس بشيء والصحيح أنه يؤمر بأن يؤنسها بصحبته أحيانا من غير أن يكون في ذلك شيء مؤقت وهذا لأن عند المزاحمة تلحق كل واحدة منهما المغايظة لمقامه عند الأخرى فيستحق عليه التسوية ولا يوجد ذلك عند عدم المزاحمة .
( قال ) وإذا تزوج امرأتين على أن يقيم عند إحداهما يوما والأخرى يومين ثم طلبت التي لها اليوم أن يعدل بينهما فلها ذلك لما بينا أنها رضيت بترك العدل فيما مضى من المدة فلا يلزمها ذلك في المستقبل شيئا ولأن هذا الشرط مخالف لحكم الشرع وهو باطل لقوله A كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل .
( قال ) والمجبوب والخصى والعنين في القسمة سواء بين النساء لما بينا أن وجوب القسم والعدل للصحبة والمؤانسة دون المجامعة وحال هؤلاء في هذا كحال الفحل وكذلك الغلام الذي لم يحتلم إذا دخل بامرأتين فإنه يسوي بينهما في القسم لأن وجوب التسوية لحق النساء وحقوق العباد تتوجه على الصبيان عند تقرر السبب كما يتوجه على البالغين .
( قال ) وإذا جعلت المرأة لزوجها جعلا على أن يزيدها في القسم يوما ففعل لم يجز وترجع في ماله لأنها رشته على أن الجور والرشوة حرام وهذا يمنزلة الرشوة في الحكم وهو من السحت فلهذا تسترد ما أعطت وعليه التسوية في القسم وكذلك لو حطت له شيئا من المهر على هذا الشرط أو زادها الزوج في مهرها أو جعل لها جعلا على أن تجعل نوبتها لفلانة فهذا لكله باطل لأنها بهذا لا يملك الزوج شيئا فلا تستوجب عليه المال بمقابلته ولأنها أخذت الرشوة على أن ترضى بالجور وذلك حرام فكان الجعل مردودا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب