( تابع . . . 2 ) : صفحة [ 2 ] قال : الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام .
صفحة [ 12 ] والصقت العتبة بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا ولئن عشت إلى قابل لأفعلن ذلك فلم يعش - A - ولو يتفرغ لذلك أحد من الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم - حتى كان زمن " عبدالله بن لزبير " - Bه - وكان سمع الحديث فيها ففعل ذلك وأظهر قواعد " الخليل " صلوات الله عليه وبنى البيت على قواعد الخليل - صلوات الله عليه - بمحضر من الناس وأدخل الحطيم في البيت فلما قتل كره الحجاج أن يكون بناء البيت على ما فعله " ابن الزبير " فنقض بناء الكعبة وأعاده على ما كان عليه في الجاهلية فإذا ثبت أن الحطيم من البيت فالطواف بالبيت كما قال الله تعالى : { " وليطوفوا بالبيت العتيق " } الحج : 29 ينبغي له أن يطوف من وراء الحطيم ولا يقال لو استقبل الحطيم في الصلاة لا تجوز صلاته ولو كان الحطيم من البيت لجازت لأن كون الحطيم من البيت إنما يثبت بخبر الواحد وفرضية استقبال القبلة بالنص فلا يتأدى بما ثبت بخبر الواحد والحاصل أنه يحتاط في الطواف والصلاة جميعا لأن خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب علم اليقين .
وقال " محمد " و " زفر " رحمهما الله تعالى : وقت فراغ رحمها أول وقت النفاس .
قال : ثم إيت المقام فصل عنده ركعتين أو حيثما تيسر عليك من المسجد هكذا " روى " جابر " - Bه - أن النبي - A - لما فرغ من طوافه أتى المقام وصلى ركعتين " وروى عن " عمر " - Bه - أنه قال : يا رسول الله لو صليت في مقام " إبراهيم " فأنزل الله تعالى : { " واتخذوا من مقام " إبراهيم " مصلى " } فصلى رسول الله - A - عند المقام ركعتين " وهاتان الركعتان عند الفراغ من الطواف واجب لقول النبي - A - وليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين والأمر للوجوب ولأن " عمر " - Bه - نسي ركعتي الطواف حين خرج من " مكة " فلما كان " بذي طوى " صلاهما وقال : ركعتان مكان ركعتين وقال أو حيث تيسر عليك من المسجد ومراده أن الزحام يكثر عند المقام فلا ينبغي أن يتحمل المشقة لذلك ولكن المسجد كله موضع الصلاة فيصلي حيث تيسر عليه .
قال : فإذا فرغت منها فعد إلى الحجر فاستلمه فإن لم تستطع فاستقبل وهلل وكبر والأصل أن كل طواف بعده سعي يعود إلى استلام الحجر فيه بعد الفراغ من الصلاة وكل طواف ليس بعده سعي لا يعود إلى استلام الحجر فيه بعد الصلاة لأن الطواف الذي ليس بعده سعي عبادة قد تم فراغه منها حين فرغ من الركعتين فلا معنى للعود إلى ما به بدء الطواف فأما الطواف الذي بعده سعي فكما يفتتح طوافه باستلام الحجر فكذلك السعي يفتتح باستلام الحجر فلهذا يعود إلى الحجر فيستلمه .
قال : ثم أخرج .
صفحة [ 13 ] إلى الصفا فمن أي باب شاء خرج إلا أن " جابرا " - Bه - " روى أن النبي - A - خرج من باب بني مخزوم وليس ذلك بسنة بل إنما فعله " لأنه كان أقرب الأبواب إلى " الصفا " فهو الذي يسمى الآن باب الصفا فإذا خرج بدأ بالصفا لما " روي أن الصحابة - Bهم - قالوا يا رسول الله بأيهما نبدأ قال : ابدؤا بما بدأ الله تعالى به يريد قوله تعالى : { " إن الصفا والمروة من شعائر الله " } البقرة : 158 قال : وقم عليها مستقبل الكعبة فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتكبر وتهلل وتلبي وتصلي على النبي - A - وتدعو الله تعالى بحاجتك " لما " روي عن " ابن عمر " - Bه - أن النبي - A - صعد " الصفا " حتى إذا نظر إلى البيت قام مستقبل البيت يدعو " و " روى " جابر " - Bه - أن النبي - A - لما صعد " الصفا " استقبل البيت وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده " ثم قرأ مقدار خمسة وعشرين آية من سورة البقرة ثم نزل وجعل يمشي نحو المروة فلما انتصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى التوى إزاره بساقيه وهو يقول رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم حتى إذا خرج من بطن الوادي مشى حتى صعد " المروة " وطاف بينهما سبعة أشواط ثم الصعود على الصفا ليصير البيت بمرأى العين منه فإنما يصعد بقدر ما يحصل به هذا المقصود وهذا المقصود كان ليستقبل البيت فينبغي أن يستقبله فيأتي بالتحميد والثناء والتكبير والتهليل والصلاة على النبي - A - لأن قصده أن يسأل حاجته من الله تعالى فيجعل الثناء مقدمة دعائه وبعد الصلاة على النبي - A - كما يفعله الداعي عند ختم القرآن وغير ذلك ثم ذكر الدعاء هنا ولم يذكره عند استلام الحجر لأن تلك الحالة حال ابتداء العبادة وهذا حال ختم العبادة فإن ختم الطواف بالسعي يكون والدعاء عند الفراغ من العبادة لا عند ابتدائها كما في فصل الصلاة .
قال : ثم اهبط منها نحو المروة وامش على هينتك مشيا حتى تأتي بطن الوادي فاسع في بطن الوادي سعيا فإذا خرجت منه تمشي على هينتك مشيا حتى تأتي المروة فتصعد عليها وتقوم مستقبل الكعبة فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتهلل وتكبر وتلبي وتصلي على النبي - A - ثم تدعو الله تعالى بحاجتك وللناس في أصل السعي في بطن الوادي كلام فقد قيل بأن أصله من فعل " أم إسماعيل " هاجر حين كانت في طلب الماء كلما صار الجبل حائلا بينها وبين النظر إلى ولدها كانت تسعى .
صفحة [ 14 ] حتى تنظر إلى ولدها شفقة منها على الولد فصار ذلك سنة والأصح أن يقال فعله رسول الله - A - في نسكه وأمر أصحابه - رضوان الله عليهم - أجمعين أن يفعلوا ذلك فنفعله اتباعا له ولا نشتغل بطلب المعنى فيه كما لا نشتغل بطلب المعنى في تقدير الطواف والسعي بسبعة أشواط قال : فطف بينهما هكذا سبعة أشواط تبدأ " بالصفا " وتختم " بالمروة " وتسعى في بطن الوادي في كل شوط وظاهر ما قال في الكتاب أن ذهابه به من " الصفا " إلى " المروة " شوط ورجوعه من " المروة " إلى " الصفا " شوط آخر وإليه أشار في قوله يبدأ " بالصفا " ويختم " بالمروة " وذكر " الطحاوي " - C تعالى - أنه يطوف بينهما سبعة أشواط من " الصفا " إلى " الصفا " وهو لا يعتبر رجوعه ولا يجعل ذلك شوطا آخر والأصح ما ذكر في الكتاب لأن رواة نسك رسول الله - A - اتفقوا على أنه طاف بينهما سبعة أشواط وعلى ما قاله " الطحاوي " - C تعالى - يصير أربعة عشر شوطا قال : ثم تقيم " بمكة " حراما لا تحل منه بشيء وهذا لأنه أحرم بالحج فلا يتحلل ما لم يأت بأفعال الحج .
قال : وتطوف بالبيت كلما بدا لك وتصلي لكل أسبوع ركعتين فإن الطواف بالبيت مشبه بالصلوات " قال A الطواف بالبيت صلاة " إلا أن الله تعالى أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير والصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر وكذلك الطواف ولكنه لا يسعى عقيب سائر الأطوافة في هذه المدة لأن السعي الواحد من الواجبات للحج وقد أتى به فلو سعى بعد ذلك كان متنفلا به والتنفل بالسعي غير مشروع قال : حتى تروح مع الناس إلى " منى " يوم التروية فتبيت بها ليلة عرفة وتصلي بها الغداة يوم عرفة هكذا " روى " جابر " و " ابن عمر " - Bهما - أن النبي - A - صلى الفجر يوم التروية " بمكة " فلما طلعت الشمس راح إلى " منى " فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء . والفجر يوم " عرفة " ثم راح إلى " عرفات " قال : ثم تغدو إلى " عرفات " " " لحديث " ابن عمر " - Bه - أن " جبرائيل " - صلوات الله عليه - أتى " إبراهيم " يوم التروية فأمره فراح إلى " منى " وبات بها ثم غدا به إلى " عرفات " " قال : وتنزل بها مع الناس لأنه من الناس فينزل حيث ينزلون ومراده أنه لا ينزل على الطريق كيلا يضيق على المارة ولا يتأذى هو بهم .
قال : فإن صليت الظهر والعصر مع الإمام فحسن والحاصل أنه كما زالت الشمس يوم عرفة يصلي الإمام بالناس الظهر والعصر بعرفات هكذا روى " جابر " - Bه - في حديثه قال : لما زالت الشمس صلى رسول الله - A .
- صفحة [ 15 ] بالناس الظهر والعصر بأذان وإقامتين وكتب " عبدالملك بن مروان " إلى " الحجاج " أن لا يخالف " ابن عمر " - Bه - في شيء من أمر المناسك فلما زالت الشمس أتى " ابن عمر " - Bه - سرادقه فقال : أين هذا فخرج " الحجاج " فقال : إن أردت السنة فالساعة فقال انتظرني حتى أغتسل فانتظره فاغتسل وراح إلى المصلى والاغتسال في هذا الوقت بعرفات سنة فإن اكتفى بالوضوء أجزأه وإن اغتسل فهو أفضل كما عند الإحرام وكما في العيدين والجمعة ثم يخطب قبل الصلاة خطبتين بينهما جلسة كما في الجمعة والعيدين هكذا فعله رسول الله - A - وهذا لأن المقصود تعليم الناس المناسك والجمع بين الصلاتين من المناسك فيقدم الخطبة عليه لتعليم الناس ولأنهم بعد الفراغ من الصلاة يتفرقون في الموقف ولا يجتمعون لاستماع الخطبة وفي ظاهر المذهب إذا صعد الإمام المنبر فجلس أذن المؤذن كما في الجمعة وعن " أبي يوسف " - C تعالى - أنه يؤذن قبل خروج الإمام لأن هذا الأذان لأداء الظهر كما في سائر الأيام وهذا قوله الأول فإذا فرغ من الخطبة أقام المؤذن وصلى الإمام بالناس الظهر ركعتين إذا كان مسافرا ثم يقوم المؤذن فيقوم ثانية فيصلي بهم العصر من غير أن يتنقل بين الصلاتين هكذا رواه " جابر بن عبدالله " - Bه - في صفة نسك رسول الله - A - وهذا لأن تقديم العصر على وقته ليتوصل إلى الوقوف المقصود ولئلا ينقطع وقوفه فلأن لا يشتغل بالنافلة بين الصلاتين ليحصل هذا المقصود أولى وإنما يعيد الإقامة للعصر لأنه معجل على وقته المعهود فيعيد الإقامة له إعلاما للناس وإن اشتغل بالتطوع بين الصلاتين أعاد الأذان للعصر إلا في رواية " ابن سماعة " عن " محمد " - رحمهما الله تعالى - أنه قال ما دام في وقت الظهر لا يعيد الأذان للعصر فأما في ظاهر الرواية فاشتغاله بالنفل أو بعمل آخر يقطع فور الأذان الأول فيعيد الأذان للعصر .
قال وإن لم يدرك الجمع مع الإمام وأراد أن يصلي وحده صلى كل صلاة لوقتها في قول " أبي حنيفة " - C تعالى - وعلى قول " أبي يوسف " و " محمد " و " الشافعي " - رحمهم الله تعالى يجمع بينهما كما يفعل مع الإمام قال في الكتاب : بلغنا ذلك عن " عائشة " و " ابن عمر " - Bهم - وعلل فقال : لأن العصر إنما قدمت لأجل الوقت ومعنى هذا الكلام أن الجمع بين الصلاتين إنما جاز لحاجته إلى امتداد الوقوف فإن الموقف هبوط وصعود لا يمكن تسوية الصفوف فيها فيحتاجون إلى الخروج منها والاجتماع لصلاة العصر فينقطع وقوفهم وامتداد الوقوف إلى غروب الشمس واجب .
صفحة [ 16 ] فللحاجة إلى ذلك جوز له الجمع بين الصلاتين وفي هذا المنفرد والذي يصلي مع الإمام سواء وقاس هذا الجمع بالجمع الثاني بالمزدلفة فإن الإمام فيه ليس بشرط بالاتفاق وهذا النسك معتبر بسائر المناسك في أنه لا يشترط فيه الإمام و " أبو حنيفة " - C تعالى - استدل بقوله تعالى { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } أي فرضا مؤقتا فالمحافظة على الوقت في الصلاة فرض بيقين فلا يجوز تركه إلا بيقين وهو الموضوع الذي ورد النص به وإنما ورد النص بجمع رسول الله - A - بين الصلاتين والخلفاء من بعده فلا يجوز الجمع إلا بتلك الصفة وكأن المعنى فيه أن هذا الجمع مختص بمكان وزمان ومثله لا يجوز إلا بإمام كإقامة الخطبة مقام ركعتين في الجمعة لما كان مختصا بمكان وزمان كان الإمام شرطا فيه بخلاف الجمع الثاني فإنه أداء المغرب في وقت العشاء وذلك غير مختص بمكان وزمان فأما هذا تعجيل العصر على وقته وذلك لا يجوز إلا في هذا المكان وهذا الزمان ثم يسلم أن هذا الجمع لأجل الوقوف ولكن الحاجة إلى الجمع للجماعة لا للمفرد لأن المنفرد يمكنه أن يصلي العصر في وقته في موضع وقوفه فإن المصلي واقف فلا ينقطع وقوفه بالاشتغال بالصلاة وإنما يحتاجون إلى الخروج لتسوية الصفوف إذا أدوها بالجماعة ولأنه يشق عليهم الاجتماع فإنهم بعد الفراغ من الصلاة يتفرقون في الموقف فيختار كل واحد منهم موضعا خاليا يناجي فيه ربه D وهذا المعنى ينعدم في حق المنفرد لأنه يمكنه أداء العصر في وقته في موضع خلوته وحديث " عائشة " و " ابن عمر " - رضي الله تعالى عنهما - محمول على الإمام الأجل وهو الخليفة أنه ليس بشرط ثم يعارضه قول " ابن مسعود " - رضي الله تعالى عنه - يصلي المنفرد كل صلاة لوقتها .
قال ولو فاته الظهر مع الإمام وأدرك العصر معه عند " أبي حنيفة " - C تعالى - لم يجمع بينهما أيضا وعند " زفر " - C تعالى - يجمع بينهما لأن التغيير إنما وقع في العصر فإنها معجلة على وقتها واشتراط الإمام لوقوع التغيير فيقتصر ع