( قال ) : Bه : وإذا ادعى الرجل نكاح امرأته وأقام عليها البينة وأقامت أختها عليه البينة إنها امرأة وإنه أتاها بزوج فالقول قول الرجل والبينة بينته صدقته أو لم تصدقه لأن ملك النكاح على المرأة للزوج ولهذا كان البدل عليه لها فالزوج يثبت ببينته ما هو حقه والأخت الأخرى تثبت ببينتها حق الزوج وهو ملك النكاح له عليها وبينة المرء على حق نفسه أولى بالقبول لأن عند تعارض البينتين لا وجه للعمل ببينة الأخت في إثبات نكاحها فلو قبلناها إنما نقبلها في نفي النكاح على امرأة أثبت الزوج نكاحها والبينات للإثبات لا للنفي ومعنى هذا أن دعوى الزوج نكاح إحدى الأختين إقرار منه بحرمة الأخرى عليه في الحال وإقراره موجب للفرقة فعرفنا إنه لا وجه للقضاء بنكاح الاخرى فبقيت تلك البينة قائمة على النفي ولا مهر للأخرى إن لم يكن دخل بها لأن أصل نكاحها لم يثبت ولو كان الزوج أقام البينة أنه تزوج أحداهما ولا تعرف بعينها غير أن الزوج قال هي هذه فإن صدقته فهي امرأته لتصادقهما فإن تصادقهما في حقهما أقوى من البينة فإن جحدت ذلك فلا نكاح بينه وبين واحدة منهما لأن الشهود لم يشهدوا على شيء بعينه والشهادة بالمجهول لا تكون حجة ولأنه إما أن تزوج إحداهما بغير عينها فيكون ذلك باطلا أو تزوج إحداهما بعينها ثم نسيها الشهود فقد ضيعوا شهادتهم فإذا بطلت الشهادة بقي دعوى الزوج ولا يثبت النكاح بدعوته ولا يمين له على التي يدعي النكاح عليها عند أبي حنيفة - C تعالى - لأنه لا يرى الاستخلاف في النكاح ولا مهر عليه إن لم يكن دخل بها وكذلك لو قامت البينة لامرأة بعينها إن أحد هذين الرجلين تزوجها ولا يعرفون أيهما هو والرجلان ينكران ذلك فهو باطل ولا مهر على واحد منهما فإن ادعت المرأة ذلك على أحدهما فلا يمين عليه في قول أبي حنيفة - C تعالى - لأن دعواها دعوى النكاح وإن ادعت أنه طلقها قبل الدخول وإن لها عليه نصف المهر استحلفته على نصف المهر لأن دعواها الان دعوى المال والاستحلاف مشروع في دعوى المال فإن نكل عن اليمين لزمه ذلك ولا يثبت النكاح لأن الاستحلاف كان في المال لا في النكاح وإنما يقضي عند النكول بما استحلف فيه خاصة كما في دعوى السرقة إذا استحلف فنكل يقضي بالمال دون القطع .
( قال ) : وإن ادعت أختان أنه تزوجهما جميعا وكل واحدة منهما تقيم البينة أنه تزوجها أولا كان ذلك إلى الزوج فأيهما قال هي الأولى فهي الأولى وهي امرأته لأن المعارضة بين البينتين قد تحققت والعمل بهما غير ممكن لحرمة الجمع بين الاختين نكاحا وقد علمنا أن الثابت أحدهما وهو السابق منهما فإما أن يكون بيان السابق منهما إلى الزوج لأنه أعرف الناس بها ولأنه صاحب الملك وإما أن يقال تصديقه إحداهما يرجح بينتها فإذا ظهر الرجحان في بينة إحداهما قضى بنكاحها واندفعت بينة الأخرى ولا مهر عليه إن لم يدخل بها فإن جحد الزوج ذلك كله وقال : لم أتزوج واحدة منهما أو قال : تزوجتهما جميعا ولا أدري أيتهما الأولى فهو سواء ويفرق بينه وبينهما لأن العمل بالبينتين غير ممكن فلا ترجيح لإحداهما فتعين التفريق بينه وبينهما وعليه نصف المهر بينهما إن كان لم يدخل بهما من قبل إنه كان يقدر على أن يبين فإذا تجاهل في ذلك لم يبرأ من المهر ومعنى هذا الكلام أن نكاح إحداهما صحيح بدليل أنه لو بين الزوج أن هذه هي الأولى حكمنا بصحة نكاحها فإذا أبى أن يبين كان ذلك منه بمنزلة اكتساب سبب الفرقة بينه وبين التي صح نكاحها قبل الدخول فيلزمه نصف المهر وليست إحداهما بأولى من الأخرى فلهذا كان نصف المهر بينهما ومن أصحابنا رحمهم الله تعالى من قال جمع في السؤال بين فصلين وأجاب عن أحدهما فإن هذا الجواب عما إذا قال : تزوجتهما جميعا ولا أدري أيتهما الأولى أما إذا قال : لم أتزوج واحدة منهما ينبغي أن لا يجب عليه شيء من المهر لأن العمل بالبينتين تعذر للتعارض وهو منكر ولا يجب المهر إلا بحجة والأصح أن هذا جواب الفصلين لأن المعارضة بين البينتين في حكم الحل دون المهر ألا ترى أن البينتين لو قامتا بعد موت الزوج عمل بهما في حق المهر والميراث فإذا لم يكن تعذر العمل والمعارضة في حكم المهر وجب نصف المهر في حق الزوج وليست إحداهما بأولى من الأخرى فكان بينهما .
وعن أبي يوسف - C تعالى - في الأمالي قال : لا شيء عليه لأن المقضى له بالمهر منهما مجهول وجهالة المقضي له تمنع صحة القضاء وعند محمد - C تعالى - أنه قال : يقضى بجميع المهر لأن النكاح لم يرتفع بحجوده فيقضي بمهر كامل للتي صح نكاحها .
( قال ) : وإن كان دخل بأحداهما كان لها المهر وهي امرأته لنرجح جانبها بالدخول فإن البينتين إذا تعارضتا على العقد تترجح إحداهما بالقبض كما لو ادعى رجلان تلقي الملك في عين من ثالث بالشراء وأحدهما قابض وأقاما البينة كانت بينة صاحب اليد أولى ولأن فعل المسلم محمول على الصحة والحل ما أمكن والإمكان ثابت هنا بأن يجعل نكاح التي دخل بها سابقا فإن قال الزوج هي الأخيرة وتلك الأولى فرق بينه وبينها لإقراره بحرمتها عليه وكان ذلك بمنزلة اكتاسب سبب الفرقة بعد الدخول بالنكاح الصحيح حتى يلزمه المهر المسمى لها ولا يصدق على أن ينقصها عن ذلك وكانت الأخرى امرأته أيضا لتصادقهما على النكاح بإقرار الزوج إنها هي الأولى .
( قال ) : ولو تنازع رجلان في امرأة كل واحد منهما يدعي أنها امرأته ويقيم البينة فإن كانت في بيت أحدهما وكان قد دخل بها فهي امرأته لما أن الترجيح يحصل باليد عند تعارض البينتين على العقد ولأن تمكنه من الدخول بها أو من نقلها إلى بيته دليل سبق عقده ودليل التاريخ كالتصريح بالتاريخ إلا أن يقيم الآخر البينة أنه تزوجها قبله فحينئذ يسقط اعتبار الدليل في مقابلة التصريح بالسبق فإن لم تكن في يد أحدهما فأيهما أقام البينة أنه أول فهو أحق بها لأن شهوده شهدوا بسبق التاريخ في عقده والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو بإقرار الخصم وإن لم يكن لهما على ذلك بينة فأيهما أقرت المرأة أنها تزوجته قبل الآخر فهي امرأته إما لأن بينته تترجح بإقرارها له كما بينا في جانب الزوج أو لأن البينتين لما تعارضتا وتعذر العمل بهما بقي تصادق أحد الرجلين مع المرأة على النكاح فيثبت النكاح بينهما بتصادقهما وإن لم تقر بشيء من ذلك فرق بينهما وبينها لأن المعارضة والمساواة قد تحققت والعمل بالبينتين غير ممكن لأن ملك الحل لا يحتمل الشركة وليس أحدهما بأولى من الآخر فيبطل نكاحهما بخلاف ملك اليمين فإن الملك يحتمل الشركة فيجب العمل بالبينتين هناك بحسب الإمكان وهذا لأن مقصود الملك هو التصرف وذلك يثبت مع الشركة وهنا المقصود استباحة الوطء والنسل وهذا يفوت بالشركة فإذا تعذر العمل بهما وليس أحدهما بأولى من الآخر يتعين البطلان فيهما فإن كانا لم يدخلا بها فلا مهر لأن نكاح واحد منهما لم يثبت ولأن الفرقة بمعنى من جهتها فلا مهر لها قبل الدخول وإن كانا قد دخلا بها جميعا ولا يدري أيهما أول فعلى كل واحد منهما الأقل مما سمى ومن مهر المثل لأن كل واحد منهما إن تقدم نكاحه تأكد المسمى بالدخول وإن تأخر فلها مهر المثل بالدخول لسقوط الحد بشبهة العقد غير أن المال بالشك لا يجب وإنما يجب القدر المتيقن والمتيقن هو الأقل فلهذا كان على كل واحد منهما الأقل من المسمى ومن مهر المثل .
( قال ) : فإن جاءت بولد لزمهما جميعا وكان ولدهما يعقلان عنه بناء على قولنا أن النسب يثبت من رجلين خلافا للشافعي - C تعالى - وهي مسألة كتاب الدعوى ويرثانه ميراث أب واحد بينهما نصفان لأن الأب في الحقيقة أحدهما وهو من حق الولد من مائة فيجب ميراث أب واحد وليس أحدهما بأولى من الآخر فيكون بينهما نصفين ويرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل عندنا .
وقال زفر - C تعالى - : يرث من كل واحد منهما نصف ميراث ابن لأنه ابن أحدهما فكما أن في جانبهما يرثانه ميراث أب واحد فكذلك في جانبه يرث منهما ميراث ابن واحد ولكنا نقول : هو ابن لكل واحد منهما كما قال عمر وعلي - Bهما - هو ابنهما ويرثهما وهذا لأن البنوة لا تحتمل التجزي إلا أن في جانبهما تحققت المزاحمة فتثبت المناصفة وفي جانبه لا مزاحمة فيرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل حتى لو انعدمت المزاحمة في جانبهما بأن مات أحدهما قبل الغلام أحرز الثاني من مال الغلام ميراث أب كامل وهو معني قول عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما وهو للباقي منهما .
ولو كانت المرأة أقرت أن أحد الرجلين هو الزوج لزمه الولد خاصة لأن نكاح المقر له قد ثبت بإقرارهما وثبوت نسب الولد منه باعتبار الفراش ولا معارضة بين الفراش الصحيح والفاسد فلهذا ثبت نسب الولد منه فإن لم تقر بذلك حتى ماتت كان على كل واحد منهما نصف ما سمى لها من المهر وكان ميراث الزوج من تركتها بينهما نصفين لأن نكاح أحدهما صحيح منته بالموت فيكون له الميراث وعليه المسمى لها وليس أحدهما بأولى من الآخر فلذلك تنصف بينهما الميراث والمهر المسمى وهذا لأن تعذر العمل بالبينتين ووجوب التوقف لمعنى الحل وذلك يزول بموتها .
ألا ترى أنه لو كان إقامة البينة من الرجلين بعد الموت وجب العمل بهذه الصفة فكذلك إذا ماتت بعد إقامة البينتين وهذا لأن المقصود من النكاح بعد الموت الميراث وهو مال يحتمل الشركة وفي حال الحياة المقصود هو الحل وهو غير محتمل للشركة .
( قال ) : ولو لم تمت هي ولكن مات أحد الرجلين فإن قالت المرأة : هذا الميت هو الأول فلها في ماله المهر والميراث فإن تصديقها بعد موت الزوج كتصديقها في حياته فيثبت النكاح بينهما فينتهي بالموت ألا ترى إن رجلا لو أقر بنكاح امرأة فصدقته بعد الموت كان تصديقها صحيحا لأن النكاح بموت الزوج يرتفع إلى خلف وهو العدة .
( قال ) : وإذا تزوجت المرأة زوجين في عقدة واحدة كان النكاح باطلا لأن النكاح لا يحتمل الاشتراك وليس أحداهما بأولى من الآخر ولا خيار لها في ذلك لأن ثبوت الخيار ينبني على صحة السبب ولم يصح السبب في حق كل واحد منهما لاقتران المنافى به وكذلك لو كات ذمية أو حربية ثم أسلموا لأن هذا لا يتجه عند أحد ممن يعتقد ملة فحكم أهل الملل في ذلك سواء .
( قال ) : ولو كان أحد الزوجين له أربع نسوة كان نكاح الذي ليس له نسوة منهما جائز لأنه لو انفرد نكاح الذي له أربع نسوة لم يصح ولو انفرد نكاح الآخر كان صحيحا فإذا اجتمعا صح نكاح من يصح نكاحه عند الانفراد وهذا لأن المعارضة لا تتحقق بين ماله صحة وبين ما لا صحة له وإذا صح نكاح أحدهما فعليه جميع ما سمى لها إن كانا سميا ألف درهم وهذا على أصل أبي حنيفة - C تعالى - ظاهر بمنزلة ما لو تزوج امرأتين وإحداهما لا تحل له بمهر واحد وأبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - يفرقان بين هذه وبين تلك فيقولان الألف هنا بمقابلة بضعها وقد سلم ذلك للذي صح نكاحه بكماله فأما هناك الألف مسمى بمقابلة بضعين فإذا لم يسلم له إلا أحدهما لا يلزمه إلا مقدار حصنه من المهر وإن كان سمى كل واحد منهما لنفسه خمسمائة لم يلزم هذا الزوج إلا خمسمائة لأنه ما التزم إلا هذا المقدار ولا يلزم من المهر إلا قدر ما التزمه بخلاف الأول فإن هناك كل واحد منهما قد سمى جميع الألف بمقابلة بضعها فإذا سلم ذلك لإحدهما لزمه جميع المهر .
( قال ) : والنكاح الفاسد إذا لم يكن فيه مسيس أو نظر لا يثبت حرمة المصاهرة لأن النكاح إنما يقام مقام الوطء في إثبات حرمة المصاهرة لأنه يتوصل به إلى الوطء شرعا وذلك لا يحصل بالعقد الفاسد فلهذا لا يثبت به الحرمة ولأن النكاح الفاسد أصله غير منعقد فالسبب الفاسد لا يثبت إلا لملك الحرام وموجب النكاح ملك الحل وبين الحل والحرمة منافاة فإذا انعدم إثبات الملك الحلال بالسبب الفاسد والملك الحرام بالنكاح لا يكون خلا السبب عن الحكم والأسباب الشرعية إنما تعتبر لأحكامها فكل سبب خلا عن الحكم كان لغوا وإذا أقامت المرأة البينة على النكاح والزوج جاحد يثبت نكاحها ولم يفسد بجحوده لأن النكاح الثابت لا يرتفع إلا بالطلاق وجحوده ليس بطلاق فإن الطلاق قطع للنكاح والجحود نفي للنكاح أصلا فلا يصير به قاطعا فلهذا قضى بالنكاح بينهما والله أعلم بالصدق والصواب