( قال ) وإذا خطب الرجل امرأة على رجل غائب لم يأمره فزوجت نفسها أو زوجها أبوها برضاها فقدم الغائب أو بلغه ذلك فأجاز النكاح فهو جائز عندنا وقال الشافعي - C تعالى - هو باطل بناء على أصله أن العقود لا تتوقف على الإجازة وهي مسألة في البيوع معروفة وعندنا تتوقف العقود على الإجازة وكل عقد لو سبق الإذن به ممن يقع له كان صحيحا فإنه يتوقف على إجازته فإذا أجازه في الانتهاء جعل ذلك كالإذن في الإبتداء ولو عقد هذا العقد بإذنه في الإبتداء كان صحيحا فكذلك بإجازته في الانتهاء وهذا لأن ركن العقد هو الإيجاب والقبول وذلك من حق المتعاقدين وقد أضافه إلى محل قابل للعقد فيتم به الانعقاد إذ لا ضرر على الغائب في انعقاد العقد وإنما الضرر عليه في التزام العقد وقد يتراخى الالتزام عن أصل العقد فتثبت صفة الانعقاد لأنه حق المتعاقدين ويتوقف تمامه وثبوت حكمه على إجازة من وقع العقد له دفعا للضرر عنه ولو أن الغائب وكل هذا الحاضر بكتاب كتبه إليه حتى زوجها منه كان صحيحا وكذلك لو كتب إليها يخطبها فزوجت نفسها منه كان صحيحا والأصل فيه ما روى أن النبي A كتب إلى النجاشي يخطب أم حبيبة رضي عنها فزوجها النجاشي منه وكان هو وليها بالسلطنة وروي أنه زوجها منه قبل أن يكتب به رسول الله - A - فأجاز رسول الله - A - كتابه وكلاهما حجة لنا على أن النكاح تلحقه الإجازة وأن الخطبة بالكتاب تصح وهذا لأن الكتاب ممن نأى كالخطاب ممن دنى فإن الكتاب له حروف ومفهوم يؤدي عن معنى معلوم فهو بمنزلة الخطاب من الحاضر وكان الحسن بن حي - C تعالى - يقول لا ينعقد النكاح بالكتاب لعظم خطر أمر النكاح وهذا فاسد .
فإن رسول الله - A - كان مأمورا بتبليغ الرسالة بقوله تعالى : { يا أيها الرسول بلغ } وقد بلغ تارة بالكتاب وتارة باللسان فإنه كتب إلى ملوك الأفاق يدعوهم إلى الدين وكان ذلك تبليغا تاما فكذلك في عقد النكاح الكتاب بمنزلة الخطاب إلا أنه إذا كتب إليها فبلغها الكتاب فقالت زوجت نفسي منه بغير محضر من الشهود لا ينعقد النكاح كما في حق الحاضر فإن النبي - A - قال : لا نكاح إلا بشهود ولو قالت بين يدي الشهود زوجت نفسي منه لا ينعقد النكاح أيضا لأن سماع الشهود كلام المتعاقدين شرط لجواز النكاح وإنما سمعوا كلامها هنا لا كلامه لو كانت حين بلغها الكتاب قرأته على الشهود وقالت أن فلانا كتب إلي يخطبني فاشهدواني قد زوجت نفسي منه فهذا صحيح لأنهم سمعوا كلام الخاطب باسماعها إياها إما بقراءة الكتاب أو العبارة عنه وسمعوا كلامها حيث أوجبت العقد بين أيديهم فلهذا تم النكاح وهذا بخلاف البيع فإن المكتوب إليه إذا قال : هناك بعت هذه العين من فلان بكذا جاز وإن لم يكن بحضرة الشهود أو كان بحضرتهم ولم يقرأ الكتاب عليهم لأن البيع يصح بغير شهود كما في الحاضر إلا أنه ذكر في الكتاب في البيع أنه إذا كتب إليه أن بعني كذا بكذا فقال بعت يتم البيع وقد طعنوا في هذا فقالوا أن البيع لا ينعقد بهذا اللفظ من الحاضر فإن من قال لغيره بع عبدك منى بكذا فقال : بعت لا ينعقد ما لم يقل الثاني اشتريت لأنه لا بد في البيع من اللفظين هما عبارة عن الماضي بخلاف النكاح فإن النكاح ينعقد بلفظين أحدهما عبارة عن الماضي والآخر عن المستقبل ووالشافعي ومحمد رحمهما الله تعالى سويا بينهما والفرق لعلمائنا رحمهم لله تعالى أن البيع يقع بغتة وفلتة فقوله بعني يكون استياما عادة فلا بد من الإيجاب والقبول بعده .
فأما النكاح يتقدمه خطبة ومراودة فقلما يقع بغتة فقوله زوجني يكون أحد شطري العقد توضيح الفرق أن قوله زوجيني نفسك تفويض للعقد إليها وكلام الواحد في باب النكاح يصلح لإتمام العقد إذا كان الأمر مفوضا إليه من الجانبين فيمكن أن يجعل قولها زوجت نفسي عقدا تاما وفي باب البيع كلام الواحد لا يصلح لا تمام العقد من الجانبين وإن كان مفوضا إليه من الجانبين فكان قوله بعت منك شطر العقد فلا بد من أن ينضم إليه الشطر الثاني ليصح إذا عرفنا هذا فنقول مراد محمد - C تعالى - هنا بيان الفرق بين النكاح والبيع في شرط الشهود دون اللفظ الذي ينعقد به البيع أو نقول بعني قوله من الحاضر يكون استياما عادة فأما من الغائب إذا كتب إليه فقوله بعني يكن أحد شطري العقد فإذا انضم إليه الشطر الثاني تم البيع فإن جاء الزوج بالكتاب مختوما إلى الشهود وقال هذا كتابي إلى فلانة فاشهدوا على ذلك لم يجز ذلك في قول أبي حنفية ومحمد - رحمهما الله تعالى - حتى يعلم الشهود ما في الكتاب وهو قول أبي يوسف الأول ثم رجع فقال يجوز ولا يشترط إعلام الشهود بما في الكتاب وأصل الخلاف في كتاب القاضي إلى القاضي عند أبي يوسف C تعالى تجوز الشهادة على الكتاب والختم وإن كان لا يعلم الشهود ما في الكتاب وعند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - لا تجوز لأن المشهود به ما في الكتاب لا نفس الكتاب ولكن استحسن أبو يوسف C تعالى فقال قد يشتمل الكتاب على شرط لا يعجبهم إعلام الشهود بذلك وإذا كان مختوما يؤمن من الزيادة والنقصان فيه فيكون صحيحا .
ثم في هذا الكتاب قال يجوز عند أبي يوسف - C تعالى - مختوما كان أو غير مختوم وذكر في الأمالي أن الكتاب إذا كان غير مختوم لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - أصلا وعند أبي يوسف - رحمه لله تعالى - لا يجوز إلا أن يعلم الشهود ما فيه وإذا كان مختوما فحينئذ هل يشترط إعلام الشهود ما فيه فعن أبي يوسف - C تعالى - فيه روايتان وكما ينعقد النكاح بالكتاب ينعقد البيع وسائر التصرفات للمعنى الذي قلنا .
( قال ) ويجوز للواحد أن ينفرد بالعقد عند الشهود على الاثنين إذا كان وليا لهما أو وكيلا عنهما وعلى قول زفر - C تعالى - أن كان وليهما جاز وأن كان وكيلا لا يجوز أن زفر - C تعالى - يقول النكاح عقد معاوضة فلا يباشره الواحد من الجانبين كعقد البيع وهو قياس يوافقه الأثر وهو ما روينا أن النبي - A - قال : كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب وولي وشاهدا عدل والشافعي - C تعالى - بنحوه يستدل في الوكيل من الجانبين أنه لا يتم العقد بعبراته لأنه لا ضرورة في توكيل الواحد من الجانبين بخلاف ما إذا كان وليا من الجانبين لأن في تنفيذ العقد بعبارته ضرورة لأن أكثر ما في الباب أن يأمر غيره من أحد الجانبين فيكون مأموره قائما مقامه وهو الولي من الجانبين شرعا فيملك مباشرة العقد وهو نظير ما قلتم في الأب إذا باع مال ولده من نفسه بمثل قيمته يجوز ولا يجوز بيعه من غيره ووجه قول علمائنا قوله تعالى وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامي أي في نكاح اليتامى فهو دليل على أن للولي أن يزوج وليته من نفسه وكذا قوله تعالى وترغبون أن تنكحوهن دليل على ان للولي أن يزوج وليته من نفسه وفي الحديث أن شرط علي - رضي الله تعالى عنه - أتوه بشيخ مع جارية فسأله عن قصتها فقال أنها بنة عمي وإني خشيت أنها إذا بلغت ترغب عني فتزوجتها فقال : خذ بيد امرأتك والمعنى فيه أن العاقد في باب النكاح سفير ومعبروا الواحد كما يصلح أن يكون معبرا عن الواحد يصلح أن يكون معبرا عن اثنين ودليل الوصف أنه لا يستغني عن إضافة العقد إلى الزوجين وبه يظهر الفرق بينه وبين البيع فإنه يستغني عن إضافة العقد إلى غيره فكان مباشرا للعقد لا معبرا .
توضيحه أن حقوق العقد في باب البيع تتعلق بالعاقد فإذا باشر العقد من الجانبين يؤدي إلى تضاد الأحكام لأنه يكون مطالبا مطالبا مسلما مستلما مخاصما مخاصما وفي باب النكاح لا تتعلق الحقوق بالعاقد فلا يؤدي إلى تضاد الأحكام ولهذا قلنا يبيع الأب مال ولده من نصبيه لأنه في جانب الصغير يكون ملزما إياه حقوق العقد بولايته عليه حتى إذا بلغ كانت الخصومة في ذلك إليه دون الأب بخلاف بيعه من غيره فلا يؤدي إلى تضاد الأحكام توضيحه أن البيع لا يصح إلا بتسمية لثمن فإذا تولاه من الجانبين كان مستزيدا مستنقصا وذلك لا يجوز والنكاح يصح من غير تسمية المهر فلا يؤدي إلى هذا المعنى إذا باشره الواحد من الجانبين وعلى هذا روى إبن سماعة عن محمد - رحمهما الله تعالى - في الكتابة أن الواحد لا يباشره من الجانبين لأنه لا يصح إلا بتسمية البدل فأما على ظاهر الرواية يجوز حقوق العقد في الكتاب لا تتعلق بالعاقد بل هو معتبر كما في النكاح ولا حجة لهم في هذا الحديث لأن هذا النكاح قد حضره أربعة معنى فإنه إذا اجتمع وصفان في واحد كان وليا أو وكيلا من أحد الجانبين دون الآخر وفضوليا من الجانب الآخر أو لم يكن وليا ولا وكيلا من الجانبين ولكنه فضولي باشر النكاح بمحضر من الشهود فبلغ الزوجين فاجازاه لم يجز في قوله أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وهو قول أبي يوسف - C تعالى - الأول وجاز في قوله الآخر وكذلك لو قال الزوج بين يدي الشهود أشهدوا أني تزوجت فلانة ولم يخاطب عنها أحدا فبلغها فأجازت أو قالت المرأة أشهدوا أني قد زوجت نفسي من فلان ولم تخاطب عنه أحدا فبلغه فأجاز فهو على هذا الخلاف ولو قبل فضولي من جهة الغائب ينعقد موقوفا بالإتفاق حتى لو أجاز يجوز .
