( تابع . . . 2 ) : اعلم بأن الطواف أربعة : .
صفحة [ 44 ] أشواط أكمل ذلك من طواف الصدر كما بينا وعليه لكل شوط منه صدقة بسبب التأخير عن وقته لأنه لا يجب في تأخير الأقل ما يجب في تأخير الكل ثم قد بقي من طواف الصدر أربعة أشواط فإنما ترك الأقل منها فيكفيه لكل شوط صدقة لأن الدم يقوم مقام جميع طواف الصدر فلا يجب في ترك أقله ما يجب في ترك كله ولو طاف للصدر جنبا فعليه دم لتفاحش النقصان بسبب الجنابة ويكون هو كالتارك لطواف الصدر أصلا ولو طاف للصدر وهو محدث فعليه صدقة لقلة النقصان بسبب الحدث .
وفي رواية " أبي حفص " - C تعالى - سوى بين الحدث والجنابة في ذلك لأن طواف الجنب معتد به ألا ترى أن التحلل من الإحرام يحصل به في طواف الزيارة فلا يجب بسبب هذا النقصان ما يجب بتركه أصلا .
قال ولو طاف بالبيت منكوسا بأن استلم الحجر ثم أخذ على يسار الكعبة وطاف كذلك سبعة أشواط عندنا يعتد بطوافه في حكم التحلل وعليه الإعادة ما دام " بمكة " فإن رجع إلى أهله قبل الإعادة فعليه دم وعند " الشافعي " - C تعالى - لا يعتد بطوافه بناء على أصله أن الطواف بمنزلة الصلاة فكما أنه لو صلى منكوسا بأن بدأ بالتشهد لا يجزيه فكذلك الطواف .
ولنا الأصل الذي قلنا : أن الثابت بالنص الدوران حول البيت وذلك حاصل من أي جانب أخذ ولكن " بفعل رسول الله - A - حين أخذ على يمينه على باب الكعبة " تبين أن الواجب هذا فكانت هذه صفة واجبة في هذا الركن بمنزلة شرط الطهارة عندنا فتركه لا يمنع الاعتداد به ولكن يمكن فيه نقصانا يجبر بالدم وهذا لأن المعنى فيه معقول وهو تعظيم البقعة وذلك حاصل من أي جانب أخذ فعرفنا أن فعل رسول الله - A - في البداية بالجانب الأيمن لبيان صفة الإتمام لا لبيان صفة الركنية بخلاف أركان الصلاة واستدل " الشافعي " - C تعالى - علينا بما لو بدأ " بالمروة " في السعي حيث لا يعتد به لما أنه أداه منكوسا فمن أصحابنا - رحمهم الله تعالى - من قال يعتد به ولكن يكون مكروها والأصح أنه لا يعتد بالشوط الأول لا لكونه منكوسا ولكن لأن الواجب هناك صعود " الصفا " أربع مرات و " المروة " ثلاث مرات فإذا بدأ بالمروة فإنما صعد " الصفا " ثلاث مرات فعليه أن يصعد " الصفا " مرة أخرى ولا يمكن أن يأمر بذلك إلا بإعادة شوط واحد من الطواف بين " الصفا " و " المروة " فأما هنا ما ترك شيئا من أصل الواجب عليه فقد دار حول البيت سبع مرات فلهذا كان طوافه معتدا به .
قال وإن طاف راكبا محمولا فإن كان لعذر من مرض أو كبر لم يلزمه .
صفحة [ 45 ] شيء وإن كان لغير عذر أعاده ما دام " بمكة " فإن رجع إلى أهله فعليه الدم عندنا وعلى قول " الشافعي " - Bه - لا شيء عليه لأنه " صح في الحديث أن النبي - A - طاف للزيارة يوم النحر على ناقته واستلم الأركان بمحجنه " ولكنا نقول التوارث من لدن رسول الله - A - إلى يومنا هذا الطواف ماشيا وعلى هذا على قول من يجعله كالصلاة الدم لأن أداء المكتوبة راكبا من غير عذر لا يجوز فكان ينبغي أن لا يعتد بطواف الراكب من غير عذر ولكنا نقول المشي شرط الكمال فيه فتركه من غير عذر يوجب الدم لما بينا فأما تأويل الحديث فقد ذكر " أبو الطفيل " - C تعالى - أنه طاف راكبا لوجع أصابه وهو أنه وثبت رجله فلهذا طاف راكبا وذكر " ابن الزبير " " عن " جابر " - Bهما - أن النبي - A - إنما طاف راكبا ليشاهده الناس فيسألوه عن حوادثهم " وقيل : إنما طاف راكبا لكبر سنه وعندنا إذا كان لعذر فلا بأس به وكذلك إذا طاف بين " الصفا " و " المروة " محمولا أو راكبا وكذلك لو طاف الأكثر راكبا أو محمولا فالأكثر يقوم مقام الكل على ما بينا .
قال وإذا طاف المعتمر أربعة أشواط من طواف العمرة في أشهر الحج بأن كان أحرم للعمرة في رمضان فطاف ثلاثة أشواط ثم دخل شوال فأتم طوافه وحج من عامه ذلك كان متمتعا وإن كان طاف الأكثر في رمضان لم يكن متمتعا لما بينا أن الأكثر يقوم مقام الكل وعلى هذا لو جامع المعتمر بعد ما طاف لعمرته أربعة أشواط لم تفسد عمرته ويمضى فيها وعليه دم وإن جامع بعد ما طاف لها ثلاثة أشواط فسدت عمرته فيمضى في الفاسد حتى يتمها وعليه دم للجماع وعمرة مكانها لما ذكرنا أن الأكثر يقوم مقام الكمال وجماعه بعد إكمال طواف العمرة غير مفسد لأنها صارت مؤداة بأداء ركنها فكذلك بعد أداء الأكثر من الطواف .
قال وإن طاف للعمرة في رمضان جنبا أو على غير وضوء لم يكن متمتعا إن أعاده في شوال أو لم يعده وبهذه المسألة استدل " الكرخي " - C تعالى - وقد بينا العذر فيه أنه إنما لا يكون متمتعا لوقوع الأمن له من الفساد بما أداه في رمضان ولو كان ذلك موقوفا لبطل بالإعادة في شوال .
قال كوفي اعتمر في أشهر الحج فطاف لعمرته ثلاثة أشواط ورجع إلى " الكوفة " ثم ذكر بعد ذلك فرجع إل " مكة " فقضى ما بقي عليه من عمرته من الطواف والسعي وحج من عامه ذلك كان متمتعا لأنه لما أتى بأسكثر الأشواط بعد ما رجع ثانيا فكأنه أتى بالكل بعد رجوعه ولو كان طاف أولا أربعة أشواط لم يكن متمتعا .
صفحة [ 46 ] كما لو أكمل الطواف وهذا لوجود الإلمام بأهله بين النسكين وأنشائه السفر لأداء كل نسك من بيته .
قال وترك الرمل في طواف الحج والعمرة والسعي في بطن الوادي بين " الصفا " " والمروة " لا يوجب عليه شيئا غير أنه مسيء إذا كان لغير عذر وكذلك ترك استلام الحجر فالرمل واستلام الحجر وهذه الخلال من آداب الطواف أو من السنن وترك ما هو سنة أو أدب لا يوجب شيئا إلا الإساءة إذا تعمد قال وإذا طاف الطواف الواجب في الحج والعمرة في جوف " الحطيم " قضى ما ترك منه إن كان " بمكة " وإن كان رجع إلى أهله فعليه دم لأن المتروك هو الأقل فإنه إنما ترك الطواف على الحطيم فقط وقد بينا أنه لو ترك الأقل من أشواط الطواف فعليه إعادة المتروك وإن لم يعد فعليه الدم عندنا فهذا مثله ثم الأفضل عندنا أن يعيد الطواف من الأصل ليكون مراعيا للترتيب المسنون وإن أعاده على الحطيم فقط أجزأه لأنه أتى بما هو المتروك .
وعلى قول " الشافعي " - C تعالى - يلزمه إعادة الطواف من الأصل بناء على أصله في أن مراعاة الترتيب في الطواف واجب كما هو في الصلاة فإذا ترك لم يكن طوافه معتدا به .
وعندنا الواجب هو الدوران حول البيت وذلك يتم بإعادة المتروك فقط ولكن الترتيب سنة والإعادة من الأصل أفضل ويلزمون علينا بما لو ابتدأ الطواف من غير موضع الحجر لا يعتد بذلك القدر حتى ينتهي إلى الحجر ولو لم يكن الترتيب واجبا لكان ذلك القدر معتدا به . ومن أصحابنا من يقول بأنه معتد به عندنا ولكنه مكروه .
ولكن ذكر " محمد " - C تعالى - في الرقيات أنه لا يعتبر طوافه إلى الحجر لا لترك الترتيب ولكن لأن مفتاح الطواف من الحجر الأسود على ما روي أن " إبراهيم " - صلوات الله وسلامه عليه - قال " لإسماعيل " - عليه السلام ائتني بحجر أجعله علامة افتتاح الطواف فأتاه بحجر فألقاه ثم بالثاني ثم بالثالث فناداه قد أتاني بالحجر من أغناني عن حجرك ووجد الحجر الأسود في موضعه فعرفنا أن افتتاح الطواف منه فما أداه قبل الافتتاح لا يكون معتدا به .
قال فإن طاف لعمرته ثلاثة أشواط وسعى بين " الصفا " و " المروة " ثم طاف لحجته كذلك ثم وقف بعرفة فالأشواط التي طافها للحج محسوبة عن طواف العمرة لأنه هو المستحق عليه قبل طواف التحية فإذا جعلنا ذلك من طواف العمرة كان الباقي عليه شوطا واحدا حين وقف بعرفة فيكون قارنا ويعيد طواف " الصفا " و " المروة " لعمرته ولحجته لأن ما أدى من السعي بين " الصفا " والمروة لعمرته كان عقيب أقل الأشواط فلا يكون معتدا به .
صفحة [ 47 ] فيجب أن يعيده مع السعي للحج ومع الشوط الواحد عن طواف العمرة وإن رجع إلى " الكوفة " قبل أن يفعل ذلك فعليه دم لترك ذلك الشوط ودم لترك سعي الحج ولا يلزمه شيء لسعي العمرة لأنه قد سعى لعمرته عقيب ستة أشواط لأن موضوع المسألة فيما إذا كان سعي للحج وذلك يقع عن سعي العمرة وإن لم يكن سعي أصلا فعليه دم لترك السعي في كل نسك قال الحاكم - C تعالى - قوله يعيد الطواف لعمرته غير سديد إلا أن يريد به الاستحباب يريد به بيان أن موضوع المسألة فيما إذا كان سعي بعد طواف التحية ثلاثة أشواط فكان ذلك سعيا معتدا به للعمرة فلا يلزمه إعادته وإن كان يستحب له إعادة ذلك بعدما أكمل طواف العمرة بالشوط المتروك .
قال ويكره أن يجمع بين أسبوعين من الطواف قبل أن يصلي في قول " أبي حنيفة " و " محمد " - رحمهما الله تعالى وقال " أبو يوسف " - C تعالى - لا بأس بذلك إذا انصرف على وتر ثلاثة أسابيع أو خمسة أسابيع لحديث " عائشة " - Bها - أنها طافت ثلاثة أسابيع ثم صلت لكل أسبوع ركعتين ولأن مبنى الطواف على الوتر في عدد الأشواط فإذا انصرف على وتر لم يخالف انصرافه مبنى الطواف واشتغاله بأسبوع آخر قبل الصلاة كاشتغاله بأكل أو نوم وذلك لا يوجب الكراهة فكذا هنا إذا انصرف على ما هو مبني على الطواف بخلاف ما إذا انصرف على شفع لأن الكراهة هناك لانصرافه على ما هو خلاف مبنى الطواف لا لتأخيره الصلاة و " أبو حنيفة " و " محمد " - رحمهما الله تعالى - قالا : إتمام كل أسبوع من الطواف بركعتين فيكره له الاشتغال بالأسبوع الثاني قبل إكمال الأول كما أن إكمال كل شفع من التطوع لما كان بالتشهد يكره له الاشتغال بالشفع الثاني قبل إكمال الأول .
قال وإذا طاف قبل طلوع الشمس لم يصل حتى تطلع الشمس وقد بينا في كتاب الصلاة أن ركعتي الطواف سنة أو واجب بسبب من جهته كالمنذور وذلك لا يؤدى عندنا بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس ولا بعد العصر قبل غروب الشمس وقد روي أن " عمر " - Bه - طاف قبل طلوع الشمس ثم خرج من " مكة " حتى إذا كان بذي طوى وارتفعت الشمس صلى ركعتين ثم قال : ركعتان مكان ركعتين وكذلك بعد غروب الشمس يبدأ بالمغرب لأن أداء ما ليس بمكتوبة قبل صلاة المغرب مكروه ولا تجزئه المكتوبة عن ركعتي الطواف لأنه واجب كالمنذور أو سنة كسنن الصلاة فالمكتوبة لا تنوب عنه .
قال ويكره له أن ينشد الشعر في طوافه أو يتحدث أو يبيع أو يشتري فإن فعله لم يفسد .
صفحة [ 48 ] عليه طوافه " لقوله A الطواف بالبيت صلاة " إلا أن الله تعالى أباح فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير وقد بينا أن المراد تشبيه الطواف بالصلاة في الثواب لا في الأحكام فلا يكون الكلام فيه مفسدا للطواف .
قال ويكره له أن يرفع صوته بقراءة القرآن فيه لأن الناس يشتغلون فيه بالذكر والثناء فقل ما يستمعون لقراءته وترك الاستماع عند رفع الصوت بالقراءة من الجفاء فلا يرفع صوته بذلك صيانة للناس عن هذا الجفاء ولا بأس بقراءته في نفسه هكذا روي عن " عمر " - Bه - أنه كان في طوافه يقرأ القرآن في نفسه ولأن المستحب له الاشتغال بالذكر في الطواف وأشرف الأذكار قراءة القرآن .
قال وإن طافت المرأة مع الرجل لم تفسد عليه طوافه يريد به بسبب المحاذاة لأن الطواف في الأحكام ليس كالصلاة ومحاذاة المرأة الرجل إنما يوجب فساد الصلاة إذا كانا يشتركان في الصلاة فأما إذا لم يشتركا في الصلاة فلا وهنا لا شركة بينهما في الطواف .
قال وإذا خرج الطائف من طوافه لصلاة مكتوبة أو جنازة أو تجديد وضوء ثم عاد بنى على طوافه لما بينا أنه ليس كالصلاة في الأحكام فالاشتغال في خلاله بعمل لا يمنع البناء عليه وروي عن " ابن عباس " - Bه - أنه خرج لجنازة ثم عاد فبنى على الطواف .
قال وإن أخر الطائف ركعتين حتى خرج من " مكة " لم يضره لما روينا من حديث " عمر " - Bه - قال والصلاة لأهل " مكة " أحب إلى وللغرباء الطواف فإن التطوع من الصلاة عبادة بجميع البدن تشتمل على أركان مختلفة فالاشتغال بهذا أفضل من الاشتغال بطواف التطوع إلا أن في حق الغرباء الطواف يفوته والصلاة لا تفوته لأنه يتمكن من الصلاة إذا رجع إلى أهله ولا يتمكن من الطواف إلا في هذا المكان والاشتغال في هذا المكان بما يفوته أولى كالاشتغال بالحراسة في سبيل الله أولى من صلاة الليل إذا تعذر عليه الجمع بينهما فأما المكي لا يفوته الطواف ولا الصلاة فكان الاشتغال بالصلاة في حقه أولى لما بينا