قال وإذا جامع الرجل امرأته وهما مهلان بالحج قبل أن يقفا " بعرفة " فعلى كل واحد منهما شاة ويمضيان في حجتهما وعليهما الحج من قابل هكذا " روي عن النبي - A - أنه سئل عمن واقع امرأته وهما محرمان بالحج قال : يريقان دما ويمضيان في حجتهما وعليهما الحج من قابل " وهكذا روي عن الصحابة " عمر " و " علي " و " ابن مسعود " - Bهم - ولكنهم قالوا إذا رجعا للقضاء يفترقان معناه أن يأخذ كل واحد منهما في طريق غير طريق صاحبه و " مالك " - C تعالى - أخذ بظاهر هذا اللفظ فقال كما خرجا من بيتهما فعليهما أن يفترقا ولكن هذا بعيد من الفقه فإن له أن يواقعها ما لم يحرما والافتراق للتحرز عن المواقعة فلا معنى للأمر بالافتراق في وقت تحل المواقعة بينهما فيه و " زفر " - C تعالى - يقول يفترقان من وقت الإحرام لأن الافتراق نسك بقول الصحابة - Bهم - وإن أداء ما هو نسك بعد الإحرام وهذا ليس بقوي فإن الافتراق ليس بنسك في الأداء فلا يكون نسكا في القضاء لأن القضاء بصفة الأداء وقال " الشافعي " - C تعالى - إذا قربا من الموضع الذي جامعها فيه يفترقان لأنهما لا يأمنان إذا وصلا إلى ذلك الموضع أن تهيج بهما الشهوة فيواقعها فيفترقان للتحرز عن هذا وهذا ليس بصحيح أيضا لأنه إنما واقعها في السنة الأولى بسبب النكاح القائم بينهما فلو وجب الافتراق إنما يجب عن النكاح وأحد لا يأمر بهذا ثم إذا بلغا إلى ذلك الموضع فتأملا فيما لحقهما من المشقة بسبب لذة يسيرة ازدادا ندما وتحرزا عن ذلك ثانيا لكيلا يصيبهما الآن مثل ما أصابهما في المرة الأولى ولكنا نقول مراد الصحابة - Bهم - أنهما يفترقان على سبيل الندب إن خافا على أنفسهما الفتنة لا أن يكون ذلك واجبا عليهما كما يندب الشاب إلى الامتناع عن التقبيل في حالة الصيام إذا كان لا يأمن على نفسه ما سوى ذلك .
قال وإن كانا قارنين فعلى كل واحد منهما شاتان لأن كل واحد منهما محرم بإحرامين وعلى كل واحد منهما قضاء عمرة وحجة إن لم يكن طاف بالبيت قبل المواقعة وقد سقط دم القران عنهما لفساد نسكهما وإن لزمهما المضي في الفاسد لأن هذا دم نسك فلا يجب إلا على من جمع بين الحج والعمرة بصفة الصحة وإن كان طاف بالبيت قبل الجماع فكذلك الجواب في أنه يجب عليه دمان لأن بالطواف لم يتحلل عن إحرام العمرة ما لم يحلق ولكن ليس عليه قضاء العمرة هنا لأنه إنما جامع بعد ما أدى عمرته لأن ركن العمرة هو الطواف فلم تفسد عمرته بهذا وإنما فسد حجه فعليه قضاؤه وقد سقط عنه دم القران بفساد أحد النسكين وإن جامع بعد ما وقف " بعرفة " لم يفسد واحد من النسكين عندنا وقد بينا هذا ولكن عليه جزور لجماعه بعد الوقوف في إحرام الحج وشاة لجنايته على إحرام العمرة وعليه دم القران لأنه أدى النسكين بصفة الصحة .
قال وإذا جامع الحاج بعدما وقف " بعرفة " فأهدى جزورا ثم جامع بعد ذلك فعليه شاة لأنه دخل إحرامه نقصان بالجماع الأول فالجماع الثاني صادف إحراما ناقصا فيكفيه شاة بخلاف الجماع في المرة الأولى فإن هناك صادف إحراما تاما فكان عليه جزور .
قال وإن طاف أربعة أشواط من طواف الزيارة بعدما حلق أو قصر ثم جامع فليس عليه شيء لأن أكثر أشواط الطواف في حكم التحلل كجميع الطواف فكما أنه لو أتم الطواف تحلل في حق النساء فكذلك إذا أتى بأكثر أشواط الطواف وذكر " ابن سماعة " عن ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - أنه إذا طاف جنبا ثم جامع بعد قبل الإعادة في القياس لا شيء عليه كما لو طاف محدثا لأن التحلل يحصل بطواف الجنب وفي الاستحسان عليه دم فيحتاج إلى الفرق بين هذا وبين ذلك والفرق ما بينا أن طواف الجنب غير معتد به إلا في حكم التحلل ولهذا لو أعاده انفسخ الأول بالثاني في أصح الطريقين فصار في المعنى كالجماع قبل الطواف وهنا ما أتى به من أكثر أشواط الطواف معتد به على الإطلاق توضيحه أن ما بقي هنا يقوم الدم مقامه فيكون هذا نظير النقصان في طواف المحدث ولو طاف محدثا ثم جامع لم يلزمه شيء بخلاف ما إذا طاف جنبا فإن الواجب هناك لا يجب بمقابلة أصل الطواف عند فوت أدائه وهي البدنة فجماعه في تلك الحالة كجماعه قبل الطواف وإن لم يكن حلق قبل الطواف حتى جامع بعد ما طاف أربعة أشواط فعليه دم لارتكاب محظور الإحرام فإن التحلل بالطواف لا يحصل إذا لم يحلق .
قال والمس والتقبيل عن شهوة والجماع فيما دون الفرج أنزل أو لم ينزل لا يفسد الإحرام و " للشافعي " - C تعالى - قول إنه إذا اتصل به الإنزال يفسد به الإحرام على قياس الصوم فإنه يفسد بالتقبيل إذا اتصل به الإنزال ولكنا نقول فساد الإحرام متعلق بعين الجماع ألا ترى أن بارتكاب سائر المحظورات لا يفسد وما تعلق بعين الجماع من العقوبة لا يتعلق بالجماع فيما دون الفرج كالحد ثم ما يجب هنا أبلغ مما يجب هناك وهو القضاء فيكون قياس الكفارة في الصوم ولا يجب بالجماع فيما دون الفرج الكفارة هناك فكذلك لا يجب هنا القضاء ولكن عليه دم أما إذا أنزل فغير مشكل وكذلك إذا لم ينزل عندنا و " للشافعي " - C تعالى - قول إنه لا يلزمه شيء إذا لم ينزل على قياس الصوم فإنه لا يلزمه شيء إذا لم ينزل بالتقبيل فكذلك في الحج ولكنا نقول الجماع فيما دون الفرج من جملة الرفث فكان منهيا عنه بسبب الإحرام وبالإقدام عليه يصير مرتكبا محظور إحرامه فيلزمه الدم وهكذا ينبغي في الصوم إلا أن الشرع ورد بالرخصة في التقبيل هناك ثم المحرم هناك قضاء الشهوة ولا يحصل ذلك بالتقبيل بدون الإنزال وهنا المحرم الجماع بدواعيه والتقبيل من جملتها . ألا ترى أن التطيب محرم هنا ولا يحرم هناك .
قال والنظر لا يوجب على المحرم شيئا وإن أنزل لأن النظر بمنزلة التفكر إذا لم يتصل منه صنع بالمحل ولو تفكر فأمنى لا يلزمه شيء فكذلك إذا نظر .
قال وحكم الجماع في الحج والعمرة واحد إذا كان عن نسيان أو عمد أو في حال نوم أو إكراه أو طوع إلا في الإثم أما الناسي عندنا يفسد نسكه بالجمع ويلزمه ما يلزم العامد إلا أنه لا يأثم بعذر النسيان و " للشافعي " - Bه - قول إنه لا يفسد النسك بجماع الناسي على قياس الصوم ولكنا نقول هذا الحكم تعلق بعين الجماع وبسبب النسيان لا ينعدم عين الجماع وهذا لأنه قد اقترن بحالة ما يذكره وهو هيئة المحرمين فلا يعذر بالنسيان كما في الصلاة إذا أكل أو شرب بخلاف الصوم فإنه لم يقترن بحالة ما يذكره فجعل النسيان فيه عذرا في المنع من إفساد الصوم بخلاف القياس .
قال وإن كانت نائمة أو مكرهة يفسد حجها عندنا ولا يفسد عند " الشافعي " - C تعالى - بناء على أصله أن الإكراه متى أباح الإقدام أعدم أصل الفعل من المكره في الإحكام والنوم يعدم أصل الفعل من النائم ولهذا قال لا يفسد الصوم بهذا الفعل في حالة الإكراه أو النوم فكذلك الإحرام وعندنا تأثير الإكراه والنوم في دفع المأثم لا في إعدام أصل الفعل ألا ترى أنه يلزمه الاغتسال ويثبت به حرمة المصاهرة فكذلك يتعلق به فساد النسك ويستوي إن كان الزوج محرما أو حلالا بالغا أو صغيرا عاقلا أو مجنونا أو تكون المرأة مجنونة أو صغيرة لأن فساد النسك متعلق بعين الجماع وذلك لا ينعدم بالجنون والصرع إذا كان يجامع مثله وإنما قلنا إنه يتعلق بعين الجماع لأن المنهي عنه في الإحرام الرفث والرفث اسم الجماع .
قال رجل أهل بعمرة وجامع فيها ثم أحرم بأخرى ينوي قضاءها قال هي هي لأنه بالجماع وإن فسد نسكه فقد لزمه المضي في الفاسد ولا يخرج من الإحرام إلا بأداء الأعمال فنيته في الإحرام بالإهلال الثاني لغو لأنه ينوي إيجاد الموجود ونية القضاء كذلك فإن الإحرام الواحد لا يتسع للقضاء والأداء فكان عليه دم للجماع ويفرغ منها وعليه عمرة وكذلك هذا الحكم لو كان مهلا بالحجة .
قال وإن جامع في العمرة قبل الطواف ثم أضاف إليها حجة يقضيهما جميعا لأن إضافة الحج إلى العمرة الصحيحة جائز فإلى العمرة الفاسدة أولى وليس عليه دم القران لفساد أحد النسكين وكذلك يسقط عنه دم ترك الوقت إذا أفسد بعدما أحرم به يعني إذا جاوز الميقات حلالا ثم أحرم بعمرة أو حجة فعليه دم لترك الإحرام من الميقات فإن أفسدها بالجماع سقط عنه هذا الدم لأنه وجب عليه قضاء النسك فيعود فيحرم من الميقات ولأن الدم إنما يلزمه بترك الإحرام من الميقات لأنه يؤدي النسك بهذا الإحرام ولم يتأد نسكه بهذا الإحرام حين أفسده ولهذا لزمه قضاؤه .
قال المحرم بالعمرة إذا جامع النساء ورفض إحرامه وأقام حلالا لا يصنع ما يصنع الحلال من الطيب والصيد وغيره فعليه أن يعود حراما كما كان لأن بإفساد الإحرام لم يصر خارجا منه قبل أداء الأعمال وكذلك بنية الرفض وارتكاب المحظورات فهو محرم على حاله إلا أن عليه بجميع ما صنع دم واحد لما بينا أن ارتكاب المحظورات استند إلى قصد واحد وهو تعجيل الإحلال فيكفيه لذلك دم واحد وعليه عمرة مكان عمرته لأنها لزمته بالشروع والأداء بصفة الفساد لا ينوب عما لزمه بصفة الصحة فعليه قضاؤها والله سبحانه وتعالى أعلم