( قال ) Bه بلغنا عن علي بن أبي طالب - Bه - أنه سئل عن مناكحة أهل الحرب من أهل الكتاب فكره ذلك به نأخذ فنقول يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية في دار الحرب ولكنه يكره لأنه إذا تزوجها ثمة ربما يختار المقام فيهم وقال - A - : ( أنا بريء من كل مسلم مع مشرك لا تراآى ناراهما ) .
ولأن فيه تعريض ولده للرق فربما تحبل منه فتسبى فيصير ما في بطنها رقيقا وإن كان مسلما وإذا ولدت تخلق الولد بأخلاق الكفار وفيه بعض الفتنة فيكره لهذا فإن خرج وتركها في دار الحرب وقعت الفرقة بينهما بتباين الدارين حقيقة وحكما فإنها من أهل دار الحرب والزوج من أهل دار الإسلام وتباين الدارين بهذه الصفة موجب للفرقة عندنا .
وعند الشافعي - C تعالى - لا يكون موجبا للفرقة حتى إذا أسلم أحد الزوجين وخرج إلى دارنا فإن كان المرأة هي التي خرجت مراغمة وقعت الفرقة بالاتفاق عندنا لتباين الدارين وعنده للقصد إلى المراغمة والاستيلاء على حق الزوج فإن خرجت غير مراغمة لزوجها أو خرج الزوج مسلما أو ذميا تقع الفرقة بتباين الدارين عندنا ولا تقع عند الشافعي - C تعالى - استدل بحديث أبي سفيان - Bه - فإنه أسلم بمر الظهران في معسكر رسول الله - A - ثم لم يجدد رسول الله - A - النكاح بينه وبين امرأته هند ولما فتح رسول الله - A - مكة هرب عكرمة بن أبي جهل وحكيم بن حزام - Bهما - حتى أسلمت امرأة كل واحد منهما وأخذت الأمان لزوجها وذهبت فجاءت بزوجها ولم يجدد رسول الله - A - النكاح بينهما وإن زينب بنت رسول الله - A - هاجرت إلى المدينة ثم تبعها زوجها أبو العاص بعد سنين فردها عليه بالنكاح الأول والمعني فيه أن اختلاف الدار عبارة عن تباين الولايات وذلك لا يوجب ارتفاع النكاح كاختلاف الولايتين في دار الإسلام .
ألا ترى أن الحربي لو خرج إلينا مستأمنا أو المسلم دخل دار الحرب بأمان لم تقع الفرقة بينه وبين امرأته وكذلك الخارج من مصر أهل العدل إلى منعة أهل البغي لا تقع الفرقة بينه وبين امرأته وأصحابنا رحمهم الله تعالى استدلوا بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } إلى قوله { فلا ترجعوهن إلى الكفار } الآية وليس في هذه الآية بيان قصد المراغمة فاشتراطه يكون زيادة على النص .
وقال الله تعالى { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } والكوافر جمع كافرة معناه لا تعدوا من خلفتموه في دار الحرب من نسائكم ولما أراد عمر Bه أن يهاجر إلى المدينة نادى بمكة ألا من أراد أن تئيم امرأته منه أو تبين فليلتحق بي أي فليصحبني في الهجرة والمعنى فيه أن من بقي في دار الحرب في حق من هو في دار الإسلام كالميت قال الله تعالى : { أومن كان ميتا فاحييناه } . أي كافرا فرزقناه الهدى إلا ترى أن المرتد اللاحق بدار الحرب يجعل كالميت حتى يقسم ماله بين ورئته فكما لا تتحقق عصمة النكاح بني الحي والميت فكذلك لا تتحقق عند تباين الدارين حقيقة وحكما فأما إذا خرج إلينا بأمان فتباين الدارين لم يوجد حكما لأنه من أهل دار الحرب متمكن من الرجوع إليها .
وكذلك إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فهو في أهل دار الإسلام حكما ومنعة أهل البغي من جملة دار الإسلام ومن فيها لا يجعل بمنزلة الميت حكما والدليل عليه أنه ما خرج إلا قاصدا إحراز نفسه من المشركين فلا يعتبر مع ذلك القصد إلى المراغمة ولو كان خروجها على سبيل المراغمة لزوجها وقعت الفرقة بالإتفاق فأما حديث زينب - Bها - فالصحيح إنه ردها عليه بالنكاح الجديد وما روى إنه ردها عليه بالنكاح الأول أي بحرمة النكاح الأول ألا ترى إنه ردها عليه بعد سنين والعدة تنقضي في مثل هذه المدة عادة وقد روى أن الكفار تتبعوها وضربوها حتى أسقطت فانقضت عدتها بذلك .
وعند الشافعي - C تعالى - أن كان لا تقع الفرقة بتباين الدارين تقع بانقضاء العدة وأما إسلام أبي سفيان فالصحيح أنه لم يحسن إسلام أبي سفيان فالصحيح أنه لم يحسن إسلامه يومئذ وإنما أجاره رسول الله A بشفاعة عمه العباس - Bه - وعكرمة وحكيم بن حزام إنما هربا إلى الساحل وكان من حدود مكة فمل يوجد تباين الدارين وقال الزهري إن دار الإسلام إنما تميزت من دار الحرب بعد فتح مكة فلم يوجد تباين الدارين يومئذ فلهذا لم يجدد النكاح بينهما فأما إذا سبي أحد الزوجين تقع الفرقة بينهما بالاتفاق فعندنا لتباين الدارين .
وعند الشافعي - Bه - للسبي حتى إذا سبيا معالم تقع الفرقة بينهما لقوله تعالى : { والمحصنات من النساء } الآية معناه ذوات الأزواج من النساء إلا ما ملكت أيمانكم فإنها محللة لكم وإنما نزلت الآية في سبايا أوطاس .
وقد نادى منادي رسول الله - A - يومئذ ألا لا توطأ الحبالى من الفيء حتى يضعن ولا الحبالى حتى يستبرأن بحيضة وإنما سبي أزواجهن معهن .
والمعنى فيه أن السبي يقتضي صفاء المسبى للسابي ولهذا لا يبقى الدين الذي كان واجبا على المسبى وإنما يصفو إذا لم يبق ملك النكاح وهذا لأن السبي سبب لملك ما يحتمل التملك ومحل النكاح محتمل للتملك فيصير مملوكا للسابي لأنه لو امتنع ثبوت الملك إنما يمتنع لحق الزوج وهو ليس بذي حق محترم ألا ترى أنه تسقط به مالكيته عن نفسه وعن ماله ولهذا قلنا لو كانت المسبية منكوحة لمسلم أو لذمي لا يبطل النكاح لأن ملك النكاح محترم ولا يدخل عليه القصاص أنه لا يسقط بالسبي لأن المستحق بالقصاص الدم وهو ليس بمحتمل للتملك ولأن القصاص لا يجب إلا لمحترم وحجتنا في ذلك أن السبي سبب لملك الرقبة مالا فلا يكون مبطلا للنكاح كالشراء وهذا لأن المملوك في النكاح ليس بمال فلا يثبت فيه التملك بالسبي مقصودا لأن تملك البضع مقصودا بسببه يختص بشرائط من الشهود والولي وذلك لا يجد في السبي فإنما يثبت المالك هنا تبعا لملك الرقبة وذلك لا يثبت إلا عند فراغ المحل عن حق الغير ونفس السبي ليس بمناف للنكاح .
ألا ترى أن ملك النكاح لو كان محترما لا يبطل النكاح مع تقرر السبي والمنافي إذا تقرر فالمحترم وغير المحترم فيه سواء كما إذا تفرر بالمحرمية والرضاع ولأن السبي لا ينافي ابتداء النكاح فلأن لا ينافي البقاء أولى .
