قال ولا بأس بأن يلبس المحرم القباء ويدخل فيه منكبيه دون يديه عندنا وقال " زفر " - C تعالى - ليس له ذلك لأن القباء مخيط فإذا أدخل فيه منكبيه صار لابسا للمخيط فإن القباء يلبس هكذا عادة ولكنا نقول لبس القباء إنما يحصل بإدخال اليدين في الكمين فإذا لم يفعل ذلك كان واضعا القباء على منكبيه لا لابسا وهذا لأنه في معنى لبس الرداء لأنه يحتاج إلى تكلف حفظه على منكبيه عند اشتغاله بعمل كما يحتاج إليه لابس الرداء أما إذا أدخل يديه في كميه فلا يحتاج في حفظه على نفسه عند الاشتغال بالعمل فيكون لابسا للمخيط وكذلك إن زره عليه كان لابسا لأنه لا يحتاج إلى تكلف حفظه عليه بعدما زره فإن فعل ذلك يوما أو أكثر فعليه دم وهكذا روي عن " أبي يوسف " - C تعالى - وعلى قول " الشافعي " - C تعالى - إذا لبس المخيط لزمته الكفارة وإن كان في ساعة واحدة لأن لبس المخيط محظور الإحرام فيصير هو مرتكبا محظور الإحرام فيلزمه الدم وإن فعله في ساعة واحدة كالتطيب ولكنا نقول إنما يتم جنايته بلبس مقصود واللبس المقصود في الناس عادة يكون في يوم كامل فإن من أصبح يلبس الثياب ثم لا ينزعها إلى الليل فإذا لبس في هذه المدة تكاملت الجناية باستمتاع مقصود وفيما دون ذلك لم تتكامل جنايته باستمتاع مقصود فتكفيه صدقة إلا أن " أبا حنيفة " - C تعالى - كان يقول أولا قد يرجع المرء إلى بيته قبل الليل فينزع ثيابه التي لبسها للناس فكان للبس في أكثر اليوم استمتاعا مقصودا عادة والأكثر ينزل منزلة الكمال .
قال ولا بأس بأن يلبس الخز والبرود إذا لم يكن مخيطا كما كان يفعله في غير الإحرام إلا أنه لا يلبس البرد المصبوغ بالعصفر أو الزعفران أو الورس فقد " روى " ابن عمر " - Bه - أن النبي - A - نهى عن لبس المزعفر والمورس في حالة الإحرام وكذلك المصبوغ بالعصفر " عندنا وعلى قول " الشافعي " - C تعالى - لا بأس به لما روى عنه " عثمان " - Bه - أنه رأى على عبدالله بن جعفر - Bه - رداء معصفرا في إحرامه فأنكر عليه ذلك فقال علي - Bه - ما أرى أحدا يعلمنا السنة ولأن العصفر ليس بطيب فهو قياس ثوب هروي ولا بأس للمحرم أن يلبسه ولكنا نستدل بحديث " عائشة " - Bها - فإنها كرهت لبس المعصفر في الإحرام وكذلك " عمر بن الخطاب " - Bه - أنكر على طلحة الرداء المعصفر حتى قال لا تعجل يا أمير المؤمنين فإنه ممشق ولأن العصفر له رائحة وإن لم تكن زكية فكان بمنزلة الورس والزعفران وتأويل حديث " عبدالله " - Bه - أنه كان قد غسل وصار بحيث لا ينفض قد عرف " عبدالله بن جعفر " ذلك ولم يعرفه " عثمان " - Bه - أو كان ذلك مصبوغا بمدر على لون العصفر وقد عرف ذلك " علي " - Bه - ولم يعرفه " عثمان " فلهذا قال ما قال فأما المصبوغ على لون الهروي وهو أدمي اللون ليس له رائحة فكان قياس المعصفر إذا غسل حتى صار بحيث لا ينفض وقد بينا هناك أنه لا يلزمه شيء فهذا مثله ثم التقدير في إيجاب الدم عند لبس المصبوغ بنحو ما بينا في لبس القباء وكذلك لو لبس قميصا أو سراويل أو قلنسوة يوما إلى الليل فعليه دم وإن كان فيما دون ذلك فعليه صدقة كما بينا وإنما أراد بهذا إذا لبسه على الوجه المعتاد أما إذا ائتزر بالسراويل أو ارتدى بالقميص أو اتشح به فلا شيء عليه لأنه يحتاج إلى تكلف حفظه على نفسه عند اشتغاله بالعمل فلا يكون لابسا للمخيط وأما في القلنسوة فلتغطية الرأس بها يلزمه الجزاء وقد بينا أن المحرم ممنوع عن تغطية الرأس وقد ذكر هشام عن ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - أنه إذا لم يجد الأزار ففتق السراويل إلا موضع التكة فلا بأس حينئذ بلبسه بمنزلة المئزر وهو نظير ما ورد به الأثر فيما إذا لم يجد لمحرم نعلين قطع خفيه أسفل من الكعبين ليصير في معنى النعلين وفسر هشام عن ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - الكعب في هذا الموضع بالمفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك وعلى هذا قال المتأخرون من مشايخنا : لا بأس للمحرم بأن يلبس المشك : لأنه لا يستر الكعب فهو بمنزلة النعلين فإن لبس القميص والقلنسوة والقباء والسراويل يوما إلى الليل فعليه دم واحد لأن جنس الجناية واحد والمقصود واحد وهو الاستمتاع بلبس المخيط فعليه دم واحد كما لو حلق رأسه كله وكذلك إن غطى وجهه يوما فعليه دم وقد بينا فيما سبق أنه ليس للمحرم أن يغطي وجهه ولا رأسه عندنا خلافا " للشافعي " C تعالى - وقد ورد الأثر بالنهي عن تغطية اللحية في الإحرام لأنه من الوجه فعرفنا أنه لا يغطي وجهه .
قال ولا بأس بأن يلبس الهميان والمنطقة يشد بها حقويه فيها نفقته هكذا روى عن " عائشة " - Bها - أنها سئلت هل يلبس المحرم الهميان فقالت استوثق من نفقتك بما شئت وفي " حديث " ابن عباس " - Bهما - عن النبي - A - أنه لم ير للمحرم بأسا بأن يعقد الهميان على وسطه وفيه نفقته " .
وكان " مالك " - C تعالى - يقول إن كان فيه نفقته فلا بأس وإن كان فيه نفقة غيره كرهت له ذلك لأنه لا حاجة إلى حمل نفقة غيره ولكنا نقول جواز لبس الهميان والمنطقة باعتبار أنه ليس في معنى لبس المخيط وفي هذا يستوي نفقته ونفقة غيره وعن " أبي يوسف " - C تعالى - أنه كره للمحرم لبس المنطقة المتخذة من الإبريسم فقيل لأنه في معنى المخيط وقيل هو بناء على أصل " أبي يوسف " C تعالى في كراهة ما قل من الحرير وكثر للرجال .
قال ويتوشح المحرم بالثياب ولا يعقد على عنقه لأنه إذا عقده لا يحتاج في حفظه على نفسه إلى تكلف فكان في معنى لبس المخيط وكذلك قالوا إذا ائتزر فلا ينبغي له أن يعقد إزاره على نفسه بحبل أو غيره فقد " روي : أن النبي - A - رأى رجلا قد شد فوق إزاره حبلا فقال ألق ذلك الحبل ويلك " وكذلك يكره له أن يخل رداءه بخلال لأنه لا يحتاج إلى تكلف في حفظه على نفسه ولكنه مع هذا لو فعل لا شيء عليه لأن المحظور عليه الاستمتاع بلبس المخيط ولم يوجد ذلك .
قال ويكره له أن يعصب رأسه فإن فعل يوما إلى الليل فعليه صدقة لأنه غطى بعض رأسه بالعصابة وهو ممنوع من تغطية الرأس إلا أن ما غطى به جزء يسير من رأسه فتكفيه الصدقة لعدم تمام جنايته وإن عصب شيئا من جسده من علة أو غير علة فلا شيء عليه لأنه غير ممنوع عن تغطية سائر الجسد سوى الرأس والوجه ولكن يكره له أن يفعل ذلك من غير علة كما يكره شد الإزار وشد الرداء على ما بينا .
قال وإن غطى المحرم ربع رأسه أو وجهه يوما فعليه دم وإن كان دون ذلك فعليه صدقة وعن " أبي يوسف " - C تعالى - قال : إن غطى أكثر رأسه فعليه دم وإلا فعليه صدقة لأن القليل من تغطية الرأس لا تتم به الجناية والقلة والكثرة إنما تظهر بالمقابلة وهذا أصل " أبي يوسف " - C تعالى - في المسائل .
وفي ظاهر الرواية الجواب قال : ما يتعلق بالرأس من الجناية فللربع فيه حكم الكمال كالحلق وهذا لأن تغطية بعض الرأس استمتاع مقصود يفعله الأتراك وغيرهم عادة بمنزلة حلق بعض الرأس فأما المحرمة تغطي كل شيء منها إلا وجهها وتلبس كل شيء من المخيط وغيره إلا الثوب المصبوغ فإن فيما لا حاجة بها إلى لبسه فهي بمنزلة الرجل وفيما تحتاج إلى لبسه وستره يخالف حالها حال الرجل وقد بيناه .
قال ولا بأس لها أن تلبس القفازين هكذا روي عن " سعد بن أبي وقاص " - Bه - أنه كان يلبس بناته القفازين في الإحرام ولها أن تلبس الحرير والحلي .
وعن " عطاء " - C تعالى - أنه يكره للنساء لبس الحلي في الإحرام .
والصحيح أنه لا بأس به وقد " روي عن " ابن عمر " Bه أنه كان يلبس نساءه الحلي في حالة الإحرام ورأى رسول الله - A - امرأتين تطوفان بالبيت وعليهما سواران من ذهب الحديث فدل أنه لا بأس بذلك " .
قال وكل ما يحل للمرأة أن تلبسه في غير حالة الإحرام فكذلك يحل في حالة الإحرام إلا المصبوغ على ما بينا .
قال ولا بأس بأن تسدل الخمار على وجهها من فوق رأسها على وجه لا يصيب وجهها وقد بينا ذلك عن " عائشة " - Bها - لأن تغطية الوجه إنما يحصل بما يماس وجهها دون ما لا يماسه فيكون هذا في معنى دخولها تحت سقف ويكره لها أن تلبس البرقع لأن ذلك يماس وجهها فإن لبس المحرم ما لا يحل له من الثياب أو الخفاف يوما أو أكثر من ذلك لضرورة فعليه أي الكفارات شاء وقد بينا فيما سبق أن ما يجب الدم بلبسه في غير موضع الضرورة إذا لبسه لأجل الضرورة يتخير فيه بين الكفارات ما شاء وذكر في الرقيات عن ا ا " محمد " - C تعالى - قال إذا اضطر إلى لبس قميص فلبس قميصين فعليه - أي الكفارات - شاء وإذا اضطر إلى لبس قميص فلبس معه عمامة أو قلنسوة فعليه دم في لبس القلنسوة ويتخير في الكفارات أيها شاء في لبس القميص لأن في الفصل الأول زيادة في موضع الضرورة فلا تكون جناية مبتدأة كما لو اضطر إلى لبس قميص فلبس جبة وفي الفصل الثاني الزيادة في غير موضع الضرورة فكانت جناية مبتدأة فتعلق بها ما هو موجبها .
قال فإن لبس المخيط للضرورة أياما وكان ينزع بالليل للنوم لا للاستغناء عن ذلك فهذه كلها جناية واحدة بخلاف ما إذا نزع لزوال الضرورة ثم اضطر إليه بعد ذلك فلبس فإنه يلزمه كفارة أخرى لأن حكم الضرورة الأولى قد انتهى بالبرء وهو نظير ما تقدم فيمن يداوي القرحة بدواء فيه طيب مرارا أن عليه كفارة واحدة ما لم يبرأ فإذا برئ ثم خرجت به قرحة أخرى فداواها بالطيب فهذه جناية أخرى ولو كان به حمى غب فكان يلبسه يوم الحمى ولا يلبسه في غير ذلك فهذه كلها جناية واحدة لا يجب بها إلا كفارة واحدة لأن العلة المحوجة إلى اللبس قائمة أرأيت لو جلس في الشمس فاستغنى عن لبس المخيط فلما ذهبت الشمس احتاج إلى المخيط فأعاد اللبس أكانت هذه جناية أخرى بل الكل جناية واحدة ما دامت العلة قائمة فعليه أي الكفارات شاء .
فإن اختار الإطعام فدعى المساكين فغداهم وعشاهم أجزأه ذلك في قول " أبي يوسف " - C تعالى ولم يجزه في قول ا ا " محمد " - C تعالى .
ف " أبو يوسف " - رضي الله تعالى عنه - اعتبر المقصود فقال : هذا طعام كفارة فيتأدى بالتغدية والتعشية كسائر الكفارات و ا ا " محمد " - C تعالى - يعتبر المنصوص عليه فيقول المنصوص عليه الصدقة هنا لقوله تعالى : { " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " } البقرة : 196 وما ورد بلفظة الصدقة لا يتأدى بطعام الإباحة كالزكاة وصدقة الفطر .
قال فإن لبس المحرم قميصه ولم يزرره فعليه الجزاء لأن استمتاعه بلبس المخيط قد تم فإنه يستغني عن التكلف لحفظ القميص على نفسه وإن لم يزره .
قال ولا بأس للمحرم بلبس الطيلسان فإنه بمنزلة الرداء ولكنه يكره له أن يزره عليه وهذا قول " ابن عمر " Bه وكان " ابن عباس " - Bه - يقول لا بأس بذلك لأن الطيلسان ليس بمخيط .
ولكنا أخذنا بقول " ابن عمر " Bه لأن الازار محيط عليه ولأنه إذا زره لا يحتاج إلى التكلف لحفظه على نفسه فكان بمنزلة لبس المخيط .
قال ولا يلبس المحرم الجوربين كما لا يلبس الخفين وقد بينا هذا .
قال ولا بأس بأن يضرب المحرم فسطاطا ليستظل فيه عندنا وكان " مالك " C تعالى يكره ذلك وهذا مروي عن " ابن عباس " - Bه .
ولكنا نأخذ بما روي أن " عثمان " Bه كان يضرب له فسطاط في إحرامه وأن " عمار بن ياسر " - Bه - كان إذا آذاه الحر ألقى ثوبه على شجرة واستظل تحته ولأنه لا بأس بأن يستظل بسقف البيت لأن ذلك لا يماس بدنه فكذلك الفسطاط .
قال وإن دخل تحت ستر الكعبة حتى غطاه فإن كان الستر يصيب رأسه ووجهه كرهت له ذلك لتغطية الرأس والوجه به وإن كان لا يصيب رأسه ولا وجهه فلا بأس به ولا شيء عليه لأن التغطية إنما تحصل بما يماس بدنه وعلى هذا لو حمل المحرم شيئا على رأسه فإن كان شيئا من جنس ما لا يغطى به الرأس كالطست والإجانة ونحوها فلا شيء عليه وإن كان من جنس ما يغطى به الرأس من الثياب فعليه الجزاء لأن ما لا يغطى به الرأس يكون هو حاملا لا مستعملا ألا ترى أن الأمين لو فعل ذلك لا يصير ضامنا .
قال فإن كان المحرم نائما فغطى رجل وجهه ورأسه بثوب يوما كاملا فعليه دم لأن ما فعله به غيره كفعله في الجزاء وإن كانا يفترقان في المأثم وقد بيناه في حلق الرأس والجماع ونحوه وعذر النوم لا يمنع إيجاب الجزاء عليه كما لو انقلب على صيد في حال نومه فقتله .
قال صبي أحرم عنه أبوه وجنبه ما يجنب المحرم فلبس ثوبا أو أصاب طيبا أو صيدا فليس عليه شيء عندنا و " الشافعي " - C تعالى - يوجب الكفارة المالية على الصبي كالبالغ بناء على أصله في إيجاب الزكاة عليه ويأمر الولي بأدائه من ماله وعندنا المالي والبدني سواء في أن وجوب ذلك ينبني على الخطاب والصبي غير مخاطب ثم إحرام الصبي للتخلق فلا تتحقق جنايته في الإحرام بهذه الأفعال وهذا لأنه ليس للأب عليه ولاية الإلزام فيما يضره ولو جعلنا إحرامه ملزما إياه في الاجتناب عن المحظورات وموجبا للكفارة عليه لم يكن تصرف الأب في الإحرام واقعا بصفة النظر له فلهذا جعلناه تخلقا غير ملزم إياه فلا يلزمه الجزاء بارتكاب المحظور غير أن الأب يمنعه من ذلك لتحقيق معنى التخلق والاعتياد