أحدها : أن عندنا يقطع التلبية في العمرة حين يستلم الحجر الأسود عند أول شوط من الطواف بالبيت .
وعند " مالك " C تعالى - كما وقع بصره على البيت يقطع التلبية لأن العمرة زيارة البيت . وقد تم حضوره بوقوع بصره على البيت ولأن هذا الطواف هو الركن في العمرة بمنزلة طواف الزيارة في الحج فكما يقدم قطع التلبية هناك على الاشتغال بالطواف فهنا يقدم قطع التلبية على الاشتغال بالطواف ولكنا نستدل " بحديث " ابن مسعود " - Bه - أن النبي - A - في عمرة القضاء قطع التلبية حين استلم الحجر الأسود " والمعنى فيه أن قطع التلبية هنا عند الطواف بالاتفاق لأن " مالكا " C تعالى اعتبر وقوع بصره على البيت ورؤية البيت غير مقصودة إنما المقصود الطواف فينبغي أن يكون القطع مع افتتاح الطواف وذلك عند استلام الحجر كما قلنا في الحج أن قطع التلبية عند الرمي وذلك مع أول حصاة يرمي بها .
والثاني : أن في العمرة بعد الطواف والسعي يحلق عندنا وعلى قول " مالك " - C تعالى - لا حلق عليه إنما العمرة الطواف والسعي فقط وحجتنا قوله تعالى : { " محلقين رؤوسكم ومقصرين " } وهو بشرى لهم بما عاينوه في عمرة القضاء وقد " صح أن النبي A - أمرهم بالحلق وحلق رأسه في عمرة القضاء " ولأن التحرم للإحرام بالتلبية والتحلل بالحلق فكما سوى بين إحرام العمرة وإحرام الحج في التحرم فكذلك في التحلل ألا ترى أن في باب الصلاة سوى بين المكتوبة والنافلة في التحرم بالتكبير والتحلل بالتسليم فكذلك هذا قال وكذا إن أراد التمتع ولم يسق هديا ويقيم " بمكة " بعد الفراغ من العمرة حلالا وقد بينا صورة التمتع وهو أن يعتمر في أشهر الحج ويحج من عامه ذلك من غير أن يلم بأهله بين النسكين إلماما صحيحا وكان " مالك " - C تعالى - يقول إن أتى بالعمرة قبل أشهر الحج ولم يتحلل من إحرام العمرة حتى دخلت أشهر الحج .
صفحة [ 31 ] فهو متمتع .
وقال " الشافعي " - C - إذا أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج لم يكن متمتعا وإن كان أداء أعمال العمرة في أشهر الحج فعنده المعتبر وقت الإحرام بالعمرة وعند " مالك " - C تعالى - وقت التحلل من الإحرام ونحن نقول إن كان أداء الأعمال قبل أشهر الحج لم يكن متمتعا لأن إحرامه في غير أشهر الحج صار بحيث لا يفسد بالجماع فهو بمنزلة ما لو لم يحل منه وإن لم يأت بالأعمال حتى دخلت أشهر الحج فإحرامه للعمرة في أشهر الحج بحيث يفسد بالجماع فهو كما لو أحرم بها في أشهر الحج لأنه مترفق بأداء النسكين في أشهر الحج ثم هو على ثلاثة أوجه : .
إما أن يصب " بمكة " بعد الفراغ من العمرة حتى يؤدي الحج فيكون متمتعا بالاتفاق وإما أن يعود إلى أهله بعد ما حل من عمرته ثم حج من عامه ذلك فلا يكون متمتعا بإجماع بين أصحابنا وفي أحد قولي " الشافعي " - C تعالى - يكون متمتعا ويقول لا أعرف ذلك الإلمام ماذا يكون فهو بناء على أصله في أن المكي له المتعة والقران ويأتي بيان هذا في موضعه إن شاء الله تعالى واعتمادنا فيه على حديث " ابن عباس " - Bه - قال إذا ألم بأهله بين النسكين إلماما صحيحا فهو متمتع وهكذا روي عن " عمر " " وابن عمر " - Bهما - وكان المعنى فيه وهو أنه أنشأ لكل نسك سفرا من أهله والمتمتع من يترفق بأداء النسكين في سفر واحد فأما إذا جاوز الميقات بعد الفراغ من العمرة فأتى بلدة أخرى غير بلدته بأن يكون كوفيا فأتى " البصرة " ثم عاد وحج من عامه ذلك كان متمتعا في قول " أبي حنيفة " - C تعالى - ولم يكن متمتعا في قولهما ذكره " الطحاوي " - C تعالى - في كتابه وجه قولهما : أن صورة المتمتع أن تكون عمرته ميقاتية وحجته مكية وهذا حجته وعمرته ميقاتيتان لأنه بعد ما جاوز الميقات حلالا إذا عاد يلزمه الإحرام من الميقات فهو والذي ألم بأهله سواء " أبو حنيفة " - C تعالى - استدل سبحديث " ابن عباس " - Bه - فإن قوما سألوه فقالوا : اعتمرنا في أشهر الحج ثم زرنا الفبر ثم حججنا فقال : أنتم متمتعون ولأنه مترفق بأداء النسكين في سفر واحد لأنه ماض على سفره ما لم يعد إلى أهله فهو بمنزلة ما لو لم يخرج من الميقات حتى حج وعاد فيكون متمتعا .
قال وإذا كان يوم التروية وهو " بمكة " فأراد الرواح إلى " منى " لبس الإزار والرداء ولبي بالحج إن شاء من المسجد أو من الأبطح أو من أي موضع من الحرم شاء " لأن رسول الله - A - أمر أصحابه الذين فسخوا إحرام الحج بالعمرة أن يحرموا بالحج يوم التروية من المسجد الحرام " .
وفي حديث " جابر " - Bه - قال فخرجنا من " مكة " فلما جعلناها بظهر أحرمنا بالحج .
صفحة [ 32 ] والحاصل أن من " بمكة " حلال إذا أراد الإحرام بالحج يحرم من الحرم وإذا أراد الإحرام بالعمرة يحرم من الحل لأن موضع أداء الأفعال غير موضع الإحرام وركن العمرة الطواف وهو مؤدى في الحرم فالإحرام بها يكون في الحل ومعظم الركن في الحج الوقوف وهو في الحل فالإحرام به يكون في الحرم .
قال وإن شاء أحرم بالحج قبل يوم التروية وما قدم إحرامه بالحج فهو أفضل لأن فيه إظهار المسارعة والرغبة في العبادة ولأنه أشق على البدن " وقال A " لعائشة " - Bها - إنما أجرك على قدر نصبك " " ولما سئل عن أفضل الأعمال قال أحمزها " .
قال ويروح مع الناس إلى " منى " فيبيت بها ليلة عرفة ويعمل على ما وصفناه في الحج في حق المفرد غير أن عليه دم المتعة يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة لقوله تعالى : { " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي " } ثم يحلق بعد الذبح ويزور البيت فيطوف به أسبوعا يرمل في الثلاثة الأول ويمشي في الأربعة الأواخر على هينته ويصلي ركعتين ويسعى بين " الصفا " و " المروة " على قياس ما بيناه في الحج لأن هذا أول طواف يأتي به في الحج وقد بينا أن الرمل في أول طواف الحج سنة والسعي عقيب أول طواف في الحج وهذا بخلاف المفرد لأنه طاف للقدوم في الحج هناك وسعى بعده فلهذا لا يرمل في طواف يوم النحر ولا يسعى بعده ولو كان هذا المتمتع بعد ما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى " من " ى لم يرمل في طواف الزيارة يوم النحر ولم يطف بين " الصفا " و " المروة " أيضا لأنه قد أتى بذلك في الحج مرة وإن كان حين اعتمر في أشهر الحج ساق هديا للمتعة فينبغي له أن يقلد هديه لقوله تعالى : { " لا تحلوا شعائر الله " } إلى قوله " { ولا القلائد " } . ولكن السنة أن يقلد الهدي بعدما يحرم بالعمرة لأنه لو قلد الهدي قبل الإحرام وساقه بنية الإحرام صار محرما هكذا روي عن " ابن عباس " - Bه - وفي سياق الآية ما يدل عليه لأنه بعد ذكر القلائد قال { " وإذا حللتم فاصطادوا " } فدل أنه بالتقليد يصير محرما والأولى أن يحرم بالتلبية فلهذا كان الأفضل أن يلبي أولا ثم يقلد هديه فإذا طاف للعمرة وسعى أقام حراما لأن سوق هدي المتعة يمنعه من التحلل بين النسكين على ما " قال - A - لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة وتحللت منها " " وقال في حديث آخر أما إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر " .
فإذا كانت عشية التروية أحرم بالحج وإن أحب أن يقدم الإحرام ويطوف بالبيت و " الصفا " و " المروة " لحجته فعل كما بينا في المتمتع الذي .
صفحة [ 33 ] لم يسق الهدي إلا أنه إن لم يطف بعد الإحرام بالحج رمل في طواف يوم النحر وإن كان طاف بعد الإحرام بالحج وسعى لم يرمل في طواف يوم النحر ولم يطف بين " الصفا " و " المروة " .
قال ولا يدع الحلق في جميع ذلك ملبدا أو مضفرا أو عاقصا والتلبيد أن يجمع شعر رأسه على هامته ويشده بصمغ أو غيره حتى يصير كاللبد والتضفير أن يجعل شعره ضفائر والعقص هو الإحكام وهو أن يشد شعره حول رأسه وقد بينا أن الحلق أفضل ولا يدع ما هو الأفضل بشيء من هذه الأسباب وقد لبد رسول الله - A - رأسه كما روينا من قوله ولبدت رأسي ومع ذلك حلق .
قال والمرأة بمنزلة الرجل في جميع ما وصفناه لأنها مخاطبة كالرجل ألا ترى " أن " أم سلمة " - Bها - لما سألت رسول الله - A - عن الاغتسال من الجنابة وصف لها حال نفسه في الاغتسال " فدل أن حال الرجل والمرأة سواء غير أنها تلبس ما بدا لها من الدروع والقمصان والخمار والخف والقفازين لأنها عورة كما " قال رسول الله - A - المرأة عورة مستورة " وفي لبس الإزار والرداء ينكشف بعض البدن عادة وهي مأمورة بأداء العبادة على أستر الوجوه كما بينا في الصلاة فلهذا تلبس المخيط والخفين وتغطي رأسها ولا تغطي وجهها لأن الرأس منها عورة " قال النبي - A - إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها " . فعرفنا أنها لا تغطي وجهها إلا أن لها أن تسدل على وجهها إذا أرادت ذلك على وجه تجافي عن وجهها هكذا روي عن " عائشة " - Bها - قالت : كنا في الإحرام مع رسول الله - A - نكشف وجوهنا فإذا استقبلنا قوم أسدلنا من غير أن نصيب وجوهنا ولا تلبس المصبوغ بورس ولا زعفران ولا عصفر إلا أن يكون قد غسل لأن ما حل في حقها من اللبس كان للضرورة ولا ضرورة في لبس المصبوغ وهي في ذلك بمنزلة الرجل ولأن هذا تزين وهي من دواعي الجماع وهي ممنوعة من ذلك في الإحرام كالرجل ولا حلق عليها إنما عليها التقصير هكذا " روي عن رسول الله - A - أنه نهى النساء عن الحلق وأمرهن بالتقصير عند الخروج من الإحرام " ولأن الحلق في حقها مثلة والمثلة حرام وشعر الرأس زينة لها كاللحية للرجل فكما لا يحلق الرجل لحيته عند الخروج من الإحرام لا تحلق هي رأسها ولا رمل عليها في الطواف بالبيت ولا بين " الصفا " و " المروة " لأن الرمل لإظهار التجلد والقوة والمرأة ليست من أهل القتال لتظهر الجلادة من نفسها ولا يؤمن أن يبدو شيء .
صفحة [ 34 ] من عورتها في رملها وسعيها أو تسقط لضعف بنيتها فلهذا تمنع من ذلك وتؤمر بأن تمشي مشيا فهذا القدر ذكره في الكتاب في الفرق وقد قال مشايخنا أنها لا ترفع صوتها بالتلبية أيضا لما في رفع صوتها من الفتنة وكذلك لا تستلم الحجر إذا كان هناك جمع لأنها ممنوعة عن مماسة الرجال والزحمة معهم فلا تستلم الحجر إلا إذا وجدت ذلك الموضع خاليا عن الرجال والله سبحانه وتعالى أعلم