اعلم بأن المحرم ممنوع من استعمال الدهن والطيب " لقوله - A - الحج الشعث التفل وقال يأتون شعثا غبرا من كل فج عميق واستعمال الدهن والطيب يزيل هذا الوصف وما يكون صفة العبادة يكره إزالته " إلا أن في ظاهر الرواية قال إن استعمل الطيب في عضو كامل يلزمه الدم وقد فسره هشام عن ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - قال كالفخذ والساق ونحوهما وإن استعمله فيما دون ذلك فعليه الصدقة وعلى قول ا ا " محمد " - C تعالى - عليه بحصته من الدم وقال " الشعبي " - C تعالى - القليل والكثير من الطيب سواء في وجوب الدم به لأن رائحة الطيب توجد منه سواء استعمل القليل أو الكثير ولكنا نقول الجزاء إنما يجب بحسب الجناية وإنما تتكامل الجناية بما هو مقصود من قضاء التفث والمعتاد استعمال الطيب في عضو كامل فتم به جنايته وفيما دون ذلك في جنايته نقصان فتكفيه الصدقة و ا ا " محمد " - C تعالى - يوجب بحصنه من الدم اعتبارا للجزء بالكل كما هو أصله وذكر في المنتقى إذا طيب شاربه أو طرفا من أطراف لحيته دون الربع فعليه الصدقة وإن استعمل الطيب في ربع رأسه فعليه الدم وكذلك في ربع عضو آخر وجعل الربع بمنزلة الكمال على قياس الحلق ثم الدهن إذا كان مطيبا كدهن البان والبنفسج والزنبق فهو طيب يجب باستعماله الدم وكذلك إذا كان الدهن قد طبخ وجعل فيه طيب فأما إذا أدهن بزيت أو بخل غير مطبوخ فعليه الدم عند " أبي حنيفة " - C تعالى - وقال " أبو يوسف " و ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - عليه صدقة وقال " الشافعي " - C تعالى - لو استعمله في الشعر فعليه دم وإن استعمله في غيره لم يلزمه شيء لأن استعمال الدهن في الشعر يزيل الشعث فيكون من قضاء التفث وأما في غير الشعر ليس فيه معنى قضاء التفث ولا معنى استعمال الطيب لأن الدهن مأكول وليس بطيب فيكون قياس الشحم والسمن وبهذا يحتج " أبو يوسف " و ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - ولكنهما قالا استعمال الدهن يقتل الهوام فيكون فيه بعض الجناية فيلزمه الصدقة و " أبو حنيفة " - C تعالى - يقول الدهن أصل الطيب فإن الروائح تلقى في الدهن فيصير تاما فيجب باستعمال أصل الطيب ما يجب باستعمال الطيب كما إذا كسر المحرم بيض الصيد يلزمه الجزاء كما يجب بقتل الصيد .
قال وإذا دهن شقاق رجله بزيت أو شحم أو سمن لم يكن عليه شيء لأن قصده التداوي والتداوي غير ممنوع منه في حال الإحرام ولأنه لو أكله لم يلزمه شيء فإن دهن به شقاق رجله أولى .
قال ويكره للمحرم أن يشم الطيب والزعفران هكذا روي عن " عمر " و " جابر " - Bهما - وكان " ابن عباس " - Bه - لا يرى به بأسا لأنه إنما يحرم عليه مس الطيب وهو لم يمسه وإن شم رائحته كمن اجتاز في سوق العطارين لم يكره له ذلك وإن كان محرما مع أن الريحان من جملة نبات لا من الطيب فهو كالتفاح والبطيخ ونحوهما ولكنا نأخذ بقول " عمر " - Bه - لأن في الطيب معنى الرائحة واستعمال عين الطيب غير مقصود بل المقصود من الطيب رائحته فما يوجد منه رائحة الطيب يكره للمحرم أن يشمه لأن ذلك من قضاء التفث . وقد روي عن " أبي يوسف " - C تعالى - في التفاح هكذا ومن فرق فقال المقصود هناك الأكل فأما الريحان فليس فيه مقصود سوى رائحته فيمنع منه في حالة الإحرام ولكن لا يجب عليه شيء لأن الاستمتاع لا يتم بمجرد اشتمام الرائحة بمنزلة الجلوس عند العطار ونحوه وذكر حمران عن إبان عن " عثمان " - رضي الله تعالى عنهم - أنه سئل عن المحرم أيدخل البستان قال نعم ويشم الريحان فهو دليل لمن أخذ بقول " ابن عباس " - رضي الله تعالى عنه .
قال فإن كان تطيب أو ادهن قبل الإحرام ثم وجد ريحه بعد الإحرام لم يضره وكذلك إن أجمر ثيابه قبل أن يحرم ثم لبسها بعد الإحرام فلا شيء عليه وذكر هشام عن ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - أن المحرم إذا دخل بيتا قد أجمر فيه فطال مكثه حتى علق ثوبه لا يلزمه شيء ولو أجمر ثيابه بعد الإحرام فعليه الجزاء لأن الإجمار إذا كان في البيت فعين الطيب لم يتصل بثوبه ولا ببدنه إنما نال رائحته فقط بخلاف ما إذا أجمر ثيابه فإن عين الطيب قد علق بثيابه فإذا كان الإجمار قبل الإحرام لم يكن ممنوعا عن استعمال عين الطيب يومئذ وإنما بقي مع المحرم رائحته فلا يلزمه شيء .
قال ولا بأس بأن يأكل الطعام الذي فيه الزعفران أو الطيب هكذا روي عن " ابن عمر " - رضي الله تعالى عنهما - أنه كان يأكل السكباج الأصفر في إحرامه ولأن قصده بهذا الطعام التغذي لا التطيب وإن أكل الزعفران من غير أن يكون في الطعام فعليه دم إن كان كثيرا لأن الزعفران لا يتغذى به كما هو وإنما يجعل تبعا للطعام ومن أكل الزعفران كما هو يضحك حتى يموت فكان هو بالأكل مطيبا فمه بالزعفران وهو عضو فيلزمه الدم فأما إذا جعل في الطعام فقد صار مستهلكا فيه إن كان في طعام قد مسته النار وإن كان في طعام لم تمسه النار مثل الملح وغيره فلا بأس به أيضا لأنه صار مغلوبا فيه والمغلوب كالمستهلك إلا أن يكون الزعفران غالبا على الملح فحينئذ هو والزعفران البحت سواء إن مس طيبا فإن لزق بيديه تصدق بصدقة إلا أن يكون ما لزق بيديه كثيرا فحينئذ يلزمه الدم وقد بينا حد الكثير فيه وإن لم يلتزق به شيء فلا شيء عليه بمنزلة ما لو اجتاز في سوق العطارين وإن استلم الركن فأصاب فمه أو يده خلوق كثير فعليه دم وإن كان قليلا فعليه صدقة إذ لا فرق بين أن يكون الخلوق التزق به من الركن أو من موضع آخر .
قال ولا بأس بأن يكتحل المحرم بكحل ليس فيه طيب فإن كان فيه طيب فعليه صدقة إلا أن يكون كثيرا فعليه الدم لأن الكحل ليس بطيب فلا يمنع من استعماله وإن كان فيه طيب فتتفاوت الجناية باستعماله من حيث القلة والكثرة كما في سائر الأعضاء وإن كان من أذى فعليه أي الكفارات الثلاث شاء لما بينا أن فيما يجب فيه الدم على المحرم إذا لم يكن معذورا فإن كان عن عذر وضرورة يتخير بين الكفارات الثلاث وكذلك لو تداوى بدواء فيه طيب فألزقه بجراحة أو شرب شرابا لأن التداوي يكون عن ضرورة وإن داوى قرحة بدواء فيه طيب فألزقه بجراحه ثم خرجت به قرحة أخرى والأولى على حالها فداوى الثانية مع الأولى فليس عليه إلا كفارة واحدة فكأنه فعل الكل دفعة واحدة إذا لم تبرأ الأولى لأن الجنايات استندت إلى سبب واحد .
قال وللمحرم أن يبط القرحة ويجبر الكسر ويعصب عليه وينزع ضرسه إذا اشتكى ويحتجم ويغتسل ويدخل الحمام لأن هذا كله من باب المعالجة فالمحرم والحلال فيه سواء . ألا ترى أن النبي - A - احتجم وهو صائم محرم بالقاحة ودخل " عمر " - رضي الله تعالى - عنه الحمام بالجحفة وهو محرم .
قال وإن غسل رأسه ولحيته بالخطمى فعليه دم في قول " أبي حنيفة " - C تعالى - وفي قول " أبي يوسف " و ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - عليه صدقة لأن الخطمى ليس بطيب بل هو كالأشنان يغسل به رأسه ولكنه يقتل الهوام فلذلك يلزمه الصدقة وروي عن " أبي يوسف " - C تعالى - قال لا يلزمه شيء قالوا وتأويل تلك الرواية أنه إذا غسل رأسه بالخطمى بعد الرمي يوم النحر فأما قبل ذلك يلزمه الصدقة عنده و " أبو حنيفة " - C تعالى - يقول الخطمى من الطيب فإن له رائحة وإن لم تكن زكية وهو يقتل الهوام أيضا فتتكامل الجناية باعتبار المعنيين فلهذا يلزمه الدم .
قال وإن خضبت المحرمة بالحناء يدها فعليها دم لما " روي أن النبي - A - نهى المعتدة أن تختضب بالحناء وقال الحناء طيب " . ولأن له رائحة مستلذة وإن لم تكن زكية وإن خضب رأسه بالوسمة رجل أو امرأة فلا دم عليه لأن الوسمة ليست بطيب إنما تغير لون الشعر إلا أنه روي عن " أبي يوسف " - C تعالى - أنه إذا خضب رأسه بالوسمة فعليه دم لا للإخضاب ولكن لتغطية الرأس به وهذا هو الصحيح .
قال وإن خضب لحيته به فليس عليه دم ولكن إن خاف أن يقتل الهوام أطعم شيئا لأن فيه معنى الجناية من هذا الوجه ولكنه غير متكامل فتلزمه الصدقة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب