( قال ) : رجل تزوج امرأة على أنها حرة فولدت له أولادا فإذا هي مكاتبة قد أذن لها مولاها في التزوج أخذت عقرها وقيمة ولدها إلا في رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - قال : لا تجب قيمة الولد أصلا لأنها تسعى لتحصيل الحرية لنفسها وولدها وفي هذا تحصيل بعض مقصودها وفي ظاهر الرواية يقول هذا إن لو دخل الولد في كتابتها ولم يدخل لأنه علق حرا فوجب العقد وقيمة الولد لها كما هو الحكم في المغرور وهي بالكتابة صارت أحق بأجزائها ومنافعها فما هو بدل جزء منها فهو لها ثم يرجع الأب بقيمة الولد على الذي غره إن كان رجل حر غره بأن زوجها منه على أنها حرة فإن كانت المكاتبة هي التي غرته بأن زوجت نفسها منه على أنها حرة فلا شيء لها عليه من قيمة الولد في قول أبي يوسف - C تعالى - الأول لأنها لو رجعت عليه بقيمة الولد رجع هو عليها بذلك بسبب الغرور فلا يكون مفيدا ثم رجع فقال لها أن تأخذ قيمة الولد وهو قول محمد - C تعالى - لأن رجوعه عليها بعد العتق فإن ضمان الغرور بمنزلة ضمان الكفالة فيتأخر إلى ما بعد عتقها والقيمة لها عليه في الحال فكان الرجوع مفيدا .
وإن مات مولاها وهي مكاتبة على حالها فورثه أب الولد خيرت بين أن تبطل الكتابة وبين أن تمضي عليها لأنها إن أبطلت الكتابة صارت مملوكة لأب الولد بالميراث ولها منه ولد ثابت النسب فتصير أم ولد له فقد تلقاها جهتا حرية إحداهما مؤجلة بعير بدل وهو الاستيلاد والأخرى معجلة ببدل وهو الكتابة فإن مضت على الكتابة فعتقت بالأداء فإنما عتقت على ملك المولى الأول وكان ولاؤها له وإن مات أب الولد قبل أن تؤدي عتقت وبطلت عنها المكاتبة لأنها بمنزلة أم الولد فتعتق بموت السيد فإن قيل هو لم يملك رقبتها إذا اختارت المضي على الكتابة ( قلنا ) : نعم ولكنه صار أحق الناس بها حتى لو أعتقها نفذ عتقه فكذلك إذا مات لأن عتق أم الولد متعلق بموت المولى شرعا على أن يصير المولى كالمعتق لها ولأنها إنما اختارت الكتابة لما في العتق بجهة الاستيلاد من التأخير فإذا تعجل ذلك بموت المولى فالظاهر أنها تختار هذه الجهة فإذا عتقت سقط عنها بدل الكتابة إما لانفساخ العقد برضاها أو لوقوع الاستغناء لها عن أداء البدل وهو بمنزلة ما لو وهب لها المكاتبة .
ومعنى هذا أن حق المستولد فيها إلى موته فبالموت يصير مسقطا حقه فكأنه أبرأها عن بدل الكتابة والوارث إذا كان واحدا فإبراء المكاتب عن المكاتبة يصح إبراؤه ويعتق ولهذا لو كان معه شريك في الميراث سعت في مكاتبتها على حالها لأن إبراء أحد الوارثين عن نصيبه من بدل الكتابة لا يوجب عتق شيء منها وإنما جعلناه كالمبرئ لتعتق فإذا كانت لا تعتق هنا لم يكن مبرئا ولأنه لم يسلم لها العتق مجانا في الحال فبقيت على اختيارها الأول وهو المضي على الكتابة فلهذا سعت في مكاتبتها وكان الولاء للأول إذا أدت ألا ترى أن المكاتب إذا ورثه رجلان فأعتقه أحدهما كان عتقه باطلا ولو كانت المكاتبة حين ورثها رجلان اختارت أن تكون أم ولد بطلت الكتابة ويضمن أب الولد نصف قيمتها لشريكه لأن حكم الاستيلاء كما ثبت في نصيبه ثبت في نصيب الشريك أيضا لأنه يحتمل التجزي فصار هو متملكا نصيب شريكه بضمان القيمة وضمان التملك لا يختلف باليسار والإعسار .
( قال ) : أمة غرت رجلين من نفسها فتزوجها على أنها حرة فولدت لهما أولادا ثم ملكاها بوجه من الوجوه كانت أم ولد لهما لأنهما ملكاها ولكل واحد منهما ولد ثابت النسب منها وإن ملكها أحدهما فهي أم ولد له لهذا المعنى وهذا لأن نسب الولد لما ثبت بشبهة النكاح كان هذا بمنزلة الاستيلاد بعد الملك في ثبوت حق الولد في حقيقة الحرية فكذلك في ثبوت حقها في أمية الولد لأن حقها تبع لحق الولد فإن كانت قد ولدت عند المولى أولادا بعد ذلك فملكها أحدهما مع أولادها كان أولادها من غيره أرقاء لأن ثبوت حق أمية الولد فيها بعد ما تملكها المستولد فإن حق الحرية كحقيقة الحرية في استدعائه ملك الحل وقد انفصل الأولاد قبل ثبوت الحق فيها فلا يسري ذلك الحق إليهم .
( قال ) : وإذا غرت الأمة رجلا من نفسها وأخبرته إنها أمة لهذا الرجل فاشتراها منه فولدت له أولادا ثم استحقها رجل أخذها وعقرها وقيمة ولدها كان لأب الولد أن يرجع بالثمن وبقيمة الولد على الذي باعه لأن سبب الغرور مباشرة البيع وإنما كان ذلك من البائع ومتى ملكها المغرور بعد ذلك فهي أم ولد لثبوت نسب الولد منه والله أعلم بالصواب