وأما الدين فإن كان على عبد فسبي لم يسقط الدين مخصوص عليه في المأذون وإن كان على حر فسبي فإنه يسقط لأنه لما صار عبدا والدين لا يجب على العبد إلا شاغلا مالية رقبته فكذلك لا يبقي إلا شاغلا للمالية وحين كان واجبا على الحر لم يكن شاغلا لمالية الرقبة إذ لا مالية في رقبته فلا يمكن إبقاؤه إلا بتلك الصفة وقد تعذر إبقاؤه بتلك الصفة بعد السبي ألا ترى أنه لو كان الدين لمحترم لا يبقى كذلك وبه يبطل قولهم أن السبي يقتضي صفاء المسبى للسابي فإن ملك النكاح إذا كان محترما بقي النكاح ولا صفاء وكذلك إذا سبي الزوج وقعت الفرقة وهنا الملك له لا عليه .
فأما الحديث فالمروي أن الرجال هربوا إلى حصونهم وإنما سبي النساء وحدهن فقد وقعت الفرقة بتباين الدارين والآية دليلنا فإن الله تعالى حرم ذوات الأزواج فما لم يثبت انقطاع الزوجية بينهما كانت محرمة على السابي بهذا النص إذا عرفنا هذا فنقول إذا خرج الزوج مسلما وتركها في دار الحرب حتى وقعت الفرقة بينهما لم يقع عليها طلاقه بعد ذلك لأن النكاح قد انقطع لا إلى عدة فإن بقاءها في دار الحرب كما ينافي أصل النكاح بنيها وبين الزوج ينافي العدة فلهذا لا يقع طلاقه عليها وإن خرجت المرأة قبل الزوج مسلمة أو ذمية فهما على نكاحهما لأن الزوج مسلم من أهل دار الإسلام أيضا فلم تتباين بهم الدار .
( قال ) حربية كتابية دخلت دار الإسلام بأمان فتزوجت مسلما أو ذميا جاز ذلك وصارت ذمية لأنها تابعة لزوجها في المقام فتزويجها نفسها ممن هو من أهل دار الإسلام يكون رضى منها بالمقام في دارنا على التأبيد فتصير ذمية وإن كانت غير كتابية فإن تزوجها ذمي فكذلك ذمي فكذلك الجواب وإن تزوجها مسلم لم يجز النكاح وصيرورتها ذمية تكون ضمنا لصحة النكاح ولم يصح النكاح هنا وهذا بخلاف المستأمن في دارنا إذا تزوج ذمية فإنه لا يصير ذميا لأن الرجل ليس بتبع للمرأة في المقام ألا ترى أنه لا يصير مقيما بإقامة المرأة والمرأة تصير مقيمة بإقامة الزوج ومسافرة بسفره فلهذا افترقا .
( قال ) حربي أسلم وتحته خمس نسوة وأسلمن معه فإن كان تزوجهن في عقدة واحدة يفرق بينه وبينهن وإن كان تزوجهن في عقود متفرقة فنكاح الأربع الأول جائز ونكاح الخامسة فاسد في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - وقال محمد - C تعالى - سواء تزوجهن في عقدة واحدة أو في عقود متفرقة يخير فيختار أي أربع منهن شاء ويفارق الخامسة وهو قول الشافعي - C تعالى .
وكذلك لو كان تحته أختان فأسلمن معه فإن تزوجهما في عقدة واحدة بطل نكاحهما ولو كان تزوجهما في عقدين جاز نكاح الأولى وبطل نكاح الثانية عندهما وقال محمد والشافعي - رحمهما الله تعالى - يختار أيتهما شاء ويفارق الأخرى واستدل بحديث غيلان بن سلمة أنه أسلم وتحته ثمان نسوة وأسلمن معه فقال - A - اختر منهن أربعا وفارق سائرهن .
وقيس بن حارثة - Bه - أسلم وتحته عشر نسوة وأسلمن معه فأمره النبي - A - أن يختار أربعا منهن والضحاك بن فيروز الديلمي أسلم وتحته أختان فقال - A - اختر أيتهما شئت والمعنى فيه أن هذه حرمة اعترضت في بعض المنكوحات بعد صحة النكاح فتوجب التخيير دون التفريق كما لو طلق إحدى نسائه لا بعينها ثلاثا .
وبيان ذلك أن الأنكحة وقعت صحيحة في الأصل لأن حرمة الجمع بخطاب الشرع وقد بينا أن حكم هذا الخطاب قاصر عنهم لاعتقادهم بخلاف ذلك ما لم يسلموا ألا ترى أنه لو ماتت واحدة منهن أو بانت ثم أسلم وليس عنده إلا أربع منهن جاز نكاحهن سواء ماتت الأولى أو الأخيرة وإذا ثبت إن الأنكحة صحيحة كان العقد الواحد والعقود المتفرقة فيه سواء بمنزلة الحرب إذا كان تحته أربع نسوة فسبي وسبين معه فإن العقد الواحد والعقود المتفرقة فيه سواء بالإتفاق وإن اختلفنا في التفريق أو التخيير وفرق محمد - C تعالى - في السير الكبير بين أهل الحرب وأهل الذمة فقال لو كانت هذه العقود فيما بين أهل الذمة فقال لو كانت هذه العقود فيما بين أهل الذمة كان الجواب كما قاله أبو حنيفة - C تعالى - لأن خطاب الشرع بحكم الشيوع في دار الإسلام يجعل ثابتا في حق أهل الذمة وإن كنا لا نتعرض لهم ما لم يسلموا وقد بينا هذا من أصلهما والشافعي - C تعالى - يسوي بين أهل الحرب وأهل الذمة فأما أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله تعالى - استدلا بقوله تعالى { وأن تجمعوا بين الأختين } فالجمع بين الأختين نكاحا حرام بهذا النص وبنكاح الأولى ما حصل الجمع فوقع نكاحها صحيحا بحكم الإسلام وبنكاح الثانية حصل الجمع فلم يكن نكاحها صحيحا بحكم الإسلام .
وإنما وجب الاعتراض بعد الإسلام بسبب الجمع إذ لا سبب هنا سوى الجمع فتعين الفساد في نكاح من حصل الجمع بنكاحها وكان نكاحها فاسدا بحكم الإسلام دون من لم يحصل بنكاحها الجمع وكن نكاحها صحيحا بحكم الإسلام وإن تزوجهما في عقدة واحدة فالجمع حصل بهما ولم يكن إبطال نكاح أحداهما بأولى من الأخرى فبطل نكاحهما بمنزلة الحربية تحت رجلين إذا أسلمت وأسلما معها وكذلك في نكاح الخمس الحرمة بسبب الجمع بين ما زاد على الأربع فإنما حصل ذلك بنكاح الخامسة فصرف الفساد إليها أولى وإن كان تزوجهن في عقد واحد فالجمع حصل بهن جميعا وهذا بخلاف ما لو مات إحداهن أو بانت لأن الاعتراض بسبب الجمع بعد الإسلام فلا بد من بقاء الجمع المحرم بعد الإسلام حتى يجب الاعتراض ولم يبق ذلك إذا ماتت إحداهما أو بانت .
وهو نظير ما لو تزوج رضيعتين فجاءت امرأة فأرضعتهما بانتا منه ولو أرضعت إحداهما فماتت ثم أرضعت الأخرى لم يبطل نكاح الثانية لأن الجمع إنما يتحقق عند إرضاع الثانية فإذا كانت الأولى في نكاحه تحقق الجمع بين الأختين وإن ماتت أو بانت لم يتحقق الجمع بين الأختين وهذا بخلاف المسبيات فإن نكاح الأربع هناك وقع صحيحا بحكم الإسلام على الإطلاق لأنه حين تزوجهن كان حرا وللحر أن يتزوج أربع نسوة ثم وجب الإعتراض بسبب الرق الحادث فيه وعند حدوث الرق هن مجتمعات مستويات فلهذا استوى العقد الواحد والعقود المتفرقة بمنزلة الرضيعتين إذا أرضعتهما امرأة بانتا منه وان تتزوجهما في عقدين لأن الاعتراض وجب بعد صحة النكاح بالأختية العارضة فيهما وهما مستويان في ذلك بخلاف ما تقدم على ما بينا والأحاديث التي رويت فقد قال مكحول أن تلك كانت قبل نزول الفرائض معناه قبل نزول حرمة الجمع فوقعت الأنكحة صحيحة مطلقا ثم أمره رسول الله - A - باختيار الأربع لتجديد العقد عليهن أو لما كان الأنكحة صحيحة في الأصل جعل رسول لله - A - ذلك مستثنى من تحريم الجمع ألا ترى أنه قال في بعض الروايات وطلق سائرهن فهذا دليل على أنه لم يحكم بالفرقة بينه وبين ما زاد على الأربع وعلى هذا لو أسلم وتحته بنت وأم فأسلمتا معه فإن كان تزوجهما في عقد واحد بطل نكاحهما ثم أن كان لم يدخل بهما فله أن يتزوج البنت دون الأم وإن كان دخل بهما لم يكن له أن يتزوج واحدة منهما لأن الدخول بكل واحدة منهما يوجب حرمة الأخرى بالمصاهرة على التأبيد وإن كان دخل بالأم فليس له أن يتزوج واحدة منهما لأن الأم حرمت بعقد البنت والبنت حرمت بالدخول بالأم وإن كان دخل بالبنت دون الأم فله أن يتزوج البنت دون الأم لأن بمجرد العقد على الأم لا يوجب حرمة البنت وإن كان تزوجهما في عقدين فنكاح الأولى جائز ونكاح الثانية فاسد إن لم يدخل بهما .
وكذلك إن دخل بالأولى فإن كان دخل بالثانية فإن كانت الأولى بنتا فسد نكاحهما لأن الأم حرمت بالعقد على البنت والبنت حرمت بالدخول بالأم وإن كانت الأولى أما فنكاح البنت صحيح لأن الدخول بالبنت يحرم الأم والعقد على الأم لا يحرم البنت فأما على قول محمد C تعالى سواء تزوجهما في عقدة أو في عقدتين فنكاح البنت صحيح لأن العقد على الأم لا يوجب حرمة البنت والعقد على البنت يوجب حرمة الأم إلا أن يكون دخل بالأم فحينئذ يفرق بينه وبينهما وهذا إذا كان دخوله بالأم بعد ما تزوج بالبنت فإن كان قبل أن يتزوج البنت فنكاح الأم صحيح لأن الدخول بها يحرم البنت فإذا لم يصح نكاح البنت لا تحرم الأم بذلك إلا أن يكون دخل بالبنت أيضا فحينئذ تقع الفرقة بينه وبينهما بالمصاهرة وليس له أن يتزوج واحدة منهما .
( قال ) وإن أسلم الحربي وأمرأته وقد كان نكاحهما بعد أن طلقها ثلاثا قبل أن تنكح زوجا آخر فرق بينهما لأن التطليقات الثلاث تقع في دار الحرب كما في دار الإسلام فإنهم يعتقدون ذلك وهي سبب حرمة المحل إلى وقت إصابة الزوج الثاني بمنزلة الحرمة بالقرابة والرضاع فكما إن ذلك يوجب التفريق بعد الإسلام فكذلك هنا وكذلك لو جامع أمها أو ابنتها أو قبل واحدة منهما بشهوة لأن الحرمة بسبب المصاهرة نظير الحرمة بسبب الرضاع وذلك يتحقق في دار الحرب كما يتحقق في دار الإسلام فهذا مثله .
( قال ) وإذا أسلم أحد الزوجين في دار الحرب ولم يكونا من أهل الكتاب أو كانا والمرأة هي التي أسلمت فإنه يتوقف انقطاع النكاح بينهما على انقضاء ثلاث حيض عندنا سواء دخل بها أو لم يدخل بها .
وقال الشافعي - C تعالى - إن كان قبل الدخول تقع الفرقة بإسلام أحدهما وإن كان بعد الدخول يتوقف على انقضاء العدة وعنده لا يختلف هذا الحكم بدار الحرب ودار الإسلام ولكنه ينبني على تأكد النكاح بالدخول وعدم تأكده كما ذكرنا فأما عندنا نفس إسلام أحدهما غير موجب للفرقة ولا كفر من أصر منهما على الكفر ولا اختلاف الدين نفسه كما بينا في دار الإسلام إلا أن في دار الإسلام يمكن تقرير سبب الفرقة بعرض الإسلام على الآخر منهما حتى إذا أبى يصير مفوتا الإمساك بالمعروف وفي دار الحرب لا يتأتى ذلك لأن يد إمام المسلمين لا تصل إلى المصر منهما ليعرض عليه الإسلام ويحكم بالفرقة عند إبائه فيقام ثلاث حيضات مقام ثلاث عرضات في تقرر سبب الفرقة لأنه صار غير مريد لها حين لم يساعدها على الإسلام وبعد ما صار غير مريد لها تقع الفرقة بانقضاء ثلاث حيض .
كما لو طلقها إلا أن هناك إذا كان الطلاق قبل الدخول يمكن إثبات الفرقة بنفسه لمباشرة الزوج سبب الفرقة وهنا لا يمكن إثبات الفرقة قبل الدخول بدون انقضاء ثلاث حيض لأن الزوج ما باشر شيئا بل هو مستديم لما كان عليه فلهذا يتوقف انقطاع النكاح على انقضاء ثلاث حيض في الوجهين جميعا وإذا وقعت الفرقة بذلك فإن كان قبل الدخول فلا عدة عليها وإن كان بعد الدخول والمرأة حربية فكذلك الجواب لأن حكم الشرع لا يثبت في حقها فإن كانت المرأة هي المسلمة فكذلك عند أبي حنيفة - C تعالى - لأنه لا يوجب العدة على المسلمة من الحربي وأصل المسألة في المهاجرة فإنها إذا خرجت إلى دار الإسلام مسلمة أو ذمية لم تلزمها العدة في قول أبي حنيفة - C تعالى - إلا أن تكون حاملا فحينئذ لا تتزوج حتى تضع حملها وإن كانت حاملا فلها أن تتزوج في الحال وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - تلزمها العدة وحجتهما في ذلك حديث نسيبة أنها لما هاجرت أمرها رسول الله - A - أن تعتد .
والمعنى فيه أن هذه حرة فارقت زوجها بعد الإصابة فتلزمها العدة كالمطلقة في دارنا وهذا لأن وجوب العدة عليها لحق الشرع كيلا يجتمع ماء رجلين في رحمها وهي مسلمة مخاطبة بحق الشرع وهذا بخلاف المسبية فإنها ليست بحرة وتأثيره أنها حلت للسابي ومن ضرورة الحكم بحلها للسابي الحكم بفراغ رحمها من ماء الزوج بخلاف ما نحن فيه .
ولا يقال لماذا يجب الاستبراء على السابي لأنا نقول كما يجب الاستبراء على السابي إذا كانت ثيبا أو منكوحة فكذلك إذا كانت بكرا أو لم تكن منكوحة فكذا هذا مع إن هذا دليلنا لأن بالاستبراء هناك يحصل المقصود فلا حاجة إلى إيجاب العدة عليها بخلاف المهاجرة وأبو حنيفة - C تعالى - استدل بقوله تعالى : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } فالله تعالى أباح نكاح المهاجرة مطلقا فتقييد ذلك بما بعد انقضاء العدة يكون زيادة وقال الله تعالى { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } وفي إيجاب العدة تمسك بعصمة الكافرة والمعنى فيه أن هذه الفرقة وقعت بتباين الدارين فلا توجب العدة عليها وكالمسبية هذا لأن تباين الدارين حقيقة وحكما مناف للنكاح فيكون منافيا لأثر النكاح فلا تجب العدة لحق الشرع مع وجود المنافي ولا لحق الزوج لأنه حربي غير محترم وهو نظير من اشترى امرأته لا تجب العدة لحقه لأن الحل الثابت بالملك حقه ولا تجب لحق الشرع لوجود المنافي فأما إذا كانت حاملا فلا نقول تجب العدة عليها ولكنها لا تتزوج ما لم تضع حملها لأن في بطنها ولد ثابت النسب من الغير وذلك مانع من النكاح كأم الولد إذا حبلت من مولاها ليس له أن يزوجها حتى تضع .
وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - إنها إذا تزوجت صح النكاح ولكن لا يقربها زوجها حتى تضع لأنه لا حرمة لماء الحربي كماء الزاني فهو بمنزلة ماء الزاني والحبل من الزنا لا يمنع النكاح عندنا ولكن الأول أصح لأن الحبل من الزنا لا نسب له وهنا النسب ثابت من الحربي وباعتبار ثبوت النسب المحل مشغول فلهذا لا يصح النكاح ما لم يفرغ المحل من حق الغير ويستوي في وقوع الفرقة بتباين الدارين إن خرج أحدهما مسلما أو ذميا أو خرج مستأمنا ثم أسلم أو صار ذميا لأنه صار من أهل دارنا حقيقة وحكما في الفصلين وإن كان الخارج هو الزوج فله أن يتزوج أربعا سواها أو أختها إن كانت في دار الإسلام لأنه لا عدة على التي بقيت في دار الحرب عندهم جميعا فكان هذا بمنزلة الفرقة قبل الدخول وإذا أسلمت المرأة ثم خرج الزوج مستأمنا فهما على النكاح ما لم تحض ثلاث حيض لأن المستأمن وإن كان في دارنا صورة فهو من أهل دار الحرب حكما فكأنه باق في دار الحرب حتى إذا أسلم الزوج قبل أن تحيض فهما على النكاح وإن صار الزوج من أهل الذمة قبل أن تحيض ثلاث حيض فهما على النكاح أيضا حتى إذا خرجت المرأة فهي امرأته حتى يعرض السلطان عليه الإسلام بمنزلة ما لو كان الزوج في الأصل ذميا وكذلك لو كان الزوج هو الذي أسلم في دار الحرب ثم خرجت إلينا ذمية قبل أن تحيض ثلاث حيض فهما على النكاح حتى يعرض السلطان عليه الإسلام .
فأما إذا خرجا مستأمنين ثم أسلمت المرأة ففي رواية هذا الكتاب يتوقف انقطاع النكاح بينهما على انقضاء ثلاث حيض لأن الزوج من أهل دار الحرب فهو بمنزلة ما لو كان في دار الحرب وفي رواية كتاب الطلاق يقول إن عرض السلطان الإسلام على الزوج فأبى أن يسلم فرق بينهما وإن لم يعرض حتى مضى ثلاث حيض تقع الفرقة أيضا ففي حق الذمي يتعين عرض الإسلام وفي حق الحربي في دار الحرب يتعين انقضاء ثلاث حيض وفي حق المستأمن أي الأمرين يوجد تقع به الفرقة لأن المستأمن من وجه يشبه الذمي لأنه تحت يد الإمام يتمكن من عرض الإسلام عليه ومن وجه يشبه الحربي لأنه متمكن من الرجوع إلى دار الحرب فيوفر حظه على الشبهين فلشبهه بالذمي إذا وجد عرض الإسلام عليه تقع به الفرقة ولشبهه بالحربي إذا وجد انقضاء ثلاث حيض أو لا تقع به الفرقة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب