قال Bه : وإذا سعى بين " الصفا " و " المروة " ورمل في سعيه كله من " الصفا " إلى " المروة " ومن " المروة " إلى " الصفا " فقد أساء ولا شيء عليه وكذلك إن مشى في جميع ذلك لأن الواجب عليه الطواف بينهما قال الله تعالى : { " فلا جناح عليه أن يطوف بهما " } البقرة : 158 فأما السعي في " بطن الوادي " والمشي فيما سوى ذلك أدب أو سنة فتركه لا يوجب إلا الإساءة كترك الرمل في الطواف .
قال وإن بدأ " بالمروة " وختم " بالصفا " حتى فرغ أعاد شوطا واحدا لأن الذي بدأ " بالمروة " فيه ثم أقبل منها إلى " الصفا " لا يعتد به ومعنى هذا أن افتتاح هذا الطواف مشروع من " الصفا " على ما روينا أنه لما " سئل رسول الله - A - بأيهما نبدأ فقال : ابدؤوا بما بدأ الله تعالى به " وإذا افتتح من غير موضع الافتتاح لا يعتد بطوافه حتى يصل إلى موضع الافتتاح ثم المعتد به يبقى بعد ذلك فعليه إتمامه بشوط آخر كما لو افتتح الطواف من غير " الحجر . " .
قال وإن ترك السعي فيما بين " الصفا " و " المروة " رأسا في حج أو عمرة فعليه دم عندنا وهذا لأن السعي واجب وليس بركن عندنا الحج والعمرة في ذلك سواء وترك الواجب يوجب الدم وعند " الشافعي " - C تعالى - السعي ركن لا يتم لأحد حج ولا عمرة إلا به .
واحتج في ذلك بما " روي عن النبي - A - أنه سعى بين " الصفا " و " المروة " وقال لأصحابه - Bهم - إن الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا " والمكتوب ركن و " قال A ما أتم الله تعالى لامرئ حجة ولا عمرة لا يطوف لها بين " الصفا " و " المروة " " .
وحجتنا في ذلك قوله تعالى : { " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " } البقرة : 158 ومثل هذا اللفظ للإباحة لا للإيجاب فيقتضي ظاهر الآية أن لا يكون واجبا ولكنا تركنا هذا الظاهر في حكم الإيجاب بدليل الإجماع فبقي ما وراءه على ظاهره وإنما ذكر هذا اللفظ والله أعلم لأصحابه لأنهم كانوا يتحرزون عن الطواف بهما لمكان الصنمين عليهما في الجاهلية إساف ونائلة فأنزل الله تعالى هذه الآية ثم بين في الآية أن المقصود حج البيت بقوله تعالى : { " فمن حج البيت أو اعتمر فلا .
صفحة [ 51 ] جناح عليه " } البقرة : 158 فكان ذلك دليلا على أن ما لا يتصل بالبيت من الطواف تبعا لما هو متصل بالبيت ولا تبلغ درجة التبع درجة الأصل فتثبت فيه صفة الوجوب لا الركنية فكان السعي مع الطواف بالبيت نظير الوقوف بالمشعر الحرام مع الوقوف بعرفة وذلك واجب لا ركن فهذا مثله وهو نظير رمي الجمار من حيث أنه مقدر بعدد السبع غير مختص بالبيت ولا يصح استدلاله بظاهر الحديث الذي رواه لأن في ظاهره ما يدل على أن السعي مكتوب وبالاتفاق عين السعي غير مكتوب فإنه لو مشى في طوافه بينهما أجزأه وفي الحديث الآخر ما يدل على الوجوب دون الركنية لأنه علق التمام بالسعي وأداء أصل العبادة يكون بأركانها فصفة التمام بالواجب فيها وكذلك لو ترك منها أربعة أشواط فهو كترك الكل في أنه يجب عليه الدم به لأن الأكثر يقوم مقام الكمال وإن ترك ثلاثة أشواط أطعم لكل شوط مسكينا إلا أن يبلغ ذلك دما فحينئذ ينقص منه ما شاء وهو نظير طواف الصدر في ذلك وكذلك إن فعله راكبا فإن كان لعذر فلا شيء عليه وإن كان لغير عذر فعليه الدم في الأكثر والصدقة في الأقل لما بينا .
قال ويجوز سعي الجنب والحائض لأنه غير مختص بالبيت فلا تكون الطهارة شرطا فيه كالوقوف وغيره من المناسك وإنما اشتراط الطهارة في الطواف خاصة لاختصاصه بالبيت .
قال ولا يجوز السعي قبل الطواف لأنه إنما عرف قربة بفعل رسول الله - A - وإنما سعى رسول الله - A - بعد الطواف وهكذا توارثه الناس من لدن رسول الله - A - إلى يومنا هذا وهو في المعنى متمم للطواف فلا يكون معتدا به قبله كالسجود في الصلاة أو شرط الاعتداد به تقدم الطواف فإذا انعدم هذا الشرط لا يعتد به كالسجود لما كان شرط الاعتداد به تقدم الركوع فإذا سبق الركوع لا يعتد به .
قال ويجوز السعي بعد أن يطوف الأكثر من الطواف لأن الأكثر يقوم مقام الكل .
قال ويكره له ترك الصعود على " الصفا " و " المروة " فإن النبي - A - صعد عليهما وأمرنا بالاقتداء به " بقوله : خذوا عني مناسككم " وكذلك الصحابة - Bهم أجمعين - ومن بعدهم توارثوا الصعود على " الصفا " و " المروة " بقدر ما يصير البيت بمرأى العين منهم فهو سنة متبعة يكره تركها وروي أن " عمر " - Bه - في نزوله من " الصفا " كان يقول : اللهم استعملني بسنة نبيك - A - وتوفني على ملته واعذني من معضلات الفتن أو من معضلات يوم القيامة ولا يلزمه بترك الصعود شيء لأن الواجب .
صفحة [ 52 ] عليه الطواف بينهما وقد أتى بذلك قال وإن طاف لحجته وواقع النساء ثم سعى بعد ذلك أجزأه لأن تمام التحلل بالطواف بالبيت يحصل على ما جاء في الحديث فإذا طاف بالبيت حل له النساء فاشتغاله بالجماع بعد الطواف قبل السعي كاشتغاله بعمل آخر من نوم أو أكل فلا يمنع صحة أداء السعي بعده وإن أخر السعي حتى رجع إلى أهله فعليه دم لتركه كما بينا وأن أراد أن يرجع إلى " مكة " ليأتي بالسعي يرجع بإحرام جديد لأن تحلله بالطواف قد تم وليس له أن يدخل " مكة " إلا بإحرام .
قال والدم أحب إلي من الرجوع لأنه إذا رجع كان مؤديا السعي في إحرام آخر غير الإحرام الذي أدى به الحج وإن أراق دما انجبر به النقصان الواقع في الحج ولأن في إراقة الدم توفير منفعة اللحم على المساكين فهو أولى من الرجوع للسعي وإن رجع وسعى أو كان " بمكة " وسعى بعد أيام النحر فليس عليه شيء لأن السعي غير مؤقت بايام النحر إنما التوقيت في الطواف بالنص فلا يلزمه بتأخير السعي شيء .
قال ولا ينبغي له في العمرة أن يحل حتى يسعى بين " الصفا " و " المروة " لأن الأثر جاء فيها أنه إذا طاف وسعى وحلق أو قصر حل وإنما أراد به الفرق بين سعي العمرة وسعي الحج فإن أداء سعي الحج بعد تمام التحلل بالطواف صحيح ولا يؤدي سعي لعمرة إلا في حل بقاء الإحرام لأن الأثر في كل واحد منهما ورد بهذه الصفة وفي مثله علينا الاتباع إذ لا يعقل فيه معنى ثم من واجبات الحج ما هو مؤدى بعد تمام التحلل كالرمي فيجوز السعي أيضا بعد تمام التحلل وليس من أعمال العمرة ما يكون مؤدى بعد تمام التحلل والسعي من أعمال العمرة فعليه أن يأتي به قبل التحلل بالحلق والله سبحانه وتعالى أعلم