( قال ) إعلم أن الكفاءة في النكاح معتبرة من حيث النسب الأعلى قول سفيان الثوري - C تعالى - فإنه كان يقول لا معتبر في الكفاءة من حيث النسب وقيل إنه كان من العرب فتواضع ورأى الموالى أكفاء له وأبو حنيفة - C تعالى - كان مع الموالى فتواضع ولم ير نفسه كفؤا للعرب وحجته في ذلك قوله - A - : ( الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إنما الفضل بالتقوى ) وهذا الحديث يؤيده قوله تعالى : { أن أكرمكم عند الله اتقاكم } وقال - A - : ( كلكم بنو آدم طف للصاع لم يملأ ) . وقال : ( الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة واحدة ) . فهذه الآثار تدل على المساواة وإن التفاضل بالعمل ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه وخطب أبو طيبة امرأة من بني بياضة فأبوا أن يزوجوه فقال - A - : ( زوجوا أبا طيبة إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير فقالوا نعم وكرامة ) .
وخطب بلال - Bه - إلى قوم من العرب فقال له رسول الله - A - : ( قل لهم أن رسول الله A يأمركم أن تزوجوني ) .
وأن سلمان خطب بنت عمر - Bه - فهم أن يزوجها منه ثم لم يتفق ذلك وحجتنا في ذلك قوله - A - : ( قريش بعضهم أكفاء لبعض بطن ببطن والعرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل ) وفي حديث جابر - Bه - أن النبي - A - قال : ( ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء ولا يزوجن إلا من الأكفاء ) .
وما زالت الكفاءة مطلوبة فيما بين العرب حتى في القتال بيانه في قصة الثلاثة الذين خرجوا يوم بدر للبراز عتبة وشيبة والوليد فخرج إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار فقالوا لهم انتسبوا فانتسبوا فقالوا أبناء قوم كرام ولكنا نريد أكفاءنا من قريش فرجعوا إلى رسول الله - A - فأخبروه بذلك فقال - A - صدقوا وأمر حمزة وعليا وعبيدة بن الحارث - رضوان الله عليهم أجمعين - بأن يخرجوا إليهم فلما لم ينكر عليهم طلب الكفاءة في القتال ففي النكاح أولى وهذا لأن النكاح يعقد للعمر ويشتمل على أغراض ومقاصد من الصحبة والألفة والعشرة وتأسيس القرابات وذلك لا يتم الابين الأكفاء وفي أصل الملك على المرأة نوع ذلة وإليه أشار رسول الله - A - فقال : ( النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته ) وإذلال النفس حرام قال - A - : ( ليس للمؤمن أن يذل نفسه ) وإنما جوز ما جوز منه لأجل الضرورة وفي استفراش من لا يكافئها زيادة الذل ولا ضرورة في هذه الزيادة فلهذا اعتبرت الكفاءة والمراد من الآثار التي رواها في أحكم الآخرة وبه نقول أن التفاضل في الآخرة بالتقوى وتأويل الحديث الآخر الندب إلى التواضع وترك طلب الكفاءة لا الإلزام وبه نقول أن عند الرضا يجوز العقد .
ويحكى عن الكرخي - C تعالى - أنه كان يقول الأصح عندي أن لا تعتبر الكفاءة في النكاح أصلا لأن الكفاءة غير معتبرة فيما هو أهم من النكاح وهو الدماء فلأن لا تعتبر في النكاح أولى ولكن هذا ليس بصحيح الكفاءة غير معتبر في الدين في باب الدم حتى يقتل المسلم بالكافر ولا يدل ذلك على أنه غير معتبر في النكاح .
إذا عرفنا هذا فنقول الكفاءة في خمسة أشياء ( أحدهما ) النسب وهو على ما قال قريش : أكفاء بعضها لبعض فإنهم فيما بينهم يتفاضلون وأفضلهم بنو هاشم ومع التفاضل هم أكفاء ألا ترى أن رسول الله - A - تزوج عائشة - رضي الله تعالى - عنها وكانت تيمية وتزوج حفصة - رضي الله تعالى عنها - وكانت عدوية وزوج ابنته من عثمان - رضي الله تعالى - عنه وكان عبشميا فعرفنا أن بعضهم أكفاء لبعض .
وروى عن محمد - C تعالى - أنه قال : إلا أن يكون نسبا مشهورا نحو أهل بيت الخلافة فإنه غيرهم لا يكافئهم وكإنه قال ذلك لتسكين الفتنة وتعظيم الخلافة لا لانعدام أصل الكفاءة والعرب بعضهم أكفاء لبعض فإن فضيلة العرب بكون رسول الله - A - منهم ونزول القرآن بلغتهم وقال A حب العرب من الإيمان .
وقال - A - لسلمان - رضي الله تعالى عنه - لا تبغضني قال وكيف أبغضك وقد هداني الله بك قال تبغض العرب فتبغضني ولا تكون العرب كفؤا لقريش والموالي لا يكونون كفؤا للعرب كما قال A .
والموالي بعضهم أكفاء لبعض وهذا لأن الموالي ضيعوا أنسابهم فلا يكون التفاخر بينهم بالنسب بل بالدين كما أشار إليه سليمان - رضي لله تعالى عنه - حين تفاخر جماعة من الصحابة بذكر الانساب فلما انتهى إلى سلمان - رضي الله تعالى عنه - قالوا سلمان ابن من فقال سلمان ابن الإسلام فبلغ ذلك عمر - رضي الله تعالى عنه - فبكى وقال وعمر ابن الإسلام .
فمن كان من الموالي له أبوان في الإسلام فهو كفؤ لمن له عشرة آباء لأن النسبة تتم بالانتساب إلى الأب والجد فمن كان له أبوان مسلمان فله في الإسلام نسب صحيح ومن أسلم بنفسه لا يكون كفؤا لمن له أب في الإسلام ومن أسلم أبوه لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الإسلام لأن هذا يحتاج في النسبة إلى الأب الكافر وذلك منهى عنه لما روى أن رجلا انتسب إلى تسعة آباء في الجاهلية فقال - A - هو عاشرهم في النار ولكن هذا إذا كان على سبيل التفاخر دون التعريف .
( والثاني ) الكفاءة في الحرية فإن العبد لا يكون كفؤا لامرأة حرة الأصل وكذلك المعتق لا يكون كفؤا لحرة الأصل والمعتق أبوه لا يكون كفؤا لامرأة لها أبوان في الحرية وهذا لأن الرق أثر من آثار الكفر فيه معنى الذل فكان هو بمنزلة أصل الدين من الوجه الذي قلنا وقد روى عن أبي يوسف - C تعالى - أن الذي أسلم بنفسه أو أعتق لو أحرز من الفضائل ما يقابل نسب الآخر كان كفؤا له .
( والثالث ) الكافاءة من حيث المال فإن من لا يقدر على مهر امرأة ونفقتها لا يكون كفؤا لها لأن المهر عوض بضعها والنفقة تندفع بها حاجتها وهي إلى ذلك أحوج منها إلى نسب الزوج فإذا كانت تنعدم الكفاءة بضعة نسب الزوج فبعجزه عن المهر والنفقة أولى وعن أبي يوسف C تعالى قال إذا كان يقدر على ما يعجله ويكتسب فينفق عليها يوما بيوم كان كفؤا لها وأما إذا كان قادرا على المهر والنفقة كان كفؤا لها وإن كانت المرأة صاحبة مال عظيم وبعض المتأخرين اعتبروا الكفاءة في كثرة المال لحديث عائشة Bها رأيت ذا المال مهيبا ورأيت ذا الفقر مهينا وقالت أن أحساب ذوي الدنيا المال .
والأصح أن ذلك لا يعتبر لأن كثرة المال في الأصل مذموم قال - A - هلك المكثرون إلا من قال بماله هكذا وهكذا يعني تصدق به .
( والرابع ) الكفاءة في الحرف والمروي عن أبي حنفية C تعالى أن ذلك غير معتبر أصلا وعن أبي يوسف C تعالى أنه معتبر حتى أن الدباغ والحجام والحائك والكناس لا يكون كفؤا لبنت البزاز والعطار وأنه اعتبر العادة في ذلك وورد حديث عن رسول الله A أنه قال الناس : أكفاء إلا الحائك والحجام ولكن أبو حنيفة - C تعالى - قال : الحديث شاذ لا يؤخذ به فيما تعم به البلوي والحرفة ليست بشيء لازم فالمرء تارة يحترف بحرفة نفيسة وتارة بحرفة خسيسة بخلاف صفة النسب لأنه لازم له وذل الفقر كذلك فإنه لا يفارقه .
( والخامس ) الكفاءة في الحسب وهو مروي عن محمد - C تعالى - قال هو معتبر حتى أن الذي يسكر فيخرج فيستهزئ به الصبيان لا يكون كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات وكذلك أعوان الظلمة من يستخف به منهم لا يكون كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات إلا أن يكون مهيبا يعظم في الناس وعن أبي يوسف C تعالى قال : الذي يشرب المسكر فإن كان يسر ذلك فلا يخرج سكران كان كفؤا وإن كان يعلن ذلك لم يكن كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات ولم ينقل عن أبي حنفية - C تعالى - شيء من ذلك والصحيح عنده أنه غير معتبر لأن هذا ليس بلازم حتى لا يمكن تركه .
( قال ) وإذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء فللأولياء أن يفرقوا بينهما لأنها ألحقت العار بالأولياء فإنهم يتعيرون بأن ينسب إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم فكان لهم أن يخاصموا لدفع ذلك عن أنفسهم ولا يكون التفريق بذلك إلا عند القاضي لأنه فسخ للعقد بسبب نقص فكان قياس الرد بالعيب بعد القبض وذلك لا يثبت إلا بقضاء القاضي لأنه مختلف فيه بين العلماء فكان لكل واحد من الخصمين نوع حجة فيما يقول فلا يكون التفريق إلا بالقضاء وما لم يفرق القاضي بينهما فحكم الطلاق والظهار والإيلاء والتوارث قائم بينهما لأن أصل النكاح انعقد صحيحا في ظاهر الرواية فإنه لا ضرر على الأولياء في صحة العقد وإنما الضرر عليهم في اللزوم فتتوفر عليه أحكام العقد الصحيح فإذا فرق القاضي بينهما كانت فرقة بغير طلاق لأن هذا التفريق كان على سبيل الفسخ لأصل النحاح والطلاق تصرف في النكاح فما يكون فسخا لأصل النكاح عندنا لا يكون تصرفا فيه ولأن الطلاق إلى الزوج فتفريق القاضي متى كان على وجه النيابة عن الزوج كان طلاقا وهذا التفريق ليس على وجه النيابة عنه فإذا لم يكن طلاقا قلنا لا مهر لها عليه أن لم يكن دخل بها وإن كان دخل بها أو خلا بها فلها ما سمى من المهر وعليها العدة لأن أصل النكاح كان صحيحا فيتقرر المسمى بالتسليم أما بالدخول أو بالخلوة والمكاتب والمدبر نظير العبد في أنه لا يكون كفؤا للحرة لأن الرق فيهما قائم قال A المكاتب عبد ما بقي عليه درهم .
( قال ) وإذا تزوجت المرأة غير كفء فرضي به أحد الأولياء جاز ذلك ولا يكون لمن هو مثله في الولاية أو أبعد منه أن ينقضه إلا أن يكون أقرب منه فحينئذ له المطالبة بالتفريق وقال أبو يوسف C تعالى في نوادر هشام إذا رضى أحد الوليين بغير كفء فللولي الذي هو مثله أن لا يرضى به وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله تعالى - وكذلك إن كان هذا الوالي الراضي هو الذي زوجها والخلاف مع الشافعي إنما يتحقق هنا وجه قولهم أن طلب الكفاءة حق جميع الأولياء فإذا رضى منهم واحد فقد أسقط حق نفسه وحق غيره يصح اسقاطه في حق نفسه دون غيره كالدين المشترك إذا أبرأ أحدهم أو ارتهن رجلان عينا ثم رده أحدهما أو سلم أحد الشفيعين الشفعة أو عفى أحد الولبين عن القصاص يصح في حقه دون غيره وكذلك لو قذف أم جماعة وصدقه أحدهم كان للباقين المطالبة بالحد والدليل عليه أنها لو زوجت نفسها من غير كفء كان للأولياء أن يفرقوا ولم يكن رضاها بعد الكفاءة مبطلا حق الأولياء فكذلك هنا وحجتنا أن الحق واحد وهو غير محتمل للتجزي لأنه ثبت بسبب لا يحتمل التجزي فيجعل كل واحد منهم كالمنفرد به كما في الأمان فإن فيه إبطال حق الاستغنام والاسترقاق ثم صح من واحد من المسلمين في حق جماعتهم للمعنى الذي قلنا .
وهذا لأن الإسقاط صحيح في حق المسقط بالاتفاق فإذا كان الحق واحدا وقد سقط في حق المسقط فمن ضرورته سقوطه في حق غيره لأنه لو لم يسقط في حق غيره لكان إذا استفوفاه يصير حق الغير مستوفي أيضا وذلك لا يجوز ولأنه لما لم يبق بعد السقوط لا يتمكن الآخر من المطالبة به بخلاف الدين فإنه متجزئ في نفسه وبخلاف الرهن فإنا لو نفينا حق الآخر لا يصير حق المسقط مستوفى وبه تبين أن الحق يتعدد هناك وكذلك في الشفعة وفي القصاص ما لا يحتمل التجزي لا يبقى بعد عفو أحدهم وإنما يبقى ما يحتمل التجزي وهو الدية وبخلاف حد القذف فإن ذلك لا يحتمل السقوط ولكن المصدق ينكر سبب الوجوب وهو إحصان المقذوف وإنكار سبب وجوب الشيء لا يكون اسقاطا له فوزانه مما نحن فيه أن لو ادعى أحد الأولياء أن الزوج كفؤ وأثبت الآخر أنه ليس بكفء فيكون له أن يطلب التفريق وأما إذا رضيت هي فلأن الحق الثابت لها غير الحق الثابت للأولياء لأن الثابت لها صيانة نفسها عن ذل الاستفراش وللأولياء صيانة نسبهم عن أن ينسب إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم وأحدهما غير الآخر فلم يكن إسقاط أحدهما موجبا سقوط الآخر ألا ترى إنه قد يثبت الخيار لها في موضع لا يثبت للأولياء على ما نبينه في آخر الباب إن شاء الله تعالى ومتى فرق القاضي بينهما بعد الدخول لعدم الكفاءة حتى وجبت عليها العدة فلها نفقة العدة على الزوج لأنها كانت تستحق النفقة في أصل النكاح فيبقى ذلك ببقاء العدة وسكوت الولي عن المطالبة بالتفريق ليس برضى منه بالنكاح وأن طال ذلك حتى تلد وله الخصومة إن شاء لأن هذا حق ثابت له والسكوت ليس بمبطل للحق الثابت بصفة التأكد لأنه يحتاج إلى الخصومة في المطالبة وقد لا يرغب الإنسان بالخصومة في كل وقت فتأخيره إلى أن يتمكن منه لا يكون مبطلا حقه .
( قال ) وإذا زوجها الولي غير كفء ثم فارقها ثم تزوجت به بغير ولي كان للولي أن يفرق بينهما لأن العقد الثاني غير الأول ورضاه بالعقد الأول بينهما لا يكون رضا بالعقد الآخر كما أن رضاه برجل لا يكافئها لا يكون رضا برجل آخر إذا زوجت نفسها منه بعد ذلك .
( قال ) وإذا تزوجت المرأة غير كفء جاء الولي فقبض مهرها وجهزها فهذا منه رضا بالنكاح لأن قبض المهر تقرير لحكم العقد فيتضمن ذلك الرضا بالعقد ضرورة ومباشرة الفعل الذي هو دليل الرضا بمنزلة التصريح بالرضا ألا ترى أن مثل هذا الفعل يكون إجازة للعقد فلأن يكون رضا بالعقد النافذ كان أولى وأن لم يفعل هذا ولكن خاصم زوجها في تفقتها أو في بقية مهرها عليه بوكالة منها ففي القياس هذا لا يكون رضا لأنه إنما خاصم في ذلك ليظهر عجز الزوج عنه وهو أحد أسباب عدم الكفاءة واشتغاله بإظهار سبب عدم الكفاءة يكون تقريرا لحقه لا إسقاطا وفي الاستحسان يكون هذا رضا بالنكاح لأنه إنما يخاصم في المهر والنفقة ليستوفي والاستيفاء ينبني على تمام العقد فتكون خصومته في ذلك رضا منه بتمام النكاح بينهما .