أبو يوسف - C تعالى - يقول الإجازة في الانتهاء كالإذن في الإبتداء وإذا كان كلام الواحد في باب النكاح عقدا تاما باعتبار الاذن في الابتداء فكذلك باعتبار الإجازة في الانتهاء وجعل هذا قياس الطلاق والعتاق بمال فإن كلام الواحد فيه لما كان عقدا تاما عند الإذن كان عقدا موقوفا على إجازة الغائب عند عدم الإذن وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - قالا النكاح عقد معاوضة محتمل للفسخ فكلام الواحد فيه يكون شطر العقد وشطر العقد لا يتوقف على ما وراء المجلس كما في البيع بخلاف الطلاق والعتاق فإنه لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه أصلا وتحقيقه أن قول الرجل طلقت فلانة بكذا أو أعتقت عبدي فلانا بكذا يكون تعليقا للطلاق والعتاق بالقبول لأن تعليقهما بالشرط صحيح فإذا بلغهما فقبلا وقع لوجود الشرط وفي النكاح قوله زوجت فلانة لا يمكن أن يجعل تعليقا لأن النكاح لا يحتمل التعليق بالشرط فكان هذا شطر العقد ولا يدخل على هذا ما لو قال الزوج بمحضر منها طلقتك بكذا فقامت عن المجلس قبل القبول فإنه يبطل ذلك ولو كان تعليقا بالشرط لما بطل بقيامها عن المجلس لأن من التعليقات ما يقتصر على وجود الشرط في المجلس كقوله لها أنت طالق إن شئت يقتصر على وجود المشيئة في المجلس فهذا مثله وهذا بخلاف ما إذا كان مأمورا من الجانبين لأن هناك عبارته تنتقل إليهما فيصير قائما مقام عبارتهما فإنما يكون تمام العقد بالمثنى من حيث المعنى وهنا لا تنتقل عبارته إلى الغير لأنه غير مأمور به فإذا بقى مقصورا عليه كان شطر العقد والدليل عليه أنه لو قال لها تزوجتك وهي حاضرة كان شطر العقد حتى لا يتوقف على إجازتها بعد قيامها من ذلك المجلس فكذا إذا قال : ذلك وهي غائبة يكون هذا شطر العقد ولو كان عقد النكاح بين فضوليين خاطب أحدهما عن الرجل والآخر عن المرأة فبلغهما فأجازا جاز ذلك العقد لأنه جرى بين اثنين ولو كانا وكيلين كان كلامهما عقدا تاما فكذلك إذا كانا فضوليين يكون كلامهما عقدا موقوفا .
( قال ) وليس على العاقد في باب النكاح وليا كان أو وكيلا حق قبض مهرها بدون أمرها لما بينا أنه معبر لا يتعلق به شيء من حقوق العقد وكما لا يتوجه عليه المطالبة بتسليم المعقود عليه لا يكون إليه قبض البدل وكذلك الوكيل من جانب الزوج لا يكون عليه من المهر شيء كما لا يكون إليه قبض المعقود عليه وإليه أشار علي Bه في قوله الصداق على من أخذ الساق إلا الأب في حق ابنته البالغة فإنه يقبض مهرها فيجوز ذلك استحسانا وقد بيناه .
( قال ) وإذا أرسل إلى المرأة رسولا حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا فهو سواء لأن الرسالة تبليغ عبارة المرسل إلى المرسل إليه ولكل واحد من هؤلاء عبارة مفهومة فيصلح أن يكون رسولا إلا ترى أن سليمان عليه السلام جعل الهدهد رسولا في تبليغ كتابه إلى بلقيس فالآدمى المميز أولى أن يصلح لذلك فإذا بلغ الرسالة فقال إن فلانا سألك أن تزوجيه نفسك فاشهدت أنها قد تزوجته كان ذلك جائزا إذا أقر الزوج بالرسالة أو أقامت عليه البينة لأن الرسول بلغها رسالة المرسل فكانه حضر بنفسه وعبر عن نفسه بين يدي الشهود وقد سمع الشهود كلامها أيضا فكان نكاحا بسماعهما كلام المتعاقدين وإذا أنكر الرسالة ولم تقم عليه البينة لها فالقول قوله ولا نكاح بينهما لأن الرسالة لما لم تثبت كان المخاطب فضوليا ولم يرض الزوج بما صنع فلا نكاح بينهما فإن كان الرسول قد خطبها وضمن لها المهر وزوجها إياه وقال قد أمرني بذلك فالنكاح لازم للزوج أن أقر أو قامت عليه البينة بالأمر والضمان لازم للرسول إن كان من أهل الضمان لأنه جعل نفسه زعيما بالمهر والزعيم غارم .
وإن جحد الزوج ولم يكن عليه بينة بالأمر فلا نكاح بنيهما لما قلنا وللمرأة على الرسول نصف الصداق من قبل أنه مقر بأنه قد أمره وإن النكاح جائز وأن الضمان قد لزمه وإقراره على نفسه صحيح وذكر في كتاب الوكالة أن على الرسول جميع المهر بحكم الضمان فقيل ما ذكر هنا قول أبي حنيفة C تعالى وقول أبي يوسف الأول وما ذكر هناك قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد - C - بناء على أن قضاء القاضي ينفذ ظاهرا وباطنا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول فنفذ قضاؤه بالفرقة هنا قبل الدخول وسقط نصف الصداق عن الزوج فيسقط عن الكفيل أيضا وعلى قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد - C تعالى - لا ينفذ قضاؤه باطنا فيبقى جميع المهر واجبا على الزوج ويكون الكفيل مطالبا به لاقراره وقيل بل فيه روايتان وجه تلك الرواية أن الزوج منكر لأصل النكاح وإنكاره أصل النكاح لا يكون طلاقا فلا يسقط به شيء من الصداق بزعم الكفيل ووجه هذه الرواية أنه أنكر وجوب الصداق عليه وهو مالك لاسقاط نصف الصداق عن نفسه بسبب يكسبه فيجعل مسقطا فيما يمكنه اسقاطه ومن ضرورة سقوط نصف الصداق عن الأصيل سقوطه عن الكفيل فلهذا كان الكفيل ضامنا لنصف الصداق .
( قال ) فإن كان الرسول قال : لم يأمرني ولكن أزوجه وأضمن عنه المهر ففعل ثم أجاز الزوج جاز عليه ولزم الزوج الضمان لأن الإجازة في الإنتهاء بمنزلة الأذن في الإبتداء وأن أبي الزوج أن يجيز النكاح لم يكن على الرسول شيء من الضمان لأن أصل السبب انتفى برد الزوج النكاح فينتفي حكمه وهو وجوب الصداق وبراءة الأصيل حقيقة توجب براءة الكفيل .
( قال ) وأن أمر أن يزوجه امرأة بعينها على مهر قد سماه فروجها إياه وزاد عليه في المهر فإن شاء الزوج أجازه وإن شاء رده لأنه أتى بخلاف ما أمر به فكان مبتدئا فيتوقف عقده على إجازته وإن لم يعلم الزوج بذلك حتى دخل بها فهو بالخيار أيضا لأن دخوله بها كان باعتبار أنه امتثل الوكيل أمره فلا يصير به راضيا بما خالف فيه الوكيل فإن الرضا بالشيء لا يتحقق قبل العلم به فكان على خياره إن شاء أقام معها بالمهر المسمى وإن شاء فارقها وكان لها الأقل من المسمى ومن مهر مثلها لأن الدخول بحكم النكاح الموقوف بمنزلة الدخول في النكاح الفاسد فيسقط به الحد للشبهة ويجب الأقل من المسمى ومن مهر المثل لأن الوطء في غير الملك لا ينفك عن عقوبة أو غرامة .
( قال ) فإن كان الرسول ضمن لها المهر ولم يدخل بها الزوج وأخبرهم أنه أمره بذلك ثم رد الزوج النكاح للزيادة في المهر فعلى الرسول نصف المسمى لإقراره على نفسه أنه أمره به وهذا لأن انكار الزوج الأمر بالزيادة بمنزلة انكاره الأمر بالعقد أصلا كما بيناه في الفصل الأول .
( قال ) فإن قال الرسول أنا أغرم المهر وألزمك النكاح لم يكن له ذلك إلا أن يشاء الزوج لأنه فيما باشر من العقد غير ممتثل أمره فكان بمنزلة الفضولي والفضولي ولا يملك أن يلزم عليه حكم العقد إلا برضاه وهذا لأنه وإن تبرع باداء الزيادة فلا بد من أن يجب على الزوج أولا لأن المسمي في العقد صداق والصداق مطلقا يجب على الزوج وقد تعذر الزام الزوج بذلك وانعدم منها الرضا بدونه .
( قال ) وإذا وكل الرجل الرجل أن يزوجه امرأة فزوجها إياه وضمن لها عنه المهر جاز ذلك ولم يرجع به الوكيل على الزوج لأنه ضمن عنه بغير أمره فإن أمره إياه بالنكاح لا يكون أمرا بالتزام الصداق لأن الوكيل بالنكاح سفير ومعبر لا ملتزم ومن ضمن عن غيره دينه بغير أمره لم يرجع به عليه لأن تبرعه بالضمان كتبرعه بالأداء فإن كان أمره بذلك رجع عليه كما لو أمره بالأداء .
( قال ) وإذا كان العقد من الوكيل بشهود جاز وإن لم يكن على التوكيل شهود لأن التوكيل بالنكاح ليس بنكاح والشهود من خصائص شرائط النكاح وإنما شرط الشهود من النكاح لأنه يتملك به البضع فلإظهار خطره اختص بشهود وذلك لا يوجد في التوكيل فإن البضع لا يتملك بالتوكيل فهو بمنزلة التوكيل بسائر العقود .
( قال ) وإذا أدخل على الرجل غير أمرأته فدخل بها فعلى الزوج مهر التي دخل بها لأنه دخل بها بشبهة النكاح بخبر المخبر أنها امرأته وخبر الواحد في المعاملات حجة فيصير شبهة في اسقاط الحد فإذا سقط الحد وجب المهر وعليها العدة ويثبت نسب ولدها منه ولا تتقي في عدتها ما تتقى المعتدة وبنحوه قضى علي Bه في الوطء بالشبهة والحداد إظهار التحزن على فوات نعمة النكاح وذلك لا يوجد في الوطء بالشبهة وليس لها عليه نفقة العدة لأن وجوب النفقة باعتبار ملك اليد الثابت بالنكاح وذلك غير موجود في الوطء بالشبهة ولأنه يبقى بالعدة ما كان ثابتا من النفقة بأصل النكاح ولم يكن لها نفقة مستحقة هنا ليبقى ذلك ببقاء العدة ولا يرجع بالمهر على الذي أدخلها عليه لأنه وجب عليه عوضا عما استوفى وهو الذي نال اللذة بالاستيفاء فلا يرجع بالعوض على غيره ولأن المخبر أخبر بكذب من غير أن ضمن له شيئا وهذا العقد من الغرور لا يثبت له الرجوع عليه كمن أخبره بأمن الطريق فسلك فيه حتى أخذ اللصوص متاعه .
( قال ) فإن كانت هذه أم امرأته حرمت عليه امرأته بالمصاهرة ولها عليه نصف الصداق لوقوع الفرقة قبل الدخول بسبب من جهة الزوج ولا يرجع به علي أحد أيضا لما قلنا وإن كانت بنت امرأته حرمت عليه امرأته بالمصاهرة وله أن يتزوج التي دخل بها لأن مجرد العقد على الأم لا يوجب حرمة الربية وليس له أن يتزوج أم التي دخل بها لأن بالدخول بالبنت تحرم الأم على التأبيد بخلاف الفصل الأول فإن هناك لا يتزوج واحدة منهما لوجود العقد الصحيح على البنت والدخول بالأم ولو كانت هذه أخت امرأته أو ذات رحم محرم منها لم يقرب امراته حتى تنقضى عدتها لأن أختها معتدة منه فلو قربها كان جامعا ماءه في رحم أختين وذلك لا يجوز والله أعلم بالصواب