في بيان الأفضل فعندنا الأفضل هو القران ثم بعده التمتع .
وعلى رواية " ابن شجاع " عن " أبي حنيفة " - رحمهما الله تعالى - الإفراد أفضل من التمتع .
وعن " محمد " - C تعالى - قال حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل عندي من القران .
وعلى قول " الشافعي " - C تعالى - الإفراد أفضل من القران .
وعلى قول " مالك " - C تعالى - التمتع أفضل من القران " فالشافعي " استدل بحديث " " جابر " - Bه أن النبي - A - كان مفردا بالحج وأنا ممن كنت أفرد " وهكذا " روت " عائشة " - Bها - أن النبي - A - كان مفردا بالحج " وإنما حج رسول الله - A - بعد الهجرة مرة فما كان يترك ما هو الأفضل فيما يؤديه مرة واحدة ولأن القران رخصة كما قال رسول الله - A - " لعائشة " - Bها - إنما أجرك على قدر تعبك ونصبك وإنما القران رخصة والإفراد عزيمة والتمسك بالعزيمة خير من التمسك بالرخصة ولأن في الإفراد زيادة الإحرام والسعي والحلق فإن القارن يؤدي النسكين بسفر واحد ويلبي لهما تلبية واحدة ويحلق لهما حلقا واحدا ولأجل هذا النقصان يجب عليه .
صفحة [ 26 ] الدم جبرا والمفرد يؤدي كل نسك بصفة الكمال وأداء النسك بصفة الكمال يكون أفضل من إدخال النقصان والجبر فيها " ومالك " - C تعالى - استدل بحديث " عثمان " - Bه - أن النبي - A - تمتع بالعمرة إلى الحج وعلماؤنا - رحمهم الله تعالى - استدلوا بحديث " " علي وابن مسعود " و " عمران بن الحصين " - Bهم - أن النبي - A - قرن بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى سعيين " وعن " " أنس بن مالك " - Bه - قال : كنت آخذ بزمام ناقة رسول الله - A - وهي تقصع بجرتها ولعابها يسيل على كتفي وهو يقول لبيك بحجة وعمرة معا " .
وأهل الحديث جمعوا رواة نسك رسول الله - A - فكانوا ثلاثين نفرا فعشرة منهم تروي أنه كان قارنا وعشرة أنه كان مفردا وعشرة أنه كان متمتعا فنوفق بين هذه الروايات فنقول لبى رسول الله - A - أولا بالعمرة فسمعه بعض الناس ثم رأوه بعد ذلك حج فظنوا أنه كان متمتعا فنقلوا كما وقع عندهم ثم لبى بعد ذلك بالحج فسمعه قوم آخرون فظنوا أنه كان مفردا بالحج ثم لبى بهما فسمعه قوم آخرون فعلموا أنه كان قارنا وكل نقل ما وقع عنده وهو نظير ما روينا من " توفيق بن عباس " - Bه - في اختلاف الروايات في وقت تلبية رسول الله - A - ثم لما وقع الاختلاف في فعله نصير إلى قوله وقد " قال A أتاني آت من ربي وأنا بالعقيق فقال صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل لبيك بحجة وعمرة معا " " وقال A يا آل محمدأهلوا بحجة وعمرة معا " ولأن في القران معنى الوصل والتتابع في العبادة ومعنى الجمع بين العبادتين وهو أفضل من إفراد كل واحد منهما كالجمع بين الصوم والاعتكاف والجمع بين الحراسة في سبيل الله تعالى مع صلوات الليل ولأن في القران زيادة نسكك وهو إراقة دم الهدي وقد " قال A أفضل الحج العج والثج " . والثج إراقة الدم والكلام في الحقيقة ينبني على هذا الحرف فإن دم القران عنده دم جبر حتى لا يباح التناول منه وعندنا هو دم نسك يباح التناول منه والدليل على أنه دم نسك أنه يتوقف بأيام النحر كالأضحية ودم الجبر لا يتوقف به وإن سببه مباح محض ودم الجبر يستدعي سببا محظورا لأن النقصان إنما يتمكن بارتكاب ما لا يحل .
وقد " تناول رسول الله - A - من هداياه على ما روي أنه ساق مائة بدنة فنحر نيفا وستين بنفسه وولى الباقي " عليا " - Bه - ثم أمر أن يؤخذ .
صفحة [ 27 ] من كل واحدة قطعة فتطبخ له فأكل من لحمها وحسا من مرقها " وقد " صح عندنا أنه A كان قارنا " فدل أن دم القران يباح التناول منه وإذا ثبت أنه دم نسك فما يكون فيه زيادة نسك فهو أفضل ولهذا جعل التمتع أفضل من الإفراد في ظاهر الرواية لأن فيه زيادة نسك إلا أن القران أفضل منه لما فيه من زيادة التعجيل بالإحرام بالحج واستدامة إحرامهما من الميقات إلى أن يفرغ منهما وفي حق المتمتع العمرة ميقاتية والحجة مكية وعلى رواية " ابن شجاع " - C تعالى - الإفراد أفضل من التمتع لهذا المعنى أن حجة المتمتع مكية يحرم بها من الحرم والمفرد يحرم بكل واحد منهما من الحل ولهذا جعل " محمد " - C تعالى - الإفراد بكل واحد منهما من " الكوفة " أفضل لأنه ينشئ سفرا مقصودا لكل واحد منهما وقد صح أن " عمر " - Bه - نهى الناس عن المتعة فقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله - A - وأنا أنهي الناس عنهما متعة النساء ومتعة الحج وتأويله أنه كره أن يخلو البيت عن الزوار في غير أشهر الحج فأمرهم أن يعتمروا بسفر مقصود في غير أشهر الحج كيلا يخلو البيت من الزوار في شيء من الأوقات لا أن يكون التمتع مكروها عنده بدليل حديث الصبي بن معبد قال : كنت امرأ نصرانيا فأسلمت فوجدت الحج والعمرة واجبتين علي فقرنت بينهما فلقيت نفرا من الصحابة فيهم " زيد بن صوحان " و " سلمان بن ربيعة " - Bهما - فقال أحدهما لصاحبه هو أضل من بعيره فلقيت " عمر بن الخطاب " - Bه - فأخبرته بذلك فقال ما قالا ليس بشيء هديت لسنة نبيك - A - إذا عرفنا هذا فنقول : من أراد القران فتأهبه للإحرام كتأهب المفرد على ما بينا إلا أنه في دعائه بعد الفراغ من الركعتين يقول اللهم إني أريد العمرة والحج وكذلك يلبي بهما ويقول لبيك بعمرة وحجة معا وإنما يقدم ذكر العمرة لأن الله تعالى قدمها في قوله تعالى : { " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " } البقرة : 196 ولأنه في أداء الأفعال يبدأ بالعمرة فكذلك في الإحرام يبدأ في التلبية بذكر العمرة وإن اكتفى بالنية ولم يذكرهما في التلبية اجزأه على قياس الصلاة إذا نوى بقلبه الصلاة وكبر .
قال ثم يبدأ إذا دخل " مكة " بطواف العمرة بالبيت ويسعى له بين " الصفا " و " المروة " على نحو ما وصفنا في الحج ثم يطوف للحج بالبيت ويسعى له بين " الصفا " و " المروة " وهذا عندنا أن القارن يطوف طوافين ويسعي سعيين .
وعند " الشافعي " - C تعالى - يطوف طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا واحتج " بحديث " عائشة " - Bها - أن النبي .
صفحة [ 28 ] - A - طاف لحجته وعمرته طوافا واحدا وسعى سعيا واحدا " هكذا رواه " الشافعي " - وهو منه تناقض بين فإنه " روى عن " عائشة " - Bها - في المسألة الأولى أن النبي - A - كان مفردا ثم روى في هذه المسألة أنه كان قارنا وطاف لهما طوافا واحدا " و " روي أن النبي - A - قال " لعائشة " - Bها - طوافك بالبيت يكفيك لحجك ولعمرتك " و " قال - A - دخلت العمرة في الحجة إلى يوم القيامة " والمعنى فيه أن مبنى القران على التداخل ألا ترى أنه يكتفي لهما بتلبية واحدة وسفر واحد وحلق واحد فكذلك يثبت التداخل في الأركان ولأن العمرة تبع للحج فهي من الحج بمنزلة الوضوء مع الاغتسال فكما يدخل الوضوء في الاغتسال فكذلك العمرة في الحج وحجتنا " حديث " علي " - Bه - و " ابن مسعود " و " عمران بن الحصين " - Bهم - أن النبي - A - قرن وطاف لهما طوافين وسعى سعيين " وحديث الصبي بن معبد أنه قرن وطاف طوافين وسعى سعيين فقال له " عمر " - Bه - هديت لسنة نبيك - A - وفي الكتاب ذكر عن " علي " - Bه - أنه قال : يطوف القارن طوافين ويسعى سعيين والمعنى فيه أن القران ضم الشيء إلى الشيء وإنما يتحقق ذلك لأداء عمل كل نسك بكماله ولأن كل واحد منهما عبادة محضة ولا تداخل في أعمال العبادات إنما التداخل فيما يندرئ بالشبهات ألا ترى أنه لا يتداخل أشواط طواف واحد وسعي واحد ومعنى الدخول المذكور في الحديث الوقت أي دخل وقت العمرة في وقت الحج على معنى أنه يؤديهما في وقت واحد والسفر والتلبية والحلق غير مقصودة إنما السفر للتوصل إلى أداء النسك والتلبية للتحرم والحلق للتحلل فلا تكون مقصودة وإنما المقصود أركان العبادة ألا ترى أن أداء شفعين من التطوع بتكبيرة واحدة وتسليمة واحدة يجوز ولا يدخل أحد الشفعين في الآخر والوضوء مع الاغتسال غير مقصود بل المقصود تطهير البدن ليقوم إلى المناجاة طاهرا وقد حصل ذلك بالاغتسال وهنا كل نسك مقصود فيلزمه أداء أعمال كل واحد منهما و " الحديث الذي رواه أن النبي - A - قال " لعائشة " - Bها - طوافك بالبيت يكفيك لحجك وعمرتك " لا يكاد يصح فإنها قد رفضت العمرة بأمر رسول الله - A - حين حاضت بسرف على ما نبينه من بعد إن شاء الله تعالى .
قال ثم يأنى بالأعمال حتى إذ رمى جمرة العقبة يوم النحر ذبح هدى القران وتجزئه الشاة لقوله تعالى : .
صفحة [ 29 ] " فما استيسر من الهدي " قال " ابن عباس " - رضي الله تعالى عنه - ما استيسر من الهدي شاة . وفي " حديث " جابر " - رضي الله تعالى عنه - قال اشتركنا حين كنا مع رسول الله - A - في البقرة سبعة وفي البدنة سبعة وفي الشاة واحدة " والبقرة أفضل من الشاة والجزور أفضل من البقرة لقوله تعالى : { " ومن يعظم شعائر الله " } الحج : 32 . فما كان أقرب في التعظيم فذلك أفضل وقد نحر رسول الله - A - مائة بدنة في حجة الوداع ولو كان ساق هداياه مع نفسه كان أفضل من ذلك كله لأن رسول الله - A - ساق الهدايا مع نفسه وقلدها هكذا " قالت " عائشة " Bها - كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - A - فقلدها بيده وقال رسول الله - A - أما إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل منهما جميعا . وفي رواية فلا أحل حتى أنحر " .
ولهذه الرواية قال " الشافعي " - C تعالى - تحلل القارن بالذبح لا بالحلق .
ولكنا نقول التحلل يحصل بالحلق كما في حق المفرد وتأويل الحديث حتى أنحر ثم أحلق بعده على ما روينا أنه حلق رأسه بعد ذبح الهدايا ولأن التحلل من العبادة بما لا يحل في أثنائها كالسلام في الصلاة وذلك بالحلق أو التقصير دون الذبح .
قال وإذا طاف الرجل بعد طواف الزيارة طوافا ينوي به التطوع أو طواف الصدر وذلك بعد ما حل النفر فهو طواف الصدر لأنه أتى به في وقته فيكون عنه وإن نوى غيره كمن نوى بطواف الزيارة يوم النحر التطوع يكون للزيارة بل أولى لأن ذلك ركن وهذا واجب .
قال ولا بأس بأن يقيم بعد ذلك ما شاء ثم يخرج ولكن الأفضل أن يكون طوافه حين يخرج وعن " أبي يوسف " " والحسن " - رحمهما الله تعالى - قالا : إذا اشتغل بعمل " مكة " بعد طواف الصدر يعيد طواف الصدر لأنه كاسمه يكون للصدر فإنما يحتسب به إذا أداه حين يصدر وظاهر " قوله A وليكن آخر عهده الطواف بالبيت " يشهد لهذا ولكنا نقول ما قدم " مكة " إلا لأداء النسك فعندما تم فراغه منها جاء أوان الصدر فطوافه بعد ذلك يكون للصدر وتأويل الحديث أن آخر نسكه طواف الصدر لا آخر عمله " بمكة " وأما العمرة المفردة إذا أرادها يتأهب لها مثل ما وصفناه في الحج إذا أراد الإحرام بها عند الميقات وكذلك إن كان " بمكة " وأراد أن يعتمر خرج من الحرم إلى الحل من أي جانب شاء وأقرب الجوانب التنعيم وعنده مسجد " عائشة " - Bها - وسبب ذلك أنها " قالت يا رسول الله - A - أو كل نسائك ينصرفن بنسكين وأنا بنسك واحد فأمر أخاها " عبد الرحمن " أن .
صفحة [ 30 ] يعمرها من التنعيم مكان عمرتها " يعني مكان العمرة التي رفضتها على ما نبيته إن شاء الله تعالى فمن ذلك الوقت عرف الناس موضع إحرام العمرة فيخرجون إليه إذا أرادوا الإحرام بالعمرة وهو من جملة ما قيل ما نزل " بعائشة " - Bها - أمر تكرهه إلا كان للمسلمين فيه فرج ثم بعد إحرامه يتقي ما يتقيه في إحرام الحج على ما ذكرنا حتى يقدم " مكة " ويدخل المسجد فيبدأ بالحجر فيستلمه ويطوف بالبيت ويسعى بين " الصفا " و " المروة " ثم يحلق أو يقصر وقد فرغ من عمرته وحل له كل شيء هكذا فعل رسول الله - A - في عمرة القضاء حين اعتمر من الجعرانة .
والاختلاف في فصول :