( قال ) وإذا تزوجت المرأة غير كفء ودخل بها وفرق القاضي بينهما بخصومة الولي وألزمه المهر وألزمها العدة ثم تزوجها في عدتها بغير ولي وفرق القاضي بينهما قبل الدخول بها كان لها عليه المهر الثاني كاملا وعليها عدة مستقبلة في قول أبي حنفية وأبي يوسف - رحمهما الله - وعند محمد - C تعالى - لا مهر لها عليه وعليها بقية العدة الأولى وعند زفر C تعالى لاعدة عليها وعلى هذا الخلاف لو طلقها تطليقة ثانية في النكاح الأول ثم تزوجها في العدة فطلقها قبل الدخول عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - يجب المهر الثاني كاملا وعليها العدة .
وعند محمد وزفر - رحمهما الله تعالى - يجب نصف المهر الثاني ولا عدة عليها إلا أن عند محمد يلزمها بقية العدة الأولى لظاهر قوله تعالى { فإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } الآية وقال { ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } وفي النكاح الثاني الطلاق حصل قبل المسيس لأن العقد الثاني غير مبني على الأولى والدخول في النكاح الأول لم يجعل دخولا في النكاح الثاني . ألا ترى أن صريح الطلاق بينها فصار في حق العقد الثاني كأن الأول لم يوجد أصلا إلا أن محمدا C تعالى يوجب بقية العدة الأولى احتياطا لأن تلك العدة كانت واجبة وبالطلاق قبل الدخول صار النكاح الثاني كالمعدوم وزفر - C تعالى - يقول العدة الأولى سقطت بالنكاح الثاني والساقط من العدة لا يعود وتجدد وجوب العدة يستدعي تجدد السبب وهما قالا العقد الثاني يتأكد بنفسه والفرقة متى حصلت بعد تأكد العقد يجب كمال العدة والمهر .
وبيان التأكد أن اليد والفراش يبقي ببقاء العدة فإنما تزوجها والمعقود عليه في يده حكما فيصير قابضا بنفس العقد كالغاصب إذا اشترى من المغصوب منه المغصوب وبه يتأكد حكم النكاح سواء وجد الدخول أو لم يوجد كما يتأكد بالخلوة وبه يبطل اعتمادهم على حصول البينونة بصريح الطلاق فإن بعد الخلوة صريح الطلاق يبينها ويكون النكاح متأكدا في حكم المهر والعدة ولأن وجوب العدة لتوهم اشتغال الرحم بالماء عند الفرقة وهذا قائم في العقدة الثاني لأنه لا تأثير في تجديد العقد في براءة الرحم وقد كان توهم الشغل ثابتا حتى أوجبنا العدة عند الفرقة الأولى وهذا على قول محمد - C تعالى - ألزم لأنه يلزمها بقية العدة الأولى باعتبار توهم الشغل والعدة لا تتجزى في الوجوب وعلى هذا الأصل لو كانت الفرقة بسبب اللعان أو بخيار البلوغ أو بخيار العتق كله على الأصل الذي بيناه وكذلك أن كان النكاح الأول فاسدا أو كان دخل بها بشبهة ثم تزوجها نكاحا صحيحا في العدة وان كان النكاح الأول صحيحا والثاني فاسدا ففرق بينهما قبل الدخول لا يجب المهر بالاتفاق لأن صيرورته قابضا باعتبار تمكنه من القبض شرعا وذلك بالعقد الفاسد لا يكون ألا ترى أن الخلوة في النكاح الفاسد لا توجب المهر والعدة فهنا كذلك العدة الأولى لم تسقط بمجرد العقد الفاسد فبقيت معتدة كما كانت ولا مهر لها عليه إذا فرق بينهما قبل الدخول ولو كان العقد الثاني صحيحا فارتدت ووقعت الفرقة بينهما فهو على هذا الخلاف الذي قلنا لها كمال المهر في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى .
وعند محمد C تعالى لا مهر لها إذ أن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول فلو كان تزوجها في جميع هذه الوجوه بعد انقضاء العدة كان الجواب عندهم كما هو قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى في الفصول المتقدمة لأنه لم يبق له عليها تلك اليد بعد انقضاء العدة فالتزوج بها وبأجنبية أخرى سواء .
( قال ) وإذا تزوجت المرأة رجلا خيرا منها فليس للولي أن يفرق بينهما لأن الكفاءة غير مطلوبة من جانب النساء فإن الولي لا يتعير بأن يكون تحت الرجل من لا تكافئه ولأن نسب الولد يكون إلى أبيه لا إلى أمه ألا ترى أن إسماعيل عليه السلام كان من قوم إبراهيم صلوات الله عليه لا من قوم هاجر وكذلك إبراهيم بن رسول الله - A - كان من قريش وما كان قبطيا وأولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة .
( قال ) وإذا تسمى الرجل لامرأة بغير اسمه وانتسب لها إلى غير نسبه فتزوجته فالمسألة على ثلاثة أوجه ( أحدهما ) أن يكون النسب المكتوم أفضل مما أظهره بأن أخبرها أنه من العرب ثم تبين أنه من قريش وفي هذا لا خيار لها ولا للأولياء لأنها وجدته خيرا مما شرط لها فهو كمن اشترى شيئا على أنه معيب فإذا هو سليم ( والثاني ) إذا كان نسبه المكتوم دون ما أظهره ولكنه في النسب المكتوم غير كفء لها بأن تزوج قرشية على أنه من قريش ثم تبين أنه من العرب أو من الموالي وفي هذا لها الخيار وإن رضيت هي فللأولياء أن يفرقوا بينهما لعدم الكفاءة .
( والثالث ) إن كان النسب المكتوم دون ما أظهر ولكنه في النسب المكتوم كفؤ لها بأن تزوج عربية على أنه من قريش ثم تبين أنه من العرب وفي هذا ليس للأولياء حق المطالبة بالفرقة بالاتفاق لأن حق الخصومة للأولياء لدفع العار عن أنفسهم حتى لا ينسب إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم وهذا غير موجود هنا ولكن لها الخيار إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته عندنا وقال زفر C تعالى لا خيار لها كما لا يثبت للأولياء لأن الحق في المطالبة بالكفاءة وهي موجودة ولكنا نقول شرط لها زيادة منفعة وهو أن يكون ولدها منه صالحا للخلافة فإذا لم تنل هذا الشرط كان لها الخيار كمن اشترى عبدا على أنه كاتب أو خباز فوجده لا يحسنه وهذا لأن في الاستفراش ذلا في جانبها والمرأة قد ترضى استفراش من هو أفضل منها ولا ترضى استفراش من هو مثلها فإذا ظهر أنه غرها فقد تبين انعدام تمام الرضا منها فلهذا كان لها الخيار بخلاف الأولياء فإن ثبوت الخيار لهم لعدم الكفاءة فقط .
وللشافعي - C تعالى - في هذه المسألة ثلاثة أقوال قول مثل قولنا وقول مثل قول زفر - C تعالى - وقول آخر أن النكاح باطل لأنها زوجت نفسها من رجل هو قرشي ولم يوجد ذلك الرجل ولكنا نقول الإشارة مع التسمية إذا اجتمعا فالعبرة للإشارة لأن التعريف بالإشارة أبلغ وبهذا ونحوه نستدل على قلة فقهه فإن مثل هذا الجواب لا يعجز عنه غير الفقيه ومن سئل عن طريق فقال إما من هذا الجانب وإما من هذا الجانب فيشير إلى الجوانب الأربعة علم أنه لا علم له بالطريق أصلا .
( قال ) وإن كانت المرأة هي التي غرت الزوج وانتسبت إلى غير نسبها فلا خيار له فيه إذا علم وهي امرأته إن شاء طلقها وإن شاء أمسكها لما بينا أنه لا يفوت عليه شيء من مقاصد النكاح بما ظهر من غرورها لا في حق نفسه ولا في ولده ولأنه يتمكن من التخلص منها بالطلاق فلا حاجة إلى إثبات الخيار والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب