: القارن إذا جامع قبل الزوال وقد طاف لعمرته فإنما جامع بعد تأكد إحرام العمرة فلا تفسد عمرته بهذا الجماع وعليه دم لأجله وجامع قبل تأكد إحرام الحج فيفسد حجه وعليه دم لتعجيل الإحلال وقضاء الحج وقد سقط عنه دم القران بفساد أحد النسكين وإن جامع بعد الوقوف فعليه للعمرة دم وللحج جزور وعليه دم القران لأنه لم يفسد واحد من النسكين بهذا الجماع .
قال وكذلك لو جامع بعد الحلق قبل أن يطوف بالبيت يريد به في وجوب الجزور عليه لأن إحرامه للحج في حق النساء باق حتى يطوف بالبيت ولكن لا يلزمه دم العمرة هنا : لأن تحلله للعمرة قد تم بالحلق قال ومن جامع ليلة عرفة قبل أن يأتي عرفة فسد حجه وعليه شاة لأن إحرامه لا يتأكد بدخول وقت الوقوف وإنما يتأكد بفعل الوقوف .
ألا ترى أن الأمن من الفوات لا يحصل بدخول وقته وإنما يحصل بالوقوف فكان هذا وما لو جامع قبل دخول وقت الوقوف سواء .
قال وإذا وقف القارن بعرفة قبل طواف العمرة ثم جامع فقد بينا أن إحرامه للعمرة قد ارتفض بالوقوف ولزمه دم لرفض العمرة وعليه جزور للجماع لأن جماعه صادف إحرام الحج بعد ما تأكد فيتم حجه وعليه قضاء العمرة بعد أيام التشريق .
قال ومن دخل " مكة " بغير إحرام فخاف الفوت إن رجع إلى الميقات فأحرم ووقف أجزأه وعليه دم لترك الوقت هكذا نقل عن " عبدالله بن مسعود " وغيره من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - أنهم قالوا إذا جاوز الميقات بغير إحرام فعليه دم لترك الوقت وكان المعنى فيه أن الشرع عين الميقات للإحرام فبتأخيره الإحرام عن الميقات يتمكن فيه النقصان ونقائص الحج تجبر بالدم ولما ابتلي ببليتين يختار أهونهما والتزام الدم أهون من الرجوع إلى الميقات لتفويته الحج .
قال وإذا .
صفحة [ 60 ] وقف الحاج بعرفة ثم أهل وهو واقف بحجة أخرى فإنه يرفضها وعليه دم لرفضها وحجة وعمرة مكانها ويمضي في التي هو فيها وهذا قول " أبي حنيفة " " وأبي يوسف " رحمهما الله تعالى فأما عند " محمد " فإحرامه باطل بمنزلة اختلافهم فيمن أحرم بحجتين على ما نبينه وإنما يرفضها لأنه لو لم يرفضها ووقف لها لبقاء وقت الوقوف يصير مؤديا حجتين في سنة واحدة ولا يجوز أن يؤدي في سنة أكثر من حجة واحدة وإذا رفضها فعليه الدم لرفضها لأنه خرج من الإحرام بعد صحة الشروع قبل أداء الأفعال فلزمه الدم كالمحصر وعليه قضاء حجة وعمرة مكانها بمنزلة المحصر بالحج إذا تحلل وهذا لأنه في معنى فائت الحج وفائت الحج يتحلل بأفعال العمرة وهذا لم يأت بأعمال العمرة فكان عليه قضاؤها مع قضاء الحج .
قال وكذلك إن أهل بعمرة أيضا يرفضها لأن وقوفه لو طرأ على عمرة صحيحة أوجب رفضها على ما بينا في القارن إذا وقف قبل أن يطوف لعمرته فكذلك إذا اقترن بوقوفه إحرام العمرة وهذا لأنه لو لم يرفضها أدى أفعالها فيكون بانيا أعمال العمرة على أعمال الحج فلهذا يرفضها وعليه دم وقضاؤها لخروجه منها بعد صحة الشروع .
قال وكذلك لو كان أهل بالحج ليلة المزدلفة " بالمزدلفة " فهو رافض ساعة أهل لأنه لو لم يرفضها عاد إلى " عرفات " فوقف فيصير مؤديا في سنة واحدة وهذا بخلاف ما إذا أهل بحجتين فإن هناك إذا عجل في عمل أحدهما لا يصير رافضا للأخر وهنا هو مشغول بعمل أحدهما بل هو مؤد له فلهذا يرتفض الآخر في الحال فكذلك إن أهل بعمرة ليلة المزدلفة فهو رافض لها وفي الكتاب أضاف هذا القول إلى " أبي يوسف " " ومحمد " - رحمهما الله تعالى - و " أبو حنيفة " - C تعالى - لا يخالفهما في هذا لما قلنا أنه لو لم يصر رافضا كان بانيا أعمال العمرة على أعمال الحج فأما إذا أهل بحجة أخرى بعد طلوع الفجر من يوم النحر لم يرفضها لأن وقت الوقوف قد فات فلو بقي إحرامه هذا لا يكون مؤديا حجتين في سنة واحدة ولكنه يتم أعمال الحجة الأولى ويمكث حراما إلى أن يحج في السنة الثانية إلا أنه إن حلق للحجة الأولى يلزمه دم لجنايته على الإحرام الثاني بذلك الحلق وإن لم يحلق فعليه الدم عند " أبي حنيفة " - C تعالى - أيضا لتأخير الحلق في الحجة الأولى عن وقته وعندهما بهذا التأخير لا يلزمه دم .
وأصل المسألة أن من أحرم بالحج قبل أشهر الحج يكون محرما بالحج عندنا .
وعند " الشافعي " - C تعالى - يكون محرما بالعمرة وهكذا روى " الحسن بن أبي مالك " عن " أبي يوسف " - رحمهما الله تعالى - وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة عندنا قال .
صفحة [ 61 ] " مالك " - C تعالى - جميع ذي الحجة استدلالا بقوله تعالى { " الحج أشهر معلومات " } وأقل الجمع المتفق عليه ثلاثة ولكنا نستدل بقول " ابن عباس " و " ابن مسعود " و " ابن عمر " " وابن الزبير " Bهم - أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة فأقاموا أكثر الثلاثة مقام الكمال في معنى الآية لمعنى وهو أن بالاتفاق يفوت الحج بطلوع الفجر من يوم النحر وفوات العبادة يكون بمضي وقتها فأما مع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات ولهذا قال " أبو يوسف " - C تعالى - أن من ذي الحجة عشر ليال وتسعة أيام فأما اليوم العاشر ليس بوقت الحج لأن الفوات يتحقق بطلوع الفجر من اليوم العاشر وهو يوم النحر وفي ظاهر المذهب اليوم العاشر من وقت الحج لأن الصحابة Bهم قالوا : وعشر من ذي الحجة وذكر أحد العددين من الإيام والليالي بعبارة الجمع يقتضي دخول ما بإزائه من العدد الآخر ولأن الله تعالى سمى هذا اليوم يوم الحج الأكبر قال الله تعالى { " وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر " } التوبة : 3 والمراد يوم النحر لا وقت الحج لأداء الطواف فيه دون الوقوف فلهذا يتحقق لفوات بطلوع الفجر منه الفوات ركن الوقوف . فأما " الشافعي " - C تعالى - احتج " بقوله - A - المهل بالحج في غير أشهر الحج مهل بالعمرة " ولأن الإحرام بالحج كالتكبير للصلاة فكما لا يجوز الشروع في الفريضة قبل دخول وقت الصلاة في الصلاة فكذلك في الحج والإحرام أحد أركان الحج فلا يتأدى في غير وقت الحج كسائر الأركان وإذا لم يصح إحرامه بالحج كان محرما بالعمرة لأن الوقت وقت العمرة ألا ترى أنه لو فات حجه بمضي الوقت يبقى إحرامه للعمرة فكذلك إذا حصل ابتداء إحرامه في غير أشهر الحج .
ولنا أن الإحرام للحج بمنزلة الطهارة للصلاة فإنه من الشرائط لا من الأركان حتى يكون مستداما إلى الفراغ منه وهذا حد شرط العبادة لأحد ركن العبادة ولأنه لا يتصل به أداء الأفعال فالإحرام يكون عند الميقات وأداء الأفعال " بمكة " ولو أحرم في أول يوم من أشهر الحج يصح وأداء الأفعال بعد ذلك بزمان فعرفنا أنه بمنزلة الشرط فلا يستدعي صحة الوقت بخلاف الصلاة فإن أداء الأركان هناك يتصل بالتكبير فإذا حصل قبل دخول الوقت لا يتصل أداء الأركان به والحديث في الباب شاذ جدا فلا يعتمد على مثله ولكن يكره له أن يحرم بالحج قبل أشهر الحج من أصحابنا - رحمهم الله تعالى - من يقول الكراهة لمعنى أن الإحرام من وجه بمنزلة الأركان ولهذا لو حصل .
صفحة [ 62 ] قبل العتق لا يتأدى به فرض الحج بعد العتق وما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما فلشبهه بالشرائط يجوز قبل الوقت ولشبهه بالأركان يكون مكروها وقيل بل الكراهة لأنه لا يأمن من مواقعة المحظور إذا طال مكثه في الإحرام .
قال ويجمع الإمام بين صلاة المغرب والعشاء " بمزدلفة " بآذان وإقامة فإن تطوع بينهما أقام للعشاء إقامة أخرى وقال " زفر " - C تعالى - إذا تطوع بينهما آذن وأقام للعشاء لأن الفصل بينهما قد تحقق بالاشتغال بالتطوع فهو بمنزلة من يؤدي كل صلاة في وقتها فعليه الآذان والإقامة لكل صلاة ولكنا نقول الجمع بينهما لا ينقطع بهذا الفصل كما لا ينقطع إذا اشتغل بالأكل ولكنه يحتاج إلى إعلام الناس أنه يصلي العشاء وبالإقامة يتم هذا الإعلام والأصل فيه حديث " ابن عمر " - Bه - فإنه صلى المغرب " بمزدلفة " ثم تعشى ثم أفرد الإقامة للعشاء فإن صلى المغرب " بعرفات " بعد غروب الشمس أو صلاها في طريق " المزدلفة " قبل غيبوبة الشفق أو بعده فعليه أن يعيدها " بمزدلفة " في قول " أبي حنيفة " و " محمد " - رحمهما الله تعالى - وقال " أبو يوسف " - C تعالى - يكره ما صنع ولا يلزمه الإعادة لأنه أدى الفرض في وقته فإن ما بعد غروب الشمس وقت المغرب بالنصوص الظاهرة وأداء الصلاة في وقتها صحيح ألا ترى أنه لو لم يعد حتى طلع الفجر لم يلزمه الإعادة ولو لم يقع ما أدى موقع الجواز لما سقطت عنه الإعادة بطلوع الفجر ولكنا نستدل " بحديث " أسامة بن زيد " - Bه - فإنه كان رديف رسول الله - A - في طريق " المزدلفة " فلما غربت الشمس قال : الصلاة يا رسول الله فقال A الصلاة أمامك " ولم يرد بهذا فعل الصلاة لأن فعل الصلاة حركات المصلي وهو معه فأما إن أراد به الوقت أو المكان فإن كان المراد به المكان فقد بين بهذا النص اختصاص أداء الصلاة بمكان وهو " المزدلفة " فلا يجوز في غيرها وإن كان المراد به الوقت فقد تبين أن وقت المغرب في حق الحج لا يدخل بغروب الشمس وأداء الصلاة قبل الوقت لا يجوز والدليل عليه أنه مأمور بالتأخير لا لأن في الاشتغال بالصلاة انقطاع سيرة فإن أداء الصلاة في وقتها فريضة فلا يسقط بهذا العذر ولكن الأمر بالتأخير للجمع بينهما " بالمزدلفة " وهذا المعنى يفوت بأداء المغرب في طريق " المزدلفة " فعليه الإعادة بعد الوصول إلى " المزدلفة " ليصير جمعا بين الصلاتين كما هو المشروع نسكا ولهذا سقطت عنه الإعادة بطلوع الفجر لأن وجوب الإعادة لمكان إدراك فضيلة الجمع بينهما وهذا يفوت بفوات وقت العشاء ولهذا قلنا إذا بقي .
صفحة [ 63 ] في الطريق حتى صار بحيث يعلم أنه لا يصل إلى " المزدلفة " قبل طلوع الفجر يصلي المغرب ولا يؤخرها بعد ذلك قال ويغلس بصلاة الفجر " بالمزدلفة " حين ينشق له الفجر الثاني لحديث " ابن مسعود " - Bه - كما بينا ثم يغفي حتى إذا أسفر دفع قبل طلوع الشمس وهذا الوقوف واجب عندنا وليس بركن حتى إذا تركه لغير علة يلزمه دم وحجه تام وعلى قول " الليث بن سعد " - C تعالى - هذا الوقوف ركن لا يتم الحج إلا به لأنه مأمور به في كتاب الله تعالى قال الله تعالى { " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " } البقرة : " 198 " وقال A في حديث " عروة بن مضرس " - C تعالى - من وقف معنا هذا الموقف فقد تم حجه " علق تمام حجه بهذا الوقوف فعرفنا أنه لا يتم إلا به ولنا " قوله A الحج عرفة فمن وقف بعرفة فقد تم حجه " ولأنه يجوز ترك هذا الوقوف بعذر " فإن " ضباعة " عمة رسول - A - ورضي عنها - كانت شاكية فاستأذنت رسول الله - A - في المصير إلى " منى " ليلة المزدلفة فأذن لها " و " روي أن رسول الله - A - قدم ضعفة أهله من " المزدلفة " بليل " ولو كان ركنا لم يجز تركه لعذر وبهذا تبين أن هذا الوقوف مع الوقوف بعرفة بمنزلة طواف الزيارة مع طواف الصدر ثم طواف الصدر واجب وليس بركن ويجوز تركه بعذر الحيض فكذا هذا و " المزدلفة " كلها موقف إلا " محسر " و " عرفة " كلها موقف إلا بطن عرفة وقد بينا الأثر المروي في هذا الباب فيما سبق .
قال وأحب إلي أن يكون وقوفه " بمزدلفة " عند الجبل الذي يقال له قزح من وراء الإمام لأن النبي - A - اختار لوقوفه ذلك الموضع وقد بينا في الوقوف بعرفة أن الأفضل أن يقف من وراء الإمام قريبا منه ليؤمن على دعائه فكذلك في الوقوف " بمزدلفة " فإن تعجل من " المزدلفة " بليل فإن كان لعذر من مرض أو امرأة خافت الزحام فلا شيء عليه لما روينا وإن كان لغير عذر فعليه دم لتركه واجبا من واجبات الحج فإن أفاض منها بعد طلوع الفجر قبل أن يصلي مع الناس فلا شيء عليه لأنه أتى بأصل الوقوف في وقته ولكنه مسيء فيما صنع لتركه امتداد الوقوف .
قال فإن مر بالمشعر الحرام مرا بعد طلوع الفجر فلا شيء عليه لأن وقوفه تأدى بهذا المقدار وكذا إن كان مر بها نائما ومغميا عليه فلم يقف مع الناس حتى أفاضوا : لأن حصوله في موضع الوقوف في وقته يكون بمنزلة وقوفه وقد بينا هذا في الوقوف " بعرفة " فكذلك في الوقوف " بالمشعر الحرام " وإن لم يبت " بالمزدلفة " ليلة النحر بأن نام في الطريق فلا شيء عليه .
صفحة [ 64 ] لأن البيتوتة " بالمزدلفة " ليست بنسك مقصود ولكن المقصود الوقوف " بالمشعر الحرام " بعد طلوع الفجر وقد أتى بما هو المقصود فلا يلزمه بترك ما ليس بمقصود شيء كما بينا في ترك البيتوتة بها في ليالي الرمي والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب