( قال ) ولا يجوز للمرتد أن يتزوج مرتدة ولا مسلمة ولا كافرة أصلية لأن النكاح يعتمد الملة ولا ملة للمرتد فإنه ترك ما كان عليه وهو غير مقر على ما اعتقده وحقيقة المعنى فيه من وجهين : .
أحدهما إن النكاح ومشروع لمعنى البقاء فإن بقاء النسل به يكون وكذلك بقاء النفوس بالقيام بمصالح المعيشة والمرتد مستحق للقتل فما كان سبب البقاء لا يكون مشروعا في حقه .
والثاني أن قتله بنفس الردة صاح مستحقا وإنما يمهل ثلاثة أيام ليتأمل فيما عرض له من الشبهة ففيما وراء ذلك جعل كأنه لا حياة له حكما فلا يصح منه عقد النكاح لأن اشتغاله بعقد النكاح يشغله عما لأجله حياته وهو التأمل .
وكذلك لا يجوز نكاح المرتدة مع أحد لأنها مأمورة بالتأمل لتعود إلى الإسلام وممنوعة من الاشتغال بشيء آخر ولأنها بالردة صارت محرمة والنكاح مختص بمحل الحل ابتداء فلهذا لا يجوز نكاحها مع أحد .
( قال ) وإذا ارتد المسلم بانت منه امرأته مسلمة كانت أو كتابية دخل بها أو لم يدخل بها عندنا وقال الشافعي - C تعالى - إن كان لم يدخل بها فكذلك وإن كان بعد الدخول لا يتوقف انقطاع النكاح على انقضاء ثلاث حيض بناء على أصله في الفرق بين تأكد النكاح بالدخول وعدم تأكده على ما بينا في الإسلام فإنه بالردة يقصد منابذة الملة لا الحليلة فلا يكون ذلك موجبا للفرقة بعد تأكده ما لم ينضم إليه سبب آخر كما لو أسلم أحدهما وابن أبي ليلى - C تعالى - يقول لا تقع الفرقة بردة أحدهما قبل الدخول ولا بعده حتى يستتاب المرتد فإن تاب فهي امرأته وإن مات أو قتل ورثته وجعل هذا قياس إسلام أحد الزوجين على ما بينا ولكنا نقول : الردة تنافي النكاح واعتراض سبب المنافي للنكاح موجب للفرقة بنفسه كالمحرمية فأما اختلاف الدين عينه لا ينافي النكاح حتى يجوز ابتداء النكاح بين المسلم والكتابية وكذلك الإسلام لا ينافي النكاح فإن النكاح نعمة وبالإسلام تصير النعم محرزة له فلهذا لا تقع الفرقة هناك إلا بقضاء القاضي بعد إباء الآخر ثم إن كان الزوج هو المرتد فلها نصف المهر إن كان لم يدخل بها ونفقة العدة أن كان دخل بها وإن كانت هي التي ارتدت فلا مهر لها أن كان قبل الدخول وليس لها نفقة العدة بعد الدخول والكلام في أن هذه الفرقة بطلاق أو بغير طلاق كما بيناه .
( قال ) وإذا ارتد الزوجان معا فهما على نكاحهما استحسانا عندنا وفي القياس تقع الفرقة بينهما وهو قول زفر - C تعالى - لأن في ردتهما ردة أحدهما وزيادة فإذا كانت ردتهما تنافي ابتداء النكاح تنافي البقاء أيضا ولكنا تركنا القياس لاتفاق الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - فإن بني حنيفة ارتدوا بمنع الزكاة فاستتابهم أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - ولم يأمرهم بتجديد الأنكحة بعد التوبة ولا أحد من الصحابة - رحمهم الله تعالى - سواه ولا يقال لعل الإرتداد من بعض كان قبل بعض ولم يشتغل بذلك أيضا لأن كل أمرين لا يعرف التاريخ بينهما يجعل كأنهما وقعا معا وفقه هذا الكلام أن وقوع الفرقة عند ردة أحدهما لظهور خبثه عند المقابلة بطيب المسلم فإذا ارتدا معا لا يظهر هذا الخبث بالمقابلة لأنه تقابل الخبث بالخبث والمعنى فيه أنه لم يختلف لهما دين ولا دار فيبقى ما كان بينهما على ما كان كما إذا أسلم الكافران معا واعتبار البقاء بالابتداء فاسد فإن العدة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع البقاء ولا فرق لأن كل واحد منهما يوجب حرمة المحل ولكنها غير متأبدة فإن أسلم أحدهما وقعت الفرقة بينهما بإصرار الآخر على الردة لظهور خبثه الآن عند المقابلة بطيب الآخر حتى لو كانت المرأة هي التي أسلمت قبل الدخول فلها نصف الصداق وإن كان الزوج هو الذي أسلم فلا شيء لها لأن الفرقة من جانب من أصر على الردة فإن إصراره بعد إسلام الآخر كإنشاء الردة .
( قال ) وإن أسلم النصراني وامرأته نصرانية ثم تحولت إلى اليهودية فهي امرأته كما لو كانت يهودية في الإبتداء وإن أسلم وهي مجوسية ثم ارتد عن الإسلام بانت منه لأن النكاح بعد إسلامه باق ما لم يفرق القاضي بينهما ألا ترى أنها لو أسلمت كانا على نكاحهما فتفرده بالردة في حال بقاء النكاح موجب للفرقة وكذلك إذا أسلمت المرأة المجوسية ثم ارتدت بانت منه وكذلك لو ارتد الزوج بانت منه وإن لم يرتد الزوح ولم تسلم هي حتى مات الزوج كان لها المهر كاملا دخل بها أو لم يدخل بها لأن النكاح ينتهي بالموت حين لم يفرق القاضي بينهما فيتقرر به جميع المهر والